تقول فوربس إن الكثير من القصص التي تسمعها يوميا لا تحتمل، إما لأنها مكررة وتفاصيلها مملة، وإما لأن المسنين الذين يتحدثون يائسون من حياتهم ويفكرون طول الوقت في الموت. "من المهم جدا أن نتحلى خلال عملنا على القدرة على الفصل، والاحتفاظ بمساحة واضحة من المتحدثين على الجانب الآخر من الهاتف. وتوضح أن هذه الأمور يمكن أن تؤثر فيك، ولهذا، بمجرد انتهاء ساعات العمل، يتعين علينا الحديث مع إخصائيين، تفاديا لأن نحمل هذا الهم المتراكم معنا إلى المنزل".
كما تؤكد فوربس أن "من يتحدثون ليلا، يسيطر عليهم بقوة الشعور بالوحدة. والطلب في تزايد مستمر على الخدمة، خاصة في السنوات الأخيرة. لقد زاد عدد المكالمات الهاتفية التي تستقبلها الخدمة بنسبة 7% حتى كانون ثان/ يناير هذا العام، مقارنة بنفس الفترة من عام 2017".
وكانت الحكومة البريطانية قد اعترفت منذ زمن بأن الوحدة في المملكة المتحدة، باتت تمثل مشكلة كبيرة، وهذا جعل الأمر يصبح قضية رأي عام، ومن الأمور التي تشغل بال الدولة، ومن ثم قررت الحكومة في كانون ثان/ يناير الماضي، تكليف وكيل وزارة شؤون البرلمان والرياضة تريسي كراوش بتولي مهمة المجتمع المدني للتعامل مع قضية العجائز الذين يعانون الوحدة، ضمن مهام إدارتها الأخرى.
في تصريحات لوكالة الأنباء الألمانية (د ب أ) تقول كرواش "تشير البيانات إلى أن أكثر من 200 ألف شخص مسن في بريطانيا، يتحدثون في أفضل الأحوال لمرة واحدة في الشهر مع صديق أو قريب، وأن تسعة ملايين شخص على الأقل يعترفون بأنهم يعانون الوحدة. ومع ذلك هذه المشكلة لا يعاني منها البريطانيون وحدهم". كما تضيف "إنها مشكلة تؤثر على نمط حياة العالم كله. ولهذا أود حث جميع دول العالم على البحث عن إيجاد حلول لمكافحة الوحدة، وبناء مجتمعات أكثر احتواء وأكثر تماسكا".
تجدر الإشارة إلى أن الإدارة الجديدة التي أسندت إلى كرواش أنشئت بناء على توصية تقرير لجنة جو كوكس حول الوحدة. يشار إلى أن النائب العمالي كوكس ظل يعمل طيلة حياته وحتى اغتياله من أجل مساعدة الأشخاص الذين يعانون من الوحدة. ومن المرتقب تطوير استراتيجية حكومية رسمية لمكافحة الوحدة، ومنظومة من توفير بيانات لقياس مدى عزلة المسنين.
توضح إحصائية أجرتها مجلة " Timeout" البريطانية أن الوحدة من أخطر المشاكل التي تعاني منها العاصمة البريطانية لندن، حيث يعترف الكثير من سكان المدينة الكوزموبوليتانية بأنهم يشعرون بالوحدة أكثر بكثير مقارنة بسكان مدن كبرى مثل نيويورك أو دبي.
ومشكلة الوحدة في لندن معقدة للغاية، ففي حين أن شباب لندن يشعرون بالتهميش بسبب ضغط العمل المسبب للتوتر أو بسبب الشعور بالتجاهل في مدينة كبيرة، على مستوى البلاد بالكامل يشعر المسنون بمعاناة الوحدة وعدم وجود صحبة لتبادل الحديث معهم.
تتعرض فوربس خلال عملها في خدمة الخط الفضي لقصص تذكرها بحالة أجدادها: "جدتي في الخامسة والتسعين من عمرها، وكانت طيلة حياتها امرأة قوية ومستقلة، وبالرغم من تجاوزها التسعين، إلا أن قدراتها الذهنية كانت تمكنها من التعامل مع التكنولوجيا بكل بساطة، والدخول على المواقع الاجتماعية والدردشة عبر تطبيق سكايب. ولكن في الآونة الأخيرة تدهورت صحتها وتحتاج لمساعدة للقيام بأبسط الأمور. وهذا أمر في منتهى الصعوبة على نفسها".
ومع ذلك تؤكد فوربس "بالرغم من كل شيئ، تعتبر ميزة عظيمة أن يتاح لك الاستماع إلى قصص آخرين، فكثير من المتصلين، يتحدثون عن زمن الماضي الجميل، ولديهم العديد من القصص المشوقة. اتعلم واستفيد كثيرا من هذه القصص التي يحكيها أشخاص غرباء على الجانب الآخر من الخط. أنا استفيد منهم أكثر من استفادتهم مني".
ولكن مهما بلغت درجة استمتاعها بالعمل، تحتاج فوربس دائما لفترة استراحة ولو قصيرة قبل العودة إلى المنزل. "نصفي الحلو، زوجي يعمل من المنزل، وعلى عكسي، لا يتحدث كثيرا طوال اليوم. قبل أن أبدأ بالحديث عن ما جرى لي في يومي، احتاج دائما إلى فترة سكون قرابة نصف ساعة، وبعد ذلك استعيد حيويتي وطبيعتي الاجتماعية الودودة".