نظرا للصعوبات الاقتصادية التي رافقت الجائحة وأعقبتها اضطررنا لإيقاف أقسام اللغات الأجنبية على أمل ان تعود لاحقا بعد ان تتغير الظروف

الهدهد: صحيفة اليكترونية عربية بخمس لغات عالمية
الهدهد: صحيفة اليكترونية عربية بأربع لغات عالمية
عيون المقالات

حزب حاكم جديد في سورية

08/06/2025 - بشير البكر

المفتي قبلان صاحب الرؤية

02/06/2025 - يوسف بزي

المثقف من قرامشي إلى «تويتر»

24/05/2025 - د. عبدالله الغذامي :

التانغو" فوق حطام المنطقة

22/05/2025 - عالية منصور

واقع الديمقراطية في سورية الجديدة

09/05/2025 - مضر رياض الدبس

(سوريا بين حرب أهلية ومشاريع تقسيم؟)

05/05/2025 - عبدالوهاب بدرخان


في شارع المتنبي بالعراق غابت الكتب الدينية وتصدرت الرواية




بغداد - كاظم العتابي - لم تعد الكتب الدينية والسياسية التي غزت بغداد بشكل ملفت بعد الاحتلال الامريكي للعراق في ربيع عام ٢٠٠٣ تحظى باهتمام رواد شارع المتنبي؛ أكبر أسواق الكتب والقرطاسية في العراق فيما سجل الاقبال على اقتناء الكتب الروائية والقصصية إقبالا كبيرا بعد ركود دام سنوات.


شارع المتنبي بالعراق
شارع المتنبي بالعراق
 
ويضم شارع المتنبي الذي يتوسط المسافة بين شارع الرشيد ونهر دجلة وسط بغداد عشرات الاف من العناوين في مختلف كتب الآداب، والفنون، والسير، والروايات، والكتب العملية التخصصية والاكاديمية، وقواميس الترجمة من اللغات الاجنبية، والمراجع في شتى التخصصات الطبية والهندسية والقانون والفلسفة والاقتصاد وغيرها.

إلى جانب هذا الكم الهائل من الكتب التي تحتويها المكتبات، وأكداس أخرى تفترش الشارع هناك أيضا أنواع فاخرة من القرطاسية الدراسية لمختلف المراحل، ومستلزمات المناهج الدراسية .

واطلق على هذا الشارع اسم شارع المتنبي عام ١٩٣٢ من قبل المسؤولين في أمانة بغداد، نسبة إلى الشاعر العربي في العصر العباسي أبو الطيب أحمد بن الحسين المتنبي، بعد أن كان قد سمي بأسماء متنوعة على مر السنين.

ويعد اليوم شارع المتنبي الذي يقف تمثال ابو الطيب المتنبي شامخا في الشارع لتحية رواده على ضفاف نهر دجلة أكبر واحة ثقافية في العراق تستقبل أسبوعيا، وخاصة يوم الجمعة المئات من الشخصيات الادبية، والثقافية، والسياسية، والاسلامية للاطلاع على أحدث الكتب والاصدارات من مختلف الثقافات العربية والاجنبية.

وإلى جانب ذلك فان شارع المتنبي يشهد أيضا عقد ندوات ثقافية، وجلسات شعرية، وحفلات غنائية، وأخرى للتوقيع على كتب جديدة والترويج لأخرى خلال جلسات يحضرها متخصصون في مجالات الادب، والشعر، والفنون الأخرى، إضافة إلى جلسات وحوارات جانبية لتقييم الوضع السياسي والأمني في البلاد. ويعد شارع المتنبي شارع الثقافة العراقية؛ تزدهر فيه تجارة الكتب، والمطبوعات، والقرطاسية، ويقع ضمن مبان تاريخية أبرزها بناية القشلة أو مبنى الحكومة العراقية.

وتعد المقاهي وأشهرها مقهى الشابندر والزهاوي ملتقيات لكبار الادباء، والشعراء، والكتاب، والاعلاميين، والسياسيين الذين يتبادلون الآراء حول ما يجول بخواطرهم من أفكار وآراء تعزز مايزخر به شارع المتنبي من كتب، وإصدارات لمختلف المجالات.

وبعد أن كانت سوق الكتاب في العراق تشهد حظرا ورقابة شديدة ومنعا تاما للعديد من الكتب خلال حقبة الرئيس العراقي السابق صدام حسين(١٩٧٩-٢٠٠٣)؛ خاصة الكتب الدينية والسياسية والروايات، أصبحت اليوم سوقا رائجة لشتى الثقافات بحيث يشاهد القارىء العراقي كتابا يحكي سيرة وذكريات رئيس الوزراء الاسرائيلي الأسبق اسحاق رابين، إلى جانب كتاب آخر يحكي سيرة الرئيس العراقي السابق صدام حسين، وإلى جانبه كتاب آخر يتناول حياة الزعيم عبد الكريم قاسم، وأحمد حسن البكر، وكتاب يحكي تجربة ابراهيم الجعفري وزير خارجية العراق الحالي فضلا عن مذكرات الرئيس الامريكي السابق بل كلنتون، و كتب أخرى عن جيفارا وموسوليني ونابليون وسقوط بغداد و اسامة بن لادن. والغريب أن هذه العناوين والاسماء الكبيرة لشخصيات تركت بصمة في التاريخ السياسي لا تتجاوز أسعارها ما بين٢٠و٣٠ دولارا .

ويفترش العشرات من الباعة اليوم أكداسا كبيرة من الكتب ، وتحظى بإقبال من القراء من مختلف الاعمار، ولعبت مواقع التواصل الاجتماعي دورا غير مسبوق في الترويج للكتب حتى أن هذه المواقع اصبحت اليوم مصدرا للترويج والتعريف وجذب القراء لشراء هذا الكتاب، أو تلك الرواية، أو القصة والمجموعة الشعرية والكتب الاخرى .

ويقول أصحاب مكتبات أن مواقع التواصل الاجتماعي اثرت بشكل كبير على ذوق القراء، وبدأت بالترويج لإصدارات ليست ذات قيمة فنية أو أدبية، وجعلت من كتابها اسماء مشهورة بعد أن جذبت القراء إليها بشكل ملفت، وجعلت منها كتبا مطلوبة وبالتالي تتكرر طباعتها لمرات وهذا منحنى غير مألوف في تاريخ الشارع.

وبعد أن اكتسحت الكتب الدينية لمختلف المذاهب والطوائف الشيعية والسنية وتفرعاتها بعد عام ٢٠٠٣ وبطبعات فاخرة وبأسعار مقبولة سوق الكتب مما اضطر باعة الكتب إلى الرضوخ للأمر الواقع، وشرعت ببيع هذه العناوين بسبب رواجها بشكل ملفت إلى جانب الكتب السياسية، واستمر هذا الحال خلال الفترة من ٢٠٠٣حتى ٢٠١٢ وغياب دور المطبوعات الثقافية والادبية والفكرية الأخرى في مجالات متنوعة انقلب هذا الواقع اليوم بشكل ملفت لتصبح كتب الرواية تشكل المبيعات رقم واحد في السوق واضمحلال الاقبال على الكتب الدينية والسياسية .

وقال بائع الكتب ناصر حسين/٦٨عاما/ لوكالة الأنباء الألمانية (د.ب.أ) "انا اعمل في مجال بيع الكتب في شارع المتنبي منذ اكثر من ٣٥ عاما وابرز حدث شهده هذا الشارع هو الانقلاب بعد أن اصبح سوقا رائجة لمختلف العناوين دون رقابة امنية أو حكومية ، بعد أن كانت حقبة صدام حسين تضييق وتمنع المئات من العناوين بمختلف التوجهات بل ويتم اعتقال كل من يروج للكتب الممنوعة من قبل اجهزة الرقابة على المطبوعات ويتم تداولها سرا وفي الخفاء".

واضاف" الحدث الثاني الذي يشكل مفترق طرق في الشارع هو تدفق المئات من الكتب العناوين التي تروج للمذاهب والطوائف الدينية وشخصياتها وافكارها لمختلف الشخصيات والمرجعيات وبطبعات فاخرة لكنها كانت تباع بأسعار مقبولة وشهدت رواجا لامثيل له حتى أن كتب الفلسفة والفكر والروايات كادت تختفي من السوق خلال الفترة بين الاعوام من٢٠٠٣ حتى ٢٠١٢ لكن هذا الواقع انقلب بشكل كبير فتكاد تغيب هذه الظاهرة لتعاود كتب الرواية والقصة والفلسفة لتأخذ مكانها الازلي في سوق المبيعات وهذا يرجع لقناعة المثقفين والقراء بشكل عام لما آلت إليه الأوضاع في العراق من خراب ودمار بسبب طروحات وفشل القيادات الدينية في إدارة شؤون العراق بعد الاطاحة بصدام حسين ". وقال" يبدو أن القراء يعتقدون أن كتاب الرواية امثال اجاثا كرستي، وتولستوي، وجان جاك روسو، ونجيب محفوظ، وعبد الرحمن مجيد الربيعي، والاخرون هم الأكثر جذبا وطرحا وملاذا لهموم الناس، وليس أفكار التيارات الدينية والسياسية التي دخلت العراق بعد عام ٢٠٠٣".

وقال الناقد العراقي علي حسن الفواز عضو اتحاد الادباء في العراق "أن انتشار كتب المذاهب الدينية، وكتب الفقه كانت جزءا من اشاعة الصراع الأهلي في المجتمع العراقي، والذي كانت تدعمه جهات وأجندات اقليمية ودولية معروفة، والتي ضخّت للسوق العراقي ملايين المطبوعات التي تشجّع على العنف الطائفي، والكراهية، والتكفير، والتحريم، مقابل محدودية تداول الكتب الثقافية التي تتعلق بالشأن الأدبي والفكري والنقدي والفلسفي".

واضاف" بعد أنّ تغيّر المزاج الثقافي، واتساع تنوّع مصادر صناعة وتسويق الكتاب وجد الرأي العام في السوق الثقافية مجالا أرحب للتعاطي مع الأنواع الأخرى التي تتعاطى مع جماليات المعرفة، والفكر، والنقد السياسي والثقافي، ولا شك في أنّ لتقنيات تكنولوجيا المعلومات، وفضاءات التواصل الاجتماعي أهميتها في توسيع مدى التواصل المعلوماتي، وفي تيسير الحصول على المعرفة والخبر، واتاحة المجال للتعرّف على التنوع والتعدد الثقافي والسياسي والديني، ومساعدة القارئ العراقي على تأهيل وتفعيل مسارات اتجاهاته وأنماط قراءاته".

وذكر الفواز " أن القارئ العراقي بطبيعته يعشق كتب التاريخ وحكاياته، وسرديات الرواية اليوم باتت بديلا عن هذا التاريخ، لاسيما الرواية الحديثة التي تدور حول موضوعات تتعلق بالتاريخ المعاصر، وبالصراعات التي عاشتها الشخصية العراقية، والمسؤولة على صناعة الكثير من مظاهر العنف والقسوة والاستبداد والطغيان السياسي. وتعيش السوق الثقافية العراقية مظاهر غير مسبوقة لحرية النشر، والاستيراد وتسويق الكتب ، وهذا ما يجعلها فضاء غير خاضع للرقابة، ومليئا بالتنوع والتعدد، و تعتبر كتب السيرة والاعترافات والمذكرات فرصة للتعرّف على الكثير من أسرار التاريخ السياسي العراقي ".

وقال "هذه المظاهر هي تُعطي للسوق الثقافية العراقية خصوصيتها عن الاسواق العربية المختلفة، لكن رغم ذلك فإن هناك العديد من المشكلات القانونية التي تتعلق بتصدير الكتاب العراقي إلى الخارج، إذ إنّ أغلب القوانين النافذة والخاصة بالعمل الثقافي وبصناعة الكتاب وتصديره، هي ذاتها التى كان معمولا بها في مرحلة نظام صدام حسين والمعروفة بمركزيتها، وخضوعها المباشر للسلطة". ولم يسلم شارع المتنبي من عمليات الدمار حيث تعرض في الربع الاول من العام ٢٠٠٧ إلى انفجار مدمر بسيارة مفخخة ألحقت دمارا كبيرا في الشارع وسقوط العشرات بين قتيل وجريح في مشهد لا يختلف عن صور الدمار التي تشهدها بغداد لكن المسؤولين في أمانة بغداد سرعان ما أعادوا الحياة للشارع بعد إعادة بنائه بشكل جديد وتمت احاطة الشارع بإجراءات امنية مشددة من فبل قوات من الجيش والشرطة.

ويتفق جميع أصحاب المكتبات وباعة الارصفة في شارع المتنبي على أن الشارع يلبي ذوق القارئ، وحاجته من الكتب، و المراجع، وقلما يغادر الزائر السوق من دون اقتناء كتاب أو التقاط صورة للذكرى في أروقته، أو عند تمثال المتنبي الشاعر الذي ملأ الدنيا وشغل الناس.

كاظم العتابي
الاربعاء 25 يناير 2017