نظرا للصعوبات الاقتصادية التي رافقت الجائحة وأعقبتها اضطررنا لإيقاف أقسام اللغات الأجنبية على أمل ان تعود لاحقا بعد ان تتغير الظروف

الهدهد: صحيفة اليكترونية عربية بخمس لغات عالمية
الهدهد: صحيفة اليكترونية عربية بأربع لغات عالمية
عيون المقالات

عن نافالني… بعد أربعين يوماً!

27/03/2024 - موفق نيربية

أوروبا والسير نحو «هاوية»...

18/03/2024 - سمير العيطة

( خيار صعب لأميركا والعالم )

18/03/2024 - عبدالوهاب بدرخان*

لماذا لم يسقط نظام الأسد؟

17/03/2024 - يمان نعمة


فضفضة مهاجرين في مركز الإيواء بليبيا






طرابلس - أشرف العزابي- ما أن اشتعلت الضجة الإعلامية المصاحبة لتقرير شبكة سي ان ان الأمريكية ،الذي تحدث عن عمليات متاجرة بالبشر داخل ليبيا حتى أصبحت إجراءات تغطية الأحداث الخاصة بالمهاجرين أكثر صعوبة، وصار دخول الصحفيين لمراكز الإيواء أقرب إلى المستحيل، إلا في مناسبات محدودة يدعو لها جهاز مكافحة الهجرة غير الشرعية أو حرس السواحل والبحرية الليبية. فعندما سمع الصحفيون بإجراء مباراة كرة قدم ودّية بين فريق من نزلاء "مركز إيواء طريق السكة" في طرابلس، مع فريق من قدامى "نادي الأهلي"، جاء الغالبية، فلن يجد أحرصهم فرصة أفضل لتقصي أحوال المهاجرين، بعد أن صار تصويرهم والتحدث إليهم يتطلب إذناً خاصاً من الجهات الأمنية.


 
في يوم جميل من أواخر ربيع 2018 بدأ جمهور المهاجرين في الخروج إلى ساحة مركز الإيواء الصغيرة التي يتوسطها ملعب معبّد ضيق وتحيط بها حراسة مشددة. تفاجئنا بمئات الأفارقة والأسيويين والعرب وهم يخرجون من قلب عنابر بدت لا تستوعب أعدادهم الغفيرة التي أخذت تصطف لمتابعة المباراة، ومع ضيق المكان واضطرار الكثيرين للوقوف أنارت لهفة انتظار المباراة وجوه المهاجرين البائسة، كمن دُعِي فجأة لمشاهدة كأس العالم. والتنبيهات الموجّهة للصحفيين كانت واضحة منذ البداية .. " التقطوا الصور فقط، ولا تتحدثوا مع المهاجرين" ..
هكذا كانت الأوامر، ولكن عِندما سألتُ أحدهم خِلسة "ماذا كنت لتفعل لو أنت في موطنك اليوم؟) " ... رد بصوت منخفض: "ربما كانت أشجّع إحدى مباريات فريق يونيون دوالا مع أكبر أبنائي في الكاميرون".
لقد قضى معي المهاجر الكاميروني "روجر بومي" بعض الدقائق ليعبر عن مكنونه ، مستغلاً فرصة انشغال الحرّاس بالمباراة الساخنة، وكان يلقي بنظرات بريئة أحياناً تجاه الركن المخصص للعائلات وهو يترصد خروج زوجته وابنه ذو العشرة أشهر من العنابر، أما باقي أبنائه الأربعة، فقد تركهم "حسب قوله" مع أخيه في الكاميرون، على أمل أن يلحقوا بهم في رحلة لم تشأ نهايتها أن تصل بهم لسواحل إيطاليا، بعد أن تم ضبطهم في معسكرات التهريب في مدينة "صبراتة" على الساحل الليبي.
ليس لدى روجر ذو الـ 38 عاماً سقفٌ يؤويه هو وعائلته، بعد أن هُدِم بيتهم في الكاميرون من أجل إنشاء طريق معبّدة ، وكما قال لوكالة الأنباء الألمانية (د. ب. أ) فقد تراءى له أن كل الطرق قد أُقفِلت في وجهه، إلا التي تمر عبر مغامرة غامضة، خاضها مع زوجته وطفله الأصغر وكلّفتهم جل ما يملكون، لكي يصلوا منقوصين إلى مكان محاصر بالأسوار والحرّاس. ويقول: "لو أطلق سراحنا فأول ما سأفعله هو العودة إلى موطني، وبالطبع سأضطر قبلها للعمل في ليبيا وتوفير تكلفة الرحلة، وإن كنّا أكثر حظاً فسنحظى بفرصة العودة المجانية عبر جهاز مكافحة الهجرة والأمم المتحدة، ولكن ذلك يستدعي الصبر وطول الانتظار".
اتفق كل من استطاعت وكالة الأنباء الألمانية الحديث معهم من المهاجرين على الرغبة في ترك مراكز الإيواء المكتظة، وتختلف وجهات نظرهم حول الأمور الأخرى، فليس لدى كل مهاجر أطفالٌ يصبو للعودة إليهم "كحال روجر"، وأغلب من تحدثوا معنا يرفضون العودة. ابن الثامنة والعشرين، "عبد الوهاب" من دولة بنين، يقول "لو عدت إلى بلادي فسأواجه العديد من المشاكل، ولو ذهبت إلى مكان آخر فلن يختلف الأمر كثيراً، وبعدما عبرنا الصحراء القاسية إلى ليبيا قاصدين إيطاليا واجهتنا أم المشاكل، فإلى أين سنذهب؟
على وقع كلمات عبد الوهاب انطلقت صفارة الحكم وأنهت المباراة ذات الشوطين القصيرين والتي انتهت لصالح أهلي طرابلس بثلاثة أهداف لهدفين ... شرع الحراس فوراً في إعادة المهاجرين تِباعاً إلى عنابرهم، وفي زحمة العودة طلبتُ بعجلةٍ من بعضهم تبريراً يوازي تحملهم معاناة وأخطار طريق الهجرة غير المقننة، فقال صوماليٌ يُدعى "آدم إسحق محمد": (سنحظى بنعيم أوروبا يوماً)، ووافقه على الفور ثلاثة شباب مغاربة لم يتجاوزوا العشرين من العمر، أنقذتهم البحرية الليبية بعد أن خاضوا تجربة إبحار فاشلة نحو إيطاليا ورفضت البحرية الإيطالية إنقاذهم "حسب ما قالوا"، ويضيف أحدهم مصارحاً وسط الحشد المغادر إلى العنابر: "هو طريق ذو اتجاه واحد نحو أوروبا، سنكرر المحاولة ولن نعود".

خلت الساحة إلا من الحراس وبعض المسئولين، وفي الذهن بقت بعض الأسئلة ... إلى متى ستستمر هذه المغامرة؟ ... من يوقف قوارب الموت وهي تقود المهاجرين طواعيةً إلى حتفهم؟ أم تراهم سيصلون يوماً إلى نعيم أوروبا ؟ ... هل سيغير بعضهم رأيه ويعود إلى موطنه ليداوا جراحهم معاً؟ أم تراه حقاً طريق باتجاه واحد، وستزيد مراكز الإيواء اكتظاظاً بالمهاجرين؟
"لا نتمنى أن تزيد الأعداد عما هي عليه الآن، فلدينا نحو 1.5 مليون مهاجر داخل البلاد" .. هذا ما قاله المسؤول عن مكافحة الهجرة في ليبيا، فيما تتحدث منظمة الهجرة الدولية عن 703 ألف مهاجر.
وفي تصريح سابق للوكالة كان المتحدث باسم البحرية الليبية "أيوب قاسم" قد توقع زيادة الأعداد صيف هذا العام .. وحول هذا الأمر يضيف رئيس جهاز مكافحة الهجرة غير الشرعية في ليبيا، عميد "محمد بشر" قائلاً لـ (د .ب. أ): "إن هدوء البحر المشجع على مغادرة سواحل ليبيا صيفاً يصاحبه جو قاسٍ في صحرائها جنوباً، وهذا يقلل من أعداد المغامرين عبر الصحراء، ويزيد من أعدادهم في المياه الهادئة، من سيغامر هذا الصيف هم المهاجرون الموجودون داخل ليبيا وخارج مراكز الإيواء، ولن تتاح الهجرة لهم جميعاً، فالأمر يحتاج إلى نفقات مالية لا يستطيع الكل الإيفاء بها، وترتيبات أخرى لدى المهربين نحن نجهلها، ولهذا أعتقد أن معدل الهجرة سيقل".

أشرف العزابي
الاثنين 21 ماي 2018