نظرا للصعوبات الاقتصادية التي رافقت الجائحة وأعقبتها اضطررنا لإيقاف أقسام اللغات الأجنبية على أمل ان تعود لاحقا بعد ان تتغير الظروف

الهدهد: صحيفة اليكترونية عربية بخمس لغات عالمية
الهدهد: صحيفة اليكترونية عربية بأربع لغات عالمية
Rss
Facebook
Twitter
App Store
Mobile



عيون المقالات

" دمشق التي عايشتها " الغوطة

28/04/2024 - يوسف سامي اليوسف

( أيهما أخطر؟ )

24/04/2024 - محمد الرميحي*

إيران.. من يزرع الريح يحصد العاصفة

23/04/2024 - نظام مير محمدي

وقاحة استراتيجية مذهلة

21/04/2024 - راغدة درغام

التعميم بوصفه "تخبيصة" العقل الأولى

18/04/2024 - مصطفى تاج الدين الموسى

رسائل النيران بين إيران وإسرائيل

15/04/2024 - محمد مختار الشَنقيطي

جنوب لبنان.. بعد غزة

06/04/2024 - عبد الوهاب بدرخان

غزة والأخلاق العابرة للحدود والأرباح

06/04/2024 - عدنان عبد الرزاق

نزار قباني وتلاميذ غزة

06/04/2024 - صبحي حديدي


الطريق إلى جمهورية الخوف




صاحب تعبير «جمهورية الخوف» المعمارى العراقى كنعان مكية الذى هرب من العراق وتجنّس بالجنسية البريطانية. وهرب أيضًا من تخصصه فى هندسة العمارة إلى الكتابة فى الإنسانيات بكتابه «جمهورية الخوف» الذى صدر فى طبعته الإنجليزية الأولى سنة 1989. هناك بالطبع كتابات كثيرة بالعربية تتناول بالتحليل ظاهرة الاستبداد الذى يجعل الشعوب خائفة من الكلمة أكثر من خوفها من عذاب الآخرة. منها كتاب «طبائع الاستبداد ومصارع العباد» لعبدالرحمن الكواكبى والذى يقول فيه «خلق الله الإنسان حرًّا قائده العقل، فكفر وأبى إلا أن يكون عبدًا قائده الجهل». وكتاب الباحث المصرى الفذ إمام عبدالفتاح إمام وعنوانه «الطاغية» الذى حلل فيه ظاهرة الطغيان والاستبداد من النواحى الفلسفية والتاريخية


 
هل مصر فى طريقها إلى أن تصبح جمهورية الخوف بعد ثورتها التى نزعت الخوف من صدر شعبها ورغم دستورها الذى يأمن فيه المواطنون من الخوف إن طبقت نصوصه بدقة؟
هذا السؤال أثارته همسات فى أذنى من أصدقاء خلصاء بعد مقالاتى عن الجزيرتين وعن أزمة الصحفيين. الجميع رغم تأييدهم لما قلت، أبدوا خشيتهم على سلامتى الشخصية. مجرد إثارة هذه التساؤلات وهى مجرد هواجس مبالغ فيها، تشير إلى أننا نسير فى الطريق نحو جمهورية الخوف. لن أحدثكم عن عبارات السفهاء الذين يتخفون تحت أسماء مستعارة فى مواقع التواصل الاجتماعى، وفى مواقع الصحف، ويوجهون لأصحاب الرأى المخالف فاحش القول والتهديد المستتر. وهى ممارسات ورثناها من تراث الكتائب الإلكترونية للإخوان. وللحق لم يكن لها وجود فى عصر مبارك.
ويبقى السؤال: لماذا نكتب؟ هل بحثا عن السلامة الشخصية والحظوة والمنفعة؟ أم بحثا عن الحقيقة؟ الكتابة لغرض ما (أو ما كان يسميه الفقهاء القدماء للهوى والتشهى) هى نوع من الثرثرة الكاذبة. «وما يزال المرء يكذب حتى يكتب عند الله كذابا». وقديما قالوا «إن أبلغ الشعر أكذبه»، ولعلهم كانوا يقصدون شعر المديح والهجاء الذى يدبجه شعراء العرب مقابل أكياس الدنانير الذهبية. وهى تقاليد ما زالت راسخة فى جماعتنا الثقافية والسياسية.
طالب الحقيقة قد يصيب أو يضلّ وله، فى كل حال أجران أو أجر. وقوله صواب يحتمل الخطأ، وقول غيره خطأ يحتمل الصواب
السؤال الثانى الذى يوجهه البعض إلىّ: لماذا لا تكتب إلا نقدا وتركيزا على العيوب والمثالب؟ ألا ترى نصف الكوب الملآن؟ ألا تشاهد الإنجازات على أرض الواقع؟
وجوابى على ذلك: أن وظيفة الكاتب ليست التصفيق لإنجازات الحاكم. فالحاكم يحكم كى ينجز ويعدل لا لكى يفشل ويظلم. ونجاحه وعدله أمران لا يتطلبان الثناء لأنهما من طبائع الأمور. ولديه أجهزة إعلامه التى تصفّق لإنجازاته عن حق أو غير حق.
مهمة الكاتب الذى يرعى حق المجتمع وشرف قلمه وحق القارئ عليه أن يبصر النظام والمجتمع بعيوبهما. وأن يسعى إلى حث النظام على ملء النصف الفارغ من الكوب. النقد هو ضمير الأمة، وأمة بلا نقد هى أمة بلا ضمير. والأمة ذات الصوت الواحد هى أمة لا صوت لها ولا مستقبل. وأعظم ما اكتسبته الإنسانية من خبرة فى مسيرتها أن التعددية هى طريق التقدم: التعددية فى الفكر وفى السياسة وفى المعتقد والدين وفى الانحياز الاجتماعى. وأن احترام الاختلاف من بديهيات السياسة الرشيدة.
لا أريد أن أفيض فى الحديث عن مجتمعات الرأى الواحد فمصيرها معروف للجميع: بدءا من نظم ستالين وهتلر وشاوشيسكو وفرانكو وبينوشيه حتى صدام والقذافى والأسد. لو وجد هؤلاء الحكام من يبصّرهم بأخطائهم لما انهاروا وانهارت معهم مجتمعاتهم. لو وجد عبدالناصر من يبصّره بأخطاء نظامه لما حدثت هزيمة 1967.
الهيمنة الأمنية على الإعلام أمر يثير القلق ويشير إلى طريقنا نحو مجتمع الصوت الواحد/ مجتمع الخوف. رجل أعمال واحد انطلق من صفوف الناس المستورين بسرعة الضوء نحو الثراء الفاحش. موّل قيام حزب أمنى أصبح صاحب كلمة حاسمة فى البرلمان. يزحف اليوم نحو توحيد قنوات الإعلام الخاص المرئى والمقروء تحت إمرة مملكته المالية الأمنية.
هناك ثوابت مبدئية لا يمكن أخلاقيا السكوت عنها. إقامة الطرق الحديثة، وتحديث الكهرباء والمفاعل النووى إنجازات عظيمة تستحق الإشادة. ولكن ستالين أنشأ شبكة طرق ومترو أنفاق هى الأعظم فى العالم وجعل من دولته دولة نووية عظمى. ثم سلط جهازه الأمنى المسمى «كى جى بى» على معارضيه يسوقهم كالقطيع سيرًا على الأقدام إلى سيبيريا حتى انهار النظام الذى أقامه. وكذلك فعل هتلر وفرانكو وشاوشيسكو وباقى الطغاة. جعلوا مجتمعاتهم ذات صوت واحد خائف فتقدم المجتمع ثم انهار.
لا تنمية إلا بالعدل والحرية. هكذا أخبرنا عمر بن الخطاب فى الماضى وأخبرنا حديثا أبرثيا صن صاحب نوبل. شبكة الطرق الحديثة وحلّ أزمة الكهرباء متزامنة مع الزحف نحو السيطرة على الإعلام لن تغنى شيئًا فى إحساس الناس بالعدل. الظلم والعدل يشعر بهما الناس من ممارسة السلطة وأهلها.
ليست هناك سلطات فوق القانون والدستور. السلطة هى التجسيد الفعلى للقانون. هما وجهان لعملة واحدة. إن خالفت السلطة القانون والدستور فقدت مبرر وجودها. السلطة وظيفة لخدمة الناس وتأمين حريتهم وليست أداة لقهرهم لحساب صاحبها.
الأحكام مفرطة القسوة التى صدرت مؤخرًا فى حق شباب مصر المتظاهرين دفاعًا عن إقليمها أحدثت هزة عنيفة فى الوجدان الجمعى. كان يجب أن يكون هؤلاء الشباب موضع الفخر، لا أن يقبض عليهم عشوائيا من المقاهى ويحبسوا. الحبس الاحتياطى تحول إلى اعتقال مقنع يزلزل شعور الناس بالعدل. تعلمنا أن للحبس الاحتياطى مبررين لا ثالث لهما: الخوف من هروب المتهم أو من تأثيره على أدلة الجريمة. الأصل فى الإنسان البراءة والحرية. لن نعلق على أحكام وقرارات القضاء، لا يوجد نص فى القانون يمنع التعليق. وحتى لو وجد النص فلن يستطيع أحد أن يمنع الناس فى أى مجتمع من إخفاء مشاعرهم تجاه حكم أو قرار قضائى يهز قيمهم الكبرى أو يمسّ حرياتهم الدستورية. القضاء لا يصدر أحكاما إلهية تأبى النقاش المجتمعى. المحظور هو إهانة القضاء أو التأثير على أحكامه التى تصدر باسم الشعب. القضاة بشر يخطئون، ولهذا شرع القانون طرقا للطعن فى أحكامهم. حتى الرسول (ص) لم يستبعد عن نفسه أن يصدر حكما ظالما. «إنكم تختصمون إلىّ وإنما أنا بشر مثلكم ولعل بعضكم يكون ألحن بحجته من بعض، وإنما أقضى بينكم على نحو ما أسمع منكم، فمن قضيت له من حق أخيه بشىء فإنما أقطع له بقطعة من النار يأتى بها يوم القيامة».
العدالة شعور اجتماعى يتغلغل فى نسيج المجتمع. أحد أركانها القضاء النزيه المستقل والكفء. القضاء هو الخطوة الأخيرة فى طريق طويل نحو تحقيق العدل، يسبقها الاتهام النزيه والتحقيق المحايد وجمع الأدلة الذى يتسم بالكفاءة والبعد عن التلفيق، وقبل ذلك النصوص التشريعية العادلة.
النص التشريعى واجب التطبيق بالجبر وقوة الدولة. قوانين محمد على بصَلب الفلاحين المتسحبين من الأرض كانت واجبة التطبيق. وقوانين محاكم الأخطاط ومحاكم الغدر كانت واجبة التطبيق. ولكنها قوانين القهر والظلم. والظلم قد يزهو به صاحبه، وقد يشيع الرعب فى نفوس العباد ولكنه لا يدوم. القانون الظالم يحرّض على الإفلات منه. لا يعرف نظامنا وسيلة معترفًَا بها لتغليب العدل على القانون الظالم، رغم أن محاكمنا فى مسيرتها الطويلة قامت بذلك فعلا وبإبداع عندما كانت لدينا تنشئة قضائية ليبرالية. قانون التظاهر غير دستورى. لماذا لا نعدّله؟ يقولون إن البلد لا يحتمل المظاهرات. هذا صحيح. نحن فى حاجة إلى الإنتاج لا التظاهر. ولكننا فى حاجة إلى العدل والحرية قبل ذلك.
«المواطنون الشرفاء» وفقًا لتسمية الإعلام الأمنى، تظاهروا ولوّحوا بإشارات وعبارات بذيئة، ونعموا بمباركة ومكافأة وابتسامة وحماية الشرطة وإعلامها. وأمناء الشرطة تظاهروا ولم يقربهم أحد. الدولة لن تستطيع أن تمنع التظاهر بقمع الناس بممارسات البطش ولكن بالقضاء على أسباب التظاهر. ماذا لو كانت قد تمت مناقشة اتفاقية ترسيم الحدود قبل التوقيع عليها من رئيس الوزراء (وهو بالمناسبة غير مختص دستوريا). هل يعقل أن تكون فى قوانيننا مواد تحتمل التعسف فى التفسير ضد المعارضين. عشرات من النصوص التى لابد أن يعاد النظر فيها أدانت المحكمة الدستورية نهجها لأنه غير منضبط الصياغة.
نفهم الآن لماذا تسامحت الحكومة مع قانون الإعلام الذى أعدته اللجنة الوطنية، ولكنها تقف مترددة حذرة أمام مشروع إلغاء العقوبات السالبة للحرية فى جرائم النشر والعلانية. كان المشروع يتضمن مادة واحدة منقولة من الدستور بإلغاء العقوبات السالبة للحرية فى هذه الجرائم.
الحكومة لا تريد ذلك دفعة واحدة. أقصى ما تستطيع أن تفعله الآن أن تراجع نصوص قانون العقوبات مادة مادة لتحسين شروط القهر لا لإلغائه. والحكومة لا تستطيع العمل والإنجاز بمنأى عن القهر. فليتحايل مشرّعوها ما شاء لهم التحايل.
ولكن المجتمعات لن تتقدّم إلا بالعدل والحرية وللعدل شروط، وللحرية متطلبات ليس من بينها العيش فى جمهورية الخوف.
----------------
المصري اليوم
mnfarahat@yahoo.com

محمد نور فرحات
الخميس 19 ماي 2016