نظرا للصعوبات الاقتصادية التي رافقت الجائحة وأعقبتها اضطررنا لإيقاف أقسام اللغات الأجنبية على أمل ان تعود لاحقا بعد ان تتغير الظروف

الهدهد: صحيفة اليكترونية عربية بخمس لغات عالمية
الهدهد: صحيفة اليكترونية عربية بأربع لغات عالمية
عيون المقالات

وقاحة استراتيجية مذهلة

21/04/2024 - راغدة درغام

التعميم بوصفه "تخبيصة" العقل الأولى

18/04/2024 - مصطفى تاج الدين الموسى

رسائل النيران بين إيران وإسرائيل

15/04/2024 - محمد مختار الشَنقيطي

جنوب لبنان.. بعد غزة

06/04/2024 - عبد الوهاب بدرخان

غزة والأخلاق العابرة للحدود والأرباح

06/04/2024 - عدنان عبد الرزاق

نزار قباني وتلاميذ غزة

06/04/2024 - صبحي حديدي

حرب لإخراج إيران من سوريا

06/04/2024 - محمد قواص

على هامش رواية ياسر عبد ربه

04/04/2024 - حازم صاغية


جلب الأرمن السجق وتعلموا التبولة من اللبنانيين لكن اندماجهم بالمجتمع ما يزال موضع نقاش




بيروت- فاديا عازار -عندما وصل الأرمن إلى لبنان في عشرينيات القرن الماضي هربا من المذابح التي ارتكبتها الدولة العثمانية بحقهم ، سكنوا بأغلبيتهم في منطقة برج حمود شرق بيروت وفي عنجر في البقاع، شرق لبنان، بما يشبه "الجيتو" لكن.. في الخيم.


الكنيسة الارمنية الانجيلية فى منطقة برج حمود شرق بيروت
الكنيسة الارمنية الانجيلية فى منطقة برج حمود شرق بيروت
ومجرد أن يزور المرء هاتين المنطقتين بعد أكثر من 90 عاماً يجد أن الأرمن رغم العمارات الحديثة والمتلاصقة، وبعض بقايا الصفيح، ما زالوا إلى حد كبير يحافظون على تكوكبهم حول بعضهم البعض وعلى لغتهم الخاصة وطريقة حياتهم مع اختلاط تجاري على الغالب بمكونات الشعب اللبناني.
ويقول المعمرون منهم إن ذكريات العذاب والترحال الطويل والشقاء والفقر والألم والموت الذي تعرضوا له أثناء حملة الابادة ما تزال موجودة في لا وعي الكثيرين، ولذلك تجد الارمن اللبنانيين لا يمنحون الثقة للغريب إلاّ بعد تجربة ، ويقاربون بخشية وحذر، وإن كان ذلك بشكل كامن ومستتر، كل من لا يحمل الهوية الارمنية.
وتشير الإحصاءات والدراسات الأرمنية إلى وقوع نحو 5ر1 مليون قتيل أرمني بينما كانت السلطات العثمانية تحاول ترحيلهم .
وكان الكاتب التركي المعروف اورهان باموك صرح اثناء استلامه جائزة في ألمانيا أن مليون أرمني سقطوا على يد العثمانيين في الحرب العالمية الأولى، فيما يقول باحثون أتراك أن الرقم لا يتجاوز عشرة آلاف ضحية.
ومع الوقت دخل الأرمن البنية السياسية والإقتصادية اللبنانية ولهم ستة نواب في البرلمان وأحزابهم ونواديهم الخاصة، مستفيدين من الهامش الديمقراطي في البلاد.
وقال التاجر والناشط السياسي نيشان دانا اورليان لـوكالة الانباء الالمانية (د.ب.أ) "قدم لبنان هامشاً من الحرية والاستقلالية للأرمن".
وأضاف"نحن ممتنون لهذا البلد ، حيث سُمح لنا فيه بالمحافظة على ثقافتنا ولغتنا، فصاحب أي محلّ مثلاً يستطيع كتابة "يافطته" باللغتين العربية والارمنية، الأمر الذي لم يُسمح به في البلدان المجاورة".
ويضم لبنان أكبر جالية أرمنية في العالم العربي حيث يصل عددهم حسب مصادر ارمنية ومراجع دينية إلى حوالي 140 الفا، ينتمي معظمهم إلى الطائفة المسيحية الارثوذكسية، ثم الكاثوليكية، وأقلية فقط إلى الطائفة الانجيلية.
وحصل الأرمن على الجنسية اللبنانية منذ الثلاثينيات وبعد الاستقلال، بعد قليل من هجرتهم وسكناهم مخيمات انشئت لهم في بيروت، ثم انتشارهم بكثرة في منطقة برج حمود وأنطلياس شرق بيروت وعنجر في البقاع ثم تمدد بعضهم إلى مناطق أخرى.
وابتعد الأرمن بُعيد وصولهم عن اللبنانيين جراء الخوف من الآخر، وطلب الأهل الأرمن من أبنائهم تحاشي الغرباء. ساهم جهلهم أول الأمر باللغة العربية ببطء عملية اندماجهم بالمجتمع اللبناني، ولكن الاجيال اللاحقة تعلمت اللغة العربية، فصار اندماجها أسهل .
وفي كل عام في 24 نيسان/ابريل يستذكر الأرمن اللبنانيون ذكرى الإبادة والتهجير العائدة للعام 1915، باحتفالات وتذكارات في الكنائس والأندية ،مكررين المطالبة بإدانة المجازر، يساندهم "لوبي أرمني" قوي في أمريكا، وجمعيات مدنية وساسة أوروبيون.
وتتذكر جاكلين كاكاجيان، ربة منزل( 65 عاماً) "كنا نعيش في طرابلس(شمال لبنان) وكانت أمي تقول لنا إياكم أن تخرجوا من أمام الدار، وإلا يأتي الإسلام (بمعنى الأتراك) ويأخذونكم ".
وسيطر الخوف على قواعد السلوك وقتذاك، حيث قالت كاكاجيان لـ (د.ب.أ) منذ حوالي خمسين سنة ذُبحت إحدى الفتيات الارمنيات لأن أخوها رآها تنزل من سيارة يقودها رجل عربي"، الذي يسمونه بلهجتهم "ابن عرب".
وأضافت كاجاجيان "لكن هذا التشدد خفّت حدّته حالياً وبدأنا نشهد بعض الزيجات المختلطة بين الأرمن وغيرهم من اللبنانيين".
وتمسك الأرمن بالتحدث بلغتهم الأم وتعلمها، كدرع حماية لهم من الذوبان في خضم المحيط العربي وثبيتاً للتضامن، بواسطة الإصرار على التحدث بها، كما تمسكوا بالزواج من بعضهم البعض، حرصاً منهم على تناقل لغتهم المنطوقة والمكتوبة والمحافظة عليها بشكل دائم عبر التعاليم والتقاليد الدينية.
واعتبرت لينا ديشكينان، ربة منزل "أن الزواج من أرمني ُمفضل لدى الارمن بشكل عام، فهو يؤدي إلى المحافظة على اللغة وعلى الثقافة،..لقد علّمنا أهلنا أنه علينا أن نتزوج من أرمني إذا أردنا حماية أنفسنا من الاندثار والعودة إلى أرمينيا، ونحن بدورنا نعلّم أولادنا" .
واستدركت ديشكينان قائلة "لبنان مثل بلدي، فأنا لا أعرف بلداً سواه. أما علاقاتي الاجتماعية فأفضّل أن تكون مع الأرمن وذلك بسبب اللغة فقط ،لأنني أجد صعوبة في التعبير باللغة العربية. كما أن بعض اللبنانيين يتعاملون مع الارمن كأنهم غرباء ، فينادونهم (الارمني )وهذا ما يتعرض له بعض التلاميذ الارمن في المدارس الخاصة المختلطة".
وعمد الارمن إلى انشاء مؤسساتهم الخاصة، فلهم مدارسهم، ومؤسساتهم الثقافية والسياسية والتنموية والترفيهية والاقتصادية وأنديتهم الرياضية التي من خلالها استطاعوا المحافظة على لغتهم وثقافتهم .
وقالت لينا قيومجيان، أستاذة اللغة الانجليزية في الجامعة اليسوعية لـ(د.ب.أ) "إن الأرمن اندمجوا في المجتمع اللبناني، منذ حوالي ثلاثين سنة، فأدخلوا إلى الثقافة اللبنانية بعض العناصر الجديدة فيما يخص الأكل، (البسطرما والسجق بالإضافة إلى بعض أنواع التوابل ) كما تعلموا منهم بعض أنواع الأكل التي أحبوها وأهمها الكبة".
وأضافت" إن عزلة الأرمن بالإضافة إلى إصرارهم على التواصل فيما بينهم بواسطة اللغة الارمنية، دفع بعض اللبنانيين إلى التمييز ضدّهم وخلق صعوبة في التواصل معهم".
يشار إلى أن اللبنانيين يتندرون في مجالسهم الخاصة من نطق الأرمن للغة العربية، فهم دائما يقلبون المذكر إلى مؤنث وبالعكس.
وقالت قيومجيان "نجح الارمن في المجالات الاقتصادية والتجارية بفضل اجتهادهم، إلا أنهم أخفقوا في المجال السياسي، بسبب تقصير الاحزاب السياسية التي لا تقوم بواجباتها بشكل جيد".
والمعلوم أن للارمن ثلاثة أحزاب في لبنان: الهنشاك، والرمغافار والطاشناق، وهو أكبر الاحزاب الارمنية وأكثرها تمثيلاً.
وارتبط الارمن على اختلاف مذاهبهم بعلاقات ودودة وطيبة مع الطوائف المسيحية والاسلامية في محيطهم القريب، حيث استطاعوا أن يشكلوا أيدي مهنية وحرفية عاملة ماهرة وموثوقة في وقت قصير وأن يحققوا نجاحات في مجالات عديدة.
واليوم ، بعد ما يقارب المئة عام من المكوث في قلب المجتمع اللبناني ، أمضاها الأرمن يعملون بجدّ، نجد عدداً لا بأس به منهم يرفضون العودة إلى ديارهم(أرمينيا) ويتشبثون بانتمائهم إلى لبنان، معتبرينه وطنهم.
وقالت نايري نجاريان،موظفة في إحدى الشركات لـ" د.ب.أ" "أنا لبنانية وانتمي إلى المجتمع اللبناني ربما أكثر من أي لبناني، ولبنان هو بلدي الذي أعيش فيه، وأنسج فيه مجمل علاقاتي مع الأرمن وغير الأرمن. أحبّ أن أزور أرمينيا، ولكنني سأعيش هنا في لبنان"
لكن على الأغلب يرفض الأرمن التخلي عن انتمائهم لأرمينيا، وربما ساهم النظام السياسي اللبناني القائم على المحاصصة الطائفية للدولة، في تشبث الارمن بثقافتهم وهويتهم، فهم متضامنون اجتماعيا واقتصاديا وسياسياً ولهم أعيادهم الخاصة وثقلهم السياسي والإنتخابي في بعض المناطق مثل "المتن الشمالي" شرق بيروت، وإحدى دوائر العاصمة.
لقد حوّل الأرمن منطقتهم الكبرى والرئيسة "برج حمود" إلى مدينة صناعية وتجارية كبرى بجدهم ومصداقيتهم وحرفيتهم، حيث تلازمت صفة "الماهر" مع كلمة "أرمني"، وبرعوا في مهنة الذهب"الصاغة"، لكن مع خروجهم البطيء من "الجيتو" عبر الإختلاط والهجرة هناك سؤال يطرح ولطالما طرحه البعض وهو ..هل سيصيغون في المستقبل..مستقبلاً عربياً- أرمنياً؟

فاديا عازار
الثلاثاء 21 يوليوز 2009