نظرا للصعوبات الاقتصادية التي رافقت الجائحة وأعقبتها اضطررنا لإيقاف أقسام اللغات الأجنبية على أمل ان تعود لاحقا بعد ان تتغير الظروف

الهدهد: صحيفة اليكترونية عربية بخمس لغات عالمية
الهدهد: صحيفة اليكترونية عربية بأربع لغات عالمية
Rss
Facebook
Twitter
App Store
Mobile



عيون المقالات

عن روسيا وإيران شرق المتوسّط

08/05/2024 - موفق نيربية

( في نقد السّياسة )

05/05/2024 - عبد الاله بلقزيز*

أردوغان.. هل سيسقطه الإسلاميون؟

03/05/2024 - إسماعيل ياشا

" دمشق التي عايشتها " الغوطة

28/04/2024 - يوسف سامي اليوسف

( أيهما أخطر؟ )

24/04/2024 - محمد الرميحي*

إيران.. من يزرع الريح يحصد العاصفة

23/04/2024 - نظام مير محمدي

وقاحة استراتيجية مذهلة

21/04/2024 - راغدة درغام


من يصنع الأشباح تظهر له:النظام السوري مثال




النظام السوري ليس فريداً في اختلاق أعداء وهميين لتحقيق أغراض عسكرية وسياسية واستراتيجية، فقد درجت الدول تاريخياً على اختلاق أو صنع أعداء هلاميين لغاياتها الخاصة،


فمن أجل تبرير بعض السياسات لا بد من وجود مبررات أو مشاجب تعلق عليها تصرفاتها لإقناع الشعوب بتوجهاتها واستراتيجياتها. وقد كانت أمريكا سباقة إلى فبركة الأعداء لتسويغ غزواتها لأفغانستان والعراق والصومال وغيرها. ولا ننسى أن ماكيافيللي نصح السياسيين في كتابه الشهير "الأمير" أن يخلقوا الأعداء إذا تعذر وجودهم. لكن هذه السياسة الشيطانية ليست دائماً آمنة، فقد تكون نتائجها محفوفة بالمخاطر ووخيمة على أصحابها. لهذا فلا بد لكل من يخلق لنفسه أعداء كي يبرر سياساته أن يحسب العواقب والربح والخسارة في مثل هذه الحالات الخطرة، خاصة وأن السحر يمكن أن يتقلب على الساحر أحياناً. والويل كل الويل لمن يقع ضحية خزعبلاته.

ومن الواضح أن الأمريكيين مثلاً كانوا يدركون خطورة لعبة تصنيع الأعداء وعواقبها، فهم، عندما صنعوا اسطورة الجماعات الجهادية حسبوا بدقة أرباحها وخسائرها. ولعلنا نتذكر مقولة بريجنسكي رئيس مكتب الأمن القومي الأمريكي الشهير الذي اعترف بخطورة ظاهرة تلك الجماعات التي صنعوها في أفغانستان لمواجهة السوفيات وإمكانية انقلابها عليهم في يوم من الأيام، لكنهم أجروا دراسة جدوى كما تجري الشركات التجارية، فوجدوا أن انقلاب تلك الجماعات على أمريكا ذات يوم وحتى إيذاءها والإضرار بمصالحها لا يمكن مقارنته أبداً بمدى الربح الذي سيحققونه من خلالها في مواجهة عدوهم اللدود الاتحاد السوفياتي. ويقول بريجنسكي في هذا السياق ما معناه إنه:" صحيح أن الأمريكيين تضرروا من الجماعات التي صنعوها، لكنهم استطاعوا من خلالها تدمير السوفيات، فأيهما أهم، مواجهة تلك العصابات لاحقاً، أم القضاء على العدو الاستراتيجي الرهيب للولايات المتحدة؟ طبعاً الأمر الثاني. بعبارة أخرى، فلعبة اختراع الخصوم دقيقة للغاية.

هل نجح النظام السوري في تلك اللعبة الاستراتيجية؟ من المعروف أن النظام لجأ إلى بعبع "العصابات المسلحة" منذ الأيام الأولى للانتفاضة السورية، وكلنا شاهدنا التلفزيون السوري وهو يصور بطريقة ساذجة للغاية جماعات منظمة تطلق النار على المتظاهرين في درعا كي يؤكد وجود مسلحين يستهدفون المتظاهرين السلميين، مع العلم أن الجميع كان يعلم بأن من يطلق النار على المحتجين ما هي إلا قوات الأمن السورية، بدليل أن المظاهرات المؤيدة للنظام لم تكن تتعرض لأي إطلاق نار من الجماعات المسلحة المزعومة. وقد انفضح أمر هذه اللعبة على لسان الرئيس السوري نفسه الذي أكد في أحد خطاباته الأخيرة على أن المحتجين لم يحملوا السلاح في وجه الدولة إلا في الشهر السادس من الثورة.

صحيح أن النظام استطاع من خلال اجترار اكذوبة "العصابات المسلحة" أن يبرر إنزاله للجيش بكل عتاده البري والبحري والجوي إلى ساحة المعركة لإخماد الثورة السلمية، ولا شك أنه حقق بعض النجاحات الفاشية والنازية في تهدئة بعض المناطق الثائرة كبابا عمرو في حمص وريف دمشق ودرعا وإدلب وحماة واللاذقية وغيرها. وصحيح أيضاً أن مواجهته للثورة بحجة ملاحقة العصابات المسلحة المزعومة فرملت المدن التي كان يمكن أن تنضم إلى الحراك خوفاً من أن تتعرض للتدمير النازي الشامل كما حدث لمدينة حمص التي أرادها النظام عبرة لمن يعتبر من المدن الأخرى. لكن النظام الآن واقع بين نارين، أي أن لعبة "العصابات المسلحة" لم تنجح تماماً، لا بل إن نتائجها السيئة أكبر بكثير من نتائجها الإيجابية. فعندما تتهم المدافعين عن النظام في وسائل الإعلام، وخاصة في البرامج الحوارية على شاشات الفضائيات بأن نظامهم وجيشه هو المسؤول عن تدمير العديد من المدن والقرى والمناطق السورية وتسويتها بالأرض على طريقة الروس في الشيشان وعاصمتها غروزني، كانوا يثورون فوراً في وجه السائل قائلين: "إن المسؤول عن تدمير سوريا ومدنها وقراها ليس النظام الوطني الذي يريد أن يحمي سوريا من الإرهاب والإرهابيين، بل الأرهابيون والعصابات المسلحة التي عاثت دماراً وخراباً في البلاد". بعبارة أخرى، فهم بطريقة غير مباشرة، يعترفون بهزيمة النظام أمام تلك العصابات التي انتصرت على النظام وجيشه وقوات أمنه، واستطاعت أن تدمر له البلد الذي يحكمه، أو بالأحرى، هزمت الجيش السوري، بدليل أنها لم تترك مدينة أو منطقة إلا وسوت بعض أجزائها بالأرض. وهذه بلا شك، رغم أنها أكذوبة يضحك عليها حتى تلاميذ المدارس، تشكل وصمة عار في جبين نظام وجيش لم يستطع الدفاع عن الوطن وحماية البلاد من تلك "الجماعات الإرهابية العاتية".

ألا يدين المدافعون عن النظام أنفسهم عندما يتهمون "الجماعات الإرهابية" بتخريب سوريا؟ ألا يعتبر هذا الدفاع بمثابة هزيمة نكراء بحق النظام وجيشه؟ كيف استطاعت شرذمة من العصابات أن تدمر سوريا وتلحق بالجيش والوطن كل هذا الدمار؟ لماذا فشل النظام في التصدي لها ومنعها؟ فإذا كانت العصابات قادرة على إحداث كل هذا الخراب في سوريا فهذه كارثة عسكرية ودفاعية واستخباراتية، لأن النظام لم يستطع مواجهتها، وبالتالي عليه أن يغرب عن وجه السوريين الذين فشل فشلاً ذريعاً في حمايتهم.

 

ليس هناك أدنى شك بأن النظام السوري أخطأ خطأً فادحاً في لعبة "العصابات المسلحة" السخيفة، ولم يحسبها جيداً، فويله إذا اعترف بأنه مسؤول عن كل هذا الدمار والخراب النيروني البربري الهتلري الذي أعاد سوريا خمسين عاماً إلى الوراء، وويل أكبر عندما ينحو باللائمة على "العصابات المسلحة" التي كبدته كل هذه "الهزائم الرهيبة" المزعومةً. من الواضح تماماً أن الوحش انقلب على راكبه في حالة النظام السوري. كم كان الكاتب المسرحي البريطاني الكبير إيدوارد بوند مصيباً عندما قال في إحدى مسرحياته الرائعة:" من يصنع الأشباح تظهر له، وترعبه، ويمكن أن تدمره أحياناً"!


د. فيصل القاسم
الاثنين 8 أكتوبر 2012