نظرا للصعوبات الاقتصادية التي رافقت الجائحة وأعقبتها اضطررنا لإيقاف أقسام اللغات الأجنبية على أمل ان تعود لاحقا بعد ان تتغير الظروف

الهدهد: صحيفة اليكترونية عربية بخمس لغات عالمية
الهدهد: صحيفة اليكترونية عربية بأربع لغات عالمية
عيون المقالات

التعميم بوصفه "تخبيصة" العقل الأولى

18/04/2024 - مصطفى تاج الدين الموسى

رسائل النيران بين إيران وإسرائيل

15/04/2024 - محمد مختار الشَنقيطي

جنوب لبنان.. بعد غزة

06/04/2024 - عبد الوهاب بدرخان

غزة والأخلاق العابرة للحدود والأرباح

06/04/2024 - عدنان عبد الرزاق

نزار قباني وتلاميذ غزة

06/04/2024 - صبحي حديدي

حرب لإخراج إيران من سوريا

06/04/2024 - محمد قواص

على هامش رواية ياسر عبد ربه

04/04/2024 - حازم صاغية


جميلة بوحيرد "الأخيرة" : شقيقي مات في "طائرة مفخخة" يقال أن العقيد القذافي وراء تفجيرها




حاورتها - صوفية الهمامي - تكشف جميلة بوحيرد في الحلقة الاخيرة من حوارها مع صحيفة "الهدهد الدولية" كيف مات شقيقها الياس في الطائرة التي اتهم بتفجيرها العقيد معمر القذافي وقد قابلته وسألته عن ذلك فنفى ان يكون وراء التفجير وحين سألتها محاورتها ان كانت تصدق نفيه صمتت عن الجواب فالمناضلة الجزائرية تفضل هذه الايام الابتعاد عن السياسة بعد ان خانها الدهر وعانت ما عانت من جحود السياسيين لذا كانت الليلة الاخيرة لصحيفة الهدهد الدولية في منزلها ليلة للادب والفن تحدثت فيها عن عشقها لفيروز وعبد الحليم وعن عدم تصديق عبدالوهاب لشخصيتها مع اشارات لاسماء اخرى عديدة تقاطعت طرقها معهم في اكثر من مكان


جميلة أيام الصبا حين تزوجت من محاميها الفرنسي فرجاس
جميلة أيام الصبا حين تزوجت من محاميها الفرنسي فرجاس

مساء حضر شاب نحيف جدا ، طويل القامة ، يبدو عليه الخجل ، حليق الرأس إلا أن الشعيرات البيضاء غزته وبدت طريقة حلاقته غير متناسقة لا مع ملامحه ولا مع سنه. نادتني ماما جميلة "تعالي بسرعة هذا "عزيوز" أصغر إخواني ، انه أصغر مناضل في العائلة هذا "وليد أمه". كان يدرس بالسنة الأولى ابتدائي عندما اعتقل . يوميا بعد خروجه من المدرسة يتسلح بالطبشور وينطلق برحلة عبر الشوارع ويكتب على الحيطان عبارات مهينة جدا للاستعمار الفرنسي. إلى أن مسكوه ذات يوم وأذاقوه الويل. وببلوغ خبر احتجازه لوالدتي خرجت للشارع تركض وتزغرد"...

بعد ان سلم عزيز جلسنا وحيدتين إلى طاولة الإفطار، كنت في حيرة شديدة من أمري، ألتفت إلى النافذة فإذا الضباب الخفيف يلف العاصمة الجزائرية المزدحمة بالبنايات العالية المدهشة ببياضها والمطلة على البحر، منظر سحري وجميل... كانت كتل الضوء تلمع بين الحين والآخر داخل مياه البحر. إلا أن أخبار العراق كانت تنساب إلى سمعي مفزعة وكريهة عبر قناة فرنسية... شعرت ليلتها بالضياع والإحباط . وسيدتي جميلة صامتة لا تتكلم . رفعت رأسي فجأة فوجدتها تحدق فيَ بطريقة غريبة بعينيها الصافيتين الصامدتين من تحت نظارتها السوداء. لن أنسى تلك النظرات الثاقبة التي اخترقت أعماقي ارتعدت مفاصلي ربما. أي ثقة في النفس، وأي حضور ذلك الذي اعتراها في تلك الثواني المعدودة. كانت تنظر نحوي بعطف ربما... نظرات سيدة نبيلة خانها الدهر. نظرات اجتمعت فيها كل الأحاسيس: الصدق والقسوة و الامتنان والعطف...
ولدهشتي الشديدة سألتني : "لماذا تنظرين إلي ؟؟؟"
أجبتها وأنا أحاول أن أخفي ارتباكي بأني غير مصدقة لما يحصل. قالت لي اسمعي يا ابنتي، أنت أول تونسية بل عربية تعمل بالصحافة تدخل هذا البيت ومن المؤكد بأنك تدركين هذا... أنا متأكدة من ذلك... أنا سيدة إضافة إلى عملي بالثورة عندي مبادئ واتجاهات سياسية لا يمكن أن أتنازل عنها أنا سيدة ثورية... ولا أعتقد أن الأمر مناسبا للحديث في السياسة على الأقل في الوقت الراهن لا تغضبي مني.. لأني لا أريد مضاعفة وهمي طيب سأصارحك، أنني غاضبة جدا جدا من الجميع ومن سياستهم العمياء يوميا تتناثر أشلاء الفلسطينيين والعراقيين داخل بيتي، دمائهم مرق وجبتي فهل أغمس خبزي في دماءهم وآكل هنيئا" ؟
فهمت أنها ترفض قطعيا الخوض في السياسة العربية الآن . وللخروج من هذا المأزق سألتها هل تحبين السيدة فيروز ؟
انتظرت لحظات حتى فعلت فيروز فعلها في أعماقها فتغيرت ملامحها وقالت: "نعم أعشق صوتها وأغانيها " .
وسألتها وكنا على أبواب الاحتفال بالذكرى الخمسين لعيد الثورة "من تفضلين من الفنانين لإحياء حفلة الذكرى؟" هزت رأسها وقالت:"إن غرة نوفمبر يومي أنا وحدي وعيدي الذي ابكي فيه واسعد بالاحتفال به. صحيح لقد تغيرت أشكال الاحتفال لكن أفضل أن تشاركني ربما الفنانة ماجدة الرومي تلك الرائعة المثقفة الرقيقة التي زارت الجزائر وكنا نعاني من مشاكل داخلية تحدت كل الظروف وغنت للحرية صانعة الغد. هذه المرأة تحمل العالم في قلبها وبين يديها وتزرع صحراء الأسى فرحا بفنها الراقي.غنت للحب الأبيض وفي المقابل استقبلها الجمهور الجزائري استقبالا أسطوريا أعتقد أنها لن تنساه شخصيا أراه الأروع في مشوارها الفني إني احترمها جدا. ولكن تبقى وردة "الغزالة" الجزائرية نجمة الثورة...الفن شيء جميل جدا يخرجنا من همومنا إذا توفر على جانب كبير من الصدق".

سألتها عن رأيها في الفيلم الذي أخرجه يوسف شاهين عن مسيرتها فقالت :"في هذا الفيلم زاد احترامي وإعجابي للسيدة فاتن حمامة أنها ممثلة وسيدة محترمة جدا وتمتلك حسا إنسانيا عاليا وبطبيعة الحال كنت أتمنى أن تكون هي من جسدت الدور، ولكن بعد مشاهدتي للفيلم فهمت أن اعتذارها جاء في محله ، وبذلك حازت على احترامي أكثر لان شاهين لم يقدم الحقائق كما يجب لم يكن صادقا في الكثير من الأشياء تناسى الحقيقة وقدم فيلما فنتازيا بوقائع تخدمه هو ولم تخدم الفيلم والثورة عموما لان الإضافات التي قدمها لم تخدم الفيلم بل أخرجته في صورة سيئة . أما شاهين الإنسان فهو أكثر من رائع أحبه كثيرا" .
أحسست بالحزن في صوتها وهي تتحدث عن فيلم لم ينصفها كما لم ينصفها التاريخ. أردت أن أغير مزاجها فقلت:"من من المطربين الأقرب إلى قلبك ؟ بدا طيف ابتسامة على وجهها وقالت:"خلال زيارتي للقاهرة طلبت مقابلة الأستاذ عبد الوهاب لأني اعشق صوته والحانة الرائعة التي لن تتكرر. عندما طرقت باب بيته في الموعد المحدد فتح الباب بنفسه وكان في كامل أناقته لاستقبالي نظر إلي باستخفاف رحمه الله وقال لي تفضلي وهو ينظر ورائي قلت له :" أستاذ عبد الوهاب مرحبا أنا جميلة بوحيرد" اقترب مني أكثر ودقق النظر وقال في استغراب:"أنت ؟ ما قرأته عنك رسم في ذهني صورة أخرى غير التي أمامي كنت انتظر سيدة طويلة عريضة لان ما قامت به جميلة بوحيرد لا يتماشى مع هذا الجسد النحيل".
وعبد الحليم حافظ هل لديه موقع عندك " سألتها فردت :" لن أنسى ما حييت صورة الفنان عبد الحليم حافظ رحمه الله وهو يجلس أمامي على الأرض طوال سهرة نظمت على شرفي جمعت مجموعة من المثقفين والفنانين في مصر منهم الرائع أحمد فؤاد نجم.
كان عبد الحليم يقبل يدي ويسألني بلطفه المعهود صحيح أنت جميلة بوحيرد".
قلت لها:"عندي لك مفاجأة ما رأيك لو نشرب القهوة على صوت عبد الحليم وهو يشدو بأغاني الست أم كلثوم ؟".
فرحت كطفلة وقالت:"صحيح هل لديك هذا التسجيل كيف لم اسمع عبد الحليم يغني لام كلثوم؟ هذا رائع . ركضت إلى المطبخ ثم عادت مبتسمة :"عزيزتي سأحضر لك قهوة "ملقمة" ألم تقولي أن قهوتي تذكرك بجدتك ولها طعم خاص".
أحضرت جهاز الكمبيوتر المحمول وقلبي يرقص فرحا لفرحها وأطلقت صوت عبد الحليم عاليا ...
بدت لي منتشية مع صوت عبد الحليم وهي تميل برأسها يمينا وشمالا. وجدت الفرصة مناسبة لأسألها عن رأيها في فناني هذا العصر قالت:" لا أعرفهم كلهم و لا أفهم ماذا يقولون ، ولكني أحب الفنان صابر الرباعي كثيرا وأنتظر طلته باستمرار، وكلما رأيته على الشاشة يغني أحس أنه قريب مني جدا بل أحس كأنه إبني . واكتشفت من خلاله هالة سرحان التي تعمل في روتانا إنها أعجوبة إعلامية أحبها كثيرا وأنا حزينة الآن لان "الريسيفر"عندي معطب".
إذن يظل عبد الوهاب هو أحب المطربين إلى قلبك ؟ علقت كذلك على كلامها لكنها استدركت :" أحب أم كلثوم أيضا لقد سهرت وسعدت بأغانيها واعتبرها مطربة قومية وحدت بين العرب من المحيط إلى الخليج" .
عندما تأكدت من انسجامها التام معي وجدت الوقت مناسبا لسؤالها عن فرجاس؟
تنهدت ربما وقالت :"البعض يضن أن فرجاس فرنسي صحيح هو يحمل الجنسية الفرنسية لأنه درس وأقام هناك ولكن هو من جزيرة " ريونيون " وهي مستعمرة فرنسية عانى سكانها من ويلات الاستعمار مثلنا تماما في الجزائر . والده الطبيب والدبلوماسي ريمون فرجاس . أما والدته فهي فيتنامية توفيت في سن مبكرة وكان فيرجاس لم يبلغ سن الخامسة .

كان فرجاس رجلا عنيدا، فقد التحق بجيش فرنسا الحرة، في سلاح المدفعية. وبعد الحرب العالمية الثانية أمضى 11 سنة في الحزب الشيوعي الفرنسي، إلا أنه كان عضواً عنيفاً في صورة لا تقبل الانضباط فترك الحزب عام 1950. في تلك الأثناء تابع دراسته الأكاديمية وحصل على ماجستير في التاريخ
عام 1951 عين فيرجاس السكرتير العام لاتحاد الطلبة في براغ حيث التقى هونيكر وماو ومانديلا. ثم أمضى أربع سنوات رحالة مع زوجته الأولى كوليت. ولدى عودته إلى فرنسا التحق بالسلك الحقوقي الفرنسي. لقد دافع فرجاس عن عدد الشخصيات المعروفة مثل غناسينبي إياديما الذي حكم توغو بالحديد والنار، وموسى تراوري الذي أدار الرشاشات على الشعب في مالي.
تعرفت إليه عندما دافع عني أنا وباقي زملائي الستة المحكوم علينا بالإعدام زارني في السجن مرات معدودة لم أكن اعرف انه أحبني وتعلق بي إلا بعد فترة.
طلبني للزواج والأكيد أنني أحسست بانجذاب وتفاهم معه وإلا لما تزوجت منه، بطبيعة الحال الزواج بفرجاس أمر غاية في الحساسية... فعلى الرغم من إشهار إسلامه وتغيير اسمه من فرجاس إلى منصور واجهت سيولا من الرفض من الجزائريين والعرب ومن جميع المسلمين ولا تتصوري الكم الهائل من الرسائل التي وصلتني خاصة من باكستان والهند واندونيسيا والاتحاد السوفيتي ومن مناطق لم أتوقع أن تصدر منها مثل هذه الرسائل .
أما عن طلاقي أعترف أن فرجاس عانى من عصبيتي وثورتي الكثير ولكن ككل زوجين عندما وصلنا إلى طريق مسدود قررنا الانفصال وفي هدوء تام.
ففي الوقت الذي كنت مشغولة بتربية الأولاد كان هو يغيب كثيرا عن البيت بدعوى ممارسة السياسة . كنت ضد ممارسته للسياسة وبرأيي كل شخص يريد ممارسة السياسة والغياب عن زوجته وأولاده عليه ألا يتزوج. فطلقنا وغادر فرجاس الجزائر عكس ما كان يظن البعض أنني كنت اسكن في باريس وأنا التي عدت مع أبنائي إلى الجزائر. نحن الآن أصدقاء لم ننجح كزوجين ولكن نحن أصدقاء نتقابل ونتناقش في أمور الأبناء وفي عدة قضايا .
بعد طلاقي كونت شركة تجارية صغيرة مع مجموعة أصدقاء وعملت بها كمشرفة. أتقاضى مبلغا متواضعا مكنني من الاهتمام بتربية أبنائي وتنشئتهم على الأسس العربية الإسلامية وكنت حريصة على تدريسهم اللغة العربية التي حرمت أنا من دراستها وأنا اليوم فخورة جدا بأن ابنتي مريم متألقة في اللغة العربية وتحفظ الشعر الجاهلي والحديث وتقرأ الرواية العربية وتتابع الجديد في الساحة الثقافية العربية .
حفيدتي فاطمة نور ثمرة زواج ابنتي مريم من زوجها اللبناني بعد أن فشلت في زيجتها الأولى من جزائري - يبدو أن لبنان أصبحت بلدا مصدرا للحنان - سألتني ذات مرة لماذا لا أقرأ القرآن باللغة العربية مثل والدتها ولماذا أحتفظ بنسخ باللغة الفرنسية، سؤال ذكي جدا لفتاة في سنها ، ومن خلالها كان جوابي لكل الجزائريات أنني حرمت من اللغة العربية لتتعلمن أنتن يا بناتي" .
* هي وفاطمة نور
وكم يحلو لها الحديث عن فاطمة نور وكلما ذكرت نوادرها ضحكت من قلبها. فهي الحفيدة الوحيدة والمقربة تقول عنها :"بيننا تناغم كبير ويفهم أحدنا الآخر وأجمل أيامي عندما تكون في حضني إنها تكره فيرجاس كره العمى. وتبريرها في ذلك أنه تركني وحيدة بالجزائر وسافر"...
واصلت الحديث ولكن بدأت ملامحها تتغير قليلا وبدا بحديثها فتور وانخفضت درجة الحماسة وكأنها تريد إنهاء الحديث بيننا. " ابني الياس الذي سميته وفاء لأخي العزيز الياس المجاهد الصغير والشهيد في وقت لاحق فنحن غير متفاهمين فهو رقيق جدا وهادئ وفنان . عكس مريم التي تبدو ثورية مثلي . يعيش عوالمه الخاصة ولا يزور الجزائر إلا نادرا. وهو يعمل و يقيم في باريس أحيانا أحس انه قريب من فرجاس يميل إلى السكون والهدوء كثيرا ، يحبني كثيرا ولا يتصل بي كثيرا..."
وعندما أدركت أنها تعمدت القفز على مسألة تحب الخوض فيها وهي الاستشهاد. سألتها كيف استشهد الياس تنهدت وقالت:" لقد تم اعتقاله وهو طفل لم يتجاوز الأربعة عشر سنة وعذبوه داخل السجن وعندما خرج كان شابا يافعا فوجئت به العائلة وعمره 20 سنة . تصبحين على خير يا ابنتي".
* اليوم الأخير معها
المرة الوحيدة التي دخلت فيها غرفة نومها كانت يوم سفري. لا ادري لماذا تعمدت أن تسألني في غرفة نومها: "لماذا تسافرين يا ابنتي ؟ ابقي معي ... هل قلقت من ماما العجوز أم انك محبطة مني" .
كنا نجلس على السرير. رفعت رأسي فاستقر نظري على صورة قديمة جدا(ابيض واسود) لشاب جميل وضعت على التسريحة. سألتها من هذا ؟ نظرت إلي بحزن عميق اذابني في تلك اللحظة . ابتسمت قليلا وقالت: "آه منك أنت! تنامين وتفيقين على نفس إيقاع السؤال. سأخبرك ولكن كفّي عن الأسئلة ولا تطلبي مني التفاصيل لأني ربما ابكي وانهار أمامك "هذا هو أخي الياس لقد مات في الطائرة التي انفجرت في الجو "طائرة مفخخة "واتهم في تفجيرها العقيد معمر القذافي الذي اقسم لي انه بريء" .
وهل صدقته ؟
صمت .........
عيب عليك ، الرجل اقسم بالله
حضرت السيدة زهرة بوحيرد لأنها كانت على موعد مع ماما جميلة للذهاب إلى المقبرة أين يتقابل جميع أفراد عائلة بوحيرد للترحم على الخالة المتوفاة يوم وصولي للجزائر وهي عادة يمارسها أهل العاصمة حيث يحضروا إلى المقبرة في رابع يوم من الوفاة و معهم كميات من الخبز للتصدق بها.
ولكن قبل ذلك طلبت مني أن نخرج إلى السوق لقضاء بعض الشؤون، تخاطبنا بالنظرات والابتسامات فردت علي بقولها :"راني نعرفك "باندية" (السيدة القوية) و ماما راهي صعيبة ولازم تسمعي كلامي" .

جميلة بوحيرد في اول حفل تقيمه وردة الجزائرية في بلدها
جميلة بوحيرد في اول حفل تقيمه وردة الجزائرية في بلدها
قصدنا محلات فاخرة للصناعات التقليدية، السيدة جميلة كريمة كانت تراقبني خلسة داخل المحلات.
لاحظت انبهاري وإعجابي الشديد باللباس والحلى الأمازيغية. تقدمت وطلبت مجموعة من الروائع الباهظة الثمن وكم كانت شرسة معي عندما رغبت في دفع الحساب.
كانت تسير أمامي بخفة في الشارع ، فجأة التفتت وقالت :"هل تعلمين أننا نسير في أطول شارع بالعاصمة الجزائر إنه شارع الشهيدة حسيبة بن بوعلي".
أحسست بنوع من الغيظ ورغبة في الصراخ كيف تسير امرأة كهذه في الجزائر العاصمة دون أن يلتفت إليها أحد من المارة أو يسلم عليها وينحني أمامها.
إنهم لا يعرفونها... وهي التي رغبت في ذلك. قلت لها:" ما رأيك أنا سأصرخ الآن بأعلى صوتي وأقول يا أيتها الجزائر أن المرأة التي تسير معي هي جميلة بوحيرد". ابتسمت ولكنها أحست بجديتي عندما اختنق صوتي. اقتربت مني وجذبتني من ذراعي قائلة "يا باندية يا مجنونة، الله يرحمك يا حسيبة". ثم قالت : هل تعرفين الشاعر الصعلوك "حمري بحري"
لم تنتظر ردي وواصلت :"انه شاعر كبير ترك الشعر آسفا مجبرا ساخطا محتجا على أوضاع الشعراء في الجزائر وهو الآن يبيع الدجاج في سوق الخضار وزوجته تقوم بتنتيفه. في كل مناسبة يراني فيها يصرخ في الجميع ويشتمهم قائلا هذه المرأة التي حملت بيدها القنابل وحررت الجزائر ها هي اليوم تحمل قوتها بنفس تلك اليد الكريمة
ربما هو تشابه الظروف بيني وبينه".
الشهيدة حسيبة بن بوعلي التي سمي باسمها أطول شارع بوسط العاصمة الممتد من ساحة موريتانيا (حي الشهيد عميروش) نهاية بابتداء الشارع المعروف ب (رويسو).
وهي من مواليد 18 يناير 1938 بولاية الشلف (الأصنام سابقا) أكملت دراستها الابتدائية بمدرسة عين الزرقة في الجزائر العاصمة أين استقر والداها سنة 1947. تحصلت على شهادة التعليم الابتدائي سنة 1950 والتحقت بثانوية باستور، انخرطت في الكشافة واكتشف من خلالها العالم الآخر الفقر والظلم. حلمت بأن تصبح ممرضة لكنها لم تستطع. عملت في مكتب للخدمات الاجتماعية. ناضلت في صفوف الاتحاد الوطني للطلبة المسلمين الجزائريين. وسنة 1956 انضمت مع مجموعة من الفتيات المناضلات للحركة الفدائيين ضد الاستعمار وقامت بتصنيع المتفجرات ووضعها في الأماكن العمومية فاكتشف المستعمر هذه الحركة ومكان تصنيع القنابل مما اضطر حسيبة لترك منزلها و الاختباء في حي القصبة العتيق رفقة علي لابوانت و الطفل عمر (12سنة) وبسقوط الظلام كان البيت محاصرا ، بعد رفض حسيبة الاستسلام مع رفقائها قاموا بنسف المكان وهكذا كانت نهاية حسيبة بن بوعلي.
جاء "السيد" الغامض الذي استقبلني ليصطحبني للمطار صامتا كعادته . سلمت على السيدة زهرة بوحيرد أولا عانقتني وهي تقول :"الله يرزقك ببرنس تزيني به أكتافك" وبخفة ظل لا مثيل لها قالت ماما جميلة "آه ولازم يكون غني حتى لا تعيشي بائسة مثلي" تعانقنا حد البكاء ، لوحت بيدها وغابت عن عيني لتستقر في مخيلتي.
غابت عني وفي قلبها صرخة مكتومة ترفض الكلام.
غابت وفي قلبها ثورة أجهضوها... غابت وبين شفتيها كلام مدرارا لجموه.
حينها أدركت أن الوجع فردي والمرض فردي والفقر فردي والنضال أيضا فردي.
ولكن !!!


حاورتها صوفية الهمامي
الاربعاء 30 ديسمبر 2009