جدير بالذكر أن تركيا افتتحت في شباط/ فبراير 2018 سد إليسو هو سد صناعي ضخم افتتح وبدأت في ملء خزانه المائي في أول حزيران/ يونيو 2018، وقد أقيم السد على نهر دجلة بالقرب من قرية إليسو وعلى طول الحدود من محافظة ماردين وشرناق في تركيا. وهو واحد من 22 ا ضمن مشروع جنوب شرق الأناضول والذي يهدف لتوليد الطاقة الهيدروليكية والتحكم في الفيضانات وتخزين المياه. ولكن للمشروع أضرار جانبية فمع استمرار التخزين في سد إليسو، بدأ منسوب المياه في الارتفاع باتجاه حصن كيفا، ومن المتوقع بحلول آخر العام أن تغمر المياه المدينة الأثرية بالكامل لتستقر أسفل البحيرة الصناعية ضخمة الأبعاد التي تكونت خلف السد.
ويرجع إنشاء حصن كيفا إلى عصور ما قبل التاريخ، ويعتبر سكانها الأوائل قبائل كانت تعيش على الصيد والقنص وجمع الثمار في العصر الحجري القديم. توضح خبيرة الآثار جول بولهان التي تجري استكشافات بالمنطقة، أنه تم اكتشاف منطقة تجمع بشري بالقرب من حصن كيفا ترجع إلى اثنتي عشر ألف عاما يطلق عليه "حصن كيفا هويوك". وتقول خبيرة الآثار أن المدينة نفسها يوجد بها الكثير من المعالم الأثرية التي ترجع إلى العصور الوسطى.
من جانبها تؤكد البروفيسرة زينب احنوبي، الحاصلة على الدكتوراة في العمارة والتي ظلت تعمل على مدار عقدين في ترميم والحفاظ على آثار حصن كيفا، أن هذه المنطقة تضم معالم أثرية فريدة من نوعها، وسط أحضان الطبيعة الخلابة في وادي نهر دجلة، معربة عن أسفها أنه "مازال هناك الكثير من المعالم والكنوز التي يستوجب كشفها وإستخراجها من تحت الأرض".
يشير الناشط البيئي الألماني أوليريخ أيكلمان أن غرق حصن كيفا أسفل مياه فيضان النهر نتيجة للمنسوب المرتفع يعد من "الأمور الهمجية التي تحدث في القرن الحادي والعشرين. جدير بالذكر أن الناشط البيئي الألماني قرر زيارة منطقة حصن كيفا في أيلول/سبتمبر الماضي ليلقي عليها نظرة الوداع قبل اندثارها.
جدير بالذكر أنه خلال الفترة بين 2006 و 2010 تم تنسيق جزء كبير من عمليات المقاومة الدولية لمشروع بناء السد، في البداية بالتعاون مع منظمة صندوق الحياة البرية المدافعة عن البيئة، وبعد ذلك بالاعتماد على نشاط منظمة "ريفرووتش" غير الحكومية، التي يتعاون معها ايكلمان. يراقب الناشط البيئي الألماني، أثناء جلوسه على مقعد بأحد المطاعم المنتشرة كالأعشاش على ضفاف النهر، عمل رجال الآثار وهم يسوون الأرض ويعدلون مستوياتها المنحدرة على الممشى البحري، من أجل تسهيل عملية نقل آخر القطع الأثرية لإنقاذها من الغرق.
تم انتشال إجمالي ثمانية أعمال أثرية ونقلها إلى محمية أثرية قريبة، يبرز من بينها مقبرة ترجع للقرن الخامس عشر، وحمام أثري ومئذنة. ولهذا يناشد الكثير من نشطاء مدينة حصن كيفا ضرورة حماية المئات من القطع الأثرية قبل تعرضها للغرق.
وكانت ألمانيا ودول أوروبية أخرى قد انسحبت من مشروع السد في 2009، بعدما تبين لها أن تركيا، لم تلتزم ضمن أمور أخرى بواجباتها تجاه حماية المعالم الأثرية والتراث الثقافي والطبيعي في المنطقة أثناء تنفيذ المشروع.
كما زار أيكلمان مقر البلدية، وتحدث عام 2006 مع المسؤولين، وقام بهذه المناسبة بزراعة شجرة أطلق عليها "شجرة الأمل". يتذكر الناشط البيئي الألماني أن الاحتجاجات في تلك الفترة كانت كبيرة للغاية واجتذبت المشاهير من نجوم الفن والمجتمع أمثال الممثلة بيانكا جاجر. كما أيد المبادرة، أديب نوبل التركي، أورهان باموك، ونجم البوب التركي تاركان، بخلاف العديد من نجوم الفن الألمان.
يعتبر فرات أرجون، واحدا من أصحاب الفنادق المحلية القلائل الذين ما زالوا يقاومون، بل إنه قرر اللجوء إلى العدالة لأنه يعتقد أن التعويض عن ممتلكاته ضئيل للغاية. ويعد بنسيون أرجون هو الوحيد في المدينة وبالرغم من عدد غرفه القليلة المتواضعة، إلا أنه يعتبر مكان فردوسيا مثاليا في ظل أشجار التين الوارفة.
يقول أرجون بينما ينظر حوله بحزن "كل كتاب مقدس له تصور معين عن الجنة، مع الرمان وأشجار التين والحيوانات والأنهار"، ويضيف أرجون "كانت لدي جنة خاصة بي على الأرض، والآن الجحيم قادم". من الحديقة يسمع ضجيج الحفارات يصم الأذان.
"جحيم" أرجون هي المدينة الجديدة التي بنتها الحكومة لنقل الأشخاص الذين تم إجلاؤهم. وتقع في الجهة المقابلة، وهي عكس حصن كيفا، لأنها على أحد التلال الجرداء وتسوطها حرارة الشمس الحارقة بلا رحمة: صفوف من المنازل المتطابقة التي بنتها شركة TOKI القوية النافذة، وهي شركة حكومية ومسؤولة عن توحيد أسلوب البناء في مدن بأكملها في تركيا.
يشكو السكان من أن المنازل الجديدة قد بنيت من مواد ذات جودة منخفضة. يشير الأرجون إلى أن الجدران مائلة وكابلات الكهرباء مكشوفة. يأسف صاحب الفندق لعدم حصوله بعد على تصريح بعد لبناء بنسيون في المدينة الجديدة. كما يشكو راعي القرية من أن المدينة الجديدة محظور بها تربية الماشية، ويشكو آخر من أنه غير مصرح أيضا ببناء أفران بلدية لخبز وتسوية الخبز، نظرا لأن "خبر الطابون" التقليدي الذي عاشت عليه البلدة لقرون، تتسبب أفرانه في انتشار الكثير من الدخان مما يؤذي المدينة الحديثة.
ومن ثم، فإن سكان مدينة حصن كيفا القديمة لا يفتقدون المناظر الطبيعية الخلابة بمسقط رأسهم وتاريخها العريق فحسب، بل يفتقدون تراثها الثقافي أيضا، في حين لا يرى المسؤولون في غرق حصن كيفا أي نوع من الخسارة، بل على العكس يعتبرون الأمر نوعا من التطور.
يقول عمر جوزيل، وهو سياسي من حزب العدالة والتنمية الذي يتزعمه الرئيس رجب طيب أردوغان والنائب عن مدينة حصن كيف التابعة لمقاطعة باتمان في البرلمان، بأن وضع البلدية كان هشًا لفترة طويلة. يوضح جوزيل أن تهديد وصول المياه حال على مدار عقود دون إنجاز العديد من الاستثمارات.
يعرب السياسي عن قناعته بأن محرك اقتصاد حصن كيفا، وهو السياحة، يمكن أن يصمد بعد الوضع الجديد، مؤكدا من وجهة نظره أن القلعة التي تحوطها مياه نهر دجلة ستجذب العديد من الزوار، بما في ذلك محبي رياضة الغوص.
بالنسبة لتركيا، يعد سد إليسو، على مسافة نحو 70 كيلومترًا من مصب النهر، تعد دليلا على التقدم، فهو جزء من مشروع تنموي يضم سدودا ومحطات للطاقة الكهرومائية المصممة لتوفير الكهرباء والمياه وفرص العمل في المناطق الفقيرة. في المقابل يعتبر أولريخ إيكلمان أن تركيا تكرر نفس أخطاء العالم الغربي باسم التقدم، فهي لا تحتاج لمزيد من السدود، وأن البلد يعتبر بالفعل نقطة جذب مهمة، ويمكن عوضا عن ذلك إقامة مشاريع للطاقة الشمسية على سبيل المثال.
في نبرة نقدية يقول الناشط البيئي الألماني "لم تجر حتى أية دراسة فنية لتقييم تأثير أضرار السد على البيئة"، محذرا من انقراض حيوانات ونباتات كانت تتخذ من المنطقة بيئة طبيعية لها، ومنها سلحفاة نهر دجلة وأشجار الحور العريقة التي تنمو على مدار مجرى النهر. ويضيف أيكلمان أن تأثير السد يتجاوز الجانب التركي، في إشارة إلى أن حجز مياه النهر سيتسبب في أزمات حقيقية في بلد كبير مثل العراق تعتمد فيه الزراعة على مياه نهري دجلة والفرات، وخاصة في المنطقة العريقة التي شهدت حضارة النهرين أو "ميزوبوتاميا"، وتحديدا عند مدينة البصرة ونواحيها.
وعلى هذا النحو تتجاوز قضية سد إليسو البعد المحلي في تركيا، لتتحول إلى أزمة سياسية عنيفة، أخذا في الاعتبار أن محاولة تركيا السيطرة على مياه نهر دجلة الذي يمر بالأراضي العراقية منذ القدم، ويمثل شريانا حيويا طبيعيا مما يثير حالة من القلق في الدول المجاورة.
تجدر الإشارة إلى أنه في الثامن من تشرين أول/ أكتوبر الجاري، تم إخلاء الممشى البحري في قلب حصن كيفا للأبد بناء على أوامر من المحافظ، ولكن فرات أرجون مازال باقيا متمسكا بفردوسه الأرضي حتى النهاية، إلى أن يحين الأجل.
من جانبها تؤكد البروفيسرة زينب احنوبي، الحاصلة على الدكتوراة في العمارة والتي ظلت تعمل على مدار عقدين في ترميم والحفاظ على آثار حصن كيفا، أن هذه المنطقة تضم معالم أثرية فريدة من نوعها، وسط أحضان الطبيعة الخلابة في وادي نهر دجلة، معربة عن أسفها أنه "مازال هناك الكثير من المعالم والكنوز التي يستوجب كشفها وإستخراجها من تحت الأرض".
يشير الناشط البيئي الألماني أوليريخ أيكلمان أن غرق حصن كيفا أسفل مياه فيضان النهر نتيجة للمنسوب المرتفع يعد من "الأمور الهمجية التي تحدث في القرن الحادي والعشرين. جدير بالذكر أن الناشط البيئي الألماني قرر زيارة منطقة حصن كيفا في أيلول/سبتمبر الماضي ليلقي عليها نظرة الوداع قبل اندثارها.
جدير بالذكر أنه خلال الفترة بين 2006 و 2010 تم تنسيق جزء كبير من عمليات المقاومة الدولية لمشروع بناء السد، في البداية بالتعاون مع منظمة صندوق الحياة البرية المدافعة عن البيئة، وبعد ذلك بالاعتماد على نشاط منظمة "ريفرووتش" غير الحكومية، التي يتعاون معها ايكلمان. يراقب الناشط البيئي الألماني، أثناء جلوسه على مقعد بأحد المطاعم المنتشرة كالأعشاش على ضفاف النهر، عمل رجال الآثار وهم يسوون الأرض ويعدلون مستوياتها المنحدرة على الممشى البحري، من أجل تسهيل عملية نقل آخر القطع الأثرية لإنقاذها من الغرق.
تم انتشال إجمالي ثمانية أعمال أثرية ونقلها إلى محمية أثرية قريبة، يبرز من بينها مقبرة ترجع للقرن الخامس عشر، وحمام أثري ومئذنة. ولهذا يناشد الكثير من نشطاء مدينة حصن كيفا ضرورة حماية المئات من القطع الأثرية قبل تعرضها للغرق.
وكانت ألمانيا ودول أوروبية أخرى قد انسحبت من مشروع السد في 2009، بعدما تبين لها أن تركيا، لم تلتزم ضمن أمور أخرى بواجباتها تجاه حماية المعالم الأثرية والتراث الثقافي والطبيعي في المنطقة أثناء تنفيذ المشروع.
كما زار أيكلمان مقر البلدية، وتحدث عام 2006 مع المسؤولين، وقام بهذه المناسبة بزراعة شجرة أطلق عليها "شجرة الأمل". يتذكر الناشط البيئي الألماني أن الاحتجاجات في تلك الفترة كانت كبيرة للغاية واجتذبت المشاهير من نجوم الفن والمجتمع أمثال الممثلة بيانكا جاجر. كما أيد المبادرة، أديب نوبل التركي، أورهان باموك، ونجم البوب التركي تاركان، بخلاف العديد من نجوم الفن الألمان.
يعتبر فرات أرجون، واحدا من أصحاب الفنادق المحلية القلائل الذين ما زالوا يقاومون، بل إنه قرر اللجوء إلى العدالة لأنه يعتقد أن التعويض عن ممتلكاته ضئيل للغاية. ويعد بنسيون أرجون هو الوحيد في المدينة وبالرغم من عدد غرفه القليلة المتواضعة، إلا أنه يعتبر مكان فردوسيا مثاليا في ظل أشجار التين الوارفة.
يقول أرجون بينما ينظر حوله بحزن "كل كتاب مقدس له تصور معين عن الجنة، مع الرمان وأشجار التين والحيوانات والأنهار"، ويضيف أرجون "كانت لدي جنة خاصة بي على الأرض، والآن الجحيم قادم". من الحديقة يسمع ضجيج الحفارات يصم الأذان.
"جحيم" أرجون هي المدينة الجديدة التي بنتها الحكومة لنقل الأشخاص الذين تم إجلاؤهم. وتقع في الجهة المقابلة، وهي عكس حصن كيفا، لأنها على أحد التلال الجرداء وتسوطها حرارة الشمس الحارقة بلا رحمة: صفوف من المنازل المتطابقة التي بنتها شركة TOKI القوية النافذة، وهي شركة حكومية ومسؤولة عن توحيد أسلوب البناء في مدن بأكملها في تركيا.
يشكو السكان من أن المنازل الجديدة قد بنيت من مواد ذات جودة منخفضة. يشير الأرجون إلى أن الجدران مائلة وكابلات الكهرباء مكشوفة. يأسف صاحب الفندق لعدم حصوله بعد على تصريح بعد لبناء بنسيون في المدينة الجديدة. كما يشكو راعي القرية من أن المدينة الجديدة محظور بها تربية الماشية، ويشكو آخر من أنه غير مصرح أيضا ببناء أفران بلدية لخبز وتسوية الخبز، نظرا لأن "خبر الطابون" التقليدي الذي عاشت عليه البلدة لقرون، تتسبب أفرانه في انتشار الكثير من الدخان مما يؤذي المدينة الحديثة.
ومن ثم، فإن سكان مدينة حصن كيفا القديمة لا يفتقدون المناظر الطبيعية الخلابة بمسقط رأسهم وتاريخها العريق فحسب، بل يفتقدون تراثها الثقافي أيضا، في حين لا يرى المسؤولون في غرق حصن كيفا أي نوع من الخسارة، بل على العكس يعتبرون الأمر نوعا من التطور.
يقول عمر جوزيل، وهو سياسي من حزب العدالة والتنمية الذي يتزعمه الرئيس رجب طيب أردوغان والنائب عن مدينة حصن كيف التابعة لمقاطعة باتمان في البرلمان، بأن وضع البلدية كان هشًا لفترة طويلة. يوضح جوزيل أن تهديد وصول المياه حال على مدار عقود دون إنجاز العديد من الاستثمارات.
يعرب السياسي عن قناعته بأن محرك اقتصاد حصن كيفا، وهو السياحة، يمكن أن يصمد بعد الوضع الجديد، مؤكدا من وجهة نظره أن القلعة التي تحوطها مياه نهر دجلة ستجذب العديد من الزوار، بما في ذلك محبي رياضة الغوص.
بالنسبة لتركيا، يعد سد إليسو، على مسافة نحو 70 كيلومترًا من مصب النهر، تعد دليلا على التقدم، فهو جزء من مشروع تنموي يضم سدودا ومحطات للطاقة الكهرومائية المصممة لتوفير الكهرباء والمياه وفرص العمل في المناطق الفقيرة. في المقابل يعتبر أولريخ إيكلمان أن تركيا تكرر نفس أخطاء العالم الغربي باسم التقدم، فهي لا تحتاج لمزيد من السدود، وأن البلد يعتبر بالفعل نقطة جذب مهمة، ويمكن عوضا عن ذلك إقامة مشاريع للطاقة الشمسية على سبيل المثال.
في نبرة نقدية يقول الناشط البيئي الألماني "لم تجر حتى أية دراسة فنية لتقييم تأثير أضرار السد على البيئة"، محذرا من انقراض حيوانات ونباتات كانت تتخذ من المنطقة بيئة طبيعية لها، ومنها سلحفاة نهر دجلة وأشجار الحور العريقة التي تنمو على مدار مجرى النهر. ويضيف أيكلمان أن تأثير السد يتجاوز الجانب التركي، في إشارة إلى أن حجز مياه النهر سيتسبب في أزمات حقيقية في بلد كبير مثل العراق تعتمد فيه الزراعة على مياه نهري دجلة والفرات، وخاصة في المنطقة العريقة التي شهدت حضارة النهرين أو "ميزوبوتاميا"، وتحديدا عند مدينة البصرة ونواحيها.
وعلى هذا النحو تتجاوز قضية سد إليسو البعد المحلي في تركيا، لتتحول إلى أزمة سياسية عنيفة، أخذا في الاعتبار أن محاولة تركيا السيطرة على مياه نهر دجلة الذي يمر بالأراضي العراقية منذ القدم، ويمثل شريانا حيويا طبيعيا مما يثير حالة من القلق في الدول المجاورة.
تجدر الإشارة إلى أنه في الثامن من تشرين أول/ أكتوبر الجاري، تم إخلاء الممشى البحري في قلب حصن كيفا للأبد بناء على أوامر من المحافظ، ولكن فرات أرجون مازال باقيا متمسكا بفردوسه الأرضي حتى النهاية، إلى أن يحين الأجل.