ولعلّ حرارة كلماتها توقظ الحنين، ولكن خلف تلك الكلمات، يكمن جوهر الفكرة التي لفتت انتباهي، قال الكويتي بصوته العميق “يارايحين درب موصل، خذوني بطيّ هدمكم، وإن كان عازكم خرجيّه، بيعوني بوسط الشام، بيعوني للخليفة…الخ”.
وتمر كلمات الأغنية ضائعة في التسجيل الرديء، لتأخذ المستمع إلى زمنين، أحدهما وقع، والآخر يقع الآن، دون أن يتغيّر الكثير من تعاطي الناس مع المفردات ذاتها، الحاجة إلى السبي، والحاجة إلى الخليفة.
فلا يتحرر العقل من سلطتين، أن يكون عبداً وأن يستعبد الآخرين، ولا ينفع الأمل في زعزعة المائلين إلى أي من الدركين، فقد زعموا والنقل بالحرف على ذمة بيدبا أن جماعة من القردة كانوا ساكنين في جبل، فالتمسوا في ليلة باردة ذات رياح وأمطار نارا فلم يجدوا، فرأوا “يراعة” (حشرة تصدر ضوءاً خافتاً من ذيلها) تطير كأنها شرارة نار، فظنوها نارا وجمعوا حطبا كثيرا، فألقوه عليها، وجعلوا ينفخون بأفواههم و يتروّحون بأيديهم، طمعا في أن يوقدوا نارا يصطلون بها من البرد.
وكان قريباً منهم طائر على شجرة، ينظرون إليه وينظر إليهم، وقد رأى ما صنعوا فجعل يناديهم و يقول: لا تتعبوا أنفسكم فإن الذي رأيتموه ليس بنار.
فلما طال ذلك عليه عزم على القرب منهم، لينهاهم عما هم فيه. فمر به رجل فعرف ما عزم عليه فقال له: لا تلتمس تقويم ما لا يستقيم، فإن الحجر الصلب الذي لا ينقطع لا تجرّب عليه السيوف، والعود الذي لا ينحني لا تعمل منه القوس، فلا تتعب.
فأبى الطائر أن يطيعه وتقدم إلى القردة ليعرفهم أن اليراعة ليست بنار، فتناوله أحد القردة، فضرب به الأرض فمات.
ومحاولة معالجة الأمراض المتأصلة في الذهن المشرقي، لا تختلف عما أراد فعله الطائر، لأن البدائية قائمة، ولا تقبل الإنكار، ولا يمحوها التفاؤل، وكأن الزمن عليه أن يمرّ مضاعفاً، في فارق المفكرة الكونية بين الحضارات، لتبقى القصائد تتراشق الحنين، فالرائحون على درب الموصل يلاقيهم اليوم الرائحون على درب حلب، “يارايحين لحلب، حبّي معاكم راح، يا محمّلين العنب، تحت العنب تفاح”
-------
العرب
وتمر كلمات الأغنية ضائعة في التسجيل الرديء، لتأخذ المستمع إلى زمنين، أحدهما وقع، والآخر يقع الآن، دون أن يتغيّر الكثير من تعاطي الناس مع المفردات ذاتها، الحاجة إلى السبي، والحاجة إلى الخليفة.
فلا يتحرر العقل من سلطتين، أن يكون عبداً وأن يستعبد الآخرين، ولا ينفع الأمل في زعزعة المائلين إلى أي من الدركين، فقد زعموا والنقل بالحرف على ذمة بيدبا أن جماعة من القردة كانوا ساكنين في جبل، فالتمسوا في ليلة باردة ذات رياح وأمطار نارا فلم يجدوا، فرأوا “يراعة” (حشرة تصدر ضوءاً خافتاً من ذيلها) تطير كأنها شرارة نار، فظنوها نارا وجمعوا حطبا كثيرا، فألقوه عليها، وجعلوا ينفخون بأفواههم و يتروّحون بأيديهم، طمعا في أن يوقدوا نارا يصطلون بها من البرد.
وكان قريباً منهم طائر على شجرة، ينظرون إليه وينظر إليهم، وقد رأى ما صنعوا فجعل يناديهم و يقول: لا تتعبوا أنفسكم فإن الذي رأيتموه ليس بنار.
فلما طال ذلك عليه عزم على القرب منهم، لينهاهم عما هم فيه. فمر به رجل فعرف ما عزم عليه فقال له: لا تلتمس تقويم ما لا يستقيم، فإن الحجر الصلب الذي لا ينقطع لا تجرّب عليه السيوف، والعود الذي لا ينحني لا تعمل منه القوس، فلا تتعب.
فأبى الطائر أن يطيعه وتقدم إلى القردة ليعرفهم أن اليراعة ليست بنار، فتناوله أحد القردة، فضرب به الأرض فمات.
ومحاولة معالجة الأمراض المتأصلة في الذهن المشرقي، لا تختلف عما أراد فعله الطائر، لأن البدائية قائمة، ولا تقبل الإنكار، ولا يمحوها التفاؤل، وكأن الزمن عليه أن يمرّ مضاعفاً، في فارق المفكرة الكونية بين الحضارات، لتبقى القصائد تتراشق الحنين، فالرائحون على درب الموصل يلاقيهم اليوم الرائحون على درب حلب، “يارايحين لحلب، حبّي معاكم راح، يا محمّلين العنب، تحت العنب تفاح”
-------
العرب