تم إيقاف أقسام اللغات الأجنبية مؤقتا على أمل ان تعود لاحقا بعد ان تتغير الظروف

الهدهد: صحيفة اليكترونية عربية بخمس لغات عالمية
الهدهد: صحيفة اليكترونية عربية بأربع لغات عالمية
عيون المقالات

المسار التفاوضي بين الحكومة السورية وقسد.. إلى أين؟

01/10/2025 - العقيد عبدالجبار العكيدي

أعيدوا لنا العلم

18/09/2025 - أحمد أبازيد

عودة روسية قوية إلى سوريا

17/09/2025 - بكر صدقي

لعبة إسرائيل في سوريا

10/09/2025 - غازي العريضي

من التهميش إلى الفاشية

10/09/2025 - انس حمدون

الوطنية السورية وبدائلها

04/09/2025 - ياسين الحاج صالح


اشتهرت بأنها مرتع للعنف وموطن أباطرة المخدرات لكن "ريو دي جانيرو" تصر بأن لها وجهاً آخر




ريو دي جانيرو - إنها جزء لا يتجزأ من مدينة ريو دي جانيرو البرازيلية، ولا تقل شهرة المدينة بها عن شهرتها بأقماع السكر وشواطئ كوباكابانا المشهورة وتمثال المسيح المخلص على جبل كوركادو،.. إنها أحياء "فافيلاس" الفقيرة التي يوجد منها المئات في مدينة ريو


حي روسينها في ريو الذي يقطنه نحو 100 ألف نسمة
حي روسينها في ريو الذي يقطنه نحو 100 ألف نسمة
وتشتهر هذه الأحياء بأنها مرتع للعنف والعدائية وموطن أباطرة المخدرات وهذا فعلا جزء من الحقيقة، ولكنه مجرد جزء.

وعلى من لا تكفيه الصور النمطية المسبقة ويريد أن يعرف أكثر عن الأحياء الفقيرة فى ريو وربما فى البرازيل، عليه ألا يزور فقط أحياء ريو ذات الأضواء المتلألئة ايبانيما وليبلون وإنما أيضا حي روسينها الذي ربما يعد أكبر الأحياء الفقيرة في أمريكا الجنوبية.

إنه يوم السبت، الساعة التاسعة صباحا. نقطة التجمع أمام فندق"قصر كوباكابانا" ذي النجوم الخمس. والذي يستطيع كل سائح الوصول إليه بسهولة حتى وإن كان القليلون منهم فقط هم الذين يمتلكون المال الكافي للنزول به.

وها هي حافلة صغيرة تابعة لشركة " فافيلاس تورز" السياحية تأتي مندفعة أمام الفندق ويجلس بداخلها ثلاثة سائحين استراليين معتدلي المزاج.

قال أحدهم: "شاهدنا فى التلفاز تقريرا عن الأحياء الفقيرة، والآن نريد أن نراها بأنفسنا". وتتوقف الحافلة لمحطتين قصيرتين أمام فنادق أخرى حيث يركب أيضا ثلاثة أزواج من هولندا وأمريكا. ثم تواصل الحافلة سيرها.

قال السائح كارلوس وصلت الحافلة حي روسينها بعد عشرة دقائق من السير:" أهلا بكم فى بيتي" ،ولد كارلوس فى حي روسينها. ويسكن هناك هو و أبناؤه ،ويحب كارلوس أو الكاريوكا وهو لقب يطلق على سكان ريو دي جانيرو أن يعيش فى روسينها. ويضيف كارلوس/46 عاما/ قائلا:" أريد أن أحطم الأساطير". فهو يعلم أن الأحياء الفقيرة أو "فافيلاس" تقدم كمادة وفيرة للنشر فى الأساطير وخطوط الصحف العريضة إلا أن الكثير منها ليس صحيحا. وشعاره هو : إنها ليست جولة إنما بالأحرى تجربة اجتماعية".

منذ 21 عاما يرشد كارلوس السياح إلى حي روسينها الفقير. ويقول:" طوال هذه المدة كان لدى فى المجمل فقط نحو 40 برازيليا. إنه أمر مضحك، لكن ربما يعلم السياح الأجانب الكثير عن الأحياء الفقيرة أكثر من البرازيليين أنفسهم".

أولى محطات التوقف للحافلة: "استرادا دا جافيا". حيث التمتع بنظرة إلى الخضرة اليانعة الكثيفة وبقايا غابات "ماتا اتلانتيكا" المدارية.

وبالسير قليلا بعيدا ترى مياه المحيط الأطلسي بلونها الأزرق السماوي . فروسينها تشتهر بمناظرها الأخاذة والفاتنة.

ومن ضمن القواعد القليلة المتبعة فى هذه الجولة أنه "ممنوع تصوير الناس". ويطلق اسم "اميجو دوس امبجو" على عصابة المخدرات والتي لها سلطة في حي روسينها ولا يرحبون بأخذ صورة لهم.

وتقع أغلب الأحياء الفقيرة في شمال مدينة ريو وغربها وليس في الجنوب مثل حي روسينها.
وليس هناك تعداد دقيق لـ"روسينها" التي تعني ترجمتها " "المزرعة الصغيرة".

إلا أن التقديرات الرسمية تذهب إلى أن تعدادهم يبلغ نحو 100 ألف نسمة. أما السكان أنفسهم فيرون أن عددهم 160 ألف نسمة. وتوجد بنيات أساسية ومحلات لا حصر لها وأكشاك بيع وحانات وخطوط حافلات عديدة وكذلك ثلاثة بنوك.

ويقول كارلوس مازحا: “وهي البنوك الوحيدة التى لا تتم مهاجمتها".
وهناك لافتة عند مدخل المدينة مكتوب عليها “روسينها، بيم فيندو” أي “ روسينها، مرحبا بكم”.

ويتكون الحي من بحر من المنازل التي تلتصق بمنحدر الجبل التصاق الحمم البركانية التي أصبحت باردة.

وفى كل مكان تنتشر أسوار بنية مبنية بطوب محروق غير مجصص، آلاف وآلاف من أسقف صاج مموج عليها براميل مياه سميكة زرقاء مصنوعة من البلاستيك.

ويوجد القليل من البيوت الخشبية ومتاهات من السلالم والأزقة والممرات المخفية، لدرجة أن الغريب عن الحي يمكن أن يفقد طريقه فيها، فقط السكان الأصليون يعرفونها جيدا.

وكلما سكن المرء فى المرتفعات كلما يبدو المكان رائعا ولكن ستكون الحياة أكثر صعوبة وإرهاقا، حيث يجب على المرء أن يجر أغلب الأشياء إلى أعلى سيرا على الأقدام. ولذلك فالطلب يكثر على السكن بجانب سفح الجبل.

وتتكلف الشقة الصغيرة المكونة من غرفتين 250 ريال برازيلي (ما يعادل حوالي 100 يورو) فى الشهر. ويتم تجميع القمامة ثلاث مرات يوميا فى أماكن محددة مجمعة لذلك.

كما يتم تسليم البريد فى صناديق بريد مرقمة توجد فى منازل معينة حيث يوضع بهذه الصناديق أيضا بريد للجيران. وقديما كانت كل المنازل من الخشب، حيث كان السكان يرون أن البناء بالأحجار لا يستحق لأنه دائما ما كانت تأتى قوات خاصة لتدمير هذه الأحياء المنغلقة على نفسها.
إلا انه فى منتصف الثمانينيات بدأت حياة آمنة لوجود السكان الذين شرعوا فى البناء بأحجار المباني.

وبعد انتهاء الدكتاتورية العسكرية (1964-1985) فى البرازيل اكتشف المرشحون في الانتخابات سكان هذه المناطق وقصدوهم وخاصة فى أوقات المعارك الانتخابية التى يندفع فها المرشحون إلى المناطق الفقيرة.
ويحكى كارلوس عن أحد المرشحين قوله: "سأبنى لكم هنا جسرا ،أعدكم".

وكان هذا المرشح منذ وقت قصير يقوم بالدعاية فى الحي الفقير من أجل تجميع الأصوات، على الرغم من أن المرشح لم يفكر فى اعتراض المستمعين له فى انه لا يوجد فى الأساس نهر لبناء هذا الجسر.

بينما يؤكد المرشح "سأحضره لكم". بغض النظر عن أن كانت وعوده طرفة أو حقيقية ولكن مثل هذا الأمر يحدث.

وكان الرئيس الحالي لويس إيناسيو لولا دا سيلفا منذ وقت قصير فى زيارة لحى "فافيلا دونا مارتا" حيث أعلن بنفسه عن برنامج زيارة للسياح في هذا الحي. كما صور مايكل جاكسون عام 1996 فيه فيديو أغنيته الشهيرة التى ضربت فى جميع أنحاء العالم "إنهم لا يهتمون بنا" وكذلك مادونا كانت هناك سابقا.

ويرى الرئيس لولا أن رسالته هي ضرورة أن يدرك العالم أن مدينة ريو التى ستستضيف فى عام 2016 بطولة الألعاب الاوليمبية آمنة.

ويرى كارلوس أن قوات من الشرطة في دونا مارتا تهتم بالحراسة الثابتة و بتوفير الأمن والآمان. وتخطط الدولة لتوسيع هذه التجربة لتشمل بؤرا أخرى وتحاصر مناطق العصابات.

فأحياء مثل حى" فيلا كروزيرو " التى جاء منها المهاجم البرازيلي الشهير ادريانو هي بالتأكيد فى أيدي عصابات المخدرات. ويحكم هذا الحي عصابة مروجة للمخدرات باسم "كوماندو فيرميليو" او "الكوماندوز الحمر"، وهم إحدى العصابات الكبيرة فى ريو وذلك على الرغم من أن الشرطة تؤمن الحي بأجهزة صعبة.

والحال في حي " فيلا كروزيرو " مثل الحال فى روسينها حيث تتوفر فيه العديد من الأسلحة والكثير من الناس الذين ليس لديهم ما يخافون عليه.

وفى نزهة قصيرة فى شارع "كامينهو دو بوياديرو" المفعم بالحيوية في روسينها يسير شاب محدثا صخبا بدراجته النارية وسط الناس ويحمل سلاحا أوتوماتيكيا حديثا. ويبدو أنها صورة عادية لا يلتفت إليها ساكنو الحي، بينما تلفت أنظار مجموعة السياح. "ويطلق كارلوس على هؤلاء الشباب "رامبوس" وبالذات على المتفاخرين منهم.

وعلى العكس تماما تسير الحياة بشكل هادئ فى حي كانواس، وبالقرب من المكان الذي تنتهي عنده جولة الثلاث ساعات تقريبا حيث تتجه جموع السياح مرة أخرى إلى الأسفل باتجاه السلم نحو ما يشبه قبور تحت الأرض.

وتقود الممرات الصغيرة التى يبلغ عرضها تقريبا 80 سم إلى متاهات ويمرون على أبواب منازل بعضها مفتوح والآخر مغلق لا يصل إليها شعاع الشمس. وتوجد هناك حانة صغيرة ومحل كوافير صغير بمقعدين، يتم فيه أيضا تقديم خدمة العناية بالقدم (الباديكير).

ويصيح الأطفال بصوت عال من إحدى الشقق بينما يدوي صوت التلفاز العالي فى الشقة المجاورة.

ولا ينبغي على المرء أن يتملكه مرض الخوف من الأماكن الضيقة فى الحي، فكل شيء هنا يبدو متشابكا ملاصقا بعضه البعض.

وتعلن الرحلة انتهاءها عند خمارة كابيرينها حيث يتم تقديم المشروب القومي المصنوع من شراب مسكر عبارة عن ليمون معصور وسكر وثلج، والذي يحبه السياح بصفة خاصة بينما يفضل سكان الحي شرب الجعة بدلا منه لأنها أرخص.

وتعود الرحلة إلى مدينة ريو أو "كاديدا مارافيلهوزا" أي "المدينة الرائعة" مثلما يطلق عليها البرازيليون والتي لا يمكن فصل الأحياء الفقيرة "فافيلاس" عنها

د ب أ
الاحد 31 أكتوبر 2010