عرض فيلم "البحث" للفرنسي ميشال هازانافيسيوس في مهرجان كان 2014 ضمن المسابقة الرسمية. صور فيه المخرج الحرب الثانية في الشيشان التي دارت بين الجيش الروسي وانفصاليين، فحملنا إلى جحيم النزاع من خلال قصة طفل شيشاني يتيم. لكن الفيلم عامها خيب الكروازيت وعاد منها بخفي حنين.
""الفنان" فيلم آخر للمخرج الفرنسي كان له حظ أكبر قبل عامين، إذ دخل تاريخ جوائز الأوسكار في 2012 عندما فاز بخمسة من التماثيل الصغيرة. لكن يبدو أن غليل المخرج لن ينطفئ إلا إذا حصل على تكريم بلاده التي يعتبر مهرجان كان بمثابة معلم من معالمها الثقافية. فعاد هازانافيسيوس إلى كان هذا العام بفيلم "المهيب" الذي يشارك في المسابقة الرسمية.
دخل "المهيب" السباق نحو السعفة بقوة إذ تأخر عرضه، مساء السبت 20 مايو/أيار. فبعد انتظار طويل أمام القاعة، تحول خلاله طابور مئات الصحافيين إلى حشد هائل، أخلي قصر المهرجانات بسبب وجود "جسم" مشبوه داخله. وأوضحت الشرطة المحلية لاحقا إن الأمر يتعلق بغرض نساه أحد رواد المهرجان. بعد لحظات قصيرة من الهلع وتدخل فرق كلاب مدربة على كشف المتفجرات، عاد الحضور بسرعة إلى المبنى.
لإغراء لجنة الاختيارات، وربما لاحقا لجنة التحكيم، اختار هازانايسيوس موضوعا على قياس كان. فـ"المهيب" فيلم عن أسطورة السينما الفرنسي جان لوك غودار... سينما عن السينما وعن فترات تاريخية عرفها مهرجان كان نفسه. يتقمص دور غودار الممثل الموهوب لويس غاريل، وتلعب بيرينيس بيجو (زوجة هازانافيسيوس، وتعمل معه بانتظام) في الفيلم إحدى الأدوار الرئيسية.
يركز الفيلم الدرامي الكوميدي على حياة وعمل غودار في السنوات 1967-1968. وكان آنذاك أحد أشهر مخرجي جيله، ويصور فيلم "الصينية" مع المرأة التي يحبها. لكن ردود الفعل بعد صدور "الصينية" يدفعه إلى مراجعة مواقفه ونظرته للسينما لا سيما في علاقته بالسياسة، وهو ما ستعمقه أحداث "ماي 68" في فرنسا. يعكس "هازانافيسيوس" هيبة غودار وتأثيره في مثقفي عصره ثم "انتحاره" السينمائي بقطعه بصفة راديكالية مع أسلوبه السابق.
هل توقف غودار عن القطع مع المألوف وعن علاقة الكر والفر ومفهوم التناقض المغروس في صلب وجوديته كمخرج؟ هذا ما يطرحه هازانافيسيوس عبر فيلم ثري الذاكرة وفي نفس الوقت عالي الفكاهة (التي لا تخلو منها أفلام غودار). فكأن هازانافيسيوس يكرم غودار وفي نفس الوقت يقبره، عبر الوقوف عند مسافة ساخرة ومنبهرة.
غودار لغز السينما الفرنسية، وشفافيتها، كنهها وعماد "موجتها الجديدة". "المهيب" يهيمن دائما في الكواليس على المخيلة الجماعية والذاكرة البصرية، عبر حضور الغائب. فظهر ذلك مثلا في مهرجان كان العام الماضي الذي اختار لملصقه الرسمي مشهدا من فيلم "الاحتقار" (1963) لغودار، والصورة الصفراء الفاقعة تظهر لحظة صعود الممثل ميشال بيكولي درج بيت إيطالي فخم في طور البناء. وهذا الديكور الذي صور فيه "الاحتقار" يجمع كامل الخيال المحيط بالكروازيت حيث يطأ نجوم العالم يوميا الدرجات الـ24 وصولا إلى قصر المهرجانات.
شارك غودار سبع مرات في السباق نحو السعفة الذهبية ولم يفز بها يوما. شخصية غودار أراقت الحبر والأشرطة أكثر من أفلامه (وإن كانت شخصيته جزءا من أفلامه)، ففي 2014 كان فيلمه "وداعا للغة" في المسابقة الرسمية، وخلق المخرج الإثارة حول مجيئه إلى الكروازيت. وكان غودار الذي يتقن "روح التناقض" قد صرح عامها للصحافة أنه لن يأتي إلى كان، مؤكدا أن فرضية منحه سعفة ذهبية قبل ثلاثين أو أربعين سنة "كانت لتسيء لي، وأنا سعيد اليوم بأنني تفاديت هذا الضرر".
هكذا هو غودار، من أكثر الشخصيات قدرة على الاستفزاز والتلاعب بتوقعات الجمهور، وبرموز الأدب والسينما. "وداعا للغة" فيلم ثلاثي الأبعاد يصنع أزمة بصرية في نوع من "تجربة تحقيق سينمائي"، وفاز الفيلم بجائزة لجنة التحكيم وكانت المرة الوحيدة التي نال فيها جائزة من المهرجان الذي تربطه به علاقة عاصفة.
من أقوال غودار المأثورة "من باب المفارقة، أفضل أن لا توجد جائزة". لكن في حال فاز هازانافيسيوس بالسعفة، هل تكون الجائزة له أم تكريما غير مباشر لغودار؟ هل وراء كل سينمائي فرنسي غودار؟ آخر جملة في آخر فيلم للفيلسوف المازح غودار كانت "لا تدرون متى سأعود لكم"، على غرار طرد مشبوه... لا نعرف متى يدق إنذاره.
""الفنان" فيلم آخر للمخرج الفرنسي كان له حظ أكبر قبل عامين، إذ دخل تاريخ جوائز الأوسكار في 2012 عندما فاز بخمسة من التماثيل الصغيرة. لكن يبدو أن غليل المخرج لن ينطفئ إلا إذا حصل على تكريم بلاده التي يعتبر مهرجان كان بمثابة معلم من معالمها الثقافية. فعاد هازانافيسيوس إلى كان هذا العام بفيلم "المهيب" الذي يشارك في المسابقة الرسمية.
دخل "المهيب" السباق نحو السعفة بقوة إذ تأخر عرضه، مساء السبت 20 مايو/أيار. فبعد انتظار طويل أمام القاعة، تحول خلاله طابور مئات الصحافيين إلى حشد هائل، أخلي قصر المهرجانات بسبب وجود "جسم" مشبوه داخله. وأوضحت الشرطة المحلية لاحقا إن الأمر يتعلق بغرض نساه أحد رواد المهرجان. بعد لحظات قصيرة من الهلع وتدخل فرق كلاب مدربة على كشف المتفجرات، عاد الحضور بسرعة إلى المبنى.
لإغراء لجنة الاختيارات، وربما لاحقا لجنة التحكيم، اختار هازانايسيوس موضوعا على قياس كان. فـ"المهيب" فيلم عن أسطورة السينما الفرنسي جان لوك غودار... سينما عن السينما وعن فترات تاريخية عرفها مهرجان كان نفسه. يتقمص دور غودار الممثل الموهوب لويس غاريل، وتلعب بيرينيس بيجو (زوجة هازانافيسيوس، وتعمل معه بانتظام) في الفيلم إحدى الأدوار الرئيسية.
يركز الفيلم الدرامي الكوميدي على حياة وعمل غودار في السنوات 1967-1968. وكان آنذاك أحد أشهر مخرجي جيله، ويصور فيلم "الصينية" مع المرأة التي يحبها. لكن ردود الفعل بعد صدور "الصينية" يدفعه إلى مراجعة مواقفه ونظرته للسينما لا سيما في علاقته بالسياسة، وهو ما ستعمقه أحداث "ماي 68" في فرنسا. يعكس "هازانافيسيوس" هيبة غودار وتأثيره في مثقفي عصره ثم "انتحاره" السينمائي بقطعه بصفة راديكالية مع أسلوبه السابق.
هل توقف غودار عن القطع مع المألوف وعن علاقة الكر والفر ومفهوم التناقض المغروس في صلب وجوديته كمخرج؟ هذا ما يطرحه هازانافيسيوس عبر فيلم ثري الذاكرة وفي نفس الوقت عالي الفكاهة (التي لا تخلو منها أفلام غودار). فكأن هازانافيسيوس يكرم غودار وفي نفس الوقت يقبره، عبر الوقوف عند مسافة ساخرة ومنبهرة.
غودار لغز السينما الفرنسية، وشفافيتها، كنهها وعماد "موجتها الجديدة". "المهيب" يهيمن دائما في الكواليس على المخيلة الجماعية والذاكرة البصرية، عبر حضور الغائب. فظهر ذلك مثلا في مهرجان كان العام الماضي الذي اختار لملصقه الرسمي مشهدا من فيلم "الاحتقار" (1963) لغودار، والصورة الصفراء الفاقعة تظهر لحظة صعود الممثل ميشال بيكولي درج بيت إيطالي فخم في طور البناء. وهذا الديكور الذي صور فيه "الاحتقار" يجمع كامل الخيال المحيط بالكروازيت حيث يطأ نجوم العالم يوميا الدرجات الـ24 وصولا إلى قصر المهرجانات.
شارك غودار سبع مرات في السباق نحو السعفة الذهبية ولم يفز بها يوما. شخصية غودار أراقت الحبر والأشرطة أكثر من أفلامه (وإن كانت شخصيته جزءا من أفلامه)، ففي 2014 كان فيلمه "وداعا للغة" في المسابقة الرسمية، وخلق المخرج الإثارة حول مجيئه إلى الكروازيت. وكان غودار الذي يتقن "روح التناقض" قد صرح عامها للصحافة أنه لن يأتي إلى كان، مؤكدا أن فرضية منحه سعفة ذهبية قبل ثلاثين أو أربعين سنة "كانت لتسيء لي، وأنا سعيد اليوم بأنني تفاديت هذا الضرر".
هكذا هو غودار، من أكثر الشخصيات قدرة على الاستفزاز والتلاعب بتوقعات الجمهور، وبرموز الأدب والسينما. "وداعا للغة" فيلم ثلاثي الأبعاد يصنع أزمة بصرية في نوع من "تجربة تحقيق سينمائي"، وفاز الفيلم بجائزة لجنة التحكيم وكانت المرة الوحيدة التي نال فيها جائزة من المهرجان الذي تربطه به علاقة عاصفة.
من أقوال غودار المأثورة "من باب المفارقة، أفضل أن لا توجد جائزة". لكن في حال فاز هازانافيسيوس بالسعفة، هل تكون الجائزة له أم تكريما غير مباشر لغودار؟ هل وراء كل سينمائي فرنسي غودار؟ آخر جملة في آخر فيلم للفيلسوف المازح غودار كانت "لا تدرون متى سأعود لكم"، على غرار طرد مشبوه... لا نعرف متى يدق إنذاره.