نظرا للصعوبات الاقتصادية التي رافقت الجائحة وأعقبتها اضطررنا لإيقاف أقسام اللغات الأجنبية على أمل ان تعود لاحقا بعد ان تتغير الظروف

الهدهد: صحيفة اليكترونية عربية بخمس لغات عالمية
الهدهد: صحيفة اليكترونية عربية بأربع لغات عالمية
عيون المقالات

حزب حاكم جديد في سورية

08/06/2025 - بشير البكر

المفتي قبلان صاحب الرؤية

02/06/2025 - يوسف بزي

المثقف من قرامشي إلى «تويتر»

24/05/2025 - د. عبدالله الغذامي :

التانغو" فوق حطام المنطقة

22/05/2025 - عالية منصور

واقع الديمقراطية في سورية الجديدة

09/05/2025 - مضر رياض الدبس

(سوريا بين حرب أهلية ومشاريع تقسيم؟)

05/05/2025 - عبدالوهاب بدرخان


هل سيستقيل دي ميستورا؟ ولماذا بوتين ثابتٌ على موقفه في سورية





لا يبدو أن مهمة ستيفان دي ميستورا ستنتهي بأفضل مما انتهت إليه مهمة أسلافه من الوسطاء الدوليين في سورية .. ففي لقائه مع إذاعة مونتي كارلو في 9/9 الجاري صرّح دي مستورا أنه لن يستمر طويلا بعقد الاجتماعات ثم ما إن تنتهي حتى تعود المعارك !!.. كلامه هذا تعبيرٌ عن شعور باليأس والإحباط وهذا يعني أن الوقت لن يطول به حتى يسير على درب أسلافه ويُعلن الاستقالة …


 
* اجتماعات دي مستورا ذكّرتني بأحد مشاهد مسرحية “غربة” عندما أجرى الطبيب لهم اختبارا مُضحِكا لفحص العيون وهم يلتفتون إلى الخَلف بدل من النظر للأمام إلى لوحة الأحرف وكانَ تشخيصه بعدها أنهم جميعا مُصابون بالزائدة !! وحينما سألوه مِن أينَ يتوجّعون للزائدة أجابهم (غوّار) أن الزائدة يتوجّعون لها من هنا (ثم أشار إلى أعلى رأسهِ) !!..
* كتبتُ في عدة مقالات بالماضي أن كل تلك اللقاءات والاستشارات والاجتماعات بين وفدي الحكومة ووفود المُعارضات ، ورغم ضرورتها ، فإنها لن تُبدّل شيئا على أرض الواقع ولن تُقدِّم أو تؤخِّر بشيء …
*فالأرض لِمَن يتحكّم بها ويسيطر عليها وليست لِمَن يلبس ربطة العنق ، أو تضعُ الماكياجات ، ويذهب ، أو تذهب إلى موسكو أو جنيف أو القاهرة أو سواها !!.. وعلينا هنا أن نتذكّر قول ستالين حينما قالوا له أن البابا غاضبٌ منه بسبب الاضطهاد الديني ، فكان جوابهُ : وكم كتيبة يملك البابا !!.. وذات السؤال يُطرَح على المعارضات المُشارِكة في اجتماعات موسكو وغيرها : كم كتيبة يملكون ؟؟..
* تلك المعارضات السياسية ، بما فيها المنضوون تحت مُسمّى الائتلاف ، لا وزن لهم على الأرض ، ربّما باستثناء فصيلٍ واحدٍ ، ولا يملكون أية سلطة ونفوذ وتأثير على المسلحين الذين يقاتلون على الأرض !! بل أن أولئك المسلحون لا يعيرون أذْناً لكل المنضوين تحت مُسمّى الائتلاف الوطني أو سواه من تسميات أخرى ــ وما أكثرها ــ ولا يربطون أنفسهم بهم وإنما العكس فالمعارضات السياسية المتنوعة هي من تلصِق نفسها بأولئك المسلحين وتتملق لهم لعلّهم يعترفون بهم أو يمنحونهم اعتبارا ماْ وهم المقيمون بالخارج في الفنادق والشقق الفاخرة بكل هدوء وأمنٍ وأمان ولم تتغير أو تتأثر حياتهم ولا حياة أبنائهم بشيء ،، وهم من يحتاج ليلصق نفسهُ بالمسلحين ويوهِم نفسهُ أنّه ذي تأثير وفعالية ويجب أن يحجزوا مكانا له بالمستقبل ، بينما الحقيقة أن لا تأثير لهم ولا أحدا (شايلهم من أرضهم) ..
* وأكثر من ذلك ، فبرامج المسلحين السياسية بعيدة بالمطلق عن كل طروحات أولئك المنضوين تحت مُسمّى الائتلاف ، وبعضهم بنظرِ المسلحين كُفارا أو مشركين !! ففي الوقت الذي يطرح فيه أولئك قيام دولة مدنية على أساس المواطَنة لا فرق بها بين مواطن وآخر بسبب أي انتماء (كما يقولون) ، فإن كافة الفصائل المسلحة تطرح قيام دولة إسلاموية بحسب الشريعة التي يفهمونها وما على المسيحيين سوى اعتناق الإسلام أو دفع الجزية ، وغير المسيحيين العودة للإسلام بحسب مفاهيمهم هُم التي نرى تطبيقها في أماكن سلطتهم، أو القتل !!.
* الحرب اللبنانية التي استمرّت خمسة عشر عاما ، لم يكُن مُمكِنا وقفها دون مشاركة كل أمراء الحرب … وفي كل حربٍ كما الحرب السورية لا يمكن وقفها إلا بأمرين : أن توافق الدول الداعمة للمسلحين على صيغة حل ،، ومن جهة أخرى أن توافق التنظيمات المسلّحة أيضا على صيغة تلك الحل .. هكذا كان الحال في نيكاراغوا ، وفي كمبوديا وسواها !!. وهذا باعتقادي يحتاج إلى مؤئمر تشارك به كل الدول الأعضاء في مجلس الأمن وفي مقدمتها الدول دائمة العضوية ، إضافة للدول الإقليمية وفي مقدمتها السعودية وإيران .. طبعا بحضور ومشاركة الوفد الحكومي الرسمي وممثلين عن التنظيمات المسلحة ..
* هذا المؤتمر يضعُ خارطة الطريق للحل ، أو يناقش خارطة الطريق المطروحة ويتم الاتفاق على صيغتها النهائية رسميا ويتم التأكيد عليها بقرار مجلس أمن مُلزِم ، وليس التأكيد عليها ببيان ، كما حصل مع خارطة الطريق التي قدّمها دي ميستورا لمجلس الأمن .. ويتمُ أيضا إلزام كافة الدول الإقليمية بالالتزام بخارطة الطريق هذه بإشراف أممي (مُستلهمين تجربة كمبوديا) وتحت طائلة فرض العقوبات بموجب الفصل السابع لميثاق الأمم المتحدة .. وهكذا تتمُّ تعرية كافة المجموعات المُسلّحة التي لا تؤمن بالحل السلمي والمساواة وتصبِحُ في مواجهة مع كل المجتمع الدولي ، كما تتمُّ تعرية كافة الدول الإقليمية التي تُرسِل الأوكسجين الضروري للحرب : السلاح والمال ..
* غالبية التنظيمات المسلّحة لا تؤمن أساسا بحل سلمي ولا بقيام دولة مدنية ولا بالتداول ولا بالديمقراطية بوصفها حسب مفهومهم تخالف شرع الله إذ تصبحُ الحاكمية للشعب وليس لله ، وأية تسوية تشتمل على ذلك ستحرجهم ويرفضونها ، وهكذا سوف تنعزل وترى نفسها في مواجهة مع المجتمع الدولي كله ..
* في المقابلة المُشار إليها مع إذاعة مونتي كارلو، صرّح دي ميستورا أنه لا يُمكن إيقاف أية حرب قبل وقف الأوكسجين عنها ، وأوكسجين الحروب هو السلاح والمال … وهو يُدرِك جيدا أن القوى الإقليمية والدولية التي تخوضٌ حربا بالوكالة فوق الأرض السورية لن تقطع هذا الأوكسجين بسهولة ، ولا يبدو أنها بهذا الوارد قريبا كما يتّضح من أفعالها وأقوالها !!..
* ومن هنا فالحالة السورية تتطلّبُ أكثر من اجتماعات موسكو ، وهي تتطلّب مؤتمرا دوليا على المستوى الذي أشرتُ إليه .. ولا يكون فقط للخطابات ولا للبيانات وإنما لإقرار تسوية نهائية ..
* ما يبدو حتى اليوم أن القوى اللاعبة على الأرض السورية ، الإقليمية والدولية ، ليست مهيّأة حتى اللحظة لاعتماد خارطة طريق للحل السلمي ، وكل ما تقوم به من تحركات بهذا الشأن لا يغدو كونه لعِبا في الوقت الضائع وملئاً للفراغ بانتظار ما سوف يتغيّر مع الزمن !!.. وإلا كانت اعتمدت خطة دي ميستورا بقرار رسمي لمجلس الأمن ،على الأقل ، ومُلزِم لكل الأطراف تحت طائلة العقوبات ، وليس ببيان أشبهُ ببيان صحفي !!..
*الحل في سورية وكما يبدو، ما زال بعيد جدا ، وحتى لو حصلت تسوية وسطية(compromise) بين روسيا والولايات المتحدّة فليس من المؤكّد أن توافق عليها السعودية وبالتالي سيستمر أوكسجين الحرب يتدفّق على المسلحين ، أي السلاح والمال !!. فالتباعد السعودي الإيراني كبيرٌ جدا ويزداد عمقا واتساعا ويخوضان حربا مكشوفة فوق الأراضي اليمنية والسورية والعراقية، وصِراعا فوق الأراضي اللبنانية والبحرينية !!.
*إذا المسالة هي كسر عظم وبالتالي ستكون طويلة وهناك قطبان سالب وموجب وهذا سيبقى ينعكس على الحرب في سورية وعلى النزاعات والصراعات بكل المنطقة ، إذ أن تسوية هذه الصراعات مرهونٌ بالاتفاق بين السعودية وإيران أولا ، وثقة كلٍّ منهما بالآخر ، وهذا لا يعرف إلا الله تعالى متى يتحقّق ومتى ستقوم ثقةً بين البلدين لم تكن موجودة في أي وقت ..
*هذا فضلا عن الموقف المتناقض بين الروسي والأمريكي ، فالأول يدعم الرئيس السوري بقوة ، أما الثاني فلا يقبل له دورا في المستقبل … وإلى أن يتّفقا على تسوية فإن الأمريكي والروسي اللذان لا يرغبان بمواجهة عسكرية مباشرة بينهما ، يتحاربان بالوكالة كما كان الوضع أيام الاتحاد السوفييتي !! ويبدو الأمريكي ليس في عجَل من أمره للحل ولسانُ حاله يقول : دع الحرب تستمر والجيش السوري يُستنزَف وسورية تتفتّت طالما أن لا شيء يضير الولايات المتحدة ولا يهدد مصالحها بشكلٍ مباشرٍ إلى أن يُغيِّر الروسي رأيه أو لا يتبقّى شيئا اسمه الجمهورية العربية السورية التي عرفتها الأمم المتحدة والجامعة العربية ..
*الروسي الذي يقف بقوة اليوم إلى جانب الحكومة السورية فإنما يُدرِك المخطط البعيد المرسوم لبلاده والبوابّة له ستكون من سورية ، وهو إذ يحارب الإرهاب في سورية اليوم فإنما كي لا يضطر إلى محاربته في عقر داره غدا ، لاسيّما في مناطق جنوب القوقاز .. ففي حال انتصار التطرُّف في سورية فوجهته التالية ستكون حتميا الجمهوريات الروسية في جنوب القوقاز بعد أن تفقد روسيا آخر موقع لها على ساحل المتوسط .. ومَن سرّب المقاتلين المسلحين وسهّلَ لهم كل شيء لدخول الأراضي السورية فسوف يقوم بذات الدور ويُسهِّل لهم كل شيء لدخول تلك الجمهوريات الروسية .. فتركيا قريبة من روسيا ولها تأثير واضح على كل البلدان في وسط آسيا المنحدرة شعوبها من أصول تركية والمحاذية أيضا لحدود روسيا ، ويمكنها تحريضهم وتجنيدهم للقتال في روسيا كما فعلت في سورية ..
* ومن هنا فإن الرئيس بوتين في موقفه الحالي في سورية فإنما هو يدافع عن أمن بلاده ،ويدفع عنها شرَّ أولئك المتطرفون والإرهابيون .. وليس بوتين هو من يستفزُّ الولايات المتحدّة والناتو بل العكس هو الصحيح ، فهُم من يستفزُّ روسيا وهُم من عاد إلى أجواء الحرب الباردة وذلك من خلال مساعيهم الدؤوبة لتوسع الناتو شرقا ليشمل حتى جورجيا وأوكرانيا ، ونشرهم للأسلحة الإستراتيجية المتطورة التي تشكِّل تهديدا لروسيا في بُلدان الناتو شرق أوروبا ، ودعم تركيا أردوغان لكل التوجهات الدينية والمتطرّفة التي ستكون وجهتها التالية هي روسيا ، كما أسلفتُ ، وهكذا تبقى تركيا كما العادة رأس حربة للناتو!!.
* الولايات المتحدّة تعمل ضمن مخططٍّ مرسوم وطويل لتفكيك الإتحاد الروسي أيضا كما فكّكوا من قبل الإتحاد السوفييتي ، وكل سياستهم في شرق أوروبا وفي جورجيا وأوكرانيا وسورية تصبُّ في هذا الهدف .. وإن أفلحوا في ذلك فخطوتهم التالية ستكون الصين بِدعمِ الحركة الانفصالية في الشمال الغربي الواقع على حدود بلدان آسيا الوسطى !!.
* ومن هنا فأن المسألة بالنسبة لروسيا ليست دفاع عن حليف أو نظام وإنما هي أبعد من ذلك بكثير وهي دفاع عن مصالح روسيا الاستراتيجية وعن وحدة الاتحاد الروسي ذاته .. ومن حرقَهُ الحليب ينفخ الّلبن كما يقول المثل العامّي ،، وبوتين الذي شهِد كيف تفكّك الإتحاد السوفييتي لا يتخيّل نفسه وهو يرى الاتحاد الروسي يتفكك .. ومن هنا تأتي مواقفه الصّلبة التي يؤكِّد عليها دوما .. فالغبي وحدهُ هو من يرى الخطر الداهم قادمٌ عليه ولا يهرع لملاقاته قبل أن يصل إلى عقرِ داره ..
* كاتب سوري

د. عبد الحميد سلوم
السبت 12 سبتمبر 2015