نظرا للصعوبات الاقتصادية التي رافقت الجائحة وأعقبتها اضطررنا لإيقاف أقسام اللغات الأجنبية على أمل ان تعود لاحقا بعد ان تتغير الظروف

الهدهد: صحيفة اليكترونية عربية بخمس لغات عالمية
الهدهد: صحيفة اليكترونية عربية بأربع لغات عالمية
Rss
Facebook
Twitter
App Store
Mobile



عيون المقالات

( أيهما أخطر؟ )

24/04/2024 - محمد الرميحي*

إيران.. من يزرع الريح يحصد العاصفة

23/04/2024 - نظام مير محمدي

وقاحة استراتيجية مذهلة

21/04/2024 - راغدة درغام

التعميم بوصفه "تخبيصة" العقل الأولى

18/04/2024 - مصطفى تاج الدين الموسى

رسائل النيران بين إيران وإسرائيل

15/04/2024 - محمد مختار الشَنقيطي

جنوب لبنان.. بعد غزة

06/04/2024 - عبد الوهاب بدرخان

غزة والأخلاق العابرة للحدود والأرباح

06/04/2024 - عدنان عبد الرزاق

نزار قباني وتلاميذ غزة

06/04/2024 - صبحي حديدي

حرب لإخراج إيران من سوريا

06/04/2024 - محمد قواص


التحرش الجنسي في الجزائر.....أحلام تتحول إلى كوابيس






الجزائر - لم يعد الحديث عن التحرش الجنسي في الجزائر من المحرمات" المسلم بها مجتمعيا"، ولا حتى من الطابوهات التي لا يجب الخوض فيها على الملأ، فالموضوع بات حقيقة وواقع معاش، ليست فيه المرأة هي الضحية بالضرورة مثلما هو شائع.
قد يتفق الكل على أن ظاهرة التحرش الجنسي تفشت عبر كل العالم وعند كل الفئات وأصحاب كل المقامات، لكن ليس لنفس الاسباب والمقاصد، سواء في أمريكا أو بريطانيا، وفرنسا، أو في المجتمعات العربية.


 
يعرف سمير عيمر، وهو استاذ علم الاجتماع بجامعة الجزائر، في حديثه لوكالة الانباء الألمانية (د.ب.أ)، التحرش الجنسي بأنه يتمثل في كل اشارة أو رمز أو لفظ أو فعل من الافعال ذو الطابع الجنسي؛ حيث تنتهك فيه حرمة الشخص بجرح احاسيسه. وأنه يحمل عدة اشكال بداية من النظر الحادق ثم التعبيرات بالملامح و قد يصاحب ذلك بعض التصفير والهمس، أو أي نوع من الايماءات والايحاءات، ويدخل ذلك في المضايقات الارادية للمتحرش به، واللاإرادية للمتحرش.

ينبه الأستاذ عيمر، أن المتحرشين اغلبهم يستغلون نفوذهم ومركزهم في العمل يعني انتماءهم إلى فئات وخانات معينة مثل السياسيين أو رجال اعمال، ناهيك عن الأشخاص العاديين.
معاناة في صمت
سمية، فتاة جميلة مفعمة بالحياة، تبلغ من العمر 25 عاما، حصلت لأول مرة على وظيفة مؤقتة، خضعت خلالها للتدريب والتجربة، عملها أعجبها كثيرا، وهو ما جعلها تنخرط فيه كلية. لكن حلم سمية، سرعان ما تحول إلى كابوس، لأن رئيسها في العمل بدأ يتحرش بها جنسيا مع تقديم وعد لها بتمكينها من وظيفة دائمة. سمية، رفضت التخلي عن شرفها، وحاولت مقاومة كل الضغوط والمضايقات، لكن في النهاية طردت من العمل.
كفاءة وحيوية سمية، في العمل، جعلاها محل اهتمام العديد من المسؤولين الذين قدموا لها وعودا كثيرة، غير أنها قررت في النهاية التوقف عن البحث عن العمل عند الغير، مفضلة الاستقرار في بيتها من خلال إطلاق خدمة تجارية عن طريق الانترنت.
حالة سمية، ليست الوحيدة، وبالتأكيد لن تكون الضحية الأخيرة للتحرش الجنسي في الجزائر، لان حالات كثيرة جدا تعاني في صمت، لكن إلى متى؟
امال، لم تكن محظوظة مثل سمية، هي فتاة عادية من عائلة متواضعة، حلمها كان أن تمتهن المحاماة، حتى وإن لم تكن طالبة مجتهدة، فإنها كانت تنجح في الانتقال إلى السنة الجامعية الأعلى، لكن في إحدى المرات فشلت في الحصول على المعدل المطلوب في احدى المواد، وهو ما قادها إلى إعادة السنة، وشاءت الصدف أن تتعثر في نفس المادة خلال الموسم الجامعي الموالي. امال، قررت مغادرة الجامعة، لأن استاذها المسنود والثري، طلب منها تلبية رغباته الجنسية، مقابل منحها العلامة التي تمكنها من الانتقال. امال، لم تفشل في سبيل تحقيق حلمها، حيث نجحت في التسجيل بكلية الحقوق بعد 11 عاما من تجربتها المريرة، بعدما نجحت في نيل شهادة التعليم الثانوي العام مرة ثانية، ودرست اختصاص البيولوجيا.

اللباس ليس هو المشكل؟
يري كثير من الجزائريين أن طريقة لباس الفتاة او المرأة هي من تجلب لها المتاعب لها، ويعرضها لمعاكسات الرجال وحتى سماع الكلام الفاحش البعيد عن الغزل.
يرى منير، وهو شاب اقترب من العقد الثالث من عمره، أن الفتاة التي تخرج بلباس غير محتشم إلى الشارع، سواء كان ذلك بهدف البحث عن فارس الأحلام، أو انسجاما مع مفهوم الحياه العصرية، تريد جذب الانتباه لنفسها حتى لو تسبب ذلك في اثارة الكثير من المشاكل، لافتا أن المرأة التي تظهر مفاتن جسدها، لا يمكن إلا أن تثير الشباب وحتى الرجال من المتزوجين وغير المتزوجين وكم هم كثر بفعل الازمة الاقتصادية التي تعيشها البلاد.
أما الاستاذ عيمر، فيجزم أن اتباع الموديلات الجديدة في اللباس والخضوع لها ، وطريقة التعامل مع نوعية اللباس، وهو ما يسمى بعملية التأثر والتأثير، يؤدي
إلى اضطراب وهستيريا ثم الاعتداء، لأن الإنسان في مثل هذه الحالات يفقد السيطرة والتحكم في النفس. مضيفا بأن بعض الفتيات اعترفن له بأن الكثير من الذكور تحرشوا بهن لما يرتدين. وهذا اعتراف منهن على أن التحرش في بعض الأحيان يسببه الجنس الناعم، خاصة في بعض المجالات والمؤسسات كالجامعات والمؤسسات التعليمية.
لكن البعض يرى عكس ذلك، وأن لباس المرأة لا علاقة له بمثل هذه السلوكيات، لأن المتهمين بالتحرش الجنسي لا يراعون ذلك تماما.
وترى الدكتورة هيبة (لم تشأ ذكر اسمها كاملا)، أنه لم يعد هناك حاجز أمام " الأشخاص المرضى"، داعية إلى تناول الموضوع من زاوية أخرى، بدعوى أن هناك البعض من الفتيات والنساء اللاتي تعرضن للتحرش كن متحجبات.
غير أن نورة وهي طالبة جامعية تكشف حقيقة أخرى، وهي أن التحرش لم يعد مقتصرا على الرجال فحسب، وان هناك بعض زميلاتها يتحرشن بزملائهن الذكور إما بسبب تسريحة شعرهم، وإما لطريقة لباسهم.
قسوة المجتمع
تطرح سعدية قاسم، الناشطة في مجال الدفاع عن المرأة، العديد من الاسئلة أهمها، إلى متى نبقى المرأة ينظر اليها على أنها بضاعة جنسية؟ وانها المذنبة في أي انحراف للرجل؟ إلى متى سيتحمل النساء سماع كلمات مسيئة في الشارع؟ إلى متى سيظللن صامتات لتجنب العار؟، في حين أنهن الضحايا أما المتهمون تجدهم طلقاء لا أحد يقلقهم؟ إلى متى يتعين عليهن الخضوع للعقوبات حتى لو كانت " مخفية" ، مثل التحويلات أو التغييرات في المنصب لمجرد أن المتحرش بهن لا يمكن المساس به؟.
وتعتقد قاسم، أن الحديث عن التحرش الجنسي خاصة في العمل أو في الأماكن العامة مثل الحافلات أو وسائل النقل الأخرى، هو في صلب النقاش الكبير بشأن المساواة بين الجنسين. والواقع أن هناك اتفاقا على انه بالرغم من التطور الذي وصل اليه المجتمع الجزائري، يبقى الجنس لدى المرأة متأصلا في الثقافة المحلية التي تتسامح وتشجع الفتيات على الدراسة واندماجهن في عالم الشغل.
وتضيف بالقول " اليوم النساء استثمرن في جميع المجالات، لكن هذا لا يزال غير كاف. "كل هذه الإنجازات هي بالتأكيد مكاسب لا يمكن إنكارها، لكن الشعور بعدم الأمان ثقيل ويعرقل أي تطور".

الكلام عن تفشي ظاهرة التحرش التي لم يكن لها وجود لها في فترة ما بعد استقلال الجزائر أو حتى أثناء الحرب التحريرية ضد المستعمر الفرنسي، يقود إلى طرح أكثر من سؤال حول دور الأسرة الممتدة والوظائف الأسرية في التوعية والمراقبة والترهيب والعقاب، كما قد يرجع ذلك الى دور الآداب العامة وتفعيله بتطبيق القوانين الخاصة بمن لا يحترم الأخرين ومضايقتهم في الأماكن العامة، ضف إلى ذلك محافظة المجتمع على دينه وتقاليده وعاداته واكتراثه للغير وما يقوله عنه وعدم الاتباع والتقليد الأعمى، لكل ما يراه أو يسمعه والأخذ بعين الاعتبار مكانته مع الأخرين.
عقوبات واليات التصدي
جرمت الجزائر التحرش الجنسي في محاولة للتصدي لهذه الظاهرة الاخذة في التنامي، حيث تنص المادة 341 مكرر من قانون العقوبات المعدل في عام 2015، لأجل التصدي لتعنيف النساء، على أنه " يعد مرتكبا لجريمة التحرش الجنسي ويعاقب بالحبس من شهرين إلى سنة وبغرامة من 500 دولار إلى ألف دولار، كل شخص يستغل سلطة وظيفته أو مهنته عن طريق إصدار الأوامر للغير، أو بالتهديد أو بالإكراه أو بممارسة ضغوط عليه قصد إجباره على الاستجابة لرغباته الجنسية". وتؤكد ذات المادة أنه في حالة العود، تضاعف العقوبة.
احدثت اعترافات لنساء كن مرفوقات بأزواجهن حول التحرش الجنسي الذي تعرضن له بثها التلفزيون، صدمة للمجتمع الجزائري، وثورة في التعاطي مع الموضوع.

تقول سمية صالحي، رئيسة لجنة المرأة بنقابة الاتحاد العام للعمال الجزائريين المقربة من الحكومة، ان تجريم التحرش الجنسي يعكس إجماعا لدى المجتمع، وأن عديد النساء اللواتي يدلين بشهادتهن في تزايد، وأن هناك العشرات منهن لجأن للقضاء، إضافة إلى اللائي يتحدثن عن معاناتهن على مستوى خلايا الاستماع والجمعيات الاهلية لمساعدة النساء ضحية العنف.
وتؤكد صالحي، أن التحرش الجنسي لم يعد من الطابوهات في الجزائر، فالموضوع بات يثار في التلفزيون ووسائل الاعلام الأخرى، لكن-تضيف- من الصعب جدا على المرأة الاعتراف بالوضع الذي تعيشه في حال تعرضها للتحرش لأنها باتت مجرد سلعة جنسية. وبرأيها هناك من يتكلم وهناك من يعاني في صمت.
واقترحت صالحي، سن آليات وإضافة بنود لقانون العقوبات تهدف إلى حماية الشهود لأنه من الصعب جدا تقديم الدليل المادي، على إعتبار أن الأمر يتعلق بتصرفات في نطاق ضيق في مكتب ما، وتمارس من طرف اولئك الذين يملكون السلطة، وبالتالي هناك خطر الطرد من العمل، زيادة على صعوبة الحصول على دعم وتضامن الزملاء. توفير الحماية القانونية للشهود، من شأنه أن يشجع الضحايا على تجاوز الخوف وكسر حاجز الصمت.

يخلص الاستاذ عيمر إلى ان التحرش لم يعد خاصا بالنساء دون الرجال أو بالرجال فقط، فهو يرى أن كل الفئات معنية بسبب التحولات والتغيرات التي يشهدها العالم، وما اتت به من حريات تحت اسم الانفتاح والتقدم، لكنه أكد أن التحرش حتى لو كان ذريعة من خيال وأكذوبة، هو مؤشر على فشل تنشئة المؤسسات الاجتماعية للفرد اجتماعيا.

د ب ا
الاثنين 23 أبريل 2018