لا شيء مما ذكر يبشر بالخير فيما يخص مصالح الولايات المتحدة الأمريكية طويلة الأجل، وحتى أننا لم نصل بعد إلى الجزء الأسوء.
ومنذ أن شرعت روسيا بضرباتها الجوية في 30 أيلول، أطلقت يدها وبكل صفاقة، غير مستهدفة الدولة الإسلامية بشيء يذكر، وإنما استهدفت جماعات مثل جبهة النصرة وأحرار الشام وفصائل ثائرة أخرى، بعض منها لديه صلات مع السي آي أيه، وهؤلاء المستهدفون هم الذين يضغطون بشكل مباشر على معاقل النظام السوري. ونتيجة لهذا التدخل، أصبحت إيران أكثر جرأة، وقامت بنشر ما يقارب من 2000 جندي لمساعدة الجيش السوري في هجومه على مدينة حلب التي يسيطر عليها الثوار.
من منظور الإستراتيجية الأمريكية، فإن هذا ينذر بكارثة السياسة الخارجية على نطاق مقدس محتمل. وفيما يلي سبب ذلك:
من المفترض أن الجيش السوري يدير عملياته لاستعادة السيطرة على حلب مدعوماً بالضربات الجوية الروسية والقوات البرية الإيرانية، وأن الرئيس بشار الأسد سيحاول تعزيز سيطرته على المدن وصولاً إلى غرب سورية، بما فيها الدويلات الفردية التي شكلها الثوار على محيط الساحل العلوي. وعلى كل حال، فإن إنجاز ذلك، يتطلب من الأسد إزالة آخر جزء من الثوار المعادين له وللدولة الإسلامية معاً، وهذا من المحتمل أن يسهم بضم أجزاء كبيرة من شرق سورية إلى سيطرة الدولة الإسلامية. وكل ذلك يقوض، وبشكل كبير، إسترايجية باراك أوباما رئيس الولايات المتحدة الجوهرية بـ “هزيمة وقهر” الدولة الإسلامية.
وما زاد الطين بلة تماماً، هو أنه قد سبق هذه الأحداث، تنفيذ اتفاقية تبادل معلومات استخباراتية مشتركة في نهاية أيلول، جمعت العراق وإيران وسورية تحت محور جديد من التعاون، بقيادة روسيا، والمقر كان خارج وزارة الدفاع العراقية في بغداد.
وباجتماع كل هذه الاشياء، فإن موقف الولايات المتحدة الأمريكية في الشرق الأوسط أصبح يبدو هشاً، حتى أنه أصبح معزولاً.
عثرات استراتيجية وتكتيكية
بعض من هذه العثرات هو الفشل المدوي في الإفصاح عن الاستراتيجية الإقليمية، ليس الإفصاح للشعب الأمريكي فحسب؛ بل الأكثر أهمية الإفصاح للعراقيين والسوريين أنفسهم، ومن المحتمل أن هذه الإستراتيجية قد ولدت تحالفاً طبيعياً قد يتماشى مع مصالح الولايات المتحدة في المنطقة. في حين أن سياسة الولايات المتحدة المتمثلة بـ “هزيمة وقهر” الدولة الإسلامية، لا تقدم سوى أساس لاحتواء المشكلة فقط، أي إنها ليست صيغة لأي نوع من أنواع الانتصار الدائم.
وبعد مرور سنة من العمليات العسكرية ضد الدولة الإسلامية، والمعروفة باسم “عزيمة صلبة”، لم تكن الولايات المتحدة الأمريكية قادرة على توجيه ضربة قاضية للخلافة المزعومة. وقد كانت الغارات الجوية تجري بشكل يومي، ولكن لم يكن هناك دعم بري فعلي يذكر، وهو أمر حتمي لهزيمة عدو ماكر كالدولة الإسلامية. وقد أدى الفشل الذي صاحب الحملة إلى تغذية الاعتقاد بأن الولايات المتحدة الأمريكية أصبحت الآن جزءاً من المشكلة، وهذا ما أعطى مساحة لروسيا للتقدم لتحقيق مصالحها على حساب مصالح واشنطن.
(أرجو منحي الرفاهية بأن أقحم هنا: استطاعت الولايات المتحدة فقط استحضار اسم تحرير لحملة لا يمكنها أن تحرز نصراً في الواقع. فعملية “عزيمة صلبة” ربما تقول أكثر، حول السياسة الفاشلة التي تحيط بالحرب على الدولة الإسلامية، من الصراع الفعلي نفسه).
حتى في العراق، حيث أن الدعم الأمريكي الذي من المفترض أن يكون مستقراً نسبياً وتم تقديمه لأكثر من عشر سنوات لبناء الأمة، فإن كبار السياسيين العراقيين الآن يدعون لمشاركة روسية أعمق في العراق.
في بيان صدر في 11 تشرين الأول، قالت فيه علياء نصيف، عضوة البرلمان العراقي: “ان أمريكا غدرت بالعراق طيلة السنوات الاثنتي عشر الماضية”. وخلص البيان إلى القول: “على القوى السياسية تحمل المسؤولية الوطنية والتاريخية باستثمار الفرصة التاريخية التي أتيحت للشعب العراقي في توجيه ضربات روسية لداعش”. وأعقب ذلك، في 14 تشرين الأول، اعتراف من النائب العراقي حاكم الزاملي، رئيس لجنة الأمن والدفاع البرلمانية القوية، بأن قوات الأمن العراقية قد استعانت بالاستخبارات الروسية لاستهداف قادة داعش.
وفي الوقت الحاضر، فإن مصادر رسمية في القيادة المركزية الأمريكية قد أشارت بأن الحكومة العراقية لم توجه مناشدات من هذا النوع للروس. إلا أن مصادر أمنية غير رسمية داخل العراق قد أشارت أن طلباً من هذا النوع ليس مستبعداً.
مسارات غير طبيعية
إن انحسار النفوذ هذا، يلفت الانتباه إلى وجهة نظر أكثر دقة حول الشروط المسبقة، التي وضعتها الولايات المتحدة الأمريكية لمشاركتها في الحرب ضد الدولة الإسلامية والأسد معاً. وتلك الشروط غير طبيعية تماماً لمساري الصراع كليهما، وهي مبنية على الأجندات السياسية، التي لا تتماشى بشكل كبير مع المواقف الإستراتيجية الواقعية، أما المواقف الأيديولوجية الراسخة فلا طائل منها في حرب مع فاعل غير حكومي مثل داعش.
وقد انعكس هذا في العراق بمنع دعم العمليات التي تقودها وحدات الحشد الشعبي، ذات الخلفية الشيعية، والتي لها صلة بإيران، والتي حجبت الجيش العراقي كقوة القتال الرئيسية ضد داعش. وانعكس ذلك في سورية، بتسليح الثوار لقتال داعش، مع جعلهم يوقعون على تعهد بعدم محاربة نظام الأسد. علماً بأن هدف معظم مقاتلي المعارضة في سورية الرئيسي، كان ولا يزال وسيكون، هو إزالة الأسد، وليس هزيمة داعش.
وهذا أدى إلى وجود سياسة خارجية مزدوجة تعيش في حالة من التناقض شبه الدائم، ما أدى إلى تراجع الثقة في نوعية مساعدة الولايات المتحدة التي ترغب بتقديمها. وقد تجلى ذلك بوضوح أكثر من أي مكان آخر في البرنامج الفاجع الذي تبلغ كلفته 500 مليون دولار أمريكي لتسليح المعارضة السورية لقتال داعش، وقد تخلت عنه في 9 تشرين الأول إدارة أوباما لعدم مقدرتها على إيجاد معارضة سورية معتدلة لتدريبها وتسليحها على أرض الواقع.
ولعله في الواقع أن الضغط العسكري الروسي الخارجي قد تسبب في اتخاذ قرار إلغاء المبادرة، وهذا يرينا مدى البداية الفاترة التي كان سيبدأ بها البرنامج، ما كان سيجعله يدور حول البصر السياسي في الولايات المتحدة الأمريكية بدرجة كبيرة، وحول تكتيك واستراتيجية قتال داعش بدرجة متدنية. ولم يكن الأمر ليقتصر على برنامج غير واقعي للغاية نظراً للخبرات الميدانية المستمدة من قتال داعش، والتي تم شحذها خلال 12 سنة الماضية، بل إن الأمر كان ليكون كذلك حول توقع الولايات المتحدة الأمريكية بتطوير أهداف يمكن أن تحل محل المعارضة السورية، وهذا الأمر أرانا افتقار الولايات المتحدة الأمريكية إلى الحنكة بشكل واضح جداً.
السياسة الروسية الواقعية
من جانبهم، فإنه ليس لدى الروس مثل هذه المشاحنات –ليس حول البصيرة السياسية ولا حول خسائر ساحة المعركة، وليس حول ما ينبغي أن تكون عليه استراتيجيتهم طويلة الأمد. فاهتمامهم في بناء تحالف لدعم نظام بشار الأسد المعزول دولياً، قد سلط الضوء على أي مدى ينبغي عليهم وصوله لحماية مصالح سياستهم الخارجية فقط – أما الولايات المتحدة فليس لديها الإرادة ولا المقدرة على فعل ذلك أحياناً. وفي هذا الصدد، فإنه من غير المحتمل أن تصمد سياسة الولايات المتحدة الأمريكية في شكلها الراهن.
إن بارقة الأمل والشيء الوحيد الذي يمكن أن ينقذ ثقب السياسة الخارجية الأمريكية الأسود، ومن دون قصد، هو أن روسيا تدعم أحد الأنظمة الأكثر احتقاراً في العالم، مدعوماً بتحالف دول أقلية شيعية، وهذا الشيء لا يوفر قاعدة لسياسة خارجية راسخة طويلة الأمد؛ فمن مصلحة معظم دول منطقة الشرق الأوسط السنية القضاء على الدولة الإسلامية وإزاحة الأسد من السلطة.
ومع ذلك، وعلى المدى القصير، ينبغي على الولايات المتحدة أن تثبت أنها ما تزال لاعباً فعالاً في منطقة الشرق الأوسط. وهذا يتطلب منها أكثر من مجرد نشر قوات برية رمزية في سورية، فنشر 50 عنصراً من القوات الخاصة مقابل 2000 جندي إيراني لا يظهر أن الولايات المتحدة الأمريكية تبلي بلاء حسناً، أو حتى ما تقوم به من حين لأخر من إنزالات جوية لتذخير القوات المعادية لداعش في سورية، خاصة وأن روسيا تلتزم بإمداد سورية بمصادر عسكرية واسعة؛ على الرغم من أن ضربات الولايات المتحدة الأمريكية الجوية قد تزايدت في الأسابيع الأخيرة ضد معاقل داعش في مدينة بيجي العراقية المتنازع عليها وفي محافظة الأنبار المضطربة، في محاولة منها للحاق بشبح النفوذ الروسي في بغداد.
هل سيكون هذا كافياً بالنسبة للولايات المتحدة لاستعادة أفضليتها في الشرق الأوسط؟
هذا ما سيخبرنا به مرور الوقت فقط. ولكن مع مناقشة السياسة الخارجية المقبلة، والتي ستلقي بظلالها على أجزاء من العام 2016 وهو عام مناظرات الانتخابات الرئاسية، جنباً إلى جنب مع رغبة أوباما الواضحة بالإبقاء على الوضع الراهن لخليفته، فمن الأسلم أن نقول أن الولايات المتحدة الأمريكية لا تقوم بتهيئة الظروف من أجل نجاح السياسة الخارجية على المدى البعيد. وعلى كل حال، قد يكون هذا جزءاً من الخطة على الدوام.
--------------------------------------------------
ترجمة: محمد المحمد - المركز الصحفي السوري
مصدر المقال
Fair Observer