
مانديلا البحرين مجيد حميد مرهون
قبل ثلاثة أيام من الخبر المفجع كنت انظم مكتبتي الموسيقية ’ وكانت ابنتي تساعدني لمعرفة ما في هذه المكتبة من اسطوانات قديمة صارت اليوم في حالة الانتيك فعمرها تجاوز الثلاثين عاما ’ خاصة وإنها تذكرني بحقبة الاتحاد السوفيتي وهنغاريا وبلغاريا وبراغ ’ التي كانت تبيعنا أحسن القطع الكلاسيكية بسعر زهيد ’ فكنت احمل في كل سفرة من تلك الدول مجموعة كبيرة لأشهر المؤلفين العالميين . كان من بين المكتبة اسطوانة مجيد البلاستيكية الصغيرة التي أنتجتها ألمانيا الديمقراطية ’ تضامنا مع الموسيقار السجين ’ أو بتعبيرنا السياسي اسطوانة لمانديلا البحرين ’ سألتني ابنتي من هذا يا أبي فقلت لها ’’ انه مجيد مرهون ’كان مع عمك في أول دفعة تتخرج من الصف السادس ابتدائي في مدرسة القضيبية ’ غير انه أيضا رفيقنا الذي كابد السجن ومعاناة الحياة ’ فليس بسيطا يا ابنتي أن تموت أختك بين يديك ’ وتعيشين طفولة البؤس والفقر المعدم وحرمان عاطفة نبيلة لولا عاطفة أم كادحة كرست حياتها من اجل أطفالها . لم يكن مسار حياة مجيد فرحا ورغدا ’ ولكنه كان يصنع الحياة بطريقته ويركض نحو مدن الفرح البعيدة ’ ويفتش عن الجزر الجميلة والأحلام الكبرى ’ كان رومانسيا وثوريا في ذات الوقت ’ كان عاملا وموسيقيا رهفا أيضا ’ ولكنه كان الأكثر من كل ذلك إنسانا مشحونا بطاقة الموسيقى الخفية في داخله . عرفته موسيقيا مجنونا بآلته قبل أن اعرفه مناضلا وألتقيه ’ فقد كان مشاغبا وكوميديا مرحا ’ حتى في فناء المدرسة ’ وعندما يعتلى خشبة المسرح كمونولوجست فانه رائع فقد أضحكنا كثيرا على منولوج مدرس الحساب عندما كان يردد ’’ أما مدرس الحساب يا ليته ما دش من الباب كل يوم يجينا بحاله ... ’’ فنضحك من القلب فقد كانت كل المدرسة تعرف ذلك المدرس وحالته ’ وكان الأستاذ عتيق معنيا بتوريط المدرس مع طالبه المشاغب. في اليوم الأخر سيلتقي المدرس بطالبه حانقا ’ وغاضبا وسيقول له لا اعرف لماذا أرسلوك اهلك للمدرسة فأنت جدير بهناك – وكانت هناك هو حي العدامة – مع فرق المدندون ’ وهي الفرق الزنجية التي عزفت أجمل أغاني الغوص والفجري والليوة ’ عزفت معاناة تاريخية طويلة لكل أولئك القادمين من زمن العبودية . كنت هناك بينهم تنشد أجمل أغانيك وموسيقاك ’ فقد كان إنسان هاتيك الأزمنة هو إنسانك الداخلي ’ وكان عليك أن تكافح من اجله ’ فوجدت إن الانتصار لكل الكادحين وزمن المعاناة هو الانتماء لفكر يدافع عن الكادحين ’ فاخترت أن تكون ماركسيا يحمل قلبه بين أصابعه ’ مثلما حمل فكره بين الشبيبة العاملة في بابكو ’ مثلك لا ينساه الوقت ’ ومثلك يبقى في الذاكرة الوطنية والشعبية والموسيقية ’ فقد تركت لنا أعمالك كمجدك ’ وتركت لنا سلمك الموسيقي كسلم أحلامك نحو الأفاق ’ فما قيمة الأشياء إن لم تكن تمجد الإنسان والحياة . كنا نراك في المدرسة تعزف ’ وفي طرقات الحي تعزف ’ وعند سكون الموج ورحيله تغازل البحر وتحلم وأنت تعزف ’ دون أن تغادر أحلامك بيتكم الصغير المعدم . عشت بفرح وغادرتنا بفرح ’ ومن التقاك لم ير فيك إلا ذلك المهووس بالموسيقى وبروح النكتة والمرح ’ فتثير فينا أسئلة الفضول ’ كيف يقاوم هذا الإنسان معاناته ؟ كيف يحمله بين ضلوعه دون كلام ’ وكأنه يقول لنا’ كانت الحياة جميلة رغم آلامها ’ فتحلق روحك كما تحلق موسيقاك ’ فقد جعلت للوطن معنى وحملت له موسيقاك ’ وفتحت لنا ’’ الطريق ’’ منارا بنغماتك فأنت راحل مثل كل الذين رحلوا ’ وأنت مسافر في زمن لا يتوقف ’ ولكنك وحدك هناك في موسيقاك التي تحلق مثل روحك . هناك أناس كثيرون سيسألون عنك ’ فمثلك لم يمض من الحياة عبثا . عشت مناضلا وكنت إنسانا . ها أنت ترحل لتقول لنا الحياة تستحق أن نعيشها مرة واحدة ’ أخيرا ’ عازف السكسفون يقول لكل الأوجاع وداعا .
-----------
-----------

المنبر التقدمي ينعي مجيد مرهون
نعى المنبر التقدمي المناضل الوطني والفنان مجيد مرهون في بيان جاء فيه :
فقدت البحرين صباح الثلاثاء الموافق 23 فبراير 2010 واحداً من أشجع وأبرز رموزها الوطنية والإبداعية الكبيرة، المناضل الوطني الفنان الموسيقي مجيد مرهون، الذي وافته المنية في مستشفى السلمانية.
تعرف البحرين مجيد مرهون بصفته واحداً من أبنائها البررة الذين كرسوا حياتهم في النضال ضد الاستعمار البريطاني وفي سبيل الاستقلال الوطني والحرية والديمقراطية، من خلال نضاله في صفوف جبهة التحرير الوطني البحرانية ، وفيما بعد في صفوف المنبر الديمقراطي التقدمي، ودفع ضريبة خياره هذا بالسنوات الاثنتين والعشرين التي قضاها سجيناً، بعد أن حكمته محكمة صورية أقامها له الجلاد ايان هندرسون في عام 1968 بالسجن المؤبد، قضى منها سنوات طويلة وهو مكبل بالأصفاد في سجن جزيرة جدا، قبل أن ينتقل إلى سجون أخرى في سنوات تالية، انتقاماً منه لتنفيذه لعملية بطولية بتصفية أحد رؤوس جهاز الأمن الاستعماري.
ولد مجيد مرهون في عائلة فقيرة في حي العدامة بالحورة، ومنذ صباه تلمس في نفسه موهبته الموسيقية التي دأب على تطويرها بالتعلم الذاتي قبل اعتقاله، ثم في سنوات سجنه الطويلة التي كتب خلالها عدداً كبيراً من المقطوعات الموسيقية التي عزفتها فرق الاوركسترا في بلدان عديدة، وفي وطنه البحرين.
كما انكب على كتابة عدد من الدراسات في الموسيقى، وأنفق سنوات من عمره داخل السجن وخارجه وهو يضع عمله الموسوعي: "القاموس الموسيقي" الذي يعد عملاً فريدا من نوعه في المكتبة العربية، وقد صدر منه مجلد واحد عن مركز الشيخ إبراهيم الخليفة، ومن المنتظر صدور بقية الأجزاء.
ان المنبر الديمقراطي التقدمي الذي يفخر بان يكون الفقيد البطل مجيد مرهون من أبرز وجوهه المضيئة الملهمة لأجيال متتالية من المناضلين، ينعاه إلى شعب البحرين والى مناضلي الحركة الوطنية والشعبية والى جميع رفاقه وأصدقائه ومحبيه، ويتقدم "التقدمي" بصادق التعزية إلى زوجته فاطمة وابنه رضا وجميع أخوانه وأفراد عائلته، داعياً لهم بالصبر والسلوان.
كما يدعو المنبر التقدمي الدولة إلى تكريم هذا الرمز الوطني والإبداعي الكبير، وسواه من رموز الحركة الوطنية بإطلاق أسمائهم على مدارس أو شوارع، وتدريس حياتهم وعطائهم في المقررات الدراسية.
الخلود للذكرى العطرة للابن البار لشعب البحرين المناضل الفنان مجيد مرهون.
المنبر التقدمي
البحرين في 23 فبراير2010
--------------------------------
نبذة عن حياة الفقيد مجيد مرهون*
في حي العدامة بالحورة ، حي البسطاء المعدمين ولد مجيد مرهون في عز ظهيرة يوم قائض شديد الحرارة، كان ذلك بتاريخ 17 أغسطس عام1945.
يقول مجيد إن ذلك حدث بعد أسبوع واحد فقط من قيام القوات الأمريكية بإلقاء القنبلة الذرية الثانية على اليابان. وكانت الحرارة في ذلك اليوم على أشد ما يمكن تصوره، بسبب انتشار الغبار الذري في الغلاف الجوي حول العالم.
واجه مجيد مرارة الحياة والفقر بالتفوق في دراسته ، حيث يقول: "كنت من أفضل التلاميذ في الدراسة بالرغم من شظف العيش، حيث كنا ننام أحيانا ببطون خاوية يعتصرنا الجوع، وتم نقلي إلى مدرسة القضيبية الابتدائية قبل أن يكتمل بناؤها عام 1953، وفي تلك المدرسة لاحظت الفارق الاجتماعي بين الطبقات، وكنت أنزوي محاولا تفسير السبب، ولكن دون طائل، لأن الموضوع وهمومه أكبر مما يحتمله عقلي".
في العام الدراسي 1956 طلب منه مدرس التربية الفنية والرياضية، الأستاذ سلمان ماجد الدلال أن يقوم بتلحين كلمات أغنية مونولوج للأطفال في مسرحية ضمن النشاطات السنوية للمدرسة. كان ذلك أول لحن يقوم بتأليفه في حياته، ولم يكن عمر مجيد يتجاوز العاشرة حين ألف المنولوج الذي تمّ تسجيله يومها في إذاعة البحرين.
قبل أن يخلد إلى النوم في كل ليلة كان يستمع إلى راديو الظهران من مذياع قديم في بيتهم يعمل على البطارية الناشفة، وكانت تلك الإذاعة تقدم الموسيقى طوال الليل والنهار. سيصبح الفتى الذي ولد موهوباً، مدمناً على الاستماع إلى الموسيقى السيمفونية، والتي كانت ثرية في هارمونياتها المتنوعة، رغم انه في تلك السن المبكرة لم يكن قادرًا على استيعاب كل شيء فيها.
أثار ذلك فضوله كثيرًا وشكل له تحدياً حقيقياً للمعرفة، ودافعاً للمثابرة والاجتهاد لدخول العالم السحري للموسيقى
من المدرسة الابتدائية سينتقل مجيد إلى مدرسة بابكو للتدريب، التي كان الانتساب إليها يؤمن عائداً، ساعده في البداية على الانتقال مع عائلته من البيت الذي كانوا يسكنونه بالإيجار، إلى بيتٍ أفضل من السابق
هذا العائد ساعده أيضا في تحقيق رغبته القديمة في اقتناء آلة موسيقية، حيث اشترى آلة الهارمونيكا عام 1959، ومعها اشترى كتابا لكي يرشده في تعلم كيفية العزف عليها.
الاستيعاب النظري للدروس لم يكن صعباً بالنسبة له، لكن كيفية تطبيق تلك الدروس كانت المشكلة، خاصة وأن معرفته باللغة الإنجليزية آنذاك كانت محدودة، مما أوشك أن يصيبه باليأس، لأن محاولاته الأولى في تعلم النوتة كانت فاشلة.
قرر أن يتغلب على ذلك بتعلم العزف وفقاً لسمعه، فكان يخرج ليلاً إلى ساحل البحر خلف قصر القضيبية، لكي يعزف ما يعتمل في صدره وعقله، وكان منظر القمر وهو يتلألأ على أمواج البحر الراقصة يثير أشجانه
الفتى المنذور للإبداع، سيصبح منذورًا للنضال أيضا، في ذلك الزمن الجميل الذي كان المبدعون لا يجدون أنفسهم إلا في الانحياز لقضية شعبهم، وللنهج التقدمي المعبر عن التوق للحرية.
سيقوده ذلك إلى قراءة روايات ومؤلفات جورج حنا وسلامة موسى ومحمد مندور ومكسيم جوركي، وكان لروايات وقصص هذا الأخير أثرها العميق جدا في نفسه، لأنه وجد في شخوص هذه القصص تجسيدات حية في المجتمع.
وبعد حين لم يطل بات مجيد على يقين من أن الميول والتوجهات الاشتراكية أقرب إلى قلبه وعقله. حينها سؤل إن كان يرغب في الانضمام لجبهة التحرير الوطني، يقول مجيد: "بدون تردد أعلنت رغبتي ولهفتي للانخراط فيها".
في العام 1961 طلب منه المرحوم باقر كلبهرام، أن يؤسس فرقة موسيقية للعزف في موكب عزاء مأتم كلبهرام، لأنه كان من أشهر الموسيقيين بين فقراء تلك المنطقة. وبما عهد عنه من حماس شديد وافق مجيد على انجاز هذه المهمة
في هذه المرحلة بداأ يتبلور عنده الإحساس والوعي بالتقاء الفن الموسيقي مع أفكار التغيير، وهذا ما عزز موقفه من الموسيقى كوسيلة في الارتقاء بذائقة الإنسان وتهذيب روحه. كانت مهاراته الموسيقية قد أخذت في التطور، وبدأت آلات موسيقية أخرى تشده إلى عالمها، فاشترى آلة السكسفون بعد تعرفه على بعض آلات النفخ مثل الترومبت والكلارنيت عام 1961
وحسب المرحوم الفنان أحمد جمال الذي كان يملك متجرا لبيع الآلات الموسيقية والكتب الموسيقية، فان مجيدا كان أول بحريني يشتري هذه الآلة من المحل، كما اشترى أول كتاب لتعلم العزف على السكسفون، وفعل ذلك بدون معلم أو مدرب.
إضافة إلى ذلك انضم إلى أسرة هواة الفن في أواخر عام 1963 ولمدة ستة أشهر، وشارك معها في عدة حفلات أقامتها في عدد من النوادي والمناسبات، ولكن عضويته فيها لم تطل، ليصبح بعد ذلك واحدا من مؤسسي فرقة الأنوار .
أخذت ثقافته الموسيقية والفنية في التطور والتوسع، وتحسنت مهاراته في العزف على السكسفون، حيث راح يعزف الألحان الفرنسية العديدة والتي وسعت ذخيرته الفنية، وكذلك الألحان الأفريقية، واللاتينية الأمريكية، والإنجليزية، وعلى وجه الخصوص ألحان أغاني البيتلز، والأسبانية، والروسية بالرغم من أنه لم يتمكن من مواصلة دراسة نظريات الموسيقى حينها بصورة منهجية.
وفي عام 1967 جرى تداول، وللمرة الأولى، كلمات نشيد: طريقنا أنت تدري، شوك ووعر عسير. ورغم أن مجيدا لم يحصل على النص الكامل للنشيد، لكن مطلعه وأبياته الأولى لفتت نظره فقام بتلحينها . هذا النشيد سيجري إثراء كلماته، بعد ذلك بعدة سنوات بإضافات ثرية جدا من قبل الشاعر أحمد الشملان، كما أن الفنان سلمان زيمان أضاف إليه، في مرحلة لاحقة، أبياتاً أخرى.
في العام 1966 سينفذ مجيد عملية بطولية ضد رجال الاستعمار البريطاني، وظل دوره فيها سرا عام حتى العام 1969، حيث اقتيد إلى محاكمة صورية لم تدم أكثر من نصف ساعة، حيث صدر عليه الحكم المعد سلفاً بالسجن المؤيد ، لينقل بعد ذلك إلى سجن جزيرة جدا.
لأول وهلة بدت له جدا مخيفة لأنها تختلف تماماً عن جزر البحرين، ففيها الهضاب الجبلية والكهوف ما يثير الرعب في قلب الوافد الجديد
في عام 1973 نجحت محاولات مجيد في إقناع مدير السجون بالسماح له في الحصول على الكتب الموسيقية لدراسة الموسيقى في وقت الفراغ.
وما أن أصبحت هذه الكتب في حوزته حتى بدأ الدراسة الجادة والمكثفة في تعلم الموسيقى مستفيدا من مناخ العزلة الذي كان فيه، مستوحيا من خبراته الموسيقية منذ طفولته ومستعيدا كل تجاربه السابقة ومدققا فيها بعناية. حيث قام بإعادة تأليف وصياغة "الذكريات" بالنوتة الموسيقية.
وهي على الرغم من كونها ليست تجربته الأولى في التأليف إلا انها كانت نقطة للانطلاق الموسيقي، كما قام بتأليف مقطوعة "الحنين" وبعد قراءته المتأنية لرواية أحدب نوتردام جاءت مقطوعة "أزميرالدا" معبرة عن تأثره العميق بأعمال فيكتور هيوجو، خاصة وأن توجهاته الموسيقية الرومانتيكية كانت تسير في اتجاه توجهات الرواية.
كما تأثر بموسيقى كل من هايدن وموتسارت وبيتهوفن على وجه الخصوص، والذي وجد فيه ضالته كمؤلف موسيقي، فهو كما يقول مجيد كان مثله موسيقيا أصما علم نفسه بنفسه، وصادفت هوى في نفس مجيد التوجهات الثورية لبيتهوفن الذي كان يرفض سلطة الأباطرة ، ويمقت التزلف.
كما اهتم بأعمال الأخوين الرحباني، وأدى العديد من ألحانهما، واستفاد منها في العديد من أعماله الموسيقية التالية ومن ضمنها عمله الكبير الأول: "جزيرة الأحلام" التي تمثل تصويرا لأحلام العديد من السجناء وطموحاتهم وآمالهم وآلامهم، وكذلك تصوراتهم ومن ضمنهم هو شخصيا.
الأكاديمية الملكية السويدية التي اطلع مختصوها الموسيقيون على بعض أعماله وضعته في مستوى المحترفين.
سيتوالى اعتراف العالم بمجيد مرهون ، مناضلا وفنانا . في الثمانينات وفي نطاق واحدة من اكبر الحملات للمطالبة بإطلاق سراحه ، ستعزف فرقة الإذاعة السيمفونية في جمهورية ألمانيا الديمقراطية مقطوعتين موسيقيتين له هما :"ذكريات "و "نوستالجيا" ، وستطوف المقطوعتان العالم التقدمي كله ، وتلفتا الأنظار إلى موهبته ومعاناته .
وفي مهرجان الشبيبة العالمي في موسكو عام 1985 ستوقع آلاف البطاقات الاحتجاجية التي تطالب بإطلاق سراحه من قبل ممثلي حركة الشباب الديمقراطية المعادية للاستعمار في العالم كله.
سيكتب مجيد عن تلك اللحظة : "لأول مرة في حياتي عرفت حلاوة النصر الكبير"
سيكون لرحيل والدة مجيد أثره الكبير في نفسه، فقد تدفقت مشاعره بالحزن على شكل أعمال موسيقية لافتة، ومن بينها: "أغنية الراحلين"، التي ألفها، بعد عشرة أيام فقط من رحيل أمه، كعمل موسيقي مميز .
كما وضع عملا موسيقيا آخر مستوحى من هذا الفقد: "حرقة القلب" بعد وفاة أمه بخمسة أو أربعة أيام، حيث كتبه كاملاً في جلسة واحدة ، وهو اللحن الذي عزفته لاحقاً الدكتورة ويري دين بروفيسورة النشاطات الموسيقية في جامعة أوتاه الأمريكية .
يقول مجيد إن حصيلته من الأعمال الموسيقية حتى عام 1985، كانت قائمة على أساس وجهة نظر نقدية قوية وصارمة في نقد ذاته ومحاسبتها حسابا عسيرا، حيث أكمل السيمفونية الثانية: "دعوة إلى الفرح" في يوم عيد ميلاده الأربعين بتاريخ 17أغسطس1985.
كان قراره قد أصبح حازما بأن مستقبله في الموسيقى وحدها، وليس في أي مجال آخر، لذلك عكف على المزيد من دراسة الهارمونية والتوزيع الموسيقي، بالإضافة إلى مادة التأليف الموسيقي على أسس علمية صارمة.
وتمكن في تلك الفترة من الحصول على مسجل صغير وأشرطة كاسيت سجل عليها بعضا من أعمال تشايكوفسكي وبيتهوفن وغيرهما، مما أروى شيئا من شغفه الموسيقي وساعده على المضي في مشروعه. حيث قام بتأليف أعمال موسيقية قيّمة، منها صوناتة البيانو، والرباعية الوترية الأولى، وعمل على انجاز سيمفونيته الثانية التي تفادى فيها عيوب سيمفونيته الأولى.
وفي نفس تلك المرحلة قام بتأليف الرباعية الوترية الثانية والتي عزفت لاحقاً على يد فرقة رباعية أدنبرة الوترية في يوم الموسيقى العالمية عام 1999 محققةً نجاحا كبيرا. ستتحول جزيرة جدا إلى مصهر للتجارب الإبداعية والفنية، وسيقوم مجيد ومنذ السبعينات بتدريس الموسيقى لبعض المساجين، حيث قام بتكوين فرقة موسيقية متواضعة بعد توفر بعض الآلات الموسيقية.
في الثامن من يناير 1986 تم نقل مجيد من سجن جزيرة جدا إلى سجن جو عن طريق مكتب إدارة السجون، ويرى مجيد أن نقله إلى سجن جو حمل له بعض الفوائد، بطريقة مكنته من مواصلة العمل على مشروعه الموسيقي، حيث تم وضعه في زنزانة خاصة استخدمها كمدرسة للموسيقى، وكمكتبة موسيقية مع طاولة خاصة مما سهلت عليه الجلوس لتأليف الموسيقى وقتما يشاء.
في 26أبريل 1990انتهت مدة سجنه، ليتنفس هواء الحرية أخيراً، ومنذ اليوم الأول لخروجه من السجن أصبح عضوا في فرقة أجراس الموسيقية، وساهم فيها عزفاً وتأليفا، ومن ضمن أعماله معها كانت أغنية (حبيبتي) التي قدمت في المهرجان الثالث للفرقة، ومقطوعة (دعوة حنان).
وواصل مجيد العمل على انجاز القاموس الموسيقي الحديث الذي كان قد بدأ في جمع مادته منذ عام 1975، وواصل العمل فيه في السجن، حيث أعاد النظر في المجلد الأول والذي يحتوي على إضافات في المداخل والشروح، وعلى وجه الخصوص في علاقة الكمبيوتر بالموسيقى، وأنجزه بعد خروجه، حيث انهمك عليه في الفترة بين1990 – 2002.
نعى المنبر التقدمي المناضل الوطني والفنان مجيد مرهون في بيان جاء فيه :
فقدت البحرين صباح الثلاثاء الموافق 23 فبراير 2010 واحداً من أشجع وأبرز رموزها الوطنية والإبداعية الكبيرة، المناضل الوطني الفنان الموسيقي مجيد مرهون، الذي وافته المنية في مستشفى السلمانية.
تعرف البحرين مجيد مرهون بصفته واحداً من أبنائها البررة الذين كرسوا حياتهم في النضال ضد الاستعمار البريطاني وفي سبيل الاستقلال الوطني والحرية والديمقراطية، من خلال نضاله في صفوف جبهة التحرير الوطني البحرانية ، وفيما بعد في صفوف المنبر الديمقراطي التقدمي، ودفع ضريبة خياره هذا بالسنوات الاثنتين والعشرين التي قضاها سجيناً، بعد أن حكمته محكمة صورية أقامها له الجلاد ايان هندرسون في عام 1968 بالسجن المؤبد، قضى منها سنوات طويلة وهو مكبل بالأصفاد في سجن جزيرة جدا، قبل أن ينتقل إلى سجون أخرى في سنوات تالية، انتقاماً منه لتنفيذه لعملية بطولية بتصفية أحد رؤوس جهاز الأمن الاستعماري.
ولد مجيد مرهون في عائلة فقيرة في حي العدامة بالحورة، ومنذ صباه تلمس في نفسه موهبته الموسيقية التي دأب على تطويرها بالتعلم الذاتي قبل اعتقاله، ثم في سنوات سجنه الطويلة التي كتب خلالها عدداً كبيراً من المقطوعات الموسيقية التي عزفتها فرق الاوركسترا في بلدان عديدة، وفي وطنه البحرين.
كما انكب على كتابة عدد من الدراسات في الموسيقى، وأنفق سنوات من عمره داخل السجن وخارجه وهو يضع عمله الموسوعي: "القاموس الموسيقي" الذي يعد عملاً فريدا من نوعه في المكتبة العربية، وقد صدر منه مجلد واحد عن مركز الشيخ إبراهيم الخليفة، ومن المنتظر صدور بقية الأجزاء.
ان المنبر الديمقراطي التقدمي الذي يفخر بان يكون الفقيد البطل مجيد مرهون من أبرز وجوهه المضيئة الملهمة لأجيال متتالية من المناضلين، ينعاه إلى شعب البحرين والى مناضلي الحركة الوطنية والشعبية والى جميع رفاقه وأصدقائه ومحبيه، ويتقدم "التقدمي" بصادق التعزية إلى زوجته فاطمة وابنه رضا وجميع أخوانه وأفراد عائلته، داعياً لهم بالصبر والسلوان.
كما يدعو المنبر التقدمي الدولة إلى تكريم هذا الرمز الوطني والإبداعي الكبير، وسواه من رموز الحركة الوطنية بإطلاق أسمائهم على مدارس أو شوارع، وتدريس حياتهم وعطائهم في المقررات الدراسية.
الخلود للذكرى العطرة للابن البار لشعب البحرين المناضل الفنان مجيد مرهون.
المنبر التقدمي
البحرين في 23 فبراير2010
--------------------------------
نبذة عن حياة الفقيد مجيد مرهون*
في حي العدامة بالحورة ، حي البسطاء المعدمين ولد مجيد مرهون في عز ظهيرة يوم قائض شديد الحرارة، كان ذلك بتاريخ 17 أغسطس عام1945.
يقول مجيد إن ذلك حدث بعد أسبوع واحد فقط من قيام القوات الأمريكية بإلقاء القنبلة الذرية الثانية على اليابان. وكانت الحرارة في ذلك اليوم على أشد ما يمكن تصوره، بسبب انتشار الغبار الذري في الغلاف الجوي حول العالم.
واجه مجيد مرارة الحياة والفقر بالتفوق في دراسته ، حيث يقول: "كنت من أفضل التلاميذ في الدراسة بالرغم من شظف العيش، حيث كنا ننام أحيانا ببطون خاوية يعتصرنا الجوع، وتم نقلي إلى مدرسة القضيبية الابتدائية قبل أن يكتمل بناؤها عام 1953، وفي تلك المدرسة لاحظت الفارق الاجتماعي بين الطبقات، وكنت أنزوي محاولا تفسير السبب، ولكن دون طائل، لأن الموضوع وهمومه أكبر مما يحتمله عقلي".
في العام الدراسي 1956 طلب منه مدرس التربية الفنية والرياضية، الأستاذ سلمان ماجد الدلال أن يقوم بتلحين كلمات أغنية مونولوج للأطفال في مسرحية ضمن النشاطات السنوية للمدرسة. كان ذلك أول لحن يقوم بتأليفه في حياته، ولم يكن عمر مجيد يتجاوز العاشرة حين ألف المنولوج الذي تمّ تسجيله يومها في إذاعة البحرين.
قبل أن يخلد إلى النوم في كل ليلة كان يستمع إلى راديو الظهران من مذياع قديم في بيتهم يعمل على البطارية الناشفة، وكانت تلك الإذاعة تقدم الموسيقى طوال الليل والنهار. سيصبح الفتى الذي ولد موهوباً، مدمناً على الاستماع إلى الموسيقى السيمفونية، والتي كانت ثرية في هارمونياتها المتنوعة، رغم انه في تلك السن المبكرة لم يكن قادرًا على استيعاب كل شيء فيها.
أثار ذلك فضوله كثيرًا وشكل له تحدياً حقيقياً للمعرفة، ودافعاً للمثابرة والاجتهاد لدخول العالم السحري للموسيقى
من المدرسة الابتدائية سينتقل مجيد إلى مدرسة بابكو للتدريب، التي كان الانتساب إليها يؤمن عائداً، ساعده في البداية على الانتقال مع عائلته من البيت الذي كانوا يسكنونه بالإيجار، إلى بيتٍ أفضل من السابق
هذا العائد ساعده أيضا في تحقيق رغبته القديمة في اقتناء آلة موسيقية، حيث اشترى آلة الهارمونيكا عام 1959، ومعها اشترى كتابا لكي يرشده في تعلم كيفية العزف عليها.
الاستيعاب النظري للدروس لم يكن صعباً بالنسبة له، لكن كيفية تطبيق تلك الدروس كانت المشكلة، خاصة وأن معرفته باللغة الإنجليزية آنذاك كانت محدودة، مما أوشك أن يصيبه باليأس، لأن محاولاته الأولى في تعلم النوتة كانت فاشلة.
قرر أن يتغلب على ذلك بتعلم العزف وفقاً لسمعه، فكان يخرج ليلاً إلى ساحل البحر خلف قصر القضيبية، لكي يعزف ما يعتمل في صدره وعقله، وكان منظر القمر وهو يتلألأ على أمواج البحر الراقصة يثير أشجانه
الفتى المنذور للإبداع، سيصبح منذورًا للنضال أيضا، في ذلك الزمن الجميل الذي كان المبدعون لا يجدون أنفسهم إلا في الانحياز لقضية شعبهم، وللنهج التقدمي المعبر عن التوق للحرية.
سيقوده ذلك إلى قراءة روايات ومؤلفات جورج حنا وسلامة موسى ومحمد مندور ومكسيم جوركي، وكان لروايات وقصص هذا الأخير أثرها العميق جدا في نفسه، لأنه وجد في شخوص هذه القصص تجسيدات حية في المجتمع.
وبعد حين لم يطل بات مجيد على يقين من أن الميول والتوجهات الاشتراكية أقرب إلى قلبه وعقله. حينها سؤل إن كان يرغب في الانضمام لجبهة التحرير الوطني، يقول مجيد: "بدون تردد أعلنت رغبتي ولهفتي للانخراط فيها".
في العام 1961 طلب منه المرحوم باقر كلبهرام، أن يؤسس فرقة موسيقية للعزف في موكب عزاء مأتم كلبهرام، لأنه كان من أشهر الموسيقيين بين فقراء تلك المنطقة. وبما عهد عنه من حماس شديد وافق مجيد على انجاز هذه المهمة
في هذه المرحلة بداأ يتبلور عنده الإحساس والوعي بالتقاء الفن الموسيقي مع أفكار التغيير، وهذا ما عزز موقفه من الموسيقى كوسيلة في الارتقاء بذائقة الإنسان وتهذيب روحه. كانت مهاراته الموسيقية قد أخذت في التطور، وبدأت آلات موسيقية أخرى تشده إلى عالمها، فاشترى آلة السكسفون بعد تعرفه على بعض آلات النفخ مثل الترومبت والكلارنيت عام 1961
وحسب المرحوم الفنان أحمد جمال الذي كان يملك متجرا لبيع الآلات الموسيقية والكتب الموسيقية، فان مجيدا كان أول بحريني يشتري هذه الآلة من المحل، كما اشترى أول كتاب لتعلم العزف على السكسفون، وفعل ذلك بدون معلم أو مدرب.
إضافة إلى ذلك انضم إلى أسرة هواة الفن في أواخر عام 1963 ولمدة ستة أشهر، وشارك معها في عدة حفلات أقامتها في عدد من النوادي والمناسبات، ولكن عضويته فيها لم تطل، ليصبح بعد ذلك واحدا من مؤسسي فرقة الأنوار .
أخذت ثقافته الموسيقية والفنية في التطور والتوسع، وتحسنت مهاراته في العزف على السكسفون، حيث راح يعزف الألحان الفرنسية العديدة والتي وسعت ذخيرته الفنية، وكذلك الألحان الأفريقية، واللاتينية الأمريكية، والإنجليزية، وعلى وجه الخصوص ألحان أغاني البيتلز، والأسبانية، والروسية بالرغم من أنه لم يتمكن من مواصلة دراسة نظريات الموسيقى حينها بصورة منهجية.
وفي عام 1967 جرى تداول، وللمرة الأولى، كلمات نشيد: طريقنا أنت تدري، شوك ووعر عسير. ورغم أن مجيدا لم يحصل على النص الكامل للنشيد، لكن مطلعه وأبياته الأولى لفتت نظره فقام بتلحينها . هذا النشيد سيجري إثراء كلماته، بعد ذلك بعدة سنوات بإضافات ثرية جدا من قبل الشاعر أحمد الشملان، كما أن الفنان سلمان زيمان أضاف إليه، في مرحلة لاحقة، أبياتاً أخرى.
في العام 1966 سينفذ مجيد عملية بطولية ضد رجال الاستعمار البريطاني، وظل دوره فيها سرا عام حتى العام 1969، حيث اقتيد إلى محاكمة صورية لم تدم أكثر من نصف ساعة، حيث صدر عليه الحكم المعد سلفاً بالسجن المؤيد ، لينقل بعد ذلك إلى سجن جزيرة جدا.
لأول وهلة بدت له جدا مخيفة لأنها تختلف تماماً عن جزر البحرين، ففيها الهضاب الجبلية والكهوف ما يثير الرعب في قلب الوافد الجديد
في عام 1973 نجحت محاولات مجيد في إقناع مدير السجون بالسماح له في الحصول على الكتب الموسيقية لدراسة الموسيقى في وقت الفراغ.
وما أن أصبحت هذه الكتب في حوزته حتى بدأ الدراسة الجادة والمكثفة في تعلم الموسيقى مستفيدا من مناخ العزلة الذي كان فيه، مستوحيا من خبراته الموسيقية منذ طفولته ومستعيدا كل تجاربه السابقة ومدققا فيها بعناية. حيث قام بإعادة تأليف وصياغة "الذكريات" بالنوتة الموسيقية.
وهي على الرغم من كونها ليست تجربته الأولى في التأليف إلا انها كانت نقطة للانطلاق الموسيقي، كما قام بتأليف مقطوعة "الحنين" وبعد قراءته المتأنية لرواية أحدب نوتردام جاءت مقطوعة "أزميرالدا" معبرة عن تأثره العميق بأعمال فيكتور هيوجو، خاصة وأن توجهاته الموسيقية الرومانتيكية كانت تسير في اتجاه توجهات الرواية.
كما تأثر بموسيقى كل من هايدن وموتسارت وبيتهوفن على وجه الخصوص، والذي وجد فيه ضالته كمؤلف موسيقي، فهو كما يقول مجيد كان مثله موسيقيا أصما علم نفسه بنفسه، وصادفت هوى في نفس مجيد التوجهات الثورية لبيتهوفن الذي كان يرفض سلطة الأباطرة ، ويمقت التزلف.
كما اهتم بأعمال الأخوين الرحباني، وأدى العديد من ألحانهما، واستفاد منها في العديد من أعماله الموسيقية التالية ومن ضمنها عمله الكبير الأول: "جزيرة الأحلام" التي تمثل تصويرا لأحلام العديد من السجناء وطموحاتهم وآمالهم وآلامهم، وكذلك تصوراتهم ومن ضمنهم هو شخصيا.
الأكاديمية الملكية السويدية التي اطلع مختصوها الموسيقيون على بعض أعماله وضعته في مستوى المحترفين.
سيتوالى اعتراف العالم بمجيد مرهون ، مناضلا وفنانا . في الثمانينات وفي نطاق واحدة من اكبر الحملات للمطالبة بإطلاق سراحه ، ستعزف فرقة الإذاعة السيمفونية في جمهورية ألمانيا الديمقراطية مقطوعتين موسيقيتين له هما :"ذكريات "و "نوستالجيا" ، وستطوف المقطوعتان العالم التقدمي كله ، وتلفتا الأنظار إلى موهبته ومعاناته .
وفي مهرجان الشبيبة العالمي في موسكو عام 1985 ستوقع آلاف البطاقات الاحتجاجية التي تطالب بإطلاق سراحه من قبل ممثلي حركة الشباب الديمقراطية المعادية للاستعمار في العالم كله.
سيكتب مجيد عن تلك اللحظة : "لأول مرة في حياتي عرفت حلاوة النصر الكبير"
سيكون لرحيل والدة مجيد أثره الكبير في نفسه، فقد تدفقت مشاعره بالحزن على شكل أعمال موسيقية لافتة، ومن بينها: "أغنية الراحلين"، التي ألفها، بعد عشرة أيام فقط من رحيل أمه، كعمل موسيقي مميز .
كما وضع عملا موسيقيا آخر مستوحى من هذا الفقد: "حرقة القلب" بعد وفاة أمه بخمسة أو أربعة أيام، حيث كتبه كاملاً في جلسة واحدة ، وهو اللحن الذي عزفته لاحقاً الدكتورة ويري دين بروفيسورة النشاطات الموسيقية في جامعة أوتاه الأمريكية .
يقول مجيد إن حصيلته من الأعمال الموسيقية حتى عام 1985، كانت قائمة على أساس وجهة نظر نقدية قوية وصارمة في نقد ذاته ومحاسبتها حسابا عسيرا، حيث أكمل السيمفونية الثانية: "دعوة إلى الفرح" في يوم عيد ميلاده الأربعين بتاريخ 17أغسطس1985.
كان قراره قد أصبح حازما بأن مستقبله في الموسيقى وحدها، وليس في أي مجال آخر، لذلك عكف على المزيد من دراسة الهارمونية والتوزيع الموسيقي، بالإضافة إلى مادة التأليف الموسيقي على أسس علمية صارمة.
وتمكن في تلك الفترة من الحصول على مسجل صغير وأشرطة كاسيت سجل عليها بعضا من أعمال تشايكوفسكي وبيتهوفن وغيرهما، مما أروى شيئا من شغفه الموسيقي وساعده على المضي في مشروعه. حيث قام بتأليف أعمال موسيقية قيّمة، منها صوناتة البيانو، والرباعية الوترية الأولى، وعمل على انجاز سيمفونيته الثانية التي تفادى فيها عيوب سيمفونيته الأولى.
وفي نفس تلك المرحلة قام بتأليف الرباعية الوترية الثانية والتي عزفت لاحقاً على يد فرقة رباعية أدنبرة الوترية في يوم الموسيقى العالمية عام 1999 محققةً نجاحا كبيرا. ستتحول جزيرة جدا إلى مصهر للتجارب الإبداعية والفنية، وسيقوم مجيد ومنذ السبعينات بتدريس الموسيقى لبعض المساجين، حيث قام بتكوين فرقة موسيقية متواضعة بعد توفر بعض الآلات الموسيقية.
في الثامن من يناير 1986 تم نقل مجيد من سجن جزيرة جدا إلى سجن جو عن طريق مكتب إدارة السجون، ويرى مجيد أن نقله إلى سجن جو حمل له بعض الفوائد، بطريقة مكنته من مواصلة العمل على مشروعه الموسيقي، حيث تم وضعه في زنزانة خاصة استخدمها كمدرسة للموسيقى، وكمكتبة موسيقية مع طاولة خاصة مما سهلت عليه الجلوس لتأليف الموسيقى وقتما يشاء.
في 26أبريل 1990انتهت مدة سجنه، ليتنفس هواء الحرية أخيراً، ومنذ اليوم الأول لخروجه من السجن أصبح عضوا في فرقة أجراس الموسيقية، وساهم فيها عزفاً وتأليفا، ومن ضمن أعماله معها كانت أغنية (حبيبتي) التي قدمت في المهرجان الثالث للفرقة، ومقطوعة (دعوة حنان).
وواصل مجيد العمل على انجاز القاموس الموسيقي الحديث الذي كان قد بدأ في جمع مادته منذ عام 1975، وواصل العمل فيه في السجن، حيث أعاد النظر في المجلد الأول والذي يحتوي على إضافات في المداخل والشروح، وعلى وجه الخصوص في علاقة الكمبيوتر بالموسيقى، وأنجزه بعد خروجه، حيث انهمك عليه في الفترة بين1990 – 2002.