نظرا للصعوبات الاقتصادية التي رافقت الجائحة وأعقبتها اضطررنا لإيقاف أقسام اللغات الأجنبية على أمل ان تعود لاحقا بعد ان تتغير الظروف

الهدهد: صحيفة اليكترونية عربية بخمس لغات عالمية
الهدهد: صحيفة اليكترونية عربية بأربع لغات عالمية
عيون المقالات

رسائل النيران بين إيران وإسرائيل

15/04/2024 - محمد مختار الشَنقيطي

جنوب لبنان.. بعد غزة

06/04/2024 - عبد الوهاب بدرخان

غزة والأخلاق العابرة للحدود والأرباح

06/04/2024 - عدنان عبد الرزاق

نزار قباني وتلاميذ غزة

06/04/2024 - صبحي حديدي

حرب لإخراج إيران من سوريا

06/04/2024 - محمد قواص

على هامش رواية ياسر عبد ربه

04/04/2024 - حازم صاغية


تفشي الانتحار يلطخ سمعة المدينة الدينية القيروان






تونس - طارق القيزاني- تشتهر مدينة القيروان التاريخية بجامع عقبة ابن نافع العريق وصناعة الحلويات، يمثل هذا الوجه المشرق لعاصمة المغرب الاسلامي فيما مضى، لكن اليوم زادت شهرتها أكثر بتواتر حالات الانتحار فيها.

في مدينة بوحجلة التابعة للولاية لا يزال مشهد انتحار الصبي رمزي المسعودي ماثلا في أذهان أصدقائه بالمدرسة الثانوية، وما من أحد من هؤلاء نجح في التعافي من هول ما شاهد حتى اليوم.


مقبرة قريش بالقيروان
مقبرة قريش بالقيروان
 
تروي عائلة المسعودي إن ابنها أقدم على الانتحار حرقا في فناء المدرسة الثانوية وفي غفلة من الآخرين بعد أن ضاق ذرعا من حالات الطرد المتكررة من مدرس الإنجليزية.

لكن أحد أصدقائه كان شاهدا على الحادثة ورافقه حتى اللحظات الأخيرة إلى المستشفى بينما كانت رائحة الشواء تفوح من جسده.

يقول وسام حديدي /19 عاما/ صديق رمزي المسعودي حينما كان يقص الحادثة لصحيفة نيويورك تايمز "في المستشفى كان رمزي فاقدا لوعيه وظل يردد كلمة الظلم. كان يحترق أمامي... ما زال بوسعي تذكر الرائحة".

وأضاف وسام في روايته "حبست نفسي في المنزل لمدة أسبوع. في الواقع، لم أستطع العودة إلى المدرسة الثانوية". لم يصمد جسد رمزي طويلا في قسم الانعاش. كانت حروقه بليغة وقد فارق الحياة بعد ثلاثة أيام من الحادثة لينضم إلى سجل طويل من حالات الانتحار المتفشية في تونس، ولا سيما في القيروان.

يقول المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية إن حوالي 40 حالة انتحار تشهدها تونس شهريا، ما يرسخ تفشي الحالة منذ حادثة محمد البوعزيزي مفجر الثورة قبل أكثر من سبع سنوات.

ودفع الأمر بالمؤسسة الدينية، دار الافتاء، إلى ان تطلق صيحة فزع وتدعو إلى الصبر والمثابرة وتذكر بالقواعد الشرعية المحرمة لهذا الفعل.

وقال بيان للمفتي إن"قتل النفس بالحرق أو الغرق أو بالخنق أو بأي وسيلة، حرام في الإسلام". وفي أرقام طرحها المنتدى في مؤتمر صحفي فإن تونس شهدت 165 حالة بين انتحار ومحاولة انتحار خلال الربع الأخير من عام 2017 بلغت أقصاها في شهر تشرين ثان/نوفمبر الماضي الذي شهد 61 حالة.

وفي وقت سابق كان المنتدى الذي يعنى بالأوضاع الاجتماعية والتشغيل والتنمية، قد سجل 370 حالة انتحار ومحاولة انتحار منذ مطلع 2017 وحتى آيار/ مايو أغلبها حرقا.

وتأتي القيروان في المركز الاول من بين الولايات التونسية إذ كانت شهدت 120 بين حالات انتحار ومحاولات للانتحار في عام 2016، ما يمثل قرابة 30 بالمئة من إجمالي الحالات والمحاولات في تونس والتي بلغت أكثر من 900 حالة.

وقال رئيس المنتدى رمضان بن عمر لوكالة الأنباء الألمانية (د. ب. أ) "نسب الانتحار مرتفعة في ولايتي القيروان وفي بنزرت مع أن المؤشرات الاقتصادية والاجتماعية بين الجهتين مختلفة تماما".

ويضيف بن عمر "دوافع الانتحار تبدو مركبة ولا يمكن حصرها في الجوانب الاقتصادية والاجتماعية. هناك ضغوط يومية تسلط على المواطن التونسي لكن هناك أيضا دوافع نفسية وعائلية".

وفي كل الاحوال ترسخ الاحصائيات المنحى الذي اتخذته ظاهرة الانتحار في تونس منذ أن أقدم بائع الخضار المتجول محمد البوعزيزي في 2010 على إحراق نفسه احتجاجا على مصادرة سلعه من قبل الشرطة البلدية، ليشعل بذلك ثورة عارمة أطاحت بالنظام وانتقلت عدواها إلى أقطار عربية. بعد ذلك تحول البوعزيزي تدريجيا إلى ملهم لليائسين وبشكل خاص لدى من يشاركونه مهنته كباعة متجولين للخضار والفاكهة.

وفي مدينة طبربة قرب العاصمة تتردد على نطاق واسع قصة الشاب عادل الدريدي الذي أقدم على سكب البنزين فوق جسده بأحد محطات التزود بالبنزين احتجاجا على منعه من قبل الشرطة من عرض بضاعته. والحادثة تكاد تمثل نسخة طبق الأصل من حادثة البوعزيزي في ولاية سيدي بوزيد قبل نحو ثماني سنوات. لكن عادل الدريدي نجا من موت محقق لأن أحد الحاضرين بالمحطة بادر بسرعة بإخماد النيران من فوق جسده مستعينا برداء.

وقال عضو المنتدى والمختص في علم الاجتماع عبد الستار السحباني إن "اقتفاء أثر البوعزيزي ينطوي على دلالة رمزية في طريقة الاحتجاج علنا. واختيار الساحات عامة القصد منه التوجه برسالة إلى مؤسسات الدولة".

وتبرز خطورة المنحى في أن ظاهرة الانتحار، أي كانت الطريقة، تحولت تدريجيا إلى الناشئة، إذ تبرز احصائيات المنتدى أن الربع الأخير من 2017 شهد انتحار 11 طفلا من بين 44 حالة على امتداد العام مقابل 51 حالة في 2016 و56 وحالة في 2015.

وعلى عكس صورة المدينة الدينية والمحافظة فإن القيروان التي تتصدر نسب الفقر في تونس، تضج وحدها بحالات انتحار صادمة في صفوف الأطفال علاوة على حالات العنف والتحرش الجنسي.

وتنفرد مدينة "العلا" أحد أكثر المناطق فقرا في ولاية القيروان بسلسلة من حالات الانتحار في صفوف الأطفال من بينها أربع حالات شهدها معهد الذهيبات وحده في المدينة، حتى أصبحت مقترنة بالموت والقصص المؤلمة.

من بين تلك القصص يروي سكان المدينة مأساة الطفلة أحلام /14 عاما/ التي أقدمت على الانتحار شنقا بعد حالة يأس شديد.

تقول والدة الضحية "أحلام كانت تهتم بإخوتها وبشقيقيها الأصغرين. هما يعانيان من إعاقتين.



أعياها الأمر كثيرا ولم تر أي مستقبل لها بسبب الفقر. شعرت باليأس والإحباط".



والكابوس لم ينته مع والدة الضحية لأن الشقيقة الصغرى لأحلام هددت باقتفاء أثرها في أكثر من مرة.

وقالت الخبيرة في علم الاجتماع ريم السعيداني "ساهم الإعلام في اظهار محمد البوعزيزي في صورة البطل. هذه الصورة أراد بعض الأطفال أن يتقمصوها. كان هدف الإعلام الإثارة ولم يكن مؤهلا للتعال مع هذه الظاهرة".

بالنسبة للمنتدى التونسي للحقوق والاقتصادية والاجتماعية فإن تفشي حالة الانتحار لا تتوقف عند لعنة البوعزيزي في ظل الضغوط وضيق الأفق وغياب سياسات فعالة للدولة.

وقال رئيس المنتدى لـوكالة الأنباء الألمانية (د. ب. أ) "الأطفال يرزحون تحت ضغط النظام التربوي والمجتمع لذلك توقفوا عن الحلم. العائلة تخلت عن دورها في الانصات بسبب الضغوط الاجتماعية والدولة لم تقم بعمل منهجي لحصر الوباء".

طارق القيزاني
الاربعاء 31 يناير 2018