نظرا للصعوبات الاقتصادية التي رافقت الجائحة وأعقبتها اضطررنا لإيقاف أقسام اللغات الأجنبية على أمل ان تعود لاحقا بعد ان تتغير الظروف

الهدهد: صحيفة اليكترونية عربية بخمس لغات عالمية
الهدهد: صحيفة اليكترونية عربية بأربع لغات عالمية
عيون المقالات

أوروبا والسير نحو «هاوية»...

18/03/2024 - سمير العيطة

( خيار صعب لأميركا والعالم )

18/03/2024 - عبدالوهاب بدرخان*

لماذا لم يسقط نظام الأسد؟

17/03/2024 - يمان نعمة

تأملات في الثورة الفاشلة

16/03/2024 - ماهر مسعود


تونس.. أهالي ضحايا قارب جرجيس يطالبون بكشف مصير أبنائهم




جرجيس (تونس)/ لا أمل للأم التونسية سعاد الرجيلي بالعثور على ابنها وليد الزريدات على قيد الحياة، أحد ضحايا قارب جرجيس الذي غرق في البحر المتوسط في 21 سبتمبر/ أيلول الماضي.

ففي 21 سبتمبر فُقد الاتصال بمركب هجرة غير نظامية في البحر المتوسط، كان يحمل 18 شابًا من أبناء المدينة الساحلية الأصليين.

واليوم، بعد أكثر من شهرين على وقوع الحادثة، أصبح حلم سعاد الأول العثور على جثة ابنها لتتمكن من دفنه كما ينبغي.

شهران مرّا بمثابة عامين بالنسبة لوالدة وليد البالغ من العمر 15 عامًا، وهو أصغر ضحايا القارب المفقود.


 
- أقارب مفقودين تحدثوا للأناضول عن ألمهم لفقدان أبنائهم
- طالبوا السلطات بكشف الحقيقة في ملف المفقودين بالبحر منذ نحو شهرين
- بعض الأهالي عبروا عن شكوكهم بوقوع الحادثة واعتبروها بفعل فاعل
- من الضحايا شبّان ينتمون إلى نفس الحي وحتى إلى العائلة ذاتها
وبما أن جرجيس (جنوب شرق) تمثل انطلاقة معظم قوارب الهجرة غير النظامية نحو جزيرة لمبيدوزا الإيطالية، اختار وليد البحر لتحقيق أحلامه الصغيرة، بعد أن رفضت السلطات الفرنسية طلبه للحصول على تأشيرة لدخول أراضيها.

** حلم الطفولة

كان وليد منذ طفولته دائم الحديث عن الهجرة، وتنقل أمه أنه كان دائماً يقول: "أريد أن أكون هناك في لامبيدوزا الإيطالية، أريد ركوب البحر وأن آخذ نفس الصورة التي أخذها أصدقائي الذين وصلوا من قبل".
تتحدث الأم لمراسل الأناضول بوجهٍ شاحب يختزل كل معاني الحرقة والألم واللوعة على فراق ابنها الصغير، وحرمانها حتى من قبرٍ تبكيه فوقه.
تقول سعاد: "حاولنا منعه لكننا لم نقدر على ذلك، فمشاهد أبناء أقاربه القادمين من الخارج بأحسن أنواع الهواتف وأحسن الماركات العالمية للسيارات، كانت أقوى تأثيرًا عليه".

** احتقان الشارع

ومنذ نحو شهرين تشهد جرجيس حالة احتقان، خاصةً بعد اتهام الأهالي للسلطات بالتراخي في البحث عن أبنائهم المفقودين في البحر، إضافة إلى دفن 4 جثث في مقبرة حدائق إفريقيا - مخصصة لدفن الجثث مجهولة الهوية - دون التثبت من هويّاتهم.
وبعد كل هذه المدة، تم انتشال 14 جثة فقط من البحر، وجرى التأكد من هويات 6 ممن كانوا على متن القارب.
وطوال تلك الفترة، لم يغادر الأهالي الشارع، حيث نظموا مسيرات احتجاجية شارك فيها الآلاف من المواطنين بشكل أسبوعيّ، للمطالبة بالكشف عن مصير أبنائهم.
كما دخلت عائلات الضحايا في اعتصام مفتوح أمام الميناء التجاري بالجهة، قبل أن ينقلوه إلى مقر المعتمدية (مديرية) وسط المدينة.

** غموض وشكوك

ملابسات الحادثة المأساوية وغموضها انعكست شكوكًا على حقيقة غرق القارب المفقود، خاصة بعد عملية دفن عدد منهم في مقبرة حدائق إفريقيا للمجهولين.
وقالت الرجيلي: "أستبعد أن يكون إبني مات غرقًا، فإبني سبّاح ماهر منذ أن كان صغيرا، ولو غرق المركب في البحر لاستطاع أن يسبح وينقذ نفسه".
وأضافت: "لدينا معلومات تفيد بأن 3 ممن كانوا على متن القارب تم إنقاذهم في محافظة قابس وهم على قيد الحياة، ولكن اكتشفنا أن شابًّا واحدًا تم الإعلان عنه وهو محمد أمين مشارك، في حين تم التستر على هوية الآخرين".
وتابعت: "لماذا يُدفن أبناؤنا في مقبرة حدائق إفريقيا؟ وإذا لم يتحرك الشارع هل كنا سنعرف هوية أبنائنا؟".
ويومًا بعد يوم تزداد شكوك الأهالي حول حقيقة موت أبنائهم في المتوسط، وما يعزز هذا تداول بعض الأخبار حول وجود شبهة تجارة بالبشر وبيع الأعضاء في حادثة جرجيس.
ويأتي هذا بالتوازي مع البطء بالإعلان عن نتائج التحقيقيات الرسمية التي أطلقتها النيابة العمومية التونسية منذ قرابة الشهر.

** فقدان وحرقة

وسط خيمة الاعتصام أمام مقر المعتمدية، يفترش سليم زريدات (والد وليد) الأرض، رافضًا مغادرة المكان إلى حين الإعلان عن حقيقة موت ابنه.
وبحسب زريدات، فإن "الشك الذي لم يحسم الجدل فيه أصبح يقينًا، فطالما لم نسمع النفي فالأمر حقيقة"، بحسب تعبيره .
وقال في حديثه للأناضول: "مرّ أكثر من 64 يومًا على الحادثة، أنا أعدّ الأيام باليوم، وكل يوم أفتقد ابني أكثر وأكثر وأشتاق إليه أكثر".
وأضاف: "الكثير يلوموننا في هذه الحادثة، صحيح أننا جميعًا مسؤولون، ولكن ألا يعرفون الظروف التي تمرّ بها البلاد، وماذا وفّرت للجيل الجديد حتى تفرض عليهم البقاء فيها!".
وأضاف: "لغة التواصل هي المشكلة الأكبر مع هذا الجيل، فوزارة الداخلية لم تستطع حلّها في الملاعب، فهل أستطيع حلّها أنا! الأمر يجب أن يُحلّ على مستوى وطني".

** حي منكوب

بين ضحايا قارب جرجيس عددٌ من الشبّان الذين ينتمون إلى الحي نفسه الذي كان يقطنه وليد، وحتى إلى العائلة ذاتها.
عائلة العودي مثلاً، فقدت 3 من أبنائها، فالخمسيني عبد السلام العودي، فقد ابنه وابن اخته، وشابًا آخر من عائلته في القارب.
ومنذ تاريخ الإعلان عن الحادثة، تنقّل العودي بين محافظات تونس الجنوبية للبحث عن المفقودين، مواجهًا العنف المسلّط من قبل الأمنيين (وفق قوله) دون أي جدوى.
وما يزيد حيرة عبد السلام وبقية عائلات الضحايا، هو رجوع الإشارة لهواتف المفقودين إضافة إلى وجود اتصالات من هذه الهواتف.
وقال العودي للأناضول: "أنا من مواليد فرنسا، ولكنني حين أردت الرجوع إلى هناك، قدّمت كلّ الأوراق المطلوبة ولكن تم منعي من التأشيرة".
ولا يختلف الأمر كثيرًا بالنسبة لسليم الزريدات، الذي أشار إلى قريبته البالغة من العمر 65 عامًا، والتي لم تتمكن من الحصول على تأشيرة سفر لزيارة ابنتها المريضة في فرنسا.

** "نبحث عن الحقيقة"

شهدت المدينة تضامنًا كبيرًا من الأهالي مع عائلات الضحايا الذين اعتبروهم أبناءهم، حيث تنتشر لافتات ضحايا الحادثة على المحلات والسيارات.
ورغم العثور على ابنته ملاك التي كانت بين ضحايا القارب ودفنِها، يرفض الستيني محمد الوريمي مغادرة الشارع والعودة إلى البيت، بل اختار المكوث مع عائلات الضحايا بحثًا عن الحقيقة الكاملة.
ويقول الوريمي للأناضول: "وجدت ابنتي ودفنتها، ولكنني أساند بقية العائلات في العثور على أبنائهم، فأنا متأكد من أنه لو كان أي أحد مكاني لقام بالشيء نفسه".
وتابع: "نحن هنا نبحث عن الحقيقة، فإن غرق أبناؤنا في البحر فليثبوا لنا هذا، وإن كان الأمر بفعل فاعل فليعلمونا بهذا".
وحول أسباب هجرة ابنته قال الوريمي: "ابنتي تحمل شهادة في صناعة الحلوى، عملت بثمن زهيد لا يزيد على 300 دينار (92 دولار) شهريًا، حتى إنها تقدّمت للحصول على تأشيرة سفر لكن طلبها قوبل بالرفض".
وأضاف: "أنا لا أقتنع بالهجرة غير النظامية بالرغم من ظروفنا الصعبة، ولم أكن أتوقع أبدًا أن تقوم ابنتي بهذا الأمر".

** ترقب الوعود بكشف الحقيقة

في 22 نوفمبر/تشرين الثاني الجاري، وجّه الرئيس التونسي قيس سعيّد، بإيلاء ملفّ غرق مركب الهجرة غير النظامية بجرجيس كل الاهتمام، للوصول إلى الحقيقة كاملة.
وفي تصريح صحفي سابق، وعد سعيّد أهالي جرجيس بالكشف عن كل الحقائق حول الحادثة قائلا: "صبرًا يا أهل جرجيس، فستأتي الحقائق مدوّية قريبًا".
وتباينت الآراء حول موقف الرئيس، حيث اعتبر البعض كلامه مُطمئنًا، في حين اعتبر آخرون أن هذا الأمر يؤكد الشكوك بوجود شبهة بيع الأعضاء.
وبحسب سعاد الرجيلي (والدة المفقود وليد)، فإن الحقائق التي تحدث عنها الرئيس "ليست سوى تأكيدًا آخر على صحة الشكوك حول وجود اتّجار بالبشر وبيع أعضاء"، حسب تعبيرها.
في المقابل، يرى كلٌّ من عبد السلام العودي ومحمد الوريمي، أن كلمة الرئيس مطمئنة للأهالي".
وقال الوريمي: "كلمة الرئيس طمأنتنا، واجتمعنا في الأيام الفارطة بفرقة مع العوينة (العاصمة) وزوّدناهم بكل المعطيات، وننتظر الحقائق".
من جهته، قال سليم زريدات: "لم أكن أتوقع أن يأتي يومٌ أقوم فيه بغلق طريق أو أن أتحدث بلهجة غضب مع مسؤول تونسي، وأنا ضد هذا، ولكن على الدولة إرسال مسؤولين سياسيين وليس أمنيين حتى نتحاور معهم".
وبالرغم من تفريق الأمن التونسي للاحتجاجات الأسبوع الماضي بالغاز المسيل للدموع، إلا أن معظم احتجاجات جرجيس اتّسمت بالسلمية.
وتشهد تونس أزمة اقتصادية واجتماعية متفاقمة، ساهمت بشكل مباشر في ارتفاع نسبة الهجرة غير النظامية هذا العام.
وبلغ إجمالي عدد المفقودين في البحر المتوسط منذ بداية العام الجاري، 544 شخصًا، وفقًا لأرقام المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية.

هيثم المحضي/ الأناضول
الاثنين 28 نونبر 2022