نظرا للصعوبات الاقتصادية التي رافقت الجائحة وأعقبتها اضطررنا لإيقاف أقسام اللغات الأجنبية على أمل ان تعود لاحقا بعد ان تتغير الظروف

الهدهد: صحيفة اليكترونية عربية بخمس لغات عالمية
الهدهد: صحيفة اليكترونية عربية بأربع لغات عالمية
عيون المقالات

وقاحة استراتيجية مذهلة

21/04/2024 - راغدة درغام

التعميم بوصفه "تخبيصة" العقل الأولى

18/04/2024 - مصطفى تاج الدين الموسى

رسائل النيران بين إيران وإسرائيل

15/04/2024 - محمد مختار الشَنقيطي

جنوب لبنان.. بعد غزة

06/04/2024 - عبد الوهاب بدرخان

غزة والأخلاق العابرة للحدود والأرباح

06/04/2024 - عدنان عبد الرزاق

نزار قباني وتلاميذ غزة

06/04/2024 - صبحي حديدي

حرب لإخراج إيران من سوريا

06/04/2024 - محمد قواص

على هامش رواية ياسر عبد ربه

04/04/2024 - حازم صاغية


جزائريون يبتكرون طريقة خاصة للاحتجاج لحل مشاكلهم




الجزائر - قبل أن يعود الشارع الجزائري إلى التظاهر السياسي الذي انصرف عنه منذ مدة طويلة، لم ينقطع يوما عن الاحتجاج الاجتماعي والنقابي، ولا يكاد يمر يوم دون أن نشهد حركة في هذا القطاع أو هذه الجهة بعضها يحظى بالمتابعة الإعلامية دون غيرها، ولعل أشهر الطرق وأخطرها في سبيل ذلك هي تعطيل حركة المرور عبر مختلف الطرق البلدية والولائية والوطنية وحتى الطريق السيّار شرق- غرب.
استغلت فئات كثيرة من الشعب سنوات خوف السلطات من امتداد "الربيع العربي" إلى البلاد واستعدادها لشراء السلم الاجتماعي بأي ثمن، بالدخول في حركات احتجاجية فئوية تكاد تكون يومية ومن شدة تكرراها لم تعد حتى الصحافة تنقل أخبارها. ولم يجد المحتجون أفضل من قطع الطرق وتعطيل حركة المرور لإجبار السلطات المحلية على التفاوض وفرض منطقهم، ولا يحتاجون في سبيل ذلك إلا إلى بعض الصخور وحرق إطارات عجلات سيارات.


 
وأصبح فرض الأمر الواقع سهلا بهذه الطريق، فالذي يريد رحيل مسؤول في إدارة عمومية يلجأ إلى الطريق العمومي، والأمر نفسه حدث ضد رؤساء بلدات اُتهموا بالفساد. ولئن كانت هذه الطريقة أكثر نجاعة في المناطق الحضرية وعند المدن الكبرى مثل الجزائر العاصمة وضواحيها، حيث تكثر حركة المرور وعند تعطلها تسارع الصحافة إلى تغطية الحدث، فإن الأمر يبدو غير مجدي في بعض المناطق المعزولة، فقد يضطر الناس إلى قطع الطريق مرات ومرات دون أن يصل صوتهم إلى المسؤولين المركزيين ويبقى المسؤول المحلي المغضوب عليه في منصبه.
ويقول أحمد بوليل، وهو مراسل لصحيفة وطنية، أن "اللجوء إلى غلق الطرق رغم خطورته على المارة الذين تتعطل مصالحهم إلا إنه قد لا يؤدي إلى أي نتيجة بفعل تكراره في كثير من المناطق، فقد أصبح "لا حدث" في كثير من الحالات لأن المشكلات تتشابه وكثير من السكان لهم مشكلاتهم مع غياب المرافق الضرورية وسوء تسيير المسؤولين المحليين، ونقل وسائل النقل وغيرها من المشكلات المتشابهة".
ويضيف بوليل، أنه يعمل في كل مرة على " نقل انشغالات المواطنين الذين لا يجدون في النهاية من سبيل لإسماع صوتهم إلا قطع الطريق المحلي، ولأن الأمر لم يعد يجدي، فإنهم يلجأون إلى التصعيد بالتنقل إلى أماكن أبعد عن بلدياتهم من أجل قطع طرق أكبر منها الولائية ومنها الوطنية وحينما يفعلون ذلك يسارع المسؤولون إلى الحوار معهم".
ويؤكد بوليل، أن اللجوء إلى قطع الطرق وتعطيل حركة المرور يكاد يكون الحل الوحيد أمام سكان المناطق النائية، "لأن الحياة هناك قاسية جدا، والحركية تكاد تكون مقطوعة في الأوقات العادية، فإن كان يقال إن آخر الدواء وهو الكي، فإن في هذه الحالة فإن الدواء الوحيد هو هذا النوع من الاحتجاج الذي قد يؤدي إلى اسماع صوت تلك المنطقة لأول مرة في وسائل الإعلام الكبيرة".
وفي كثير من الحالات يكون اللجوء إلى قطع الطرق لأسباب تبدو غير منطقية، مثلما حدث قبل سنوات عندما أقدم سكان إحدى المناطق إلى قطع الطريق السيار الذي يربط شرق البلاد بغربها، بحجة أن تدشينه قضى على الحركية الاقتصادية في بلدتهم عندما كان المسافرون يعبرون من هناك وكانت المطاعم والمقاهي وسائر المحال التجارية تجد لها زبائن في كل حين، وبعدها اضطر الكثير إلى غلق المحال وقبلها لجأوا عبثا إلى قطع الطريق السيار.
وفي هذا الصدد تقول نجية حمري، وهي طالبة دكتوراه في علم الاجتماع، إن قطع الطريق وإن كان خطيرا اجتماعيا، فهو يحمل الكثير من المعاني السيئة من الناحية الدينية إلا أنه يبقى "السبيل الوحيد للفت الانتباه، ومن أغرب ما قرأت قبل سنوات في هذا الصدد أن أهل قرية في ولاية بجاية على ما أذكر ظلوا يشتكون من غياب طرق المواصلات وهم الذين يقطنون منطقة جبلية وعرة، ولأن طريقهم المنظر كان شبه جاهز وبقي خارج الخدمة بسبب التعقيدات الإدارية، فقد عمدوا على قطع طريق ولائي كبير ليطالبوا بفتح طريق آخر، ويبدو الأمر في قمة العبثية إلا أن الواقع قد يكون أكثر عبثا من العبث نفسه".
وترى حمري، أن المشكلة الرئيسية في الأمر تتمثل في نقص قنوات الحوار بين المواطنين والإدارة في ظل التعقيدات البيروقراطية الكثيرة، حيث "أن النائب البرلماني ما إن ينجح في الانتخاب حتى يغادر إلى الجزائر العاصمة ويقطع قنوات التواصل تماما مع أفراد المنطقة التي يفترض أنه يمثلها، وبعضهم يقول إنه نال ما نال بفضل علاقاته مع جهات نافذة لا بفضل المواطن الذي في كثير من الحالات يقاطع الانتخاب بسبب لا جدواها في رأيه، أما المسؤول المحلي فهو متورط في كثير من الحالات في الفساد وكثيرا ما يتغيّب في الأيام المخصصة لاستقبال المواطنين".

وتضيف حمرى أن " قناة الاتصال الوحيدة التي يراها المواطن هي الطريق العمومي فيلجأ إلى قطعه كنوع من العقاب الجماعي للمواطن والمسؤول على حد سواء لعل ذلك المسؤول يحس بما يحس به المواطن العادي من بؤس وحرمان، ولئن كانت هذه الوسيلة للاحتجاج تأتي ثمارها في بعض الأحيان إلا أنها في أحيان أخرى تبقى بدون جدوى، في كثير من المناطق الجبلية الوعرة حيث أن الطرق مقطوعة في الأصل بسبب العوامل الطبيعية، ففي الشتاء تعزل الثلوج التي قد يصل سمكها إلى الأمتار تلك القرى، والأمر نفسه يحدث مع فيضانات الصيف والخريف".
وأمام هذا الوضع المأساوي لا يجد بعض سكان تلك المناطق من حل مناسب إلا النزوح إلى المدن الكبرى وهي الظاهرة التي تنامت منذ سنوات الاستقلال الأولى ضمن ما عرف بـ"النزوح الريفي" الذي عمل على "ترييف المدن" عوضا عن تنمية المناطق الفلاحية مثلما بقى الخطاب الرسمي يؤكد دون جدوى.

وكثيرا ما يؤدي هذا النوع من الاحتجاج إلى نتائج عكسية، ويتسبب في مشكلات إضافية لم تكن في الحسبان، فمصالح الناس تتعطل خاصة إذا كان الطريق المقطوع رئيسيا لحركة المرور، وكثيرا ما يلجأ المحتجون إلى قطع هذا النوع من الطرق مثلما يوقفون حارة مرور قطارات الضواحي والمسافات البعيدة على حد سواء لهذا السبب أو ذاك.

وأصبح مطلوبا من المسافرين معرفة الطرق البديلة للطرق المقطوعة وعادة ما تكون مهجورة أو وعرة أو طويلة أكثر مما ينبغي، وهو الحل الذي لجأ إليه كثير من أصحاب الشاحنات والحافلات وسيارات الأجرة أثناء ما سمي بـ"الربيع الأسود" في بلاد القبائل من المتوجهين إلى الجهة الشرقية من البلاد، حيث اضطروا إلى استعمال طرق أطول بعشرات الكيلومترات من أجل السفر من الجزائر العاصمة إلى هذه المدينة أو تلك.

ويذكر سعيد عطافي، وهو سائق تاكسي قديم كان يعمل على خط الجزائر العاصمة – سطيف (300 كيلومتر إلى الشرق) أنه اضطر مثلا في بدابة هذا القرن إلى استعمال طريق كان يسلكه في منتصف سبعينيات القرن الماضي، ومن حسن حظه أنه تذكر ذلك الطريق رغم وجوده في منطقة جبلية وعرة ورغم عزلته مما يثير خوفا لدى بعض الركاب.
ويقول سعيد، أنه وفي الحالات الكثيرة التي يعمد فيها محتجون على قطع الطرق، أضطرت كثير من النساء الحوامل إلى وضع حملهن في الطريق ولم يتمكن من الذهاب إلى المستشفى في الوقت المناسب، والكثير من الطلبة ضيّعوا دروسهم ومواعيد امتحاناتهم وبعض الشباب أضاعوا فرصا للتوظيف عن طريق المسابقات التي لم يتمكنوا من حضورها، والأخطر هو أن بعض أصحاب الأمراض الخطيرة الذين ينتقلون من إلى المدن الكبرى من أجل جلسات غسل الكلى أو العلاج الكيمياوي مثلا أضاعوا فرص الشفاء وبعضهم توفي في الطريق.

ولأن الاحتجاج بقطع الطرق أصبح يؤدي إلى نتائج عكسية، فإن الكثير من المواطنين الجزائريين، أصبحوا يتجنبونه بحثا عن وسائل أخرى أقل خطرا على مصالح الناس وصحتهم وحياتهم. ومن الوسائل التي أصبح المحتجون يلجؤون إليها هي التنقل بأعداد كبيرة إلى مقر البلدة لمحاصرته وغلقه لمدة معينة، حتى يضطر رئيس البلدة إلى التحاور معهم من أجل حل مشاكلهم أو على الأقل وضع جدول زمني محدد في سبيل ذلك.
ومن الأساليب الجديدة للاحتجاج ما يحدث في الجزائر منذ نهاية شهر شباط/ فبراير الماضي، ضمن ما يعرف بـ"الحراك الشعبي" السلمي الذي بدأ بمطلب سياسي محدد، ليكسر بعد ذلك جدار الخوف ويطرح كل المشكلات الاجتماعية على طاولة النقاش، وقد ساهم في ذلك كل الفاعلين السياسيين والاجتماعيين، بحثا عن وسيلة أكثر حضارية لحل مشكلات مؤجلة منذ سنوات الاستقلال الأولى كانت تتراكم بفعل ثقافة الخوف التي سادت طويلا خصوصا زمن ما سمي بـ"العشرية السوداء" وما تبع ذلك من تراكمات خطيرة.

د ب ا
السبت 30 مارس 2019