نظرا للصعوبات الاقتصادية التي رافقت الجائحة وأعقبتها اضطررنا لإيقاف أقسام اللغات الأجنبية على أمل ان تعود لاحقا بعد ان تتغير الظروف

الهدهد: صحيفة اليكترونية عربية بخمس لغات عالمية
الهدهد: صحيفة اليكترونية عربية بأربع لغات عالمية
Rss
Facebook
Twitter
App Store
Mobile



عيون المقالات

عن نافالني… بعد أربعين يوماً!

27/03/2024 - موفق نيربية

أوروبا والسير نحو «هاوية»...

18/03/2024 - سمير العيطة

( خيار صعب لأميركا والعالم )

18/03/2024 - عبدالوهاب بدرخان*

لماذا لم يسقط نظام الأسد؟

17/03/2024 - يمان نعمة


جميلة بوحيرد " 3 " : بن بلا وبوتفليقة مغربيان و القذافي مهادن و سياسة ناصر لا تعجبني




حاورتها - صوفية الهمامي - قابلت المناضلة الجزائرية جميلة بوحيرد معظم الزعماء العرب وكونت عن بعضهم صورة لا تسر الخاطر رغم تكريمهم لها فهي - مثلا - ومع كل حفاوة عبد الناصر بها لا تحب سياسته وتعتقد ان تلك السياسة تسببت في قتل الكثيرين من الابرياء من المصريين اما القذافي فقد احبطها بأساليبه الملتوية والمهادنة لكنها تكن ودا عميقا للرئيس التونسي السابق الحبيب بورقيبة الذي حاول بومدين ان يمنعها من مقابلته اما احمد بن بلا فلم تستسغه ولم تكن على علاقة طيبة معه في يوم من الايام وربما كانت هي الوحيدة التي تعلم مصادر امبراطوريته المالية وكيف اصبح مليونيرا ورفض ان يسلفها مبلغا لعلاجها


المناضلة جميلة بوحيرد مع مراسلة صحيفة الهدهد الدولية صوفية الهمامي
المناضلة جميلة بوحيرد مع مراسلة صحيفة الهدهد الدولية صوفية الهمامي
أذكر مثلا أنني عدت ذات يوم يوم خروجي من السجن، مشيت مع أصدقائي لمدة 48 ساعة في شوارع باريس لم ننم كنا نتوقف فقط لأكل ساندويتشات أو لشرب القهوة ثم نواصل السير وكأننا في مهمة. لقد أعجبتني باريس كثيرا إنها مدينة كبيرة وجميلة جدا والى الآن أعشق زيارتها أنها من تلك المدن الأليفة التي تحتضن الزائر الغريب بدفء حميم" .
* أم الجزائريين مريم العذراء
* سألتها عن شعور والدها ووالدتها وهي في السجن؟
كان وجهها يضيء في كل مناسبة تذكر فيها والديها وخاصة والدتها. ربما لأنها فقدتها في وقت مبكر جدا... هزت رأسها لكأنها تستدعي وهج المشاعر من الذكرى ثم قالت :"عندما كان والدي يزورني في السجن لم نكن نتكلم كثيرا ، فقط كان يذكرني بأن اقرأ القران الكريم واذكر الله دوما. كما كان حريصا على تلقيني دروسا معنوية كثيرة وبأمثلة بسيطة . في كل زيارة كان يطلب مني أمام أعين الحراس أن أتمشي أمامه داخل القاعة وبالفعل كنت اقضي زمن الزيارة ذهابا وإيابا، وعند نهاية الوقت يطلب مني أن ارفع ثيابي فوق ركبتي وعندما امتنع كان يأمرني قائلا:" أنا صاحب الكلمة الآن ويجب أن تنفذي وعندما أنفذ أمره يبتسم ويقول : "لديك بعض الوزن الزائد يجب أن تتخلصي منه لتكوني رياضية حقيقية" وينصرف. هكذا كان والدي بسيطا ورياضيا. بعد وفاة والدتي أقام عندي هنا في بيتي . إلى أن توفي منذ سنوات قليلة.
أما والدتي فلم تكن تزورني كثيرا ولعل أهم زيارة قامت بها تلك التي جاءت اثر صدور الحكم بالإعدام. أذكرها جيدا، صورتها أمامي الآن، كانت كملاك نازل من السماء بلحافها الأبيض، يومها تأكدت أن والدتي سيدة شجاعة جدا وهي بالفعل أم المناضلين والثوار. عندما جلست أمامي رحمها الله قلت لها: "يا ماما ربما هذه آخر مرة ترينني فيها إنني سأعدم هل تريدين قول شيء" ردت علي بهدوء وصوت ثابت : "أنت فداء للوطن العزيز الغالي ، لا يهمني أن تعدمي لأجل حرية الجزائر أنا أم والجزائر أمنا جميعا ". أحسست بألم يخترقني لقوة صبرها . رفعت بصري وأدرت وجهي حتى لا تلحظ انفعالي وألمي لأجلها لأفاجأ واستغرب من السجانة الفرنسية المسئولة عن حراستي ومراقبتي تبكي بتأثر. بل انحنت أمام والدتي تقبل يديها وقالت لها بالحرف الواحد : "أنا اليوم تشرفت برؤية مريم العذراء " . ومن يومها تخلت عن العمل بالسجن إجلالا لموقف والدتي تجاه الجزائر واستقالت من عملها".
ولعل السجانة الفرنسية فعلت ذلك ليقينها أن الحرية ملك مشاع لجميع البشر بصرف النظر عن الانتماء العرقي واللغوي والديني. احترمت هذه المرأة كثيرا لأنها اختارت طريق الكرامة والمجد الخالد. كما كان عدد كبير منهم يخجل أمام ما يقوم به الفرنسيون تجاهنا لأنه باختصار يشبه ما فعلته النازية الألمانية في بلدهم فرنسا خلال احتلالها، وقد ترسخت هذه الممارسات في الذاكرة الفرنسية على أنها وصمة عار وجبن وسلوك غير حضاري.
الجزائر لن تنسى نضال الفرنسية جاكلين قروج الارستقراطية الفرنسية التي جاءت للجزائر لتعمل مدرسة وإذا تنخرط ضمن مجموعتنا وتنقلب حياتها. قاومت الاستعمار وناضلت من اجل حرية الجزائر ونشرت العمل الثوري في وسط العائلات. لقد أعطت الجزائر بدون حدود وتستحق أن يضمها قلب الجزائيين وذاكرة التاريخ كواحدة من النساء العظيمات في بلادنا. اعتقلت وتعذبت وأودعت السجن مع أخريات يؤدين نفس الدور منهن "آن شتينر" وهي سويسرية الأصل، كانت جاكلين نشيطة وذات جمال فتان وعطوفا تمقت ممارسات جيش الاحتلال ضد الوطنيين الجزائريين إلى درجة الحقد، وتكونت لديها مع الانخراط في التنظيمات الشبابية والشعبية الخيرية والثقافية القدرة الكافية على تحويل غيظها وحقدها إلى عمل خلاق ونافع، واستطاعت قيادة الثورة في العاصمة توجيه هذه الطاقة لخدمة مخططها، ولما اعتقلها البوليس الفرنسي سلط عليها أقسى أنواع العذاب ليس فقط لأنها تنتمي إلى المقاومة لكن بالدرجة الأولى باعتبارها خانت وطنها الأصلي فرنسا و"تحالفت مع متمردين يشكلون خطرا على النظام العام" كما جاء في خاتمة تقرير القضاء الفرنسي بعد محاكمتها، وحتى أمد قريب كانت جاكلين قروج تشتغل رئيسة مكتبة كلية الاقتصاد بجامعة الجزائر لكن مع اندلاع المواجهات في الجزائر مع مطلع عام 1992 تعرضت إلى مضايقات كبيرة وغادرت البلاد إلى فرنسا ولا احد يعلم الآن ما إذا كانت على قيد الحياة أم توفيت، أما زوجها فهو جزائري ويدعى عبد القادر قروج ".

رغم الحزن الذي خيم علينا فان الليلة كانت رائعة بالنسبة لي. لقد غمزت صنارتي وقطفت ما تيسر من شجرة ذكريات السيدة العظيمة جميلة بوحيرد . نامت هي بالتأكيد بعد التهام حفنة من الحبوب الملونة لتهدئة أمراض نخرت جسمها النحيل. وواصلت أنا لعبة التحدي مع النوم لأدون ما اقتنصته خلال هذه السهرة الأولى معها . أما ما تبقى من الفجر قضيته في فراش مريم ابنة جميلة ، متأملة مكتبتها الغنية بكتب الأدب العربي ودواوين كبار الشعراء. عندما أغمضت عيني كان يسكنني إحساس بأنني ابنتها مريم المسافرة إلى أمريكا ...
* هي والزعماء
في الصباح سألتني إن كنت أرغب في التسلي بقراءة بعض المجلات العربية ونادت : "لا فضيلة هاتي المجلات اللي فيهم الغزالة حبيبتي المزيانة". وهي تقصد بالغزالة الكاتبة أحلام مستغانمي، خرجت وأقفلت الباب وراءها وبعد لحظة أعادت فتحه وأطلت علي برأسها مبتسمة "راهو على بالي إلي كثير يغيروا من حبيبتي أحلام. وعلا بالك جمهورها في الجزائر أش راهو يقول؟". نعم أعلم أنها كانت هنا منذ أيام للمشاركة في معرض الكتاب وأن جمهورها الجزائري كان يشدو"بالروح بالقلم نفديك يا أحلام".
قبل أن تسحب الباب ثانية تمتمت "يا لطيف ما يفوتهم شيء جماعة الصحافة". لتعود بعد مدة محملة بقفة كبيرة مملوءة بالخضر والغلال واللحم ولا أدري كيف حملتها. حاولت مساعدتها ، خجلت من نفسي كيف لسيدة حررت وطنها وتعذبت لأجله تحمل أشياءها بيدها التي أصيبت فيها وكويت بنار الاستعمار لا تجد من يخدمها في هذا العمر فازداد إكباري لها.
اقترحت علي جولة لتطلعني على العاصمة، نزلنا البرج بعد انتظار ممل لذلك المصعد الحديدي المفزع وركبنا سيارتها المرسيدس السوداء العجوز المتهالكة، جلست إلى جانبها وأنا احسد نفسي مجددا على هذا الشرف ، كانت تقود سيارتها بسرعة مما زاد في كثافة الدخان الأسود من الخلف .علقت على المشهد بقولها : "والله من المفروض أن أعاقب لأني ألوث البيئة بهذا الدخان".
داعبتها ولما لا تشتري مرسيدس آخر موديل وترتاحي، قالت : "تعلمي يا ابنتي أنني لم أستخرج "البيان" إلا لأجل شراء هذه السيارة".
و"البيان" هو تلك الشهادة التي تمنحها السلطات الجزائرية لتثبت أنها مناضلة وإنها عملت بالثورة .
سيدة فريدة في نضالها وصمودها و فريدة في رؤيتها للحياة لذلك رفضت الاستفادة من منحة المجاهدين عدا جمرك هذه السيارة المتهالكة الآن....
عبرنا شوارع فسيحة جدا تزينها الأشجار على الجانبين قلت لها:" كأني في شوارع باريس". التفتت إلي وابتسمت وقالت:" لكن الجزائر أجمل في عيني".
عدنا... وحضرت وهيبة بوحيرد ابنة عم السيدة جميلة مصممة الأزياء محملة بصور و تصاميم مشغولة باليد لتطلعني على عملها عندما كانت تقيم في باريس وفاجأتني أن المشاهير كانوا زبائنها مثل المطربة داليدا كذلك المطربة وردة الجزائرية. لكن وهيبة خسرت تجارتها في باريس بسبب سيدة يونانية معروفة نافستها فعادت لوطنها واختارت البقاء فيه .
تعاطفت معي وهيبة وحاولت جاهدة إقناع ابنة عمها جميلة أن تتكلم وتفصح عما في جرابها ... ولكن ...
رافقت وهيبة وتمشينا قليلا قبل أن تعود لأهلها. لدى عودتي حملت معي باقة زهور بيضاء واعتمدت وضع وردة حمراء داخل الباقة لدغدغتها. فتحت ماما جميلة الباب وبيدها كتاب ناولتني إياه وبفرح الأطفال اختطفت مني الأزهار و سارعت بإحضار مزهرية من الكريستال ورتبت الورود قائلة: "كيف عرفت أنني أحب الورود البيضاء ؟ لقد ذكرتني بصديقة لي رحمها الله لقد استشهدت . و قبل أن تعدم طلبت مني أن أزورها في مثواها الأخير وأضع على قبرها ورودا بيضاء. و للأسف انقطعت عن هذه العادة عندما مرضت وتقدمت بي السن. نحن البشر لا يمكن أن نستمر ونحافظ على الوفاء بسبب الظروف الحياتية البائسة. أما أكبر مناسبة تلقيت فيها الزهور كانت يوم ولادة ابنتي مريم وصلتني المئات من باقات الورود ، وعلقت ممرضة فرنسية على ذلك بأن الجنرال ديغول في حياته وحتى مماته لم يتلق هذا الكم".
كنت أصغي إليها وفي نفس الوقت كنت مشغولة بقراءة إهداء ومقدمة الكتاب كيف لا وهو آخر كتاب صدر للمحامي فرجاس وكانت النسخة الأولى قد وصلتها منذ دقائق عن طريق البريد...
بعد العشاء جاءت "لا فضيلة" بطبق الشاي.(هذه السيدة أعدم زوجها وهي عروس. أمنيتها في الحياة أن تزور قبر الرسول).

وعدت لدغدغة مكامن الحياة في ذاكرتها . تحدثنا طويلا إلى أن أخذنا الكلام إلى لقاءاتها وأرائها في بعض الزعماء العرب وفجأة أصبح الحوار مباشرا وعلنيا. وسألتها ماذا ترسخ عندك من هذه اللقاءات والأسماء ؟
تاهت في شعاب ذاكرتها ثم قالت :"التقيت جمال عبد الناصر رحمه الله لقد كان لقاء مهيبا لكن لم تعجبني سياسته بل إني اعتبره السبب في موت العديد من المصريين الأبرياء. كما التقيت حافظ الأسد رحمه الله وقبلت منه وساما اعتز به كثيرا، وأكن للشعب السوري الاحترام والتقدير. وفي العراق قابلت الجنرال قاسم لقد كان رجلا ودودا . أما الشعب العراقي فقد استقبلني استقبالا تاريخيا. كما فاجأني الشاعر الكبير بدر شاكر السياب بقصيدة رائعة "إلى جميلة" في ديوان أنشودة المطر. الزعيم الليبي معمر القذافي كان متحمسا لعروبته وكان ذلك يعجبني. أما الآن فلم اعد استسيغ سياسته. لقد أحبطني بأساليبه المهادنة وأحاول أن أجد له تبريرات... لكن ذلك لم يمنعني من زيارة ليبيا عديد المرات لان الشعب يحبني كثيرا ويبجلني، أحس هناك أنني ازور بناتي وأولادي.
الزعيم الفلسطيني ياسر عرفات رحمه الله شخصية سياسية مركبة وبنفس الوقت مرنة يقبل النقد وهذه صفة عادة لا تتوفر في الزعماء ، له انجازات يذكرها له التاريخ وله سلبيات كثيرة جعلتني لا أتجاوب معه كثيرا خاصة في السنوات الأخيرة. زرت الكويت وبيني وبين الشعب الكويتي مودة ومحبة ولكن للأسف لم نتواصل. أتمنى زيارة الإمارات لأني سمعت عنها الكثير".
عادت ماما إلى صمتها . بدت لي كأنها متعبة لكني انتهزت فرصة تفتح نفسيتها للكلام وقلت لها :"ماما عزيزي ... انك لم تحدثيني عن زياراتك لتونس أرض أخوالك ولم تتحدثي عن زعماء تونس؟"..
"انتظري حبيبتي لا تستعجلي سأروي لك كيف قابلت الزعيم الحبيب بورقيبة في الجزائر وليس في تونس. عندما سمعت أن الرئيس التونسي الحبيب بورقيبة سيزور الجزائر فرحت كثيرا، واتصلت بالرئيس هواري بومدين وأبديت رغبتي في ملاقاته فرد علي ببرود شديد وحاول إثنائي متسائلا من أنت حتى تقابلي الرئيس بورقيبة صرخت في وجهه بصفتي المجاهدة الصغيرة جميلة بوحيرد وهو المجاهد الأكبر الحبيب بورقيبة وأقفلت السماعة.
بصراحة كنت حادة ولا زلت في كلامي مع المسئولين في الدولة .
تابعت وصول الزعيم الحبيب بورقيبة رفقة الماجدة وسيلة عبر التلفزيون وفي نفس الأمسية حضر من سلمني دعوة لحضور حفل استقبال على شرف الرئيس التونسي في قصر الجمهورية . وكنت في الموعد .
خلال البروتوكول قدمني بومدين للزعيم بورقيبة بقوله :"هذه السيدة نصفها تونسي خذوها عندكم وريحونا منها ... إنها جميلة بوحيرد "
فتح بورقيبة ذراعيه قائلا تعالي عزيزتي... جميلة أيتها الرائعة كم تمنيت رؤيتك"
لقد كان سعيدا بلقائي وكذلك وسيلة التي كانت تفرح كثيرا لمناداتي لها "بالخالة"
وطلب بورقيبة أن أكون ضمن الوفد المرافق له إلى نهاية زيارته بالجزائر وقد أسعدني ذلك كثيرا. أما الرئيس الحالي زين العابدين بن علي فأنا سعيدة لازدهار تونس في عهده، وهو خالي أيضا".
حدثتني عن هواري بومدين ببعض الازدراء من من زعماء الجزائر أو بأكثر وضوح أحمد بن بلا قائد تاريخي ما هو رأيك فيه ؟ ضحكت وقالت :" أحمد بن بلا القائد التاريخي كما يصفونه هو رجل بائس جدا في الحقيقة و تعود أصوله إلي مراكش باقصي جنوب المغرب، كذلك الرئيس الحالي عبد العزيز بوتفليقة من مواليد منطقة وجدة المغربية.أما علاقتي ببن بلاَ فهي متشنجة لم نحتمل بعضنا يوما واحدا. وهو من أطلق شائعة خروجي النهائي من الجزائر وهو من قطع حبل الاتصال بيني وبين من يسأل عني من الدول العربية عندما كان رئيسا ، وهو من روج عني الانتماء للحزب الشيوعي وهذا افتراء لن أغفره له ، هو الآن يعيش مليونيرا في جنيف ولا أحد يعرف من أين حصل على الثروة الكبيرة .أنا الوحيدة التي تعلم بقصة الإمبراطورية التي كونها ، التقيته ذات مرة وكنت في اشد الحاجة ولا زلت لإجراء عملية جراحية دقيقة جدا على القلب طلبت منه سلفة قال لي لا املك مالا لأسلفه لك... أحسست حينها أنني ابتلع قلبي ...

منذ مدة قابلته في سهرة خاصة ببيت أحد الكبار. سلم علي بحرقة وقال وسط الحضور: "أرجوكم أريد أن اعتذر للسيدة جميلة بوحيرد أمامكم" ، رجوته ألا يتكلم ولكنه أصر وذكر أمام الجميع انه أخطئ في حقي مرارا وفي زيارته الأخيرة للجزائر طلب رؤيتي لكني رفضت".
ظل الصمت بيننا باردا. لم أصدق أن رجلا مثل بن بلا يرفض مساعدة امرأة عظيمة مثل جميلة بوحيرد . ومساعدتها على المرض لا على شيء آخر . وخرج مني السؤال: لماذا لم تطالبي بحقك في العلاج ؟ لماذا لم تستعملي قوة شخصيتك في الدفاع عن حياتك ... أنت تعانين من مرض انسداد بعض شرايين القلب. أنت مهددة بالموت في كل حين لماذا تصمتين ؟

جميلة بوحيرد ....مناضلة أرهقتها المؤتمرات
جميلة بوحيرد ....مناضلة أرهقتها المؤتمرات
"لقد فوضت أمر مرضي إلى الله عز وجل الحياة في النهاية بيده دون سواه. أما مسألة الاحتجاج فقد تعلمت أن أقوم بها من اجل الجزائر من اجل الآخرين وليس من اجلي.
أذكر مثلا أنني عدت ذات يوم من العمل فوجدت جميع سكان العمارة في الخارج احتجاجا على عدم إصلاح المصاعد المعطوبة والأوضاع المزرية اثر الزلزال. عاودت ركوب سيارتي وذهبت مباشرة إلى رئاسة الجمهورية. كنت هادئة على غير عادتي حين أرى الظلم والإهمال .
دخلت مكتب استقبال رئاسة الجمهورية كان يتواجد موظف ضخم الرأس والجثة. قرأت السلام . لم يرد. قلت له بهدوء:" من فضلك هل من الممكن إعلام الكتابة برغبتي في مقابلة الرئيس؟" (الشاذلي بن جديد). صمت ثوان ورد: " ومن أنت لتقابلي الرئيس؟"، "مواطنة عادية"... "وهل تظنين أن لدينا الوقت لسماع هلواساتك يا امرأة". "روحي بالله يا مرا". "ولكني أريد مقابلة الرئيس والآن"... ضرب على الطاولة بكلتا يديه وصرخ بأعلى صوته "روحي من قدامي ... اكتبي طلبا إذا شئت" . فلم يكن أمامي سوى أن ضربت الطاولة بقوة كادت أن تطيرها بيننا وصرخت في وجهه بعنف شديد "روح قول للندبة رئيسك "للاتك" تنتظر باش تقابلها ". التف بنا باقي الموظفين. جاءني احدهم مهدئا:" أرجوك سيدتي ممكن بطاقتك" وبمجرد اطلاعه على اسمي وضع رأسه بين يديه "أنت للاتنا الكل" و"تاج راسنا كلنا"و" أنت أمنا الكل" . نحن نحلم برؤيتك وطول عمرنا في انتظار زيارتك.
خيم الصمت بينا من جديد، ولكن سؤالي هذه المرة لا ينتظر الغد ربما: هل لديك صورا مع هؤلاء الزعماء؟
"نعم، بل كثير من الصور، لا تعد. كانوا يقدمون لي البومات كثيرة في كل زيارة إلى بلد ما. ولكن أين هي الآن ؟ لقد سرقت من هذا البيت منذ عشرين سنة. عندنا ظلم كبير في الجزائر لم يساعدوني حتى على استرداد صوري...سرقتها خادمتي التي اكتشفت فيما بعد أنها في الحقيقة موظفة بالسفارة الفرنسية بالجزائر ومتزوجة من القنصل الفرنسي. ربما ينتظرون موتي ليفرجوا عن هذه الصور".

صوفية الهمامي
الاثنين 28 ديسمبر 2009