بداية، لا شك في أن التحالف الروسي الأسدي الايراني، قد حقق انتصاراً معنوياً كبيراً، يمكن ترجمته سياسياً لاحقاً، في تحسين مواقع التحالف في المفاوضات، سواء الثنائية منها كما جرت وتجري بين موسكو وواشنطن، أو التعددية في جولات جنيف اللاحقة. أيضاً لا شك في أن “المعارضات” السورية قد خسرت كثيراً، وهي تبدو محشورة جداً وكأن “عنقها” أصبح تحت السكين.
هذا التحول الميداني، لصالح التحالف الروسي الإيراني السوري، جاء سريعاً بسرعة فشل الانقلاب العسكري في تركيا ضد “السلطان” أردوغان. لكن بين قطع طريق “الكاستيلو” وسقوط حلب، مسافة كبيرة عسكرياً وسياسياً. في الجزء المحاصر من حلب يوجد مائتا ألف نسمة، إضافة إلى المقاتلين من مختلف فصائل المعارضة من “الجيش الحر”إلى “النصرة”، في قلب هذه الفصائل والتنظيمات الآلاف من المقاتلين الموزعين بين انتمائهم الحلبي، أو من الذين انشقوا عن الجيش السوري، أو الأعضاء في «النصرة» وحتى «داعش» وهؤلاء مصيرهم معلق لا يحميهم “العفو الرئاسي” الأسدي، ولا حقوق المقاتلين لأن الكثير منهم على لوائح الإرهاب. هذا الوضع وهذه الخصوصية يجعلان من «تطهير» حلب عملية عسكرية طويلة ومكلفة جداً للطرفين. من غرائب الوقائع «الحلبية»، أن أوروبا الإنسانية لا تريد سقوط حلب، لا بل تخشاها، لأن ترجمتها الميدانية، «كارثة» كبيرة وموجة أكبر من اللاجئين!.
أمام هذه العقدة، يعترف حتى «الأسديون»، أن الحل الممكن في حلب هو «الحل الحمصي» (نسبة الى حمص) مما سيأخذ وقتاً طويلاً، لا يمكن ضبط متغيراته في ظل التغيرات التي يمكن أن تحصل في الأشهر القادمة.
في قلب المتغيرات الممكنة، يكمن السؤال الكبير: ماذا سيفعل رجب طيب أردوغان؟ وماذا ستكون عليه سياسة خليفة باراك أوباما في واشنطن؟.
لا شك في أن أردوغان ما بعد الانقلاب هو غير «السلطان» قبل الانقلاب! أردوغان غرق وسيغرق أكثر في معالجة الوضع التركي الداخلي.
هذا التحول، سيضطر فيه أردوغان إلى تقديم تنازلات مؤلمة لـ«القيصر» بوتين. من المرجح أن أول هذه التنازلات ترك حلب لمصيرها. في أقصى درجات التفاؤل، أن أردوغان لا يمكنه المشاركة في «ذبح» حلب، لذلك فإن «تسريب» الإمكانات لصمود «الصامدين» من المقاتلين ستطيل المعركة وتترك التحولات مفتوحة على التحولات الكبرى. أردوغان محكوم بأخذ سوريا ومستقبلها في حساباته الداخلية، لأن سوريا وبسبب الأكراد والعلويين والتركمان، مشكلة تركية داخلية لها مفاعيلها وتردداتها على مجمل مستقبل تركيا سواء كانت «أردوغانية» أو «غير أردوغانية». ما يرفع من منسوب كون مستقبل سوريا يعني مستقبل تركيا مباشرة، أن أي انزلاق تركي أمام ايران، وبروز ضعفها وتراكم خسائرها، يشكل تحولاً استراتيجياً في العلاقة التاريخية المعقدة بين الجارين الخصمين المحكومين بالتفاهم لضمان أمنهما القومي المشترك.
حالياً واشنطن، تتابع جمع «الأرصدة« للخليفة في سوريا والعراق، بعد أن أصبح خطر «داعش» إرهاباً متطوراً يوماً بعد يوم. أوباما ترك سوريا «ساحة« مفتوحة لروسيا وذلك عندما قبل بالحل الروسي للسلاح الكيماوي الأسدي، الرئيس القادم سواء هيلاري كلينتون أو دونالد ترامب لا بد أن يكون مختلفاً. كلينتون تعرف الملف السوري غيباً. لم تكن متفقة حوله مع أوباما. من الطبيعي أن كلينتون الرئيسة ستكون طليقة الحرية في اتخاذ قرارها. قد لا تشن الحرب وتواجه بوتين، لكن من الواضح أنها تملك أوراقاً كثيرة لسياسة أميركية متحركة ومنتجة بعد أن ثبت أن «داعش» يتغذى وينمو من اليأس والفشل والحقد. أما ترامب فإن سياسته نحو سوريا والمنطقة مجهولة بسبب الجهل مما يريده وما يقبل به وما لا يقبل به.
مباحثات جون كيري وسيرغي لافروف، ساعات طويلة أفضت كما سرّبت باريس الى اتفاق عناوينه الكبيرة:
عمليات روسية أميركية مشتركة بعد تحديد الأهداف، الهدف الأول تقييد العمليات الروسية ضد القوى المعتدلة،
مصير الأسد مؤجل لمراحل لاحقة في إطار الحل السياسي. ويرى كثيرون حتى في قلب دمشق أن مجرد التوافق الروسي الأميركي على بحث مصير الأسد، يعني أن مصيره معلق لأنه حتى لو تحسنت مواقعه حالياً فإنه يبقى بلا شعبية ولا شرعية تؤهلانه للبقاء في السلطة.
قطع طريق «الكاستيلو»، أيقظ «المعارضات» السورية. وهي محكومة في داخل حلب بالوحدة والقتال المشترك. تحرير الظواهري «النصرة» من الارتباط التنظيمي بـ «القاعدة»، ربما ينتج لاحقاً تعاوناً مع باقي الفصائل خصوصاً «الجيش الحر»، ويفتح الباب نحو تدفق مساعدات بعضها عربية كانت ممتنعة وممنوعة بسبب الترابط بين “النصرة” و”القاعدة”.
حتى لو أصبحت حلب، حمص ثانية، فإن الحرب في سوريا مستمرة بقوة، ولا حلول قبل حزيران 2017.
------------
“المستقبل”