نظرا للصعوبات الاقتصادية التي رافقت الجائحة وأعقبتها اضطررنا لإيقاف أقسام اللغات الأجنبية على أمل ان تعود لاحقا بعد ان تتغير الظروف

الهدهد: صحيفة اليكترونية عربية بخمس لغات عالمية
الهدهد: صحيفة اليكترونية عربية بأربع لغات عالمية
عيون المقالات

المثقف من قرامشي إلى «تويتر»

24/05/2025 - د. عبدالله الغذامي :

التانغو" فوق حطام المنطقة

22/05/2025 - عالية منصور

واقع الديمقراطية في سورية الجديدة

09/05/2025 - مضر رياض الدبس

(سوريا بين حرب أهلية ومشاريع تقسيم؟)

05/05/2025 - عبدالوهاب بدرخان

دلالات التصعيد الإسرائيلي في سوريا

04/05/2025 - العميد المتقاعد مصطفى الشيخ

السياسة المزدوجة

25/04/2025 - لمى قنوت


المثقف من قرامشي إلى «تويتر»






المثقف العضوي الذي كان يحيل إليه قرامشي لم يعُد هو نفسه اليوم، فنحن اليوم نعيش زمناً زالت معه الحدود بين النخبة والجمهور، وتساوت المهارات في استخدام الوسائل العمومية، وفي تمكن كل فردٍ من وسيلة تعبيرٍ سهلة وميّسرة له ولها، ومن ثمّ أصبح الكل يرى ويسمع ما يراه ويسمعه الكل،


  ولم يعُد هناك كائن بشري يعتمد على طبقة تعبّر عنه أو يعبّر عنها، وإنما أصبح الفرد يتكلم ويكتب ويتواصل ويظهر رأيه وموقفه باعتماد ذاتي وثقة باذخة، وكذلك فالسياسة اليوم أصبحت عموميةً على الشاشات بأنواعها الكبيرة والصغيرة، ودخلنا فيما سماه «ديسيرتو» بإمبراطورية النمل، أي أن الكل والجموع في معترك تتقاطع فيه الأصوات والآراء والأفكار، بل إن من كنّا نسميهم بالمثقفين في أزمنة مضت أصبحوا غرباء ويتعرضون لسهام الجماهير كلما ظهر أحدهم في وسيلة ما، ولم يعد هناك وسيلةٌ خاصة، فكل الوسائل عامة.
ويكفي أن محطة كبرى وجبارة مثل محطة CNN سمت تويتر بالطائر الثري، إشارةً إلى صورة العصفور الذي يعتلي وجه المنصة، وأن تويتر تغلبت على مراسلي الصحف والفضائيات بل وأيضاً على عملاء المخابرات السرية مذ أصبحت مجرد تغريدة في بقعة ما من المعمورة تصل لكل البشر وتنشر صورة وحكاية أي حادثة في أي بقعة من العالم وتحولها لقصة عالمية، وهذا لم يكُ متاحاً في زمن قرامشي، مما يعني تغير مفهوم المثقف تغيراً بنيوياً مذ تغيّرت وسائل التعبير وتحولت من النخبوي إلى الشعبي، ومن ثم أصبحت تفاعليةً ولم يعُد بيد أحد أن يكون طبقياً حتى وإن اشتهى ذلك، وتبعاً لهذا تغيّرت المفاهيم والمعاني واندمج الحق بالباطل والصحيح بالزائف، وهذا عقٌد المشهد وإن كان قرامشي يصدر عن مرجعية حزبية تشترط على كل أفراد المجتمع أن يتماهوا معها في معتقدها وفي مفاهيمها، واحتاجت المؤسسة تلك في ذلك الحين أن تخترع المثقف الذي سماه قرامشي بالمثقف العضوي، ومنه جاءت أفكارٌ حول المثقف المنتمي لعصبة معينة، وهي عصبة تحتاج لتجنيد ذهني لحماية قوتها واستدامة تأثيرها، وهذا ما يستحيل اليوم تصوره حيث سقطت النخبة وبرزت الشعبية (ولست أقصد الشعبوية سيئة الصيت)، وهذه الشعبية كما نلحظ تتحد وقت الأزمات الحادة كلما حدث تهديد وجودي لما تؤمن به وتراه جذراً عميقاً لوجودها أو لذاكرتها. وهذا تشكيل ذهني تلقائي بمعنى أنه ليس موجهاً وهو يكشف عن حقيقة معتقدات أي شعب في الوجود حيث لا تظهر الهويات العميقة إلا حينما يحدث أمرٌ يهدد الهوية، وكلما تعمقت الهوية فإنها تمعن في تخفية نفسها ولكنها تنفجر حين يجري تهديدها، وهذا ما نلحظه في وسائل التواصل العام التي صنعت لنا مثقفاً تفاعلياً وحراً، يتحرك حيناً ويركد حيناً تبعاً لدرجة حساسية أو حيادية أي حدث يحدث فيسبب هبةً عاطفيةً وعقلية عامةً أو يمر مرار الكرام حسب نوعية ودرجة الحدث، هذه هي حال المثقف العام العصري، والذي يشترك فيه العموم وتتبعهم النخب، لأن الذي يبدو اليوم هو تحرك العموم أولاً ثم لحاق النخب بهم، وهذا هو المشهد الواصف لحال المثقف المعاصر.
------
الاتحاد
كاتب ومفكر سعودي
أستاذ النقد والنظرية/ جامعة الملك سعود - الرياض


د. عبدالله الغذامي :
السبت 24 ماي 2025