
لم تمر الفياضات التي اجتاحت مدنا جزائرية عديدة بداية الشهر الجاري مرور الكرام، حيث خلفت أكثر من عشرين هالكا، بالرغم من أن الخسائر المادية والبشرية المسجلة كانت متوقعة بالنظر إلى النشرية الخاصة لمصالح الأرصاد الجوي التي أعلنت عن قدوم اضطراب جوي قوي .
وحسب يوسف وهو سائق شاحنة يشتغل في نقل السلع ما بين الولايات، فإن السيول صادفته في عدة مدن بوسط البلاد مر بها كادت أن تقلب شاحنته في الليلة ما بين 31 آب/ أغسطس والأولمن أيلول/ سبتمبر " لم يكن هناك من يبلغنا بان اضطرابا جويا قادما وعلينا الحذر كما أننا لم نجد من يعلمنا بأخطار الأوديةالتي تفيض في كل سنة تتساقط فيها الأمطار بقوة".
أما الهادي وقد كان على متن شاحنة للنقل على البارد، فقال إنه واجه صعوبات تلك الليلة و توقف في ولاية عين الدفلة (غرب العاصمة الجزائر) تفاديا لأي طارئ ، وأضاف "أنا لا أتوقع وجود هيئات تنبهنا للخطر واعرف أنه لا يأتي احد لإنقاذي في حال جرفتني السيول". وقد هلك ثمانية أشخاص من عائلة واحدة كانوا متوجهين إلى حفل زفاف بولاية خنشلة (حوالي 500 كلم شرق الجزائر) بسبب فيضان واد بالمنطقة.
يؤكد الأخضر الذي ينحدر من إحدى منطقة بشرق البلاد، أن فيضان الاودية أمر اعتيادي ، وأن السكان إما أن يجازفوا أو يتفادوا نهائيا الخروج أيام تساقط الأمطار ولا وجود لمن يعلمهم بالأخطار أو يتدخل سريعا في حال وقوع الكارثة. ومن بين الصور التي يتم تداولها على شبكات التواصل الاجتماعي بالجزائر عن مخلفات الأمطار الأخيرة، امتلاء ممر ارضي للسيارات بالماء وتحوله إلى مسبح بولاية بجاية، و سير ترامواي الجزائر وسط الماء وتسميته بالترامواي البرمائي. "أورساك" مخطط تجاوزه الزمن ودروس الكوارث السابقة لم تؤخذ بجدية
يعزو خبراء في مجال تسيير الكوارث الطبيعية تكرار مثل هذه الكوارث المؤلمة سببه غياب مخطط شامل لتسيير الكوارث الطبيعية، واعتماد الجزائر على ما يسمى بمخطط "أورساك" الذي يحدد الأطراف التي تتدخل أثناء حدود أي كارثة طبيعية أو إنسانية، وهو مخطط يقول عنه البروفيسور تكابورانت، المختص في تسيير الكوارث الطبيعية وتدريسها بعدة جامعات امريكية، أنه أصبح غير عملي منذ الثمانينيات من القرن الماضي باعتباره يحدد مجالات التدخل وتوزيع المهام لمرحلة ما بعد الكوارث، بينما تتطلب المخططات الحديثة عملا متكاملا يبدأ من تحديد الكوارث المحتملة وأسبابها ونسبة وقوع الضحايا في حال وقوعها ، وكذا الخسائر المادية المتوقعة ومن ثمة تحديد الإمكانيات المادية والبشرية والمالية الواجب توفرها، وبعدها تحديد وحدات التدخل واختصاصاتها، وكذا الهيئات المعنية بتسيير الوضع قبل وبعد الكارثة ودور كل واحدة منها ، مع تخصيص إمكانات لتدخل للمتطوعين وأماكن عامة لإيواء المتضررين وملاجئ أمنة لهم، وتختم هذه الدورة بدراسة الكارثة في كل مراحلها من اجل تعزيز وتحيين مخطط الوقاية وتسيير الكوارث من أول مراحله إلى آخرها.
وما يزيد من خطورة غياب مخطط تسيير الكوارث في الجزائر هو وقوعها في منطقة معرضة باستمرار للكوارث وبخاصة منها الطبيعية. وحسب الأمم المتحدة فان الجزائر معنية مباشرة بـ11 خطرا من الأخطار الـ14 التي صنّفتها الهيئة الأممية على أنها مخاطر كبرى، فهي (الجزائر) واقعة بمحاذاة الشريط الزلزالي على خط التماس بين القارتين الأوربية والأفريقيةاللتين تتدافعان باستمرار في ما يسمى بمنطقة النشاط الزلزالي. وسبق أن ضربت المدن الجزائرية عدة هزات أرضية مدمرة وعرفت في أزمة غابرة تدمير مدن بأكملها على غرار العاصمة الجزائر قبل حوالي قرنين من الزمن. وما زالت أثار زلزال مدينة"الأصنام" المسماة حاليا "الشلف" سنة 1980 ، وزلزال تيبازة سنة 1989 و زلزال بومرداس سنة 2003، عالقة في الأذهان إذ استدعى الأمر تدخل فرق إنقاذ أجنبية وسط فوضى في تسيير الأزمة من قبل السلطات المحلية بالجزائر.
وبالنظر إلى مناخها شبه الجاف، فإن الأمطار الأولى في الجزائر تتسبب بشكل مستمر في حدوث فيضانات أشهرها فيضانات باب الوادي بالعاصمة الجزائر عام 2001، وغرداية جنوب البلاد قبل ثلاث سنوات، وفيضانات عديدة في العديد من المدن. وتتسبب سوء الأحوال الجوية كل سنة في انقطاع للطرق وعزل العديد من المدن كان أسوأها خلال الشتاء الماضي عندما حاصرت الثلوج لأيام عديدة ألاف السكان داخل بيوتهم دون ماء ولا غذاء ولا تدفئة، ووصلت الأزمة إلى الجزائر العاصمة التي لم تجد ضواحيها ما يكفيها من قارورات غاز البوتان.
الكوارث الصناعية قنبلة موقوتة متروكة لحالها وإن كانت هذه الحالات قد لقيت حظها من الصدى الإعلامي فان هناك حالات عديدة لفيضانات، و عزل للسكان دون غاز أو غذاء تسجل في أرجاء الجزائر الواسعة دون أن يسمع بها الرأي العام، وتتكرر معاناة سكانها كل سنة دون إيجاد حل لتسيير تلك الوضعيات. وباعتبارها تتمتع بشريط ساحلي بطول 1500 كلم تقابله سلسلة جبلية كثيفة الغابات والأحراش، فان الجزائر معرضة في كل سنة للحرائق ، إلا أن مخطط تسييرها هي الأخرى بقي فاشلا وغالبا ما تصل السنة اللهب إلى مداشر وقرى قبل وصول فرق الإطفاء إليها، رغم أن عديد تلك الحرائق من الدرجة التي يتم التحكم فيها ، بل أن هناك منها ما يثار عمدا لكن التحكم فيها يكون غالبا صعبا للغاية.
ويهدد الجزائر أيضا "قوافل" الجراد الجوال القادم من إفريقيا، حيث توجد خلية دائمة على مستوى وزارة الزراعة من اجل متابعة تحركات هذه الأسراب التي تهاجم في فترات متباعدة السهول الواقعة في صحراء البلاد وتهدد بفلولها حتى السهول الشمالية من البلاد، وهي ظاهرة تنفق الجزائر من اجل مواجهتها ملايين الدولارات في غياب سند ودعم من قبل الدول الإفريقية الأخرى التي لا تتوفر على الإمكانيات لمواجهة الظاهرة.
وتتهدد الجزائر الكوارث الصناعية خاصة وأنها بلد نفطي ويملك العديد من المركبات النفطية والغازية ويستثمر في الطاقة النووية السلمية ، اذ سبق أن شهدت مركبات للغاز انفجارات وأودت بحياة عمال بها على غرار حادثة مركب تمييع الغاز بسكيكدة(حوالي 500 كلم الى الشرق) قبل سنوات قليلة.
التجربة الجزائرية في مواجهة الكوارث الأسوء متوسطيا قامت الجزائر عام 2004، بوضع قانون يتعلق بالوقاية من الأخطار الكبرى وتسيير الكوارث في إطار التنمية المستدامة ، وهو القانون رقم 04/ 20 المؤرخ في 25 ديسمبر/كانون اول 2004، والذي يصنف الكوارث الطبيعية في الجزائر في مادته العاشرة، ويحدد الأخطار التي يتكفل بها القانون في " الزلازل والأخطار الجيولوجية، الأخطار المناخية، الفيضانات، حرائق الغابات، الأخطار الصناعية والطاقوية، الأخطار الإشعاعية والنووية، الأخطار المتصلة بصحة الإنسان والحيوان والنبات، أشكال التلوث الجوي أو الأرضي أو البحري، أو المائي، الكوارث المترتبة عن التجمعات البشرية الكبيرة". ويعتبر القانون أن الدولة هي من تتكفل بتجسيد وتطبيق هذا القانون ويشير إلى انه "تشكل الوقاية من الأخطار الكبرى والكوارث في إطار التنمية المستدامة منظومة شاملة تبادر بها وتشرف عليها الدولة، وتقوم بتنفيذها المؤسسات التنفيذية والجماعات الإقليمية في إطار صلاحياتها بالتشاور مع المتعاملين الاقتصاديين والاجتماعيين والعلميين وبإشراك المواطنين ضمن الشروط المحددة بموجب هذا القانون ونصوصه التطبيقية".
ووضعت السلطات العمومية وسائلها التكنولوجية ونسقت مع جيرانها من اجل مواجهة هذه الكوارث وذلك من خلال إطلاق مجموعة من الأقمار الصناعية الإفريقية لمراقبة الأرض للوقاية من الكوارث الطبيعية والكوارث الكبرى بمشاركة كل من الجزائر وجنوب إفريقيا ونيجيريا وكينيا، بهدف تعزيز إمكانيات الوقاية من الكوارث الطبيعية والمخاطر الكبرى وتسييرها. غير أن هذه الإجراءات بقيت بعيدة عن خلق مخطط متوازن ودقيق من اجل تسيير للكوارث.
صنّف خبراء دوليون مختصون في الكوارث الطبيعية خلال الندوة الجهوية الخاصة بتسيير الكوارث في منطقة البحر الأبيض المتوسط أقيمت بلندن، الجزائر ضمن أضعف دول البحر الأبيض المتوسط في مجال تسيير الكوارث الطبيعية، رغم كونها من البلدان الأكثر عرضة للمخاطر الكبرى، وذلك بعد عرض مختلف تجارب دول المنطقة في مجال تسيير المخاطر الكبرى والإجراءات المتخذة لمواجهة ذلك.
خبراء الجزائر العالميون.. أصوات لا يسمع لها
الخبراء الجزائريون من جهتهم ينتقدون غياب مخطط وطني لمواجهة الكوارث الطبيعية والصناعية، ويرى البروفيسور تكبورانت، أن الجزائر تفتقدلمخطط تسيير الكوارث الطبيعية، وقال انه في ظل حملة تحسيسية للمواطنين والسلطات في عدة بلدان بادرت إليها هيئة الأمم المتحدة، قرر البدء في الجزائر وكان ضمن المشاركين في الدورة التكوينية ، مشيرا إلى استيائه من انحصار مخطط التدخل في إبلاغ الأرصاد الجوية لمصالح الحماية المدنية لمواجهة أي تساقط كبير للأمطار وانتظار حدوث الكارثة بينما يرابط أعوان وحدات الإطفاء انتظارا لاندلاع الحرائق ولا احد يحضر للزلازل او الكوارث الصناعية.
أما الخبير في تسيير الكوارث الطبيعية ورئيس نادي المخاطر الكبرى البروفيسور عبد الكريم شلغوم، فينتقد بشدة ما وصلت إليه الجزائر واستغرب من بقاء بعض الأسباب قائمة ملفتا الانتباه إلى أن بعض الإنجازات العمرانية في قلب العاصمة الجزائر ، تشكّل خطرا كبيرا يهدد سكان العاصمة، وكذلك موقع محطة "الحامة" لتصفية المياه بالعاصمة الواقعة على بعد 400 متر فقط من محطة إنتاج الطاقة الكهربائية بالغاز الطبيعي وقال أن أي تماس بسبب خطأ ما بين الغازات المستعملة في محطة توليد الطاقة الكهربائية ومحطة تحلية مياه البحر قد يسبب انفجارا . وهو ذات الخطر الذي تواجهه المنطقة الصناعية بولاية سكيكدة شرقا وبالمنطقة الصناعية بارزيو غربا، فأيمستقبل ينتظر الجزائر.
وحسب يوسف وهو سائق شاحنة يشتغل في نقل السلع ما بين الولايات، فإن السيول صادفته في عدة مدن بوسط البلاد مر بها كادت أن تقلب شاحنته في الليلة ما بين 31 آب/ أغسطس والأولمن أيلول/ سبتمبر " لم يكن هناك من يبلغنا بان اضطرابا جويا قادما وعلينا الحذر كما أننا لم نجد من يعلمنا بأخطار الأوديةالتي تفيض في كل سنة تتساقط فيها الأمطار بقوة".
أما الهادي وقد كان على متن شاحنة للنقل على البارد، فقال إنه واجه صعوبات تلك الليلة و توقف في ولاية عين الدفلة (غرب العاصمة الجزائر) تفاديا لأي طارئ ، وأضاف "أنا لا أتوقع وجود هيئات تنبهنا للخطر واعرف أنه لا يأتي احد لإنقاذي في حال جرفتني السيول". وقد هلك ثمانية أشخاص من عائلة واحدة كانوا متوجهين إلى حفل زفاف بولاية خنشلة (حوالي 500 كلم شرق الجزائر) بسبب فيضان واد بالمنطقة.
يؤكد الأخضر الذي ينحدر من إحدى منطقة بشرق البلاد، أن فيضان الاودية أمر اعتيادي ، وأن السكان إما أن يجازفوا أو يتفادوا نهائيا الخروج أيام تساقط الأمطار ولا وجود لمن يعلمهم بالأخطار أو يتدخل سريعا في حال وقوع الكارثة. ومن بين الصور التي يتم تداولها على شبكات التواصل الاجتماعي بالجزائر عن مخلفات الأمطار الأخيرة، امتلاء ممر ارضي للسيارات بالماء وتحوله إلى مسبح بولاية بجاية، و سير ترامواي الجزائر وسط الماء وتسميته بالترامواي البرمائي. "أورساك" مخطط تجاوزه الزمن ودروس الكوارث السابقة لم تؤخذ بجدية
يعزو خبراء في مجال تسيير الكوارث الطبيعية تكرار مثل هذه الكوارث المؤلمة سببه غياب مخطط شامل لتسيير الكوارث الطبيعية، واعتماد الجزائر على ما يسمى بمخطط "أورساك" الذي يحدد الأطراف التي تتدخل أثناء حدود أي كارثة طبيعية أو إنسانية، وهو مخطط يقول عنه البروفيسور تكابورانت، المختص في تسيير الكوارث الطبيعية وتدريسها بعدة جامعات امريكية، أنه أصبح غير عملي منذ الثمانينيات من القرن الماضي باعتباره يحدد مجالات التدخل وتوزيع المهام لمرحلة ما بعد الكوارث، بينما تتطلب المخططات الحديثة عملا متكاملا يبدأ من تحديد الكوارث المحتملة وأسبابها ونسبة وقوع الضحايا في حال وقوعها ، وكذا الخسائر المادية المتوقعة ومن ثمة تحديد الإمكانيات المادية والبشرية والمالية الواجب توفرها، وبعدها تحديد وحدات التدخل واختصاصاتها، وكذا الهيئات المعنية بتسيير الوضع قبل وبعد الكارثة ودور كل واحدة منها ، مع تخصيص إمكانات لتدخل للمتطوعين وأماكن عامة لإيواء المتضررين وملاجئ أمنة لهم، وتختم هذه الدورة بدراسة الكارثة في كل مراحلها من اجل تعزيز وتحيين مخطط الوقاية وتسيير الكوارث من أول مراحله إلى آخرها.
وما يزيد من خطورة غياب مخطط تسيير الكوارث في الجزائر هو وقوعها في منطقة معرضة باستمرار للكوارث وبخاصة منها الطبيعية. وحسب الأمم المتحدة فان الجزائر معنية مباشرة بـ11 خطرا من الأخطار الـ14 التي صنّفتها الهيئة الأممية على أنها مخاطر كبرى، فهي (الجزائر) واقعة بمحاذاة الشريط الزلزالي على خط التماس بين القارتين الأوربية والأفريقيةاللتين تتدافعان باستمرار في ما يسمى بمنطقة النشاط الزلزالي. وسبق أن ضربت المدن الجزائرية عدة هزات أرضية مدمرة وعرفت في أزمة غابرة تدمير مدن بأكملها على غرار العاصمة الجزائر قبل حوالي قرنين من الزمن. وما زالت أثار زلزال مدينة"الأصنام" المسماة حاليا "الشلف" سنة 1980 ، وزلزال تيبازة سنة 1989 و زلزال بومرداس سنة 2003، عالقة في الأذهان إذ استدعى الأمر تدخل فرق إنقاذ أجنبية وسط فوضى في تسيير الأزمة من قبل السلطات المحلية بالجزائر.
وبالنظر إلى مناخها شبه الجاف، فإن الأمطار الأولى في الجزائر تتسبب بشكل مستمر في حدوث فيضانات أشهرها فيضانات باب الوادي بالعاصمة الجزائر عام 2001، وغرداية جنوب البلاد قبل ثلاث سنوات، وفيضانات عديدة في العديد من المدن. وتتسبب سوء الأحوال الجوية كل سنة في انقطاع للطرق وعزل العديد من المدن كان أسوأها خلال الشتاء الماضي عندما حاصرت الثلوج لأيام عديدة ألاف السكان داخل بيوتهم دون ماء ولا غذاء ولا تدفئة، ووصلت الأزمة إلى الجزائر العاصمة التي لم تجد ضواحيها ما يكفيها من قارورات غاز البوتان.
الكوارث الصناعية قنبلة موقوتة متروكة لحالها وإن كانت هذه الحالات قد لقيت حظها من الصدى الإعلامي فان هناك حالات عديدة لفيضانات، و عزل للسكان دون غاز أو غذاء تسجل في أرجاء الجزائر الواسعة دون أن يسمع بها الرأي العام، وتتكرر معاناة سكانها كل سنة دون إيجاد حل لتسيير تلك الوضعيات. وباعتبارها تتمتع بشريط ساحلي بطول 1500 كلم تقابله سلسلة جبلية كثيفة الغابات والأحراش، فان الجزائر معرضة في كل سنة للحرائق ، إلا أن مخطط تسييرها هي الأخرى بقي فاشلا وغالبا ما تصل السنة اللهب إلى مداشر وقرى قبل وصول فرق الإطفاء إليها، رغم أن عديد تلك الحرائق من الدرجة التي يتم التحكم فيها ، بل أن هناك منها ما يثار عمدا لكن التحكم فيها يكون غالبا صعبا للغاية.
ويهدد الجزائر أيضا "قوافل" الجراد الجوال القادم من إفريقيا، حيث توجد خلية دائمة على مستوى وزارة الزراعة من اجل متابعة تحركات هذه الأسراب التي تهاجم في فترات متباعدة السهول الواقعة في صحراء البلاد وتهدد بفلولها حتى السهول الشمالية من البلاد، وهي ظاهرة تنفق الجزائر من اجل مواجهتها ملايين الدولارات في غياب سند ودعم من قبل الدول الإفريقية الأخرى التي لا تتوفر على الإمكانيات لمواجهة الظاهرة.
وتتهدد الجزائر الكوارث الصناعية خاصة وأنها بلد نفطي ويملك العديد من المركبات النفطية والغازية ويستثمر في الطاقة النووية السلمية ، اذ سبق أن شهدت مركبات للغاز انفجارات وأودت بحياة عمال بها على غرار حادثة مركب تمييع الغاز بسكيكدة(حوالي 500 كلم الى الشرق) قبل سنوات قليلة.
التجربة الجزائرية في مواجهة الكوارث الأسوء متوسطيا قامت الجزائر عام 2004، بوضع قانون يتعلق بالوقاية من الأخطار الكبرى وتسيير الكوارث في إطار التنمية المستدامة ، وهو القانون رقم 04/ 20 المؤرخ في 25 ديسمبر/كانون اول 2004، والذي يصنف الكوارث الطبيعية في الجزائر في مادته العاشرة، ويحدد الأخطار التي يتكفل بها القانون في " الزلازل والأخطار الجيولوجية، الأخطار المناخية، الفيضانات، حرائق الغابات، الأخطار الصناعية والطاقوية، الأخطار الإشعاعية والنووية، الأخطار المتصلة بصحة الإنسان والحيوان والنبات، أشكال التلوث الجوي أو الأرضي أو البحري، أو المائي، الكوارث المترتبة عن التجمعات البشرية الكبيرة". ويعتبر القانون أن الدولة هي من تتكفل بتجسيد وتطبيق هذا القانون ويشير إلى انه "تشكل الوقاية من الأخطار الكبرى والكوارث في إطار التنمية المستدامة منظومة شاملة تبادر بها وتشرف عليها الدولة، وتقوم بتنفيذها المؤسسات التنفيذية والجماعات الإقليمية في إطار صلاحياتها بالتشاور مع المتعاملين الاقتصاديين والاجتماعيين والعلميين وبإشراك المواطنين ضمن الشروط المحددة بموجب هذا القانون ونصوصه التطبيقية".
ووضعت السلطات العمومية وسائلها التكنولوجية ونسقت مع جيرانها من اجل مواجهة هذه الكوارث وذلك من خلال إطلاق مجموعة من الأقمار الصناعية الإفريقية لمراقبة الأرض للوقاية من الكوارث الطبيعية والكوارث الكبرى بمشاركة كل من الجزائر وجنوب إفريقيا ونيجيريا وكينيا، بهدف تعزيز إمكانيات الوقاية من الكوارث الطبيعية والمخاطر الكبرى وتسييرها. غير أن هذه الإجراءات بقيت بعيدة عن خلق مخطط متوازن ودقيق من اجل تسيير للكوارث.
صنّف خبراء دوليون مختصون في الكوارث الطبيعية خلال الندوة الجهوية الخاصة بتسيير الكوارث في منطقة البحر الأبيض المتوسط أقيمت بلندن، الجزائر ضمن أضعف دول البحر الأبيض المتوسط في مجال تسيير الكوارث الطبيعية، رغم كونها من البلدان الأكثر عرضة للمخاطر الكبرى، وذلك بعد عرض مختلف تجارب دول المنطقة في مجال تسيير المخاطر الكبرى والإجراءات المتخذة لمواجهة ذلك.
خبراء الجزائر العالميون.. أصوات لا يسمع لها
الخبراء الجزائريون من جهتهم ينتقدون غياب مخطط وطني لمواجهة الكوارث الطبيعية والصناعية، ويرى البروفيسور تكبورانت، أن الجزائر تفتقدلمخطط تسيير الكوارث الطبيعية، وقال انه في ظل حملة تحسيسية للمواطنين والسلطات في عدة بلدان بادرت إليها هيئة الأمم المتحدة، قرر البدء في الجزائر وكان ضمن المشاركين في الدورة التكوينية ، مشيرا إلى استيائه من انحصار مخطط التدخل في إبلاغ الأرصاد الجوية لمصالح الحماية المدنية لمواجهة أي تساقط كبير للأمطار وانتظار حدوث الكارثة بينما يرابط أعوان وحدات الإطفاء انتظارا لاندلاع الحرائق ولا احد يحضر للزلازل او الكوارث الصناعية.
أما الخبير في تسيير الكوارث الطبيعية ورئيس نادي المخاطر الكبرى البروفيسور عبد الكريم شلغوم، فينتقد بشدة ما وصلت إليه الجزائر واستغرب من بقاء بعض الأسباب قائمة ملفتا الانتباه إلى أن بعض الإنجازات العمرانية في قلب العاصمة الجزائر ، تشكّل خطرا كبيرا يهدد سكان العاصمة، وكذلك موقع محطة "الحامة" لتصفية المياه بالعاصمة الواقعة على بعد 400 متر فقط من محطة إنتاج الطاقة الكهربائية بالغاز الطبيعي وقال أن أي تماس بسبب خطأ ما بين الغازات المستعملة في محطة توليد الطاقة الكهربائية ومحطة تحلية مياه البحر قد يسبب انفجارا . وهو ذات الخطر الذي تواجهه المنطقة الصناعية بولاية سكيكدة شرقا وبالمنطقة الصناعية بارزيو غربا، فأيمستقبل ينتظر الجزائر.