ومن يشكّك في دقة هذه المعادلة ليس عليه إلّا أن يدقّق في الواقع اللبناني، في ظل تمسّك غالبية اللبنانيين بسياسييهم ودفاعهم عنهم والاصطفاف خلفهم والتعهّد بإعادة انتخابهم، على الرغم من الكوارث التي أنتجها فساد هؤلاء وفشلهم وكذبهم وتناقضهم ووصوليتهم وخيانتهم.
وحدها الشعوب الضعيفة يُمكن أن توفّر لأمثال هؤلاء السياسيين إمكانيّة الاستمراريّة، وتتيح لهم أن يهدروا الوقت الثمين في صراع الأحجام المتدثّر بالطوائف، فيما الجوع يجتاح العائلات، والمرض ينال من الكبار والصغار، والإفلاس يقضي على المؤسسات، واليأس يتحكّم بالشباب، والهجرة تتحوّل حلماً.
الجميع، في الداخل والخارج، في الدول كما في المؤسسات الدولية، يصرّون على وجوب تشكيل حكومة موثوقة وفاعلة، وذلك بسرعة فائقة لأنّ لبنان لم يعد قادراً على "شراء الوقت"، ولكنّ هؤلاء السياسيين يأخذون وقتهم، يواصلون صراعاتهم الخبيثة وحروبهم الصغيرة، ويهدّد بعضهم البعض الآخر بتهديم الهيكل على الرؤوس.
إنّ العقلية التي تتحكّم بتشكيل الحكومة الجديدة في لبنان هي نفسها التي أوصلته إلى الخراب.
الطرف المسيحي، باسم قوة موقع المسيحيين، يعطّل تشكيل حكومة الضرورة. حاله مثل حال الأطراف الطائفية الأخرى مثل السنّة والشيعة.
يحاربون بعضهم البعض باسم طوائفهم، فيما أبناء هذه الطوائف يجوعون ويفقرون ويهاجرون.
الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون لا يكاد يصدّق ما يكتشفه في لبنان، يوماً بعد يوم، فهو لم يكن يعتقد أنّه يمكن أن توجد في دولة طبقة سياسية مثل تلك المتحكّمة بمصير لبنان.
قصد هذه الطبقة مرتين. رمى لها "حبل الخلاص". عندما استقرّت على البر، سارعت إلى قطع هذا الحبل. توهّم ماكرون أنّها سوف تندم لاحقاً، بعد أن يشتمها. انتظر بعض الوقت قبل أن يرسل موفداً منه لاستطلاع الوقائع، فاكتشف أنّ هؤلاء تفنّنوا في إيجاد وسائل جديدة لتمزيق أيّ حبل يُرمى إليهم.
"لبنان ينهار، فلا بد من إنقاذه، بتعاليكم عن أنانياتكم". قالها الفرنسي للطبقة السياسية اللبنانية. ابتسموا له، ثرثروا معه، زايدوا عليه، أداروا ظهورهم لهم وعادوا إلى...خناجرهم المسنونة.
هل أدرك ماكرون أنّه أخطأ برهانه الإنقاذي على الطبقة نفسها التي تسبّبت بالانهيار؟
وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو نصحه، في لقاء قد يكون الأخير له معه، أن "ييأس" من هؤلاء الذين سلّموا بلادهم لـ"حزب الله"، عميل النظام الإيراني "الإرهابي"، ودعاه إلى أن يأخذ بوجهة نظر مجموعة واسعة من السياسيين والمفكرين الفرنسيين الذين يعتقدون أنّ إخراج لبنان من أزمته يحتاج إلى "سوط لاسع" لا إلى "لسان طيّب".
في رأيهم أنّ الرهان باسم الواقعية السياسية على "الإرهابي" و"المرتهن" و"الفاسد"، مثل الرهان الذي سبق وعقده كثير من الأوروبيين على أدولف هتلر لتحقيق الاستقرار والسلام والرفاهية.
هذا الكلام عاد بومبيو وقاله، بأسلوبه، في العشاء الذي أقامته على شرفه السفارة الأميركية في باريس، قبل أن يغادرها إلى تل أبيب المرتاحة لرؤية السلطة الفلسطينية تعود إلى التنسيق معها وتعيد سفيريها إلى الإمارات العربية المتحدة والبحرين، بعدما لمست الكلفة الباهظة للإسهاب في المزايدات.
وثمة من يعتقد أنّ باريس قد تلجأ الى "تشدّد تدريجي" يبدأ بسحب الغطاء الذي سبق لها ووفّرته لعدد من الأطراف اللبنانية المتورطة، أقلّه، بالإهمال في موضوع الانفجار المزدوج في مرفأ بيروت، حتى إذا لم ينفع ذلك ذهبت إلى البحث في بند "الإرهاب" بما يخص "حزب الله" وإلى بند "الفساد" بما يخص الآخرين.
وجلّ ما يطلبه ماكرون من الطبقة السياسية اللبنانية أن تتوافق على تشكيل حكومة من شخصيات موثوق بها تستطيع باريس أن تسوّقها في المجتمع الدولي الذي يمسك بالأموال والاستثمارات والتسهيلات التي يحتاجها لبنان، احتياج الإنسان إلى المياه.
ولكن هذا الهدف يصطدم بإرادة كل طرف معني بتشكيل الحكومة، يسعى ليفرض إرادته، انطلاقاً من موقعه الطائفي في النظام.
ومن شأن التساهل في ذلك أن يعرّض الخطة الإنقاذية للخطر، لأنّ تشكيل حكومة بالمعادلات السياسية نفسها التي وقفت وراء حكومة حسّان دياب، سيهرّب المانحين كما سبق له أنْ فعل.
ولا تستطيع باريس في هذا الموضوع أن تتجاهل الضوابط التي تشترطها دولتان أساسيتان في دعم لبنان: الولايات المتحدة الأميركية والمملكة العربية السعودية.
وإذا كانت الرياض ومعها أبوظبي قد نفّذتا "انسحاباً صامتاً" من لبنان الذي يتحكّم "حزب الله" به، من وجهتي نظرهما، فإن واشنطن التي لا تزال حتى الآن ترفض سياسة "سد الأبواب" تعتمد سياسة العقوبات التي بدأت تستهدف سياسيين على خلفية ما تعتقد أنهم ارتكبوه من جرائم فساد.
وتطالب فرنسا الطبقة السياسية اللبنانية بأن يتنازل أطرافها عن "أجنداتهم" الشخصية أو الطائفية أو الإقليمية، من أجل أن ينقذوا بلداً أمعنوا هم في التسبب بكوارثه، لأنّ إبقاء الحال على ما هي عليه من المحال، إذ إنّ أحداً لن يساهم في إنقاذ بلد يرفض أن يغيّر سلوكه المغضوب عليه.
ولكن لا حياة لمن تُنادي، في أيّ دولة يستر حكامها موبقاتهم وارتكاباتهم ومجازرهم التي تدفع ثمنها شعوبهم غالياً، بشعارات رنّانة، كما هي حال رئيس النظام السوري بشّار الأسد في برقية أرسلها إلى "أخيه" الرئيس اللبناني ميشال عون.
الأسد الذي تسيطر إيران وميليشياتها، وروسيا وشركاتها الأمنية على "بلاده"، يحدّث عون، في برقية بمناسبة ذكرى استقلال لبنان، عن وجوب التنبّه الى "نوايا دول الاستعمار الحديث ومخططاتها لإرجاعها إلى عهود الانتداب ولكن بطرق وأساليب مختلفة".
هذا الأسد الذي كان يحتل لبنان ويعيث فيه فساداً، تجده بوقاحة منقطعة النظير يحدّث اللبنانيين عن "الاستعمار الحديث"، بعدما أذاقتهم شعارات الممانعة كل ألوان الهوان والاغتيال والاعتقال والطغيان والنفي.
طبعاً ليس بين هؤلاء أيّ شخص من الذين يتصارعون من أجل حصصهم ومواقعهم الحكومية وشعاراتهم الطنّانة وأجنداتهم الخارجية.
الممسك برقاب البلاد والعباد تأتي أمواله من الخارج كما أسلحته وعقيدته، وهو يتباهى أمام الفقراء والمحتاجين والمهانين والمهملين، بذلك.
فقط الشعب الضعيف – أو المستضعف-يُبقي على هكذا سياسيين...صغار.
--------
الحرة
وحدها الشعوب الضعيفة يُمكن أن توفّر لأمثال هؤلاء السياسيين إمكانيّة الاستمراريّة، وتتيح لهم أن يهدروا الوقت الثمين في صراع الأحجام المتدثّر بالطوائف، فيما الجوع يجتاح العائلات، والمرض ينال من الكبار والصغار، والإفلاس يقضي على المؤسسات، واليأس يتحكّم بالشباب، والهجرة تتحوّل حلماً.
الجميع، في الداخل والخارج، في الدول كما في المؤسسات الدولية، يصرّون على وجوب تشكيل حكومة موثوقة وفاعلة، وذلك بسرعة فائقة لأنّ لبنان لم يعد قادراً على "شراء الوقت"، ولكنّ هؤلاء السياسيين يأخذون وقتهم، يواصلون صراعاتهم الخبيثة وحروبهم الصغيرة، ويهدّد بعضهم البعض الآخر بتهديم الهيكل على الرؤوس.
إنّ العقلية التي تتحكّم بتشكيل الحكومة الجديدة في لبنان هي نفسها التي أوصلته إلى الخراب.
الطرف المسيحي، باسم قوة موقع المسيحيين، يعطّل تشكيل حكومة الضرورة. حاله مثل حال الأطراف الطائفية الأخرى مثل السنّة والشيعة.
يحاربون بعضهم البعض باسم طوائفهم، فيما أبناء هذه الطوائف يجوعون ويفقرون ويهاجرون.
الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون لا يكاد يصدّق ما يكتشفه في لبنان، يوماً بعد يوم، فهو لم يكن يعتقد أنّه يمكن أن توجد في دولة طبقة سياسية مثل تلك المتحكّمة بمصير لبنان.
قصد هذه الطبقة مرتين. رمى لها "حبل الخلاص". عندما استقرّت على البر، سارعت إلى قطع هذا الحبل. توهّم ماكرون أنّها سوف تندم لاحقاً، بعد أن يشتمها. انتظر بعض الوقت قبل أن يرسل موفداً منه لاستطلاع الوقائع، فاكتشف أنّ هؤلاء تفنّنوا في إيجاد وسائل جديدة لتمزيق أيّ حبل يُرمى إليهم.
"لبنان ينهار، فلا بد من إنقاذه، بتعاليكم عن أنانياتكم". قالها الفرنسي للطبقة السياسية اللبنانية. ابتسموا له، ثرثروا معه، زايدوا عليه، أداروا ظهورهم لهم وعادوا إلى...خناجرهم المسنونة.
هل أدرك ماكرون أنّه أخطأ برهانه الإنقاذي على الطبقة نفسها التي تسبّبت بالانهيار؟
وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو نصحه، في لقاء قد يكون الأخير له معه، أن "ييأس" من هؤلاء الذين سلّموا بلادهم لـ"حزب الله"، عميل النظام الإيراني "الإرهابي"، ودعاه إلى أن يأخذ بوجهة نظر مجموعة واسعة من السياسيين والمفكرين الفرنسيين الذين يعتقدون أنّ إخراج لبنان من أزمته يحتاج إلى "سوط لاسع" لا إلى "لسان طيّب".
في رأيهم أنّ الرهان باسم الواقعية السياسية على "الإرهابي" و"المرتهن" و"الفاسد"، مثل الرهان الذي سبق وعقده كثير من الأوروبيين على أدولف هتلر لتحقيق الاستقرار والسلام والرفاهية.
هذا الكلام عاد بومبيو وقاله، بأسلوبه، في العشاء الذي أقامته على شرفه السفارة الأميركية في باريس، قبل أن يغادرها إلى تل أبيب المرتاحة لرؤية السلطة الفلسطينية تعود إلى التنسيق معها وتعيد سفيريها إلى الإمارات العربية المتحدة والبحرين، بعدما لمست الكلفة الباهظة للإسهاب في المزايدات.
وثمة من يعتقد أنّ باريس قد تلجأ الى "تشدّد تدريجي" يبدأ بسحب الغطاء الذي سبق لها ووفّرته لعدد من الأطراف اللبنانية المتورطة، أقلّه، بالإهمال في موضوع الانفجار المزدوج في مرفأ بيروت، حتى إذا لم ينفع ذلك ذهبت إلى البحث في بند "الإرهاب" بما يخص "حزب الله" وإلى بند "الفساد" بما يخص الآخرين.
وجلّ ما يطلبه ماكرون من الطبقة السياسية اللبنانية أن تتوافق على تشكيل حكومة من شخصيات موثوق بها تستطيع باريس أن تسوّقها في المجتمع الدولي الذي يمسك بالأموال والاستثمارات والتسهيلات التي يحتاجها لبنان، احتياج الإنسان إلى المياه.
ولكن هذا الهدف يصطدم بإرادة كل طرف معني بتشكيل الحكومة، يسعى ليفرض إرادته، انطلاقاً من موقعه الطائفي في النظام.
ومن شأن التساهل في ذلك أن يعرّض الخطة الإنقاذية للخطر، لأنّ تشكيل حكومة بالمعادلات السياسية نفسها التي وقفت وراء حكومة حسّان دياب، سيهرّب المانحين كما سبق له أنْ فعل.
ولا تستطيع باريس في هذا الموضوع أن تتجاهل الضوابط التي تشترطها دولتان أساسيتان في دعم لبنان: الولايات المتحدة الأميركية والمملكة العربية السعودية.
وإذا كانت الرياض ومعها أبوظبي قد نفّذتا "انسحاباً صامتاً" من لبنان الذي يتحكّم "حزب الله" به، من وجهتي نظرهما، فإن واشنطن التي لا تزال حتى الآن ترفض سياسة "سد الأبواب" تعتمد سياسة العقوبات التي بدأت تستهدف سياسيين على خلفية ما تعتقد أنهم ارتكبوه من جرائم فساد.
وتطالب فرنسا الطبقة السياسية اللبنانية بأن يتنازل أطرافها عن "أجنداتهم" الشخصية أو الطائفية أو الإقليمية، من أجل أن ينقذوا بلداً أمعنوا هم في التسبب بكوارثه، لأنّ إبقاء الحال على ما هي عليه من المحال، إذ إنّ أحداً لن يساهم في إنقاذ بلد يرفض أن يغيّر سلوكه المغضوب عليه.
ولكن لا حياة لمن تُنادي، في أيّ دولة يستر حكامها موبقاتهم وارتكاباتهم ومجازرهم التي تدفع ثمنها شعوبهم غالياً، بشعارات رنّانة، كما هي حال رئيس النظام السوري بشّار الأسد في برقية أرسلها إلى "أخيه" الرئيس اللبناني ميشال عون.
الأسد الذي تسيطر إيران وميليشياتها، وروسيا وشركاتها الأمنية على "بلاده"، يحدّث عون، في برقية بمناسبة ذكرى استقلال لبنان، عن وجوب التنبّه الى "نوايا دول الاستعمار الحديث ومخططاتها لإرجاعها إلى عهود الانتداب ولكن بطرق وأساليب مختلفة".
هذا الأسد الذي كان يحتل لبنان ويعيث فيه فساداً، تجده بوقاحة منقطعة النظير يحدّث اللبنانيين عن "الاستعمار الحديث"، بعدما أذاقتهم شعارات الممانعة كل ألوان الهوان والاغتيال والاعتقال والطغيان والنفي.
كل هذا "الخبث" من يدفع ثمنه؟
من تراه يقف على عتبة موظفي المصارف يتسوّل بعض ودائعه؟ من هو الذي يدفع أثماناً باهظة لانهيار الليرة اللبنانية؟ من يسعى إلى الحصول على تأشيرة هجرة؟ من يجهد لإيجاد دواء؟ من رمته البطالة على قارعة الطريق؟ من يخشى على غده من يومه؟طبعاً ليس بين هؤلاء أيّ شخص من الذين يتصارعون من أجل حصصهم ومواقعهم الحكومية وشعاراتهم الطنّانة وأجنداتهم الخارجية.
الممسك برقاب البلاد والعباد تأتي أمواله من الخارج كما أسلحته وعقيدته، وهو يتباهى أمام الفقراء والمحتاجين والمهانين والمهملين، بذلك.
فقط الشعب الضعيف – أو المستضعف-يُبقي على هكذا سياسيين...صغار.
--------
الحرة