(د ب أ): ما هي الصورة النمطية التي تكونت عن إسبانيا خلال عصر الرومانسية؟
أندريو: أهم ما يميز هذه الصورة هو أصالتها، عفويتها، وخصائصها الغرائبية، ولكن هذا يعني بالمفهوم الحالي افتقارها للحداثة. إسبانيا أمة جديدة على الحداثة، وهذا ما يجعلها أكثر أصالة وغرائبية وجاذبية.
وما هو دور الاستشراق في هذا الإطار؟
أندريو: اعتبارا من القرن التاسع عشر كانت قراءة ماضي أو حاضر إسبانيا تتم من خلال منظور شرقي محض. عصر الرومانسية الأوروبية كان يروقه التعامل مع إسبانيا باعتبارها أمة شرقية، كانت تجذبه، لأنها لم تكن مغرقة في الحداثة أو موسومة بالكامل بالطابع الأوروبي.
(د ب أ): من هم المثقفون الذين طرحوا هذه الصورة عن إسبانيا؟ أندريو: بصفة أساسية كتاب وفنانون فرنسيون وإنجليز، وبعض الألمان، لأن هذه البلاد الأوروبية كانت تعتبر الانعكاس الأبرز للحداثة الأوروبية، وكانت آراءهم تعكس حال الدول الأقل حداثة والأقل أوروبية.
(د ب أ): هل حدث أمر مماثل مع دول أخرى في جنوب أوروبا؟ أندريو: الصور النمطية التي أشيعت وتم تأكيدها عن إسبانيا تؤكد طبيعة العلاقة التي تطورت إلى الآن بين شمال أوروبا وجنوبها، وصاغت شكل الصراع بين القديم والحديث في القارة العجوز والممتد منذ القرن السابع عشر، وانعكست أطرافه في القرن الثامن عشر. في البداية كان جنوب أوروبا يتقدم على شمالها ولكن بعد فترة، انعكس الوضع وأصبحت الحداثة هي الطابع المميز للشمال بينما وسم التخلف والافتقار للحداثة دول الجنوب المطلة على شمال المتوسط.
(د ب أ): هل كانت هناك دوافع سياسية وراء هذا التحول؟ أندريو: لآ يمكنني القول أن هناك دوافع خفية، ولكن لا يمكن استبعاد الدوافع السياسية. هناك ميل للصراع من أجل السيطرة بين الشمال والجنوب، بدأ من فرنسا في عهد لويس الرابع عشر، ولكن الصراع حسم لصالح الشمال. هناك سمة توافق بين تغير العلاقات الجيوستراتيجية والجيوسياسية على مستوى القارة العجوز، وما استتبعها من تغير لنمط الهيمنة وصورتها بين الشمال والجنوب.
(د ب أ): لماذا أيد المثقفون الإسبان هذه الصورة النمطية؟
أندريو: الجنوب الذي تم إقصاؤه من عملية التحديث، تسبب في تكوين عقدة لدى الكتاب والمثقفين الذين ينتمون للجنوب، خصوصا أولئك المؤيدين لأفكار الحداثة. كل ما فعله الكتاب الإسبان كان محاولة التفاوض حول مفهوم الحداثة، محاولة وضع تعريف لها وفقا لمعايير أخرى، تضمن لهم إسهاما في هذه الحداثة, أو من ناحية أخرى، محاولة التفاوض على الصور النمطية، على سبيل المثال الإعلاء من القيمة الأخلاقية لبعض الشخصيات أو تبنيها بعد إعادة صياغتها. على سبيل المثال، الثيران، في القرن الثامن عشر كان التنوير هو السمة الغالبة على أوروبا، ومن ثم كانت الثيران بالنسبة لها رمزا للبربرية، واتفق الكتاب الإسبان نسبيا مع هذا المنظور. أصبحت الثيران هي الصورة النمطية عن السائدة عن إسبانيا والإسبان، فما كان من الكتاب والمفكرين الإسبان إلا محاولة صياغة هذا المفهوم لتقديمه بصورة أقل وحشية وأكثر احتشاما من خلال تطوير صورة مصارع الثيران، وعالم الحلبة ليصبح فنا بدلا من مجرد عرض جماهيري شعبي.
(د ب أ): ما هي الصورة النمطية التي عاشت حتى الآن؟
أندريو: كثيرة جدا. كارمن الغجرية، دون جوان، قطاع الطرق ومصارعي الثيران، لا تزال رموزا ترتبطة بوضوح بكل ما هو إسباني، على الرغم من اعتقادي بأن مدلولها قد اختلف في إسبانيا هذه الأيام: لا تزال هناك ثيران، لا تزال الفكرة السائدة عن المرأة الإسبانية أنها فاتنة، تحافظ على شرفها، ولكنها أكثر تحررا وأكثر حيوية، أما الرجل الإسباني فلا يزال ذكرا مفعم بروح الرجولة الشرقية، ولكنه عاشق وحنون ومتفهم.
(د ب أ): هل الاعتقاد السائد بين الإسبان أن بلادهم أقل حداثة من باقي أوروبا؟
أندريو: سائد تماما. اعتقد أن الإسبان على مدار تاريخهم الحديث والمعاصر سيطر عليهم هاجس الحداثة، وأنهم ليسوا أوروبيين بالقدر الكافي، أو ملمين بالحداثة كما يجب، ولهذا يتعين علينا أن نضاعف جهودنا أكثر لإثبات أننا أوروبيون وننتمي للحداثة.
(د ب أ): هل تفاقم هذا الشعور مع الأزمة الاقتصادية؟
أندريو: نعم. في حالة اليونان كانت العواقب وخيمة والوضع رهيب. قامت بعد الصحف الألمانية بالتذكير بسلسلة من الصور النمطية، ترجع إلى الحقبة الرومانسية، تصم شعوب جنوب أوروبا بالكسل والإسراف والسفه، وباتت هذه الصور النمطية، الطريقة الوحيدة التي يفسر من خلالها فشل إدارة رجال السياسة لدينا، سواء في إسبانيا أو اليونان. في فرنسا على سبيل المثال، ارتبط اسم الرئيس الفرنسي السابق، نيكولا ساركوزي بالعديد من فضائح الفساد، ومع ذلك سوف يخوض سباق الانتخابات الرئاسية مرة أخرى، دون أن يكون هذا مثارا لإطلاق صور نمطية عن ارتباط الساسة الفرنسيين بالفساد، على العكس من ذلك فساد الساسة وفشلهم في إسبانيا مرتبط بصور نمطية عن الشعب الإسباني. من ناحية أخرى، جزء من المسؤولية عن هذه الصور النمطية، يتحمله الإسبان أنفسهم.
(د ب أ): كيف أسهمت هذه الصور النمطية في تغذية الروح القومية داخل إسبانيا؟
أندريو: أعتقد أن حركة الإصلاح التي ظهرت أواخر القرن التاسع عشر كرد فعل على خسارة إسبانيا لكوبا آخر مستعمراتها في الأمريكتين وهزيمة أسطولها على يد الجيش الأمريكي عام 1898، في جانب من جوانبها حاولت التصدي لفكرة أن إسبانيا كلها النمط الأندلسي الشرقي، وإعلاء من قيمة قوميات أخرى مثل الباسكية والكتالونية، في إطار نفس فكرة صراع الهيمنة بين الشمال والجنوب لكن في نطاق أضيق. أصبحت أقاليم الشمال، كتالونيا والباسك، ترى نفسها أكثر انتماء لأوروبا وأكثر حداثة من باقي إسبانيا وخصوصا الجنوب، ومن ثم يتعين عليها الانفصال عنه لأنه أقل حداثة.
خابيير أندريو ميراييس /37 عاما/ دكتور الأدب المعاصر بجامعة فالنسيا، متخصص في التاريخ الثقافي وتراث الأمة الإسبانية، درس العلاقة بين الأدب والسياسة والشعب الإسباني بين القرنين الثامن عشر والتاسع عشر.
أندريو: أهم ما يميز هذه الصورة هو أصالتها، عفويتها، وخصائصها الغرائبية، ولكن هذا يعني بالمفهوم الحالي افتقارها للحداثة. إسبانيا أمة جديدة على الحداثة، وهذا ما يجعلها أكثر أصالة وغرائبية وجاذبية.
وما هو دور الاستشراق في هذا الإطار؟
أندريو: اعتبارا من القرن التاسع عشر كانت قراءة ماضي أو حاضر إسبانيا تتم من خلال منظور شرقي محض. عصر الرومانسية الأوروبية كان يروقه التعامل مع إسبانيا باعتبارها أمة شرقية، كانت تجذبه، لأنها لم تكن مغرقة في الحداثة أو موسومة بالكامل بالطابع الأوروبي.
(د ب أ): من هم المثقفون الذين طرحوا هذه الصورة عن إسبانيا؟ أندريو: بصفة أساسية كتاب وفنانون فرنسيون وإنجليز، وبعض الألمان، لأن هذه البلاد الأوروبية كانت تعتبر الانعكاس الأبرز للحداثة الأوروبية، وكانت آراءهم تعكس حال الدول الأقل حداثة والأقل أوروبية.
(د ب أ): هل حدث أمر مماثل مع دول أخرى في جنوب أوروبا؟ أندريو: الصور النمطية التي أشيعت وتم تأكيدها عن إسبانيا تؤكد طبيعة العلاقة التي تطورت إلى الآن بين شمال أوروبا وجنوبها، وصاغت شكل الصراع بين القديم والحديث في القارة العجوز والممتد منذ القرن السابع عشر، وانعكست أطرافه في القرن الثامن عشر. في البداية كان جنوب أوروبا يتقدم على شمالها ولكن بعد فترة، انعكس الوضع وأصبحت الحداثة هي الطابع المميز للشمال بينما وسم التخلف والافتقار للحداثة دول الجنوب المطلة على شمال المتوسط.
(د ب أ): هل كانت هناك دوافع سياسية وراء هذا التحول؟ أندريو: لآ يمكنني القول أن هناك دوافع خفية، ولكن لا يمكن استبعاد الدوافع السياسية. هناك ميل للصراع من أجل السيطرة بين الشمال والجنوب، بدأ من فرنسا في عهد لويس الرابع عشر، ولكن الصراع حسم لصالح الشمال. هناك سمة توافق بين تغير العلاقات الجيوستراتيجية والجيوسياسية على مستوى القارة العجوز، وما استتبعها من تغير لنمط الهيمنة وصورتها بين الشمال والجنوب.
(د ب أ): لماذا أيد المثقفون الإسبان هذه الصورة النمطية؟
أندريو: الجنوب الذي تم إقصاؤه من عملية التحديث، تسبب في تكوين عقدة لدى الكتاب والمثقفين الذين ينتمون للجنوب، خصوصا أولئك المؤيدين لأفكار الحداثة. كل ما فعله الكتاب الإسبان كان محاولة التفاوض حول مفهوم الحداثة، محاولة وضع تعريف لها وفقا لمعايير أخرى، تضمن لهم إسهاما في هذه الحداثة, أو من ناحية أخرى، محاولة التفاوض على الصور النمطية، على سبيل المثال الإعلاء من القيمة الأخلاقية لبعض الشخصيات أو تبنيها بعد إعادة صياغتها. على سبيل المثال، الثيران، في القرن الثامن عشر كان التنوير هو السمة الغالبة على أوروبا، ومن ثم كانت الثيران بالنسبة لها رمزا للبربرية، واتفق الكتاب الإسبان نسبيا مع هذا المنظور. أصبحت الثيران هي الصورة النمطية عن السائدة عن إسبانيا والإسبان، فما كان من الكتاب والمفكرين الإسبان إلا محاولة صياغة هذا المفهوم لتقديمه بصورة أقل وحشية وأكثر احتشاما من خلال تطوير صورة مصارع الثيران، وعالم الحلبة ليصبح فنا بدلا من مجرد عرض جماهيري شعبي.
(د ب أ): ما هي الصورة النمطية التي عاشت حتى الآن؟
أندريو: كثيرة جدا. كارمن الغجرية، دون جوان، قطاع الطرق ومصارعي الثيران، لا تزال رموزا ترتبطة بوضوح بكل ما هو إسباني، على الرغم من اعتقادي بأن مدلولها قد اختلف في إسبانيا هذه الأيام: لا تزال هناك ثيران، لا تزال الفكرة السائدة عن المرأة الإسبانية أنها فاتنة، تحافظ على شرفها، ولكنها أكثر تحررا وأكثر حيوية، أما الرجل الإسباني فلا يزال ذكرا مفعم بروح الرجولة الشرقية، ولكنه عاشق وحنون ومتفهم.
(د ب أ): هل الاعتقاد السائد بين الإسبان أن بلادهم أقل حداثة من باقي أوروبا؟
أندريو: سائد تماما. اعتقد أن الإسبان على مدار تاريخهم الحديث والمعاصر سيطر عليهم هاجس الحداثة، وأنهم ليسوا أوروبيين بالقدر الكافي، أو ملمين بالحداثة كما يجب، ولهذا يتعين علينا أن نضاعف جهودنا أكثر لإثبات أننا أوروبيون وننتمي للحداثة.
(د ب أ): هل تفاقم هذا الشعور مع الأزمة الاقتصادية؟
أندريو: نعم. في حالة اليونان كانت العواقب وخيمة والوضع رهيب. قامت بعد الصحف الألمانية بالتذكير بسلسلة من الصور النمطية، ترجع إلى الحقبة الرومانسية، تصم شعوب جنوب أوروبا بالكسل والإسراف والسفه، وباتت هذه الصور النمطية، الطريقة الوحيدة التي يفسر من خلالها فشل إدارة رجال السياسة لدينا، سواء في إسبانيا أو اليونان. في فرنسا على سبيل المثال، ارتبط اسم الرئيس الفرنسي السابق، نيكولا ساركوزي بالعديد من فضائح الفساد، ومع ذلك سوف يخوض سباق الانتخابات الرئاسية مرة أخرى، دون أن يكون هذا مثارا لإطلاق صور نمطية عن ارتباط الساسة الفرنسيين بالفساد، على العكس من ذلك فساد الساسة وفشلهم في إسبانيا مرتبط بصور نمطية عن الشعب الإسباني. من ناحية أخرى، جزء من المسؤولية عن هذه الصور النمطية، يتحمله الإسبان أنفسهم.
(د ب أ): كيف أسهمت هذه الصور النمطية في تغذية الروح القومية داخل إسبانيا؟
أندريو: أعتقد أن حركة الإصلاح التي ظهرت أواخر القرن التاسع عشر كرد فعل على خسارة إسبانيا لكوبا آخر مستعمراتها في الأمريكتين وهزيمة أسطولها على يد الجيش الأمريكي عام 1898، في جانب من جوانبها حاولت التصدي لفكرة أن إسبانيا كلها النمط الأندلسي الشرقي، وإعلاء من قيمة قوميات أخرى مثل الباسكية والكتالونية، في إطار نفس فكرة صراع الهيمنة بين الشمال والجنوب لكن في نطاق أضيق. أصبحت أقاليم الشمال، كتالونيا والباسك، ترى نفسها أكثر انتماء لأوروبا وأكثر حداثة من باقي إسبانيا وخصوصا الجنوب، ومن ثم يتعين عليها الانفصال عنه لأنه أقل حداثة.
خابيير أندريو ميراييس /37 عاما/ دكتور الأدب المعاصر بجامعة فالنسيا، متخصص في التاريخ الثقافي وتراث الأمة الإسبانية، درس العلاقة بين الأدب والسياسة والشعب الإسباني بين القرنين الثامن عشر والتاسع عشر.