نظرا للصعوبات الاقتصادية التي رافقت الجائحة وأعقبتها اضطررنا لإيقاف أقسام اللغات الأجنبية على أمل ان تعود لاحقا بعد ان تتغير الظروف

الهدهد: صحيفة اليكترونية عربية بخمس لغات عالمية
الهدهد: صحيفة اليكترونية عربية بأربع لغات عالمية
Rss
Facebook
Twitter
App Store
Mobile



عيون المقالات

من نطنز إلى صعدة: مواد القنبلة في قبضة الوكيل

24/07/2025 - السفير د. محمد قُباطي

في كذبة الوطنية السورية

21/07/2025 - غازي دحمان

خديعة الرحمة

03/07/2025 - هناء محمد درويش


ولكن هل يرتاح رأسنا بالتقسيم؟ المسألة تتعدى إشكالية الأكثرية والأقليّات





بعد ما جرى في الساحل في آذار الماضي، ثم في السويداء مؤخراً، عاد الحديث عن تقسيم سوريا كحلٍ لدرء مخاطر الحرب الأهليّة، وكأنه لا أمل للسوريين إلا بعزلهم طائفياً وقومياً عن بعضهم بعضاً. ولكن هل التقسيم ممكن؟ وحتى لو كان ممكناً؛ هل هو نافع حقاً وواقعياً؟


 

ويَدرجُ الحديثُ عن صعوبة تقسيم سوريا انطلاقاً من عدّة مقاربات: الأولى مقاربة ديمُغرافية؛ فالسوريون مختلطون ببعضهم بعضاً أكثر مما يظنون، وتقسيم البلاد يعني مأساة تشريد بشريّة كبيرة. شهدنا مثالاً مؤلماً على ذلك في العهد البائد فيما سمي اتفاقية المدن الأربعة، ونشهد مثالاً جديداً حالياً في إخراج عائلات بدوية من السويداء، ويغادر علويون ريف حماة الشمالي نتيجة الانتهاكات المتكررة. ولكن كلَّ هذا لا يقتربُ أبداً من حجم الترانسفير المأساوي المتوقع إن حصل تقسيمٌ حقيقيّ.
المقاربة الثانية سياسية؛ فهل تستطيع الكيانات السورية الاستقلال فعلاً؟ هل ستشكل عامل استقرار أم احتقان محليّ وإقليميّ؟ من الصعب الإجابة بنعم، وخاصة أن الصراع في سوريا شهد فعلاً نوعاً من الحكم الذاتي في مناطق مثل السويداء والحسكة وإدلب، ولكن لم يبدُ أن المجتمع الدولي يدعم ذلك نحو الاستقلال، لا بل بقيت مناطق حكم ذاتي تشترك مع النظام بمؤسساته في بعض النواحي وتُنازعه في أخرى، وتختبر صراعاً فيما بينها أحياناً، وصراعاً على النفوذ حتّى في داخلها.
أما المقاربة الثالثة فهي جغرافية؛ كيانٌ علوي مستقل في الساحل سيكون محاصراً بالداخل السوري وتركيا، والسويداء تحدّها درعا والأردن وريف دمشق، أما قُرْبُ مناطق نفوذ قسد من كردستان العراق فهو عاملٌ مانعٌ للاستقلال لا مشجعٌ عليه إن نظرنا إليه من زاوية تركيّا.
مع كل ذلك؛ لنتصور أن سوريا انقسمت فعلاً إلى دولتين، ولنُطلق عليهما سنّستان وأقليّستان، ما هي السيناريوهات المحتملة؟ انطلاقاً من نموذج إدلب ليس من المستبعد أبداً أن يعود النزاع على السلطة بين الفصائل بالظهور في سنّستان، فتوحُّدها الحالي (إن توحدت فعلاً) طارئٌ وحديث، وناجمٌ عن سقوط النظام وضغوطٍ دوليّة، ولم تكن هكذا الحال في إدلب والشمال قبل السقوط. ومن جهة أخرى من غير المستبعد أن تظهر شرائح اجتماعية جديدة متضررة من السلطة في سنّستان إن بقيت بشكلها الحالي المتمثل بحكم هيئة تحرير الشام، شرائح كانت غائبة أو صامتة في ظل التوتر الطائفي السابق أو في فترة النزاع مع النظام.
أما المشكلة الكبرى فهي ستكون بتقديري في أقليّستان، حيث ستظهر بوضوح مشكلة كامنة في الطوائف السورية الأخرى بمعزل عن نظيرها المكون السنّي الأكثريّ. وحتى نوضّح ذاك دعونا نعود برحلة في الذاكرة إلى الحرب الأهليّة اللبنانية. لم يشارك سنّة لبنان فصائلياً في الحرب اللبنانيّة إلا بشكل محدود جداً، أما المشكلة الفلسطينية فقد كانت تحدياً وطنياً اختبره الأردن قبل لبنان، والفارق أن هناك لبنانيين وقفوا مع الفلسطينيين انطلاقاً من رؤية إيديولوجية عروبية أو شيوعيّة، أما بعد خروج الفلسطينيين من لبنان فقد كان النزاع بين اللبنانيين؛ درزياً مسيحياً، ومسيحياً مسيحياً، وشيعياً شيعياً. بينما لم يشهد لبنان في حربه الأهليّة، للمفارقة، نزاعاً بين شيعته وسُنّته.
لكن ماذا يعني ذلك؟ يعني أنّ الطائفيّة في مجتمعاتنا تتعدى إشكالية أكثرية وأقليات، وأن التكتل حول الطائفة، وحول وجاهاتٍ وزعماء محليين فيها، أو حول سلطةٍ تمثلها، الأمر الذي ظنناه دفاعاً جيداً أمام خطر الآخرين، هو في الواقع يشكل مُركَّباً مرتاباً بالآخرين باستمرار، وهو مولِّدٌ لمزيد غير منتهٍ من التقسيم، ومعيقٌ بالتالي لإنتاج حالة وطنيّة حتّى لو كانت الدولة متجانسةً طائفياً بالكامل. وما تخيلناه حماية من الحرب الأهليّة، هو في الواقع مُنتِجٌ مستمرٌ لها.
إلى ماذا نخلص؟ نخلص إلى أننا إنْ أردنا الخير لسوريا فإنَّ علينا التفكير خارج صندوق الصراع بين أقليّات وأكثريّة، بل أن نَتَّهِمَ التسييسَ الطائفي برمّته ونرفضه، وننطلقَ إلى التكتل حول قيم أخلاقية وسياسية تساعدنا في بناء عقدٍ وطنيٍّ يهتم بحقوق الأفراد أيّاً كانوا. وقد نُتَّهم نحن المتكلمون اليوم بمفردات الدولة الدستورية والمواطنة والديمقراطية بالطوباوية والقفز فوق الواقع، لكن هذه المقالة بالمقابل تتهم أنماط الواقعية التي تبرر التقسيم اليوم، وأنماط الواقعية التي بررت في السابق الاستبداد، بأنها هي التي ليست واقعية على الإطلاق. ثمة أنماطٌ من الواقعية تقودنا نحو دولة مستحيلة وبالتالي الفناء، بينما الواقعية الوحيدة الممكنة هي دولة محايدة بين مواطنين أفراد، تكون الضامنَ الوحيدَ لاستقرار هذه البقعة من الأرض، وإلا فإننا سنبقى في مستنقع الصراع والتخوين والاتهامات والريبة. وبالتأكيد، تقفُ أمام مشروع دولة كهذه عقباتٌ كثيرة، إلا أنّ تجاوز العقبة الأولى الأهم يكون باليقظة؛ اليقظة من هوام الأب الخالد، وكذلك من هوام قتل الأخ الآخر،
واليقظة من الظن بأن هذه الهوام أو تلك هي الواقع الوحيد الممكن
-------------
الجمهورية نت

عابد الريّس
الجمعة 25 يوليوز 2025