نظرا للصعوبات الاقتصادية التي رافقت الجائحة وأعقبتها اضطررنا لإيقاف أقسام اللغات الأجنبية على أمل ان تعود لاحقا بعد ان تتغير الظروف

الهدهد: صحيفة اليكترونية عربية بخمس لغات عالمية
الهدهد: صحيفة اليكترونية عربية بأربع لغات عالمية
Rss
Facebook
Twitter
App Store
Mobile



عيون المقالات

عن روسيا وإيران شرق المتوسّط

08/05/2024 - موفق نيربية

( في نقد السّياسة )

05/05/2024 - عبد الاله بلقزيز*

أردوغان.. هل سيسقطه الإسلاميون؟

03/05/2024 - إسماعيل ياشا

" دمشق التي عايشتها " الغوطة

28/04/2024 - يوسف سامي اليوسف

( أيهما أخطر؟ )

24/04/2024 - محمد الرميحي*

إيران.. من يزرع الريح يحصد العاصفة

23/04/2024 - نظام مير محمدي

وقاحة استراتيجية مذهلة

21/04/2024 - راغدة درغام


سلطة هيكل العابرة للأجيال




رحم الله الأستاذ هيكل، أسطورة الصحافة والسياسة الذي تربَّع على عرش صاحبة الجلالة لأكثر من نصف قرن، وصار شيخاً للمهنة ونموذجاً لأجيال عديدة من الصحافيين. وأعتقد بأنه بوفاة الأستاذ لن يتفق الصحافيون والجمهور على أيقونة بديله تشبه هيكل، أو تقترب من نجاحاته المهنية وقدرته الهائلة على التأثير في الرأي العام المصري والعربي في شكل مستمر ومتواصل لعشرات السنين ولأجيال مختلفة.


 ربما لأن كثيراً من المصريين والعرب اعتقدوا بأن الرجل يمتلك دائماً المعلومة والتحليل والرأي السديد. بهذا المعنى؛ موت هيكل هو نهاية احتكار المعرفة أو ادعاء امتلاكها لدى شخص، حتى لو كان بمكانة الأستاذ وشهرته، نهاية متأخرة لأن تكنولوجيا الاتصال والمعلومات كتبتها من سنوات طويلة. في هذا الإطار قد يبدو الأستاذ عابراً لحدود الزمن والتكنولوجيا والسلطة، فقد عاصر خمسة رؤساء لمصر، وانتقل من الصحافة إلى تأليف الكتب، والتاريخ، ثم إلى التلفزيون. والأخير لغته الصورة المتنوعة والسريعة والمتغيرة، ومع ذلك طوَّع الأستاذ الشاشة وجعلها ثابتة، وجلس لساعات يحكي سرديات بليغة لا تخلو من دراما في السياسة والتاريخ والأدب والصحافة، وحقق نسب مشاهدة عالية. هل لأنه يخاطب الأجيال التي سبق وقرأت له وتعلمت منه، أم لأن اسمه ورمزيته وشهرته تسبقه، ما دفع الأجيال الجديدة إلى الجلوس أمام الأستاذ ومشاهدته والاستماع إلى ما يقول.
 
 
من الصعب الكتابة عن هيكل، فهو شخصية نادرة لها أوجه تميز كثيرة وتاريخ حافل، بالتفوق المهني والمعارك الصحافية والسياسية، لذلك اكتفي بالإشارة إلى جوانب عدة في شخصية الأستاذ لعلها تساعد في تقديم قراءة لظاهرة هيكل. أولاً: حرص هيكل على تعريف نفسه بأنه «جورنالجي»، صحافي، وليس مفكراً استراتيجياً أو سياسياً، وكان يؤكد باستمرار أنه مخبر صحافي يبحث عن الخبر والمعلومة، كي يقدمها إلى القارئ في شكل خبر مجرد، أو يستعملها في بناء مقال تحليلي، لا يخلو غالباً من آراء وتوقعات مستقبلية، وخبرات تاريخية وحياتية لا تتوافر إلا لشخص كالأستاذ.
 
 
ثانياً: علاقته المعقدة مع السلطة، فالصحافة والكتابة هي سلطة ما، لكن لا تضاهي أبداً السلطة الفعلية في دولة مركزية مثل مصر، لذلك عاش هيكل في السلطة، وكان شريكاً في صناعة سلطة الناصرية بكل إيجابياتها وسلبياتها، ولا شك في أن الرجل كان واعياً تماماً بأن المثقف أو الصحافي عندما يعيش في السلطة أو حتى قريباً منها يظل في مصر وعالمنا العربي الطرف الأضعف والتابع في علاقته بالسلطة.
 
 
ثالثاً: لم يستحدث هيكل علاقة الصحافي أو المثقف بالسلطة وإنما كانت تقليداً معروفاً في التاريخ المصري بدأ مع حسن العطار ورفاعة رافع الطهطاوي في صحيفة الوقائع المصرية التي صدرت 1827، وصولاً إلى كريم ثابت؛ أحد مؤسسي صحيفة «المصري» 1936 - 1954، الذي توقف عن الكتابة وباع حصته في الصحيفة وعمل سكرتيراً صحافياً للملك فاروق. القصد؛ لم يكن هيكل الأول أو الأخير بين الصحافيين الذين اقتربوا من سلطة الدولة الناصرية أو الساداتية، لكنه تميز عن جميع من سبقوه وربما من يتبعوه بأنه لم يسع لتولي منصب في الحكومة. من جانب آخر، فإن نجاح هيكل كصحافي لم يرتبط بوجوده في السلطة أو بالقرب منها فقد نجح قبل ثورة 1952 وصداقته لعبد الناصر، وواصل نجاحاته المهنية وكتب في كبريات الصحف العالمية بعد أن أبعده السادات من السلطة ومن رئاسة تحرير صحيفة «الأهرام» عام 1974 والتي كان قد بناها وحولها إلى مؤسسة كبيرة.
 
 
رابعاً: ظل هيكل مؤثراً في السلطة لفترة طويلة تمتد لأكثر من نصف قرن، وحتى عندما خرج من السلطة ظل مؤثراً فيها سواء في شكل مباشر أو من خلال تأثير كتاباته القوية في الرأي العام، والتي التزمت مواقف معارضة لكل من السادات ومبارك. في علاقته مع الأول حدثت قطيعة نهائية، وفي علاقته بالثاني كان هناك اقتراب ثم ابتعاد... ومعارضة، بغض النظر عن دخول أولاد هيكل في شراكات مالية مع جمال وعلاء مبارك. لكن التحول الأهم في علاقة هيكل بالسلطة أنه صنع في السنوات الأخيرة من مسيرته سلطته الخاصة والناعمة والقادرة على التأثير في أهل السلطة والسياسة الحالية في مصر، والأهم المشتغلين بالصحافة.
 
 
خامساً: ارتبط هيكل بعلاقات خاصة بالرئيس السيسي قبل وبعد 30 يونيو، وقبل أن يعرف المصريون والعالم السيسي. العلاقة بين الرجلين جاءت كامتداد لعلاقة هيكل الطويلة والممتدة بالسلطة واهتمامه الشديد بها ورغبته في التأثير فيها. لكن هذه المرة بدأت العلاقة من موقع السلطة التي صنعها هيكل الأيقونة الذي يمتلك المعلومات الصحيحة والخبرة الطويلة والتحليل المحكم، حيث دارت كثير من اللقاءات والحوارات بين الجنرال السيسي والأستاذ، ربما ساعدت في حسم التحرك ضد الإخوان، وترشح السيسي للرئاسة. ومن المؤكد أن الصياغة الأساسية لبيان 3 تموز (يوليو) هي من صناعة هيكل، والذي ساهم في حملة ترشيح السيسي للرئاسة حيث صك تعبير «مرشح الضرورة»، وهو ربما كان آخر وأهم المقولات الرشيقة التي أبدعها الأستاذ، وهي مقولات جذابة لكنها تغلق باب التفكير والحوار، وتغير الحقائق أحياناً. وأشير هنا إلى تعبير «النكسة» عوضاً عن هزيمة 1967، وحرب الاستنزاف، وحادث المنصة، وخريف الغضب. المهم أن الإعجاب والدعم المتبادل حكمت علاقة السيسي بهيكل، مع ظهور مسحة من النقد في أحاديث هيكل التلفزيونية الأخيرة لمسارات الحكم، تركز على غياب الرؤية وضرورة الحوار الوطني لتحديد البوصلة والتوافق المجتمعي على أولويات العمل في الداخل والخارج.
 
 
سادساً: تختلف الآراء والتقييمات في شأن مساهمات هيكل ومسيرته لكن ثمة اتفاقاً واسعاً على أن الرجل لم ينجح كمؤرخ، لأنه تناول مراحل تاريخية شارك في صنع أحداثها وكان لها خصوم وأنصار وبالتالي فإن معاصرته للأحداث تتعارض والحد الأدنى من متطلبات المؤرخ، وكان الأجدى له أن يتيح ما لديه من وثائق خاصة بالدولة المصرية لباحثين في تاريخ مصر، وأن يقدم رؤيته أو شهادته لهم من دون تفسير أو تأويل لمصلحته الشخصية أو مصلحة زمن عبدالناصر. أرجو أن تبادر أسرته بذلك إضافة إلى تفعيل «مؤسسة هيكل» ودعمها مالياً، لأنها شبه مجمدة منذ تأسيسها عام 2007.
 
سابعاً: أسلوب هيكل في الكتابة وفي الحديث مميز للغاية حتى أنها تأتي أحياناً على حساب المعنى، هذه «الهيكلية الأسلوبية» صنعت الرجل، وهو صنعها وطورها.
 --------
الحياة
 
 

محمد شومان
الاربعاء 24 فبراير 2016