نظرا للصعوبات الاقتصادية التي رافقت الجائحة وأعقبتها اضطررنا لإيقاف أقسام اللغات الأجنبية على أمل ان تعود لاحقا بعد ان تتغير الظروف

الهدهد: صحيفة اليكترونية عربية بخمس لغات عالمية
الهدهد: صحيفة اليكترونية عربية بأربع لغات عالمية
عيون المقالات

التحديات السورية والأمل الأردني

11/08/2025 - د. مهند مبيضين

مقاربة الأسد لا تزال تحكم البلد.

08/08/2025 - مضر رياض الدبس

سورية في العقل الأميركي الجديد

05/08/2025 - باسل الحاج جاسم

سمومُ موازينِ القوى

28/07/2025 - غسان شربل

من نطنز إلى صعدة: مواد القنبلة في قبضة الوكيل

24/07/2025 - السفير د. محمد قُباطي


ممنوع انتقاد المؤسسة العسكرية في تونس والجيش يتدخّل لمنع انفلاتات




تونس - منير السويسي - قابل نشطاء على شبكة التواصل الاجتماعي فيسبوك باستياء بالغ، حجب السّلطات التّونسية في أيار /مايو لأربع صفحات شخصية على فيسبوك بأمر من محكمة عسكرية نددت بـ"إساءة" أصحاب هذه الصّفحات إلى "المؤسسة العسكرية وقياداتها".


ممنوع انتقاد المؤسسة العسكرية في  تونس والجيش يتدخّل لمنع انفلاتات
وحجبت "الوكالة التونسية للإنترنت" (حكومية) صفحة الناشط اليساري المعارض جلال بن بريك (شقيق الكاتب الصحفي توفيق بن بريك، المعارض البارز لنظام الرئيس التونسي المخلوع زين العابدين بن علي) وثلاث صفحات أخرى تحمل أسماء "وجيه بدر الدين" و"يوسف بتريوت" و"تكريز".

وهذه هي المرّة الأولى التي تحجب فيها الوكالة صفحات على فيسبوك منذ أن أطاحت ثورة 14 كانون ثان/ يناير2011 بالرئيس المخلوع الذي هرب إلى السعودية. وكانت تونس رفعت (بعد هروب بن علي) الرقابة بشكل كامل على شبكة الانترنت.

وطلبت منظمة "مراسلون بلا حدود"في بيان أصدرته في 10 أيار/مايو "من السلطات تبرير حجب صفحة على فيسبوك وإبراز الأساس القانوني لمثل هذا الإجراء العائد إلى قرار عسكري". ولم يسبق أن أصدرت محكمة عسكريّة قرارا بحجب مواقع الكترونية منذ ارتباط تونس بشبكة الانترنت الدولية.

عودة الحجب كانت أحد الأسباب التي من أجلها استقال (في أيار/ مايو) المدوّن وناشط الإنترنت التونسي الشهير سليم عمامو (33 عاما) من منصب "وزير دولة مكلّف بالشباب" (في الحكومة المؤقتة) الذي تم تعيينه فيه (نهاية كانون ثان/ يناير) بعد الإطاحة ببن علي.


وكان عمامو اعتقل قبل أيّام من سقوط نظام بن علي على خلفية نشاطه المناهض لحجب السلطات مواقع الإنترنت.
ويقول مراقبون إن فيسبوك لعب دورا حاسما في الإطاحة بنظام بن علي ، وأشادت الولايات المتحدة الأمريكية بالثورة التونسية لأنها كانت بحسبها أول ثورة في التاريخ الحديث يستخدم فيها شعب وسائط معلوماتية لإسقاط نظام "استبدادي ودكتاتوري".

ومنذ سنوات يحتلّ فيسبوك، بحسب تصنيف موقع "Alexa" الأمريكي لقياس شعبية مواقع الإنترنت، المركز الأول في ترتيب المواقع الالكترونية الأكثر تصفحا في تونس. وبحسب موقع "socialbakers"الذي ينشر إحصائيات محيّنة حول عدد مستعملي فيسبوك عبر العالم ، تجاوز عدد مستخدمي هذه الشبكة في تونس 5ر2 مليون شخص أي حوالي ربع سكان البلاد التي تعد أكثر من 10 ملايين نسمة.

وأمام تعاظم أعداد "الفيسبوكيين" التونسيين أطلقت وزارة الداخلية (بعد الإطاحة ببن علي) صفحة فيسبوك رسمية للتواصل مع المواطنين في خطوة قرأها مراقبون على أنها محاولة من الوزارة لترميم صورتها التي اقترنت بـ"القمع" و"الانغلاق" في عهد الرئيس المخلوع .

وكانت "الداخلية" أول وزارة في تونس تحدث صفحة خاصة بها على فيسبوك. وقبل نهاية شهر أيار /مايو فاق عدد المشتركين في صفحتها 200 ألف.

وازداد إقبال التونسيين على موقع فيسبوك منذ أن حجبته السلطات لعدة أيام سنة 2008 (من 24 آب/ أغسطس إلى 2 سبتمبر/أيلول). ولم يكن عدد مستخدميه يتجاوز وقتئذ 28 ألفا. وكانت تونس أول دولة في العالم تحجب فيسبوك.

ورغم إعادة فتح الموقع فإن السلطات عمدت إلى قرصنة وحجب الصفحات الشخصية لمعارضي بن علي ومنتقديه على الفيسبوك. و أثارت عودة الحجب عبر المؤسسة العسكرية مخاوف وقلق مستعملي الانترنت من الرجوع بالبلاد إلى مرحلة "القمع الإلكتروني" التي عاشتها في عهد بن علي.

وكانت منظمة "مراسلون بلا حدود" صنفت في تقرير أصدرته يوم 12 آذار/ مارس 2010 بمناسبة "اليوم العالمي لمكافحة الرقابة الإلكترونية" بن علي من بين عشرة رؤساء دول في العالم وصفتهم بـأنهم "أعداء" حرية الإبحار على الإنترنت.

وذكرت المنظمة أن تونس "تعوّل على استراتيجية متقنة لتطوير البنى التحتية لأغراض اقتصادية ولكنها تراقب المحتويات السياسية والاجتماعية عن كثب" و"تظهر تعصباً فعلياً إزاء الأصوات الناقدة ملاحظة أن "أنظمة الترشيح (الحجب) التونسية والصينيّة تعتبر الأكثر ابتكارا" في العالم.

و حذرت وزارة الدفاع التونسية (في أيار/مايو) من "تعمد بعض المواطنين إحداث صفحات خاصة بهم على شبكة الإنترنت قصد الإساءة إلى المؤسسة العسكرية وقياداتها من خلال نشر مشاهد فيديو وتداول تعاليق ومقالات مغرضة ترمي إلى زعزعة ثقة المواطن في الجيش الوطني وبث البلبلة والفوضى بالبلاد".

وقالت الوزارة على موقعها الإلكتروني:"أمام هذه السلوكيات المنحرفة والمخلة بآداب التعامل مع شبكة الإنترنت، بادرت وزارة الدفاع الوطني بعد أن تحصلت على تسخير صادر عن حاكم التحقيق بالمحكمة العسكرية الدائمة بتونس بإخطار الوكالة التونسية للإنترنت لحجب الصفحات" المذكورة.

ووصف مصدر عسكري قرار المحكمة العسكرية حجب 4 صفحات فيسبوك بأنه إجراء "قانوني تماما". وقال المصدر الذي طلب عدم نشر اسمه لوكالة الأنباء الألمانية (د.ب.أ) إن الفقرة الأولى من الفصل 91 من مجلة المرافعات والعقوبات العسكرية الصادرة سنة 1957 تجيز ملاحقة أصحاب هذه الصفحات قانونيا.

ويقضي هذا الفصل بتسليط عقوبة السجن لفترات تتراوح بين 3 أشهر و3 سنوات على "كل شخص عسكري أو مدني تعمّد بالقول أو الحركات أو بواسطة الكتابة أو الرسوم أو الصور أو الأفلام، تحقير العلم أو تحقير الجيش ومسّ كرامة وسمعة الجيش أو معنوياته، أو يقوم بما من شأنه أن يضعف في الجيش روح النظام العسكري والطاعة للرؤساء أو الاحترام الواجب لهم، أو انتقاد أعمال القيادة العامة أو المسئولين عن أعمال الجيش بصورة تمسّ كرامتهم" .

الكاتب الصحفي توفيق بن بريك انتقد تحوّل المؤسسة العسكرية في تونس إلى "مقدّس ومحظور يخاف (الناس) الاقتراب منه" منذ إعلان حالة الطوارئ في البلاد إثر هرب الرئيس المخلوع وتنامي الدور الأمني للجيش.

أرجع مراقبون حجب صفحات الفيسبوك إلى ما اعتبروه نيلا من الجنرال رشيد عمار قائد أركان الجيوش الثلاثة (البر والبحر والجوّ) وعدد من رموز الحكم في تونس.

ونشرت الصفحات المذكورة مقاطع فيديو وصور كاريكاتير ونصوصا اتهم أصحابها عمّار والحكومة المؤقتة بالعمالة للخارج وبالالتفاف على الثورة والتواطؤمع بقايا نظام بن علي وحزب التجمع الدستوري الديمقراطي المنحلّ (الحزب الحاكم في عهد الرئيس المخلوع).

وتضمنت بعض مقاطع الفيديو سبابا وشتائم وهتكا لأعراض هؤلاء. وقد نشر موقع "تكريز" صورة مفبركة بدا فيها الرئيس التونسي المؤقت فؤاد المبزع عاريا تماما.

الصحفي التونسي منذر بالضيافي اعتبر أن تونس دخلت في مرحلة "انفلات وفوضى فيسبوكية" خطيرة بالتوازي مع حالة الانفلات الأمني والاجتماعي التي لا تزال البلاد تحاول الخروج منها.

ولفت إلى أن كثيرا من الكتابات والمضامين التي تنشر على الفيسبوك لا تلتزم بأدنى الأخلاقيات والضوابط المتعارف عليها في وسائل الإعلام التقليدية وأنها باتت تهدّد "الاستقرار السياسي والاجتماعي" للبلاد

وقال لـ(د.ب.أ) إن إغلاق هذه المواقع لا يجب أن ينظر إليه على أنه تعدّ على الحق في الإعلام وحرية التعبير بل "حماية للمجتمع من أخطار الفوضى والانفلات والشائعات والفتنة التي يتمّ الترويج لها عبر فيسبوك."

واقترح أن يوكل أمر حجب مثل هذه المواقع إلى "هيئة قضائية مستقلة وأن لا يترك بيد جهات هي في الأصل ضد حرية الرأي والتعبير" مشيرا إلى أن هذه الحرية هي "الضمانة الأولى لتحقيق الانتقال الديمقراطي" في البلاد.

ولفت الصحافيّة هدى الطرابلسي إلى أن العديد من صفحات الفيسبوك التي تهتمّ بالشأن التونسي أصبحت منابر لننشر الشائعات والأخبار الزائفة والمعلومات المريبة، ملاحظة أنّ هذه الصفحات تلقى رغم ذلك إقبالا كبيرا من مستعملي الإنترنت.

ولم تستبعد أن تكون غاية القائمين على هذه الصفحات إثارة الفتن وإدخال البلاد في حالة فوضى معتبرة أنّه "من الطبيعي أن يتدخل الجيش في مثل هذه الأحوال لاسيما وان تونس تعيش حالة طوارئ".

لكنها أكدت في المقابل أنّه ليس من المقبول أيضا أن "يصبح كل من يعبّر عن رأيه بحرية على فيسبوك معرضا للمحاكمات العسكرية والمساءلات بتعلّة أمن البلاد ونشر الفتنة وغيرها من هذه التهم الجاهزة".

من جانبه يقترح الصحافي نبيل الشاهد "إخضاع" فيسبوك إلى "ميثاق شرف وإلزام الصفحات التي تعالج القضايا السياسية و الدينية باحترام نواميس العمل الصحفي و التحري في نقل الخبر و عدم هتك أعراض الناس". وقال لـ(د.ب.أ) إنه "لا بد من توعية الجمهور أن فيسبوك ليس بديلا عن الإعلام التقليدي ولكنه قد يكون مكملا له و متكاملا معه".

ولفت إلى أن فيسبوك يلقى رواجا كبيرا في "الدول التي تعاني من تخلف إعلامي" داعيا إلى تطوير أداء وسائل الإعلام التقليدية والاقتراب أكثر من مشاغل المواطن حتى يثق فيها الأخير وينحسر بذلك التأثير السلبي لشبكة فيسبوك.

في المقابل يرى المدوّن والصحافي سفيان الشورابي أن العودة إلى سياسة الحجب في تونس أمر عبثي لأنها ستدفع حسب رأيه نشطاء الإنترنت إلى الاستنجاد مجدّدا بكاسرات الحجب التي استخدموها في عهد بن علي للنفاذ إلى مواقعهم المفضّلة المحجوبة.

منير السويسي
السبت 25 يونيو 2011