قصة "زهرة حلب" التي تبدأ جميلة وتنتهي بسقوط جميع أوراقها، تدور أحداثها داخل أسرة تونسية من الطبقة المتوسطة، تعيش كحال العديد من العائلات التونسية "صراع" طلاق حتمته ظروف وحسابات اجتماعية. امرأة مطلقة، تعمل كممرضة مسعفة تؤدي دورها الفنانة التونسية التي غابت عن الساحة السينمائية طيلة سبع سنوات هند صبري، أب يسري الفن في دمه، ليصير العائلة التي يستأنس الجلوس معها برفقة قارورة نبيذ، وابن، حاله كحال أي شاب تونسي أو عربي في مثل سنه، يعشق الموسيقى، يحب رفقة فتاة جميلة ويحن لذكريات بفرنسا بلد الحريات والفن، تميز في أداء دوره التونسي الشاب، باديس الباهي.
الفيلم الذي يغيب عن المسابقة الرسمية لأيام قرطاج السينمائية برغبة من مخرجه، لأنه يريد أن يكون جماهيريا، هو من إنتاج تونسي سوري، يتناول على مدار 105 دقيقة، الآثار الإنسانية التي يخلفها رحيل شاب تونسي للجهاد من دون الدخول في متاهات وتجاذبات الحسابات السياسية لما يحدث على أرض الواقع في سوريا، وذهاب والدته إلى أرض الجهاد لاسترجاع ولدها الوحيد فتعبر الحدود التركية نحو الأراضي السورية مخفية هدفها الحقيقي تحت قناع مناضلة إسلامية.
وبعد أحداث متتالية، تقوم سلمى (البطلة) بالانخراط في جبهة النصرة التابعة لتنظيم القاعدة حيث تجد نفسها بين المصابين و المحضيات يظل ثباتها والتزامها على قدر هوسها باسترجاع ابنها ...
وفي مشاهد صادمة، نكتشف من خلالها مكانة المرأة في الجماعات الجهادية، يتيه فيها المشاهد بين بشاعة تنظيم "الدولة الإسلامية" وجبهة النصرة، ليتساءل للحظات أيهما أقل بشاعة وجرما؟ تجيب البطلة بنظرات تعكس حرقتها من فقدان ابن لم تعرف كيف تحميه: كلاهما عملة واحدة، الدم.
بلهجة تونسية، تحضر فيها اللغة الفرنسية كثيرا، فضل "زهرة حلب" أن يعالج الموضوع من نظرة مجتمعية، تكشف الحالة النفسية التي تجعل الشخص ينطوي عن نفسه ويبحث عن أسئلة لأجوبة وجودية كثيرة، ومثالية لم يجد لها أثرا في المقربين منه، وتفضح البيئة التي يصطاد فيه الأصوليون والمتطرفون فريساتهم لتقديمها قربانا للإرهاب وتعري الآثار التي يتركها في كل من يحيطون به.
ويقول المخرج رضا الباهي بأن انشغاله في عمله الأخير على غرار العديد من إبداعاته السينمائية (السنونو لا يموت في القدس، شمس الضباع، صندوق عجب، وشامبانيا مرة) هو "التفاعل مع الواقع بكل جوانبه الإنسانية والحرص على إشراك المتفرج كمتلقي للخطاب السينمائي، من دون الكذب عليه ومنحه فسحة للأمل بطرح مواضيع لا أمل فيها كالإرهاب، فالوضع العربي اليوم لا يتحمل نهاية سعيدة". مضيفا في تصريح لفرانس24 "زهرة حلب يحمل رسالة للتونسيين وهي يجب أن نحمي أولادنا، والأسرة تتحمل المسؤولية الأكبر في ذلك، لذلك اخترت طريق العاطفة للتأثير فيها وأخذها نحو التفكير لأن الطابع الإخباري، وسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي متكفلة به".
لأداء دور سلوى، التقيت بالعديد من الأسر التونسية التي ذهب أبناؤها للجهاد في العراق أو سوريا، وحاولت بعضها هي كذلك فعل المستحيل والذهاب إلى هناك لإنقاذهم. ما هو أصعب شيء حدثتك عنه هذه الأسر في رحلتها نحو أرض الجهاد؟
أصعب شيء هو حالة الضياع التي تجد فيها هذه العائلات نفسها، في الأول عندما تعلم بأن أحد أبناءها هاجر للجهاد وثانيها عندما تحاول أن تذهب هنالك لكي تعيده. فكسلوى التي جسدت دورها، هذه العائلات لا تجد أحدا يتكلف بها. فلا سلطات أمنية معهم، ولا وزارة الخارجية تقدم لهم معلومات ولا حتى جمعيات من مختصين ترافقهم من الناحية النفسية والإدارية لكي يفهموا ما يحدث فعلا. يعيشون حالة ضياع كبيرة قد تؤدي ببعضهم للموت، كالطبيب التونسي الذي قتل في انفجار أنقرة بينما كان في طريقه نحو سوريا لجلب ابنه الذي ذهب للجهاد هناك. أتمنى أن يجعل هذا الفيلم السلطات تفكر قليلا لمرافقة هذه العائلات، لأنه ما كانت بالأمس نماذج قليلة صارت اليوم ظاهرة في المجتمع التونسي، ولا خيار أمام السلطات التونسية سوى التعامل معها بجد لمواجهتها.
للفيلم نهاية مأساوية، حيث تقتل الأم للمرة الثانية، الأولى بفقدانها ابنها الوحيد، والثانية برصاصة في قلبها جاءتها ممن منحته الحياة ذات يوم. ألا تظنين بأن هذه النهاية قد تثقل عزيمة بعض الآباء والأمهات الذين يحاولون الذهاب إلى سوريا أو العراق لإعادة أبنائهم؟
للأسف النهاية في كثير من هذه القصص الواقعية هي مأساوية كذلك. ولربما هذه النهاية ستؤثر في الشباب التونسي الذي سيشاهد الفيلم وتجعله يفكر مرتين قبل أن يسلك هذه الطريق التي ستوصله يوما لقتل أغلى ما يملكه وهو الأم.
للمرأة التونسية حضور قوي في "زهرة حلب"، حيث البداية تكون بالرفيقة التي تحلو أوقات الحياة بصحبتها وتقاسم أشياء بسيطة معها، وتنتهي بصورة أم واقفة تموت برصاصة غدر، أسقطتها. لماذا ذلك؟
الفيلم فعلا تكريم للمرأة التونسية بعيدا عن الحسابات السياسية، المناضلة من أجل حريتها وفرض نفسها في المجتمع، المثابرة على كسب حياتها والتكلف بابن غاب الأب عن تحمل مسؤولياته، المثقفة التي تتمسك بالكتاب كسلاحها حتى لحظاتها الأخيرة،
وبالخصوص الشجاعة التي ترفض الرضوخ لأشخاص يتاجرون بأبناء التونسيين باسم الدين، تحمل السلاح، تتعرض للاغتصاب... ولكنها ترفض الاستسلام حتى الأخير.
الفيلم الذي يغيب عن المسابقة الرسمية لأيام قرطاج السينمائية برغبة من مخرجه، لأنه يريد أن يكون جماهيريا، هو من إنتاج تونسي سوري، يتناول على مدار 105 دقيقة، الآثار الإنسانية التي يخلفها رحيل شاب تونسي للجهاد من دون الدخول في متاهات وتجاذبات الحسابات السياسية لما يحدث على أرض الواقع في سوريا، وذهاب والدته إلى أرض الجهاد لاسترجاع ولدها الوحيد فتعبر الحدود التركية نحو الأراضي السورية مخفية هدفها الحقيقي تحت قناع مناضلة إسلامية.
وبعد أحداث متتالية، تقوم سلمى (البطلة) بالانخراط في جبهة النصرة التابعة لتنظيم القاعدة حيث تجد نفسها بين المصابين و المحضيات يظل ثباتها والتزامها على قدر هوسها باسترجاع ابنها ...
وفي مشاهد صادمة، نكتشف من خلالها مكانة المرأة في الجماعات الجهادية، يتيه فيها المشاهد بين بشاعة تنظيم "الدولة الإسلامية" وجبهة النصرة، ليتساءل للحظات أيهما أقل بشاعة وجرما؟ تجيب البطلة بنظرات تعكس حرقتها من فقدان ابن لم تعرف كيف تحميه: كلاهما عملة واحدة، الدم.
بلهجة تونسية، تحضر فيها اللغة الفرنسية كثيرا، فضل "زهرة حلب" أن يعالج الموضوع من نظرة مجتمعية، تكشف الحالة النفسية التي تجعل الشخص ينطوي عن نفسه ويبحث عن أسئلة لأجوبة وجودية كثيرة، ومثالية لم يجد لها أثرا في المقربين منه، وتفضح البيئة التي يصطاد فيه الأصوليون والمتطرفون فريساتهم لتقديمها قربانا للإرهاب وتعري الآثار التي يتركها في كل من يحيطون به.
ويقول المخرج رضا الباهي بأن انشغاله في عمله الأخير على غرار العديد من إبداعاته السينمائية (السنونو لا يموت في القدس، شمس الضباع، صندوق عجب، وشامبانيا مرة) هو "التفاعل مع الواقع بكل جوانبه الإنسانية والحرص على إشراك المتفرج كمتلقي للخطاب السينمائي، من دون الكذب عليه ومنحه فسحة للأمل بطرح مواضيع لا أمل فيها كالإرهاب، فالوضع العربي اليوم لا يتحمل نهاية سعيدة". مضيفا في تصريح لفرانس24 "زهرة حلب يحمل رسالة للتونسيين وهي يجب أن نحمي أولادنا، والأسرة تتحمل المسؤولية الأكبر في ذلك، لذلك اخترت طريق العاطفة للتأثير فيها وأخذها نحو التفكير لأن الطابع الإخباري، وسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي متكفلة به".
لأداء دور سلوى، التقيت بالعديد من الأسر التونسية التي ذهب أبناؤها للجهاد في العراق أو سوريا، وحاولت بعضها هي كذلك فعل المستحيل والذهاب إلى هناك لإنقاذهم. ما هو أصعب شيء حدثتك عنه هذه الأسر في رحلتها نحو أرض الجهاد؟
أصعب شيء هو حالة الضياع التي تجد فيها هذه العائلات نفسها، في الأول عندما تعلم بأن أحد أبناءها هاجر للجهاد وثانيها عندما تحاول أن تذهب هنالك لكي تعيده. فكسلوى التي جسدت دورها، هذه العائلات لا تجد أحدا يتكلف بها. فلا سلطات أمنية معهم، ولا وزارة الخارجية تقدم لهم معلومات ولا حتى جمعيات من مختصين ترافقهم من الناحية النفسية والإدارية لكي يفهموا ما يحدث فعلا. يعيشون حالة ضياع كبيرة قد تؤدي ببعضهم للموت، كالطبيب التونسي الذي قتل في انفجار أنقرة بينما كان في طريقه نحو سوريا لجلب ابنه الذي ذهب للجهاد هناك. أتمنى أن يجعل هذا الفيلم السلطات تفكر قليلا لمرافقة هذه العائلات، لأنه ما كانت بالأمس نماذج قليلة صارت اليوم ظاهرة في المجتمع التونسي، ولا خيار أمام السلطات التونسية سوى التعامل معها بجد لمواجهتها.
للفيلم نهاية مأساوية، حيث تقتل الأم للمرة الثانية، الأولى بفقدانها ابنها الوحيد، والثانية برصاصة في قلبها جاءتها ممن منحته الحياة ذات يوم. ألا تظنين بأن هذه النهاية قد تثقل عزيمة بعض الآباء والأمهات الذين يحاولون الذهاب إلى سوريا أو العراق لإعادة أبنائهم؟
للأسف النهاية في كثير من هذه القصص الواقعية هي مأساوية كذلك. ولربما هذه النهاية ستؤثر في الشباب التونسي الذي سيشاهد الفيلم وتجعله يفكر مرتين قبل أن يسلك هذه الطريق التي ستوصله يوما لقتل أغلى ما يملكه وهو الأم.
للمرأة التونسية حضور قوي في "زهرة حلب"، حيث البداية تكون بالرفيقة التي تحلو أوقات الحياة بصحبتها وتقاسم أشياء بسيطة معها، وتنتهي بصورة أم واقفة تموت برصاصة غدر، أسقطتها. لماذا ذلك؟
الفيلم فعلا تكريم للمرأة التونسية بعيدا عن الحسابات السياسية، المناضلة من أجل حريتها وفرض نفسها في المجتمع، المثابرة على كسب حياتها والتكلف بابن غاب الأب عن تحمل مسؤولياته، المثقفة التي تتمسك بالكتاب كسلاحها حتى لحظاتها الأخيرة،
وبالخصوص الشجاعة التي ترفض الرضوخ لأشخاص يتاجرون بأبناء التونسيين باسم الدين، تحمل السلاح، تتعرض للاغتصاب... ولكنها ترفض الاستسلام حتى الأخير.