نظرا للصعوبات الاقتصادية التي رافقت الجائحة وأعقبتها اضطررنا لإيقاف أقسام اللغات الأجنبية على أمل ان تعود لاحقا بعد ان تتغير الظروف

الهدهد: صحيفة اليكترونية عربية بخمس لغات عالمية
الهدهد: صحيفة اليكترونية عربية بأربع لغات عالمية
عيون المقالات

وقاحة استراتيجية مذهلة

21/04/2024 - راغدة درغام

التعميم بوصفه "تخبيصة" العقل الأولى

18/04/2024 - مصطفى تاج الدين الموسى

رسائل النيران بين إيران وإسرائيل

15/04/2024 - محمد مختار الشَنقيطي

جنوب لبنان.. بعد غزة

06/04/2024 - عبد الوهاب بدرخان

غزة والأخلاق العابرة للحدود والأرباح

06/04/2024 - عدنان عبد الرزاق

نزار قباني وتلاميذ غزة

06/04/2024 - صبحي حديدي

حرب لإخراج إيران من سوريا

06/04/2024 - محمد قواص

على هامش رواية ياسر عبد ربه

04/04/2024 - حازم صاغية


يارون ران يهودي فلسطيني يبحث في يوميات الدمشقيين





الباحث الإسرائيلي يؤكد أن سبب اهتمامه بشخصية إيلياهو ساسون بأنه كان أحد أهم قادة الجالية اليهودية المطالبين بمنح الاستقلال والحرية للشعوب العربية بعد نهاية الإمبراطورية العثمانية.


 
يارون ران "المستعرب" وجدل التطبيع
حين تسأل الباحث الإسرائيلي يارون ران عن هويته، يجيبك بأنه ”يهودي من فلسطين“، باعتباره ابن لأسرة تتحدر من طبريا. ومثلما سيجد تعريف كهذا عقولا تعتبره مثيرا للجدل، شهدت الفترة الماضية جدلا مشابها وواسعا بين الجمهور العربي، حول فكرة التطبيع، في عودة إلى التعبير الشهير الذي يبقى محط خلاف بين رافض له متهم لكل من يطرح حلولا لبناء الجسور الثقافية، بعيدا عن الصراع السياسي بين العرب والإسرائيليين، وبين من يربط كل تفاعل اجتماعي ومعرفي بشرط التوصل إلى اتفاق سياسي تقوده الأنظمة العربية مع الحكومة الإسرائيلية.
أعمال فنية درامية وأدبية تناولت مؤخرا شخصية اليهودي العربي، زمن ما قبل الصراع، سارع بعض الجمهور إلى مهاجمتها، وسارع آخرون إلى الترحيب بها. مسلسل ”أم هارون“ على سبيل المثال الذي عرض في رمضان هذا العام كان أبرز تلك الأعمال، إضافة إلى روايات وصنوف فنية مختلفة.
لكن غاب عن تلك الاهتمامات الحقل البحثي الصرف الذي يقدم القصص كما هي، بعيدا عن العواطف والتشكيك والصور النمطية لكل من العرب من غير اليهود، من جهة، واليهود من جهة أخرى، عربا كانوا أم غير ذلك. ولعل في ذلك خسارة كبيرة أو نقصانا بارزا في المشهد، فالبحث العلمي هو العماد القوي الذي يمكن أن تقوم عليه الآداب والفنون، وليس العكس.

بحر الكراهية والدماء

ران انشغل طويلا في ما تقدّم من اهتمامات، وبقي سنين طويلة ينقب مثل عالم آثار في حياة اليهود الشرقيين، وعلى رأسهم اليهودي الدمشقي الأكثر شهرة إيلياهو ساسون، الذي وضع عنه ران كتابا ضخما عنونه ”المستعرب“.
ومن عنوانه هذا يمكننا تلمس المفارقة الناشئة لدى المتفاعلين مع هذا الملف، فالأصل أن ساسون يهودي سوري عربي، بل إنه كان أحد القوميين العرب الأوائل، وكان رئيسا لتحرير أول صحيفة عربية تنطق باسم الدولة العربية المستقلة عن العثمانيين التي حملت اسم ”الحياة“ وكانت تصدر من دمشق.
كتابه الأول "جذور الخيار الأردني" يوثق فيه ران العلاقات التي جمعت ملك الأردن الراحل عبدالله بن الحسين بالحركة الصهيونية مطلع العشرينات، مستندا إلى وثائق أصلية من سجلات تلك الفترة
فكيف يراه ران اليوم مستعربا وكأنه يقدم إلى هوية غريبة عنه؟ هي المفارقة ذاتها التي يعيشها اليهود العرب طيلة العقود الماضية منذ أن تم تهجيرهم من بلدانهم الأصلية إلى فلسطين، بتواطؤ مكشوف بين الحكومات العربية والوكالة اليهودية. وهي المفارقة ذاتها التي يواجهها العرب اليوم في التعامل مع صورة اليهودي العربي، يعجزون عن اتخاذ موقف واضح منه، يبقى ما هو مضمر، وما هو مكتوم، وما يعلن إنما تقوده الاندفاعات المستعجلة، أو الاستثمار المبتذل.
ران الذي ولد عام 1958 أكاديمي متخصص في تاريخ العلاقة بين الحركة الصهيونية والدول العربية خلال الانتداب البريطاني. درس حياة يهود دمشق في أواخر القرن التاسع عشر والنصف الأول من القرن العشرين. وهو خبير في مجتمع مخابرات الحركة الصهيونية في المنطقة العربية التي نشطت أوائل القرن العشرين وحتى عام 1948.
كتابه الأول ”جذور الخيار الأردني“ وثق فيه ران العلاقات التي جمعت ملك الأردن الراحل عبدالله بن الحسين بالحركة الصهيونية منذ مطلع العشرينات وحتى العام الشهير 1948 عام النكبة، كما يسميه العرب، مستندا إلى وثائق أصلية من سجلات تلك الفترة.
أما عمله الأبرز فكان ”المستعرب“ أو ”العربي“ أو ”العربيست“ كما يقول عنه، ويدور حول سيرة ساسون، ويرصد فيه ران التغييرات التي طرأت على حياة يهود دمشق مطلع القرن الماضي، وبداية تدخل ساسون في الصراع مع مفتي القدس الراحل الحاج أمين الحسيني، وحتى وفاته في عام 1978.
 
يقول ران لـ”العرب“ عن سبب اهتمامه بشخصية ساسون تحديدا، إن الأخير هو ”اليهودي الوحيد الذي كان عضوا في النادي العربي في دمشق. وكان أحد أهم قادة الجالية اليهودية المطالبين بمنح الاستقلال والحرية للشعوب العربية بعد نهاية الإمبراطورية العثمانية. ورأى أن ما يوحّد المنطقة هو اللغة والثقافة والمكان، والاختلافات في الدين قد لا تكون حاسمة“.
ويضيف ران أن ساسون ”كان اليهودي المحوري الذي دعم في سن مبكرة فكرة الاستقلال وإنهاء الحكم الإمبراطوري الذي هيمن على المنطقة، حتى بعد دخول الفرنسيين دمشق، لم يتوقف عن قتالهم، كما طالب بجلاء القوات البريطانية عن فلسطين. وأنشأ علاقات وثيقة مع الحكام في العالم العربي على أساس وجهات نظر مماثلة. وتلك كانت ظاهرة مثيرة للاهتمام“.
من ناحية أخرى يرى ران أنه وحتى العام 1933 كان على القيادة الأشكنازية اليهودية التي اعتقدت أنها بحاجة إلى التحدث إلى القيادات العربية بدلا من الحكام الأجانب في المنطقة، أن تقاتل أيضا لسوء الحظ، عندما تنامت قوة المقاومة المسلحة التي نادى بها الحاج الحسيني وفيصل بن عبدالله والعائلة الهاشمية.
لقد كان ساسون مثيرا للاهتمام، حقا، لأنه وحتى بعد حرب الأيام الستة، كان الأول الذي أدرك أنه من دون ترتيب مفاوضات مباشرة، فإن المواجهة الدموية ستستمر. كان ساسون حسب وصف ران ”ظاهرة خاصة في بحر من الكراهية والدماء“.

شرق المهاجرين 

التغيرات الديموغرافية في الشرق الأوسط، والهجرات والتهجير وحركة السكان، من مختلف الأعراق والأديان، وهجرة اليهود العرب إلى إسرائيل لم تغير، كما يرى ران، النضال الوطني الذي تم التعبير عنه في الجدل الديني والصراع على الأرض. أما أمثال ساسون والمثقفين الآخرين الذين عاشوا مع الشعب العربي، فكانوا أقلية.
وحين كانت ترتيبات ساسون والمثقفين اليهود الآخرين قابلة للتطبيق، في أوقات معينة، كما يقول ران ”كان رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق ديفيد بن غوريون على استعداد للذهاب خلف تلك الطروحات، لكن الحاج الحسيني لم يكن أنور السادات. وكان على ساسون نفسه أن يقضي الوقت في مطاردة مفتي القدس الذي رأى فيه عقبة أمام كل الحلول“.أما في إسرائيل اليوم، وعلى النقيض مما سلف، فإنك لن تسمع أصواتا كثيرة من المهاجرين السوريين واللبنانيين، حسبما يصوّر ران، فبشكل رئيسي هناك يهود شمال أفريقيا الذين يشكلون غالبية المهاجرين من الدول العربية والذين يواجهون الإحباط من أوضاعهم الاجتماعية والاقتصادية الحالية، أما السلطة السياسية الإسرائيلية والعربية في زمن ساسون فلم تكن مثلما هي عليه في زمننا الحالي.
وقد عثر ران على شخصية دمشقية مثيرة أخرى، وهو يقضي السنوات الماضية والفترة الحالية في البحث عن كل قصاصة تأتي على ذكرها، لأنه رأى أنها شخصية تكمل ما بدأه مع ساسون، إنه يوسف لنيادو الذي كان عضوا في البرلمان السوري من العام 1919 وحتى العام 1943.

لنيادو مع جميل مردم بيك 

يقول ران إن الوثائق التي اكتشفها في بحثه في سنوات منتصف الثلاثينات وحتى نهاياتها، قادته إلى لنيادو الذي كان ابنا لأحد أثرياء دمشق البارزين منذ ثمانينات القرن التاسع عشر، وكان لنيادو الابن بدوره ظاهرة مثيرة للاهتمام فقد كان يمثل الطائفة الموسوية، وصاحب حضور مميز بين عدد صغير من أفراد العائلات اليهودية المعتبرة بين النخبة السورية. مثل نظرائه المتحدرين من عائلتي توبي ستامبولي وشمعايا ولشبونة الذين حظوا بموقع مركزي في سوق المال بدمشق.
يرمز لنيادو، وفقا لران، إلى نوع آخر من يهود دمشق الذين لم يلتزموا بالحركة الصهيونية، لكنهم نذروا حياتهم كلها لصالح المشاركة مع الطبقة الحاكمة للمجتمع السوري. وبسبب قدراته المالية الوازنة، كان يلعب دور الوسيط خلال الانتفاضة العربية بين ساسون وموشيه شاريت وبين نسيب البكري وجميل مردم بيك من أجل وقف العمليات العسكرية والتفاوض مع الفرنسيين من أجل استقلال سوريا.
وهكذا يستكمل ران، برسم ملامح لنيادو، دراسة صورة الجالية اليهودية في سوريا من أواخر القرن التاسع عشر إلى منتصف القرن العشرين. المفكرون والعلماء العرب في الدول العربية وخارجها، في اللحظة الراهنة، مهتمون، كما يرى ران، ومن جديد، بالمجتمعات اليهودية التي عاشت في البيئة العربية، وهو يقول إنه أمر ”غير مفاجئ. فقد كان اليهود العرب جزءا من النسيج الاجتماعي للدول التي عاشوا فيها، حتى لو استغرق الأمر وقتا طويلا فإن هذا الجزء من التاريخ لن يتم نسيانه ومحوه. وحتى في إسرائيل، ارتفع المستوى الثقافي لليهود العرب في الخطاب الفكري. في السنوات العشرين الماضية، أصبح هذا الموضوع محط اهتمام من الأوساط الأكاديمية والثقافية الإسرائيلية. حتى المثقفون العرب الذين كان أجدادهم جزءا من الحركة الوطنية العربية، اكتشفوا من بلادهم أنهم مهتمون بتاريخهم، ومن خلال هذا يأتون إلى التواصل الثقافي والتجاري بينهم وبين اليهود“.
ويختم ران بالقول ”حقيقة أن وسائل التواصل الاجتماعي وغوغل وفيسبوك تسمح بالاتصال السريع، والعديد من العلماء لم يعودوا يخشون من السلطات الأمنية في بلدانهم، وهذه الجسور تسمح بنشوء خطاب بين العلماء اليهود والعرب على أساس محاولة البحث عن الحقيقة التاريخية دون تأثيرات دينية أو أي تأثيرات أخرى. بمعنى ما، هذه فترة تشبه إلى حد ما ذلك الازدهار الثقافي الذي عرفته سوريا والذي ساد في دمشق بين عامي 1918و1920”.
ويبقى عمل ران وغيره، مرهونا بالميزان الصعب الذي تفرضه فكرة الحق العربي الذي لا يمكن لأحد التفكير في تجاهله. وفي الوقت الذي ينشغل فيه مفكرون وعلماء مثله بتبديد الغيوم السوداء، تركز السلطات السياسية في إسرائيل، ومثلها تفعل الأنظمة التي رفعت شعار المقاومة والممانعة، على حالة استمرار الصراع بلا نهاية، وكل الطرق التي نادوا بأنها ستقودهم إلى القدس قادتهم إلى تخريب العراق وسوريا ولبنان واليمن وغيرها، ولم توصلهم إلى القدس ولا يبدو أنها ستفعل يوما ما.
--------
العرب


ابراهيم الجبين
السبت 13 يونيو 2020