نظرا للصعوبات الاقتصادية التي رافقت الجائحة وأعقبتها اضطررنا لإيقاف أقسام اللغات الأجنبية على أمل ان تعود لاحقا بعد ان تتغير الظروف

الهدهد: صحيفة اليكترونية عربية بخمس لغات عالمية
الهدهد: صحيفة اليكترونية عربية بأربع لغات عالمية
عيون المقالات

التعميم بوصفه "تخبيصة" العقل الأولى

18/04/2024 - مصطفى تاج الدين الموسى

رسائل النيران بين إيران وإسرائيل

15/04/2024 - محمد مختار الشَنقيطي

جنوب لبنان.. بعد غزة

06/04/2024 - عبد الوهاب بدرخان

غزة والأخلاق العابرة للحدود والأرباح

06/04/2024 - عدنان عبد الرزاق

نزار قباني وتلاميذ غزة

06/04/2024 - صبحي حديدي

حرب لإخراج إيران من سوريا

06/04/2024 - محمد قواص

على هامش رواية ياسر عبد ربه

04/04/2024 - حازم صاغية


أصدقاء جيفارا و كاسترو .....الجنود المجهولون للثورة الكوبية يتذكرون خطواتها الأولى




مكسيكوستي - خوان دي جوادينزي- لم يكونوا ضمن ركاب قارب الجرانمي الذي نقل الثوار الى شواطئ كوبا كما لم يكونوا ضمن الجيريلا التي قاتلت مع فيدل كاسترو وتشي جيفارا، في جبال سييرا مايسترا، ضد جيش الدكتاتور فولخنثيو باتيستا، وبالتالي لم يظهروا في فيلم المخرج الأمريكي البريطاني ستيفن سودربيرج، الأخير عن جيفارا "تشي الأرجنتيني"، ولكن بالرغم من ذلك فهم جنود الثورة الكوبية المجهولين الذين احتضنوا فيدل وجيفارا ورفاقهم من الثوار في المكسيك التي انطلقت منها شرارة الثورة الأولى.


أنطونيو ديل كوندي أحد جنود الثورة الكوبية المجهولين.
أنطونيو ديل كوندي أحد جنود الثورة الكوبية المجهولين.
وبعد أكثر من خمسين عاما على الثورة الكوبية، لا زالت رسائل فيدل كاسترو الموقعة باسمه شخصيا، تشهد على فضل جنود مجهولين لم يحظوا بأي تكريم سواء تاريخي أو ثقافي أو فني، أمثال أنطونيو الكواتي ديل كوندي (83 عاما) وكذلك ارساثيو بانيجاس "الكيد" أو الصغير الذي توفى في العقد السابع من عمره عام 2001.

يقول ديل كوندي، عندما تعرفت على فيدل طلبت منه أن يسمح لي أن أفعل من أجل الثورة الكوبية ما لم استطع تقديمه للمكسيك. هكذا يتذكر ديل كوندي المولود في نيويورك والذي اضطرت عائلته للعودة إلى مسقط رأسهم في المكسيك، بسبب الكساد العظيم في ثلاثينيات القرن الماضي.

يتذكر العجوز الذي تجاوز العقد الثامن من عمره ولا يزال يقود الدراجة بمنتهى الحيوية والنشاط، على غرار الرسام الإسباني بابلو بيكاسو، اللقاء الأول بالزعيم فيدل كاسترو، قائلا "كنت مستغرقا في عملي في وكالة السلاح الخاصة بالعائلة، ذات صباح حين فوجئت بدخول شخص فارع الطول أشبه بعملاق، يعبر بوابة المحل ليسألني مباشرة إن كنت استطع الحصول على قطع غيار وذخيرة لسلاح بلجيكي من العيار الثقيل".

يتابع ديل كوندي حديث الذكريات " للوهلة الأولى أدركت أن هذا الرجل الأنيق المهندم ضخم الجثة، ليس مجرد زبون عابر، فطلبت منه الدخول إلى مكتبي، ومنذ ذلك الحين بدأت علاقة الصداقة المتينة التي لا زالت تربط حتى اليوم بين رجلين مختلفي الأهداف والتوجهات، وإن تقاربت أعمارهما".

ويضيف العجوز المكسيكي بنبرة مازحة "كان محاميا أنيقا مهيب الطلعة، شديد الاهتمام بمصير وطنه، بينما كنت مجرد تاجر سلاح .. لا بل مجرد فني متخصص في إصلاح وصيانة الأسلحة، ولا تتجاوز دائرة اهتماماتي: الميكانيكا، الريف، السيد، السيارات، الدراجات البخارية والكلاب والنساء الحسناوات كيفما اتفق"..
يقول ديل كوندي "حين قلت لهذا الرجل حسنا بإمكاني مساعدتك .. عرفت أن حياتي بالكامل قد تغيرت".

احتضن ديل كوندي تاجر السلاح المكسيكي قضية الثورة الكوبية، وقرر تزويد ثوار المستقبل بما يحتاجونه من سلاح وبنادق ورشاشات ومسدسات ومدافع مضادة للدبابات من عيار 50 مم، وغيرها من ذخائر ودعم لوجيستي ومواد غذائية كان يجلبها من مزرعته خصيصا لهم.

ويتذكر ديل كوندي ضاحكا "كنا نشتري البنادق من عيار (م-21) من الولايات المتحدة بالكيلو، بحيث لم يكن يتجاوز سعر الواحدة أربعة دولارات".

ويضيف بحنين جارف للأيام الخوالي "اشترينا قارب جرانما من رجل أمريكي يدعى روبرت إريكسون، واستغرقت صيانته وتجهيزه للرحلة التاريخية قرابة العام".

وفقا لديل كوندي كانت حالة القارب بالغة السوء وكان يجب إعداده لحمل 82 مناضلا ثوريا بتجهيزاتهم، في حين أن حمولة القارب أصلا لا تتسع لأكثر من عشرة أشخاص، ولكنه لم يفلح في إقناع فيدل بتلك الحقيقة المرعبة. وفي الحقيقة استطاع 12 فقط من ركاب القارب الاثنين وثمانين الذين بدءوا الرحلة، البقاء على قيد الحياة بينما هلك الباقون خلال المواجهات مع جيش باتيستا.

يؤكد ديل كوندي "استطاع الناجون تكوين نواة هامة لتفريخ الثوار في الجبال، وكان علي مواصلة تزويدهم بالسلاح والمؤن من المكسيك والولايات المتحدة، محاولين توخي الحذر قدر الإمكان، وإن لم يخلو الأمر من تحد، حيث تمكنت قوات الديكتاتور من ضبط شحنة السلاح المعروفة والقبض على حامليها لمدة 11 شهرا.

يضيف العجوز المكسيكي "علمت بعد ذلك من أحد مصادري في سجون كوبا أن فيدل وأنصاره نجحوا في دخول هافانا في 8 كانون ثان/يناير عام 1959 ، ولكن قبل نجاح هذه المهمة عرفت أن 40 من أبرز كوادر الثورة من بينهم تشي جيفارا وراؤول كاسترو الرئيس الكوبي الحالي الحالي، يخوضون حرب عصابات ضارية داخل الأحراش والجبال استمرت قرابة عام ونصف.

أما شقيقة ارساثيو الكيد، إيرما بانيجاس (77 عاما) فتروي ذكرياتها مع الثوار الذين وضعت أسرتها منزلهم الذي يرجع إلى عام 1896 تحت تصرف فيدل والتشي ورفاقهم بالعاصمة مكسيكوسيتي.

تقول إيرما "لكثرة عدد الثوار ونقص الاستعدادات في المنزل كان غالبيتهم يفترشون البسيطة، بينما كانوا يخبئون أسلحتهم ومعداتهم أسفل أرضية غرف المنزل". وتضيف بحماس "أطلقت على ابني اسم راؤول تيمنا باسم الرئيس الكوبي الحالي الذي كان عرابه".

تحكي إيرما عن ذكرياتها الخاصة عن فيدل "كنت عندما اسمع ثلاث طرقات متتالية على النافذة أعرف أن فيدل قد وصل إلى المنزل ليواصل اجتماعاته حتى الصباح مع رجاله .. أحيانا كان راؤول يتغيب عن الاجتماعات للسهر أو الترفيه، ولكن فيدل لم يكن يخفي غضبه من أخيه الأصغر، حيث كان يعاقبه بإرساله للمطبخ لإعداد الطعام للرفاق أو لغسل الأواني والملابس".

وتضيف ضاحكة "طبعا في كل مرة كان هذا يحدث كان عقاب فيدل لشقيقه راؤول يقع على رأسي أنا وأختي خواكينا، حيث كنا نقوم بكل المهام نيابة عنه بينما يغط هو في النوم مكدودا من سهرة الأمس".

كان ارساثيو "الكيد" أو الصغير، ذلك المناضل المحترف آنذاك يقوم بمهام الإعداد البدني لمناضلي الثورة، كان يأخذهم في مسيرات طويلة عبر الجبال الوعرة، بالإضافة إلى تدريبهم على فنون القتال رجلا لرجل.

ولايزال منزل عائلة بانيجاس، رقم 27 الكائن بالقرب من مقر المحكمة الجنائية بوسط العاصمة المكسيكية، قائما حتى الآن، ولكن ليس بوصفه متحفا أو معلما يدل على الثورة، بل مجرد منزل عادي لا يكاد يذكر، سوى من بعض الباحثين أو من بعض الأصدقاء من السفارة الكوبية الذين يترددون على المنزل.

وبالرغم من ذلك، لا يزال المنزل العريق الذي يعد الذاكرة الحية على الثورة الكوبية، يحتفظ في بعض أركانه ببعض الأشياء ذات القيمة التاريخية الكبيرة مثل وعاء تحضير "مشروب المتة" التقليدي – أشبه بأوراق الشاي تغلى في وعاء فضي وتشرب ساخنة -، وقنينة شراب المتة الفضية المحلاة بقطعة معدنية أرجنتينية، وإحدى حقائب الظهر الخاصة بتشي جيفارا، بالإضافة لبعض القمصان الرياضية وخزنة بندقية من طراز (م-1) تخص فيدل كاسترو.

هناك أيضا قطعة نادرة تتمثل في لوحة للبهو الداخلي لكنيسة عذراء "جوادالوبي" – راعية المكسيك – منقوشة بالثقوب، بصورة رائعة إذا وضعت أمام الضوء يبدو مذبح الكنيسة كما لو كان مصنوعا من نور، وهذه تخص فيدل.

تتذكر إيرما "كانت هنا قطعة أثاث شعبي، عبارة عن صندوق خشبي مثبت عليه أباجورة، ذات تصميم ردئ، انتشرت بشدة هنا وفي كوبا، وكان الكوبيون يبيعونها لكسب قوتهم اليومي". وتضيف "كانت هذه القطعة من تصميم تشي جيفارا نفسه، نقلها عن تصميم من جواتيمالا، غير أن التصميم الأصلي الذي لم يعد موجودا الآن كان يحمل صورة للمسيح ولكن أسود البشرة".

كانت هذه القطع النادرة وغيرها من الأشياء التي تركها الثوار وراءهم ليهرعوا لإتمام رحلتهم التاريخية إلى كوبا على متن قارب جرانما – وتعني بالعربية الأم الكبيرة أو الجدة – خوفا من ملاحقة الشرطة التي اكتشفت مخبأهم في منزل عائلة بانيجاس.

خوان دي جوادينزي
الاحد 26 يوليوز 2009