جاء الطلب بعد أن رفضت الأردن مرور مساعدات إسرائيلية إلى السويداء عبر أراضي المملكة، مما دفع القوات الإسرائيلية إلى إسقاطها جواً، وبعدما أعربت الحكومة السورية للولايات المتحدة عن قلقها من إمكانية استخدام الميليشيات الدرزية للممر الإنساني لتهريب الأسلحة. هناك عدّة أهداف وغايات تطمح إسرائيل لتحقيقها في حال حصلت على موافقة الحكومة السورية بفتح ممرّ إنساني إلى السويداء، أبرزها:
• محاولة تبييض صفحة إسرائيل السوداء بعد الحصار الخانق الذي فرضته على غزة، وتسبب بحدوث مجاعة ووفيات طالت الكثير من الأطفال، وترتقي إلى تصنيفها أنها إبادة جماعية، مما جعل إسرائيل تتعرض بطريقة غير مسبوقة لموجة من الانتقادات الدولية، والرفض الشعبي لممارستها في معظم أنحاء العالم، وهي تريد من "الممرّ الإنساني" المزعوم إلى السويداء أن تبدو بشيء من مظاهر الإنسانية، والمفارقة أنّ طلب إسرائيل جاء بوساطة من الولايات المتحدة التي استخدمت الفيتو لحمايتها من الإدانة في مجلس الأمن.
• توجيه الاتهام للحكومة السورية بمنع وصول المساعدات الإنسانية إلى السويداء، وأن هذا المنع يأتي على خلفية التمييز الطائفي ضد الدروز، غير أنّ بيان عمّان السوري الأردني المشترك في 12 آب/ أغسطس يقطع الطريق على مساعي تل أبيب في هذا الخصوص؛ حيث رحب بخُطوات الحكومة السورية وقبولها لزيادة دخول المساعدات الإنسانية لجميع المناطق في محافظة السويداء، وتعزيز تدفُّقها بما يشمل التعاون مع وكالات الأمم المتحدة المعنية، وكانت دمشق قد فتحت ممرات إنسانية أرسلت عبرها قوافل من المساعدات الإنسانية، والمواد التشغيلية اللازمة لاستعادة الخدمات الأساسية، وأتاحت للراغبين بالخروج من السويداء المرور عبرها، والتوجه إلى أي وجهة يريدونها داخل البلاد وخارجها، ودون التعرض لأي منهم بالمضايقة أو الاعتقال حيث لم تسجل أي حادثة بذلك.
• توطيد نفوذها في سوريا، فإلى جانب التوغلات العسكرية البرية، وتوسيع السيطرة على بعض مناطق خطوط التماس، فإن إسرائيل تعمل أيضاً على إنشاء جناح تابع لها في سوريا شبيه بتبعية الطائفة الشيعية وحزب الله لإيران في لبنان، وتعمل من خلاله على التدخل في الشؤون الداخلية السورية، وضرب الاستقرار الذي تسعى إليه الدولة السورية بعد زوال نظام الأسد.
• تحريض مكونات سورية أخرى مثل الأكراد والعلويين على افتعال مواجهات مسلحة من الحكومة السورية، وأنها ستكون مستعدة لتقديم الدعم لهم، وإمكانية الضغط على الحكومة السورية بفتح ممرات إنسانية لهم بما يُؤمّن لهم الاستمرار لأطول فترة ممكنة في هذه المواجهات، والطلب الإسرائيلي يتضمن أيضاً توجيه المساعدات إلى الدروز حصرياً وليس لجميع المتضررين من الأحداث، وهي بذلك تسعى إلى ضرب السلم الأهلي، والمصالحة المجتمعية التي تعمل عليها الحكومة السورية، والتي رحّب بها بيان عمّان.
• إقناع المجتمع الدولي بالتدخل لحماية الأقليات في سوريا، وتدويل هذا الملف وصولاً لتقسيم البلاد، أو إرساء كانتونات خارجة عن سيطرة الحكومة المركزية، تحتفظ الميليشيات المنتشرة فيها بسلاحها، وترفض تسليمه، والاندماج في القوات الوطنية الحكومية العسكرية والأمنية، والمفارقة أن الولايات المتحدة تقدم في الوقت ذاته ورقة إلى الدولة اللبنانية حول نزع سلاح حزب الله، فيما تتوسط في سوريا لاتفاق يُؤمّن للميلشيات الدرزية الاحتفاظ بسلاحها، وبسيطرتها على جزء من الأراضي السورية.
بالمحصِّلة، يُفترض أن تقود المعطيات السابقة لرفض الحكومة السورية أيّ طلب إسرائيلي لإقامة ممرّ إنساني نحو السويداء، وعدم القبول بالتفاوض حوله، مع تأكيد التزامها الكامل بالتعاون مع الأمم المتحدة والوكالات التابعة لها في تلبية الاحتياجات الإنسانية في السويداء.