نظرا للصعوبات الاقتصادية التي رافقت الجائحة وأعقبتها اضطررنا لإيقاف أقسام اللغات الأجنبية على أمل ان تعود لاحقا بعد ان تتغير الظروف

الهدهد: صحيفة اليكترونية عربية بخمس لغات عالمية
الهدهد: صحيفة اليكترونية عربية بأربع لغات عالمية
Rss
Facebook
Twitter
App Store
Mobile



عيون المقالات

رسائل النيران بين إيران وإسرائيل

15/04/2024 - محمد مختار الشَنقيطي

جنوب لبنان.. بعد غزة

06/04/2024 - عبد الوهاب بدرخان

غزة والأخلاق العابرة للحدود والأرباح

06/04/2024 - عدنان عبد الرزاق

نزار قباني وتلاميذ غزة

06/04/2024 - صبحي حديدي

حرب لإخراج إيران من سوريا

06/04/2024 - محمد قواص

على هامش رواية ياسر عبد ربه

04/04/2024 - حازم صاغية


" قرية الأمل"... بوابة أمهات الشوارع الصغيرات للعيش بكرامة








القاهرة - جاكلين زاهر - "تفاصيل قصة أكثر من 300 فتاة استقبلهن /مركز الأمهات الصغيرات/ بجمعية قرية الأمل منذ عام 2004 حتى الآن تختلف من واحدة لأخرى، وإن كانت العوامل الرئيسية التي دفعت بهن جميعا للهروب من منازلهن إلى المجهول، أي للشارع، بكل قسوته وأخطاره، وفي مقدمتها الاغتصاب والتحرش الجنسي، تكاد تكون متطابقة بدرجة كبيرة: الجهل والفقر والعنف الأسري".

بتلك الكلمات بدأت الأمين العام للجمعية المصرية عبلة البدري مقابلة، أجرتها معها وكالة الأنباء الألمانية (د.ب.أ). وشددت على أن "التحدي الحقيقي الذي يواجه عمل جمعيتها لا يتمثل في ضبط وإعادة تأهيل سلوك هؤلاء الفتيات أخلاقيا واجتماعيا ونفسيا تمهيدا لدمجهن مجددا بالمجتمع، بقدر ما يتمثل في السعي لتغيير وجهة نظر المجتمع الذي يعتبرهن عاهرات، دون أدنى تقدير للظروف التي دفعتهن من البداية للقبول بالتواجد بالشارع".


 
وأوضحت البدري، من أحد المقار الرئيسية للجمعية بضاحية المقطم شرق القاهرة، أن "الجمعية هي مؤسسة اجتماعية لرعاية الأيتام والأطفال ذوي الظروف الاجتماعية الصعبة، وقد بدأت عملها منذ ما يقرب من ثلاثين عاما، ولديها فروع بالمحافظات المصرية، ولكن أهمها هو فرع المقطم الذي يضم /مركز الأمهات الصغيرات/ والمخصص لاستقبال وإيواء الفتيات القاصرات اللاتي سوف يستقبلن أو استقبلن بالفعل أطفالا جراء تعرضهن للاغتصاب أو عن طريق إقامة علاقات خارج إطار مؤسسة الزواج الشرعي، وكذلك فتيات تعرضن لحالات اعتداء وتحرش جنسي وعنف بدني داخل الأسرة، وذلك كله بالتنسيق مع الجهات الرسمية المعنية".
وشددت :"نحن نكون بالنسبة لهن البيت البديل ... لا نتكفل فقط ماديا بكل احتياجات هؤلاء الأمهات الصغيرات وأطفالهن من مأكل ورعاية صحية وملبس، وإنما نحاول أيضا تأهيلهن نفسيا... كما نعمل على تأهيلهن اجتماعيا عبر تشجيعهن على استكمال دراستهن وتعلم حرف يدوية تؤهلهن للانخراط مجددا بالمجتمع بشكل إيجابي".
وأشارت البدري لوجود تنسيق بين الجمعية ووزارة الداخلية "لتوفير الحماية لبعض الفتيات اللاتي كانت أسرهن، للأسف، تجبرهن على العمل بالدعارة، نظرا لما يجنونه من أموال طائلة جراء ذلك ... فضلا عن تأمين العاملين بمركز الأمهات من اعتداءات أسر الفتيات أو القوادين".
وعن الفترة التي تستغرقها عملية تأهيل الفتيات، قالت البدري :"البعض يستغرقن شهورا، وهناك حالات أخرى تحتاج لسنوات".
وشددت على أن :"الجمعية ليست سجنا، وأبوابها مفتوحة، ولذا فإننا نشبه أنفسنا بالأسرة والبيت البديل".
وأعربت البدري عن سعادتها وافتخارها بما حققته جمعيتها "من نجاح، ليس فقط على مستوى تصحيح العلاقة بين بعض الفتيات وأسرهن، بل أيضا، وهو الأهم، تصحيح مسار كثير من العلاقات غير الشرعية التي تكون الفتيات قد تورطن فيها قبل الالتجاء إلينا، خاصة التي نتج عنها حمل ووجود طفل، عبر إقناع الشاب أو والد الطفل".
ولفتت إلى أن "الجمعية كان لها دور بارز في تغيير قانون الطفل عام 2008 ... فطبقا للقانون القديم، مع عدم وجود نسب واضح للطفل من جهة الأب، كانت الجهات القضائية تسمح بإصدار شهادة ميلاد له بأسماء مغايرة للوالدين الطبيعيين له، وبالتالي كانت لا توجد أي صلة تربط الأم بطفلها، ولذا سعينا لتغيير هذا القانون، وبالفعل نجحنا مع جهود منظمات مدنية وأهلية أخرى عام 2008 ، ومع صدور لائحته التنفيذية في 2010 استخرجنا الكثير من شهادات الميلاد، وتم فيها نسب الطفل لأسرة أمه".
وأضافت :"نحن حريصون على متابعة حالات الفتيات حتى بعد تأهلهن وخروجهن من الجمعية، ونساعد أيضا في حدود إمكانياتنا عند زواج أي منهن ... ولكن بالمقام الأول نركز على التكفل باحتياجات الأمهات والفتيات الموجودات بالدار حاليا، وعددهن حاليا 27 ، بالإضافة إلى التكفل باحتياجات أطفالهن".
وحول مصادر تمويل الجمعية، قالت البدري :"نحن نعتمد على التبرعات بنسبة كبيرة ... وهناك أيضا المشروعات التي نقوم بها بالتعاون مع المنظمات الدولية والإقليمية ذات الصلة بعملنا في رعاية الطفولة كمنظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسف) ومؤسسة إنقاذ الطفل ... والعديد من السفارات تعاونت معنا، كالسفارة الألمانية بالقاهرة".
وفي ختام حديثها، طالبت البدري المجتمع بتغيير نظرته لفتيات الجمعية، محذرة من أنهن "إذا شعرن أن المجتمع لا يزال يلفظهن ويوصمنهن بالعاهرات والمنحرفات أو حتى يتعامل معهن بكثير من الشك والريبة، دون أي تقدير لحجم الجهد الذي بذلنه ليتغيرن إيجابيا، فلن نفاجأ عندئذ بانتكاستهن، بل وعودة البعض منهن للشارع مجددا حيث الكثير من الإغراءات المادية".
وأكدت هنية م. أ. /30عاما/، وهي إحدى المتخرجات من مركز الأمهات الصغيرات، على أهمية الأمر نفسه، وشددت على أن ما تتطلع إليه يتركز على رغبتها في الحصول على فرصة ثانية بالحياة تنعم فيها بالستر والطمأنينة، والأهم باحترام الجميع.
وتروي هنية، وهي أم لفتاة صغيرة وتعمل بإحدى دور الرعاية الاجتماعية، قصتها فتقول إن "كثرة المشاكل داخل أسرتها، التي كانت تقيم بإحدى محافظات صعيد مصر، وجهلهم بطبيعة ما كانت تعانيه من مرض نفسي في طفولتها، وتعاملهم معها على أنها فتاة أصابها مس شيطاني، دفعها للهروب أكثر من مرة من البيت إلى الشارع ومرارته".
وأقرت بأنها "تعرضت كأغلب الفتيات اللاتي دفعتهن الظروف للبقاء في الشارع للتحرش الجنسي والاغتصاب ... ثم حدث أن حملت بابنتي جراء علاقة مع بائع متجول ... وكنت أعرف عن الجمعية من صديقات لي انضممن لها قبلي، فذهبت إليها وساعدوني كثيرا ... أحضروا والد طفلتي وأقنعوه بأن يتزوجني ... وساعدوني خلال مرحلة الحمل والولادة ... وبعد الولادة طلبت أنا الطلاق لأني تيقنت من أن زوجي لا يريد الاستمرار ولا تحمل المسؤولية. وحاولت التواصل مع أسرتي، وبالفعل قبلوا بعودتي، ولكن وحدي دون ابنتي، وبالفعل تركت ابنتي هنا بقرية الأمل، وعدت لهم على أمل إقناعهم بانضمامها إلي، ولكنهم لم يقبلوا، وتجددت المشاكل بيني وبينهم ... ثم عدت للجمعية وبدأت رحلة جديدة لعلاجي وتدريبي، وبعدها بفترة أوجدوا لي عملا واستطعت خلال سنوات قليلة أن استأجر شقة خاصة بي".
أما حنان م. ش. /17 عاما /، والتي تقيم حاليا بمركز الأمهات الصغيرات بأمر من جهة قضائية بعد اعتداء عمها (شقيق والدها) عليها وحدوث حمل جراء هذا الاعتداء، فتؤكد أنها سعيدة بالبقاء بالمركز والبعد عن قريتها وبيتها، بالرغم من اشتياقها لأمها وأبيها واخوتها، لأنها تريد أن تنسى الأمر برمته، بما في ذلك طفلها، الذي وضعته قبل عدة أشهر، ويوجد حاليا بشكل مؤقت بإحدى دور الرعاية الخاصة تنفيذا لقرار قضائي.
وتقول الأم الصغيرة، التي لا يخلو وجهها من ملامح الطفولة، بالرغم من كل ما مرت به، :"أحب جميع المشرفين هنا. إنهم يحاولون إقناعي بأن الطفل لا ذنب له وأني لا بد أن أحتضنه، لكني لا أريد ذلك، أريد استكمال دراستي حتى الجامعة، وأن أكبر وأتزوج بشاب أحبه ويقام لنا فرح كبير، وأنسى كل اللي حدث".
ويؤكد عمرو البشير، مدير مركز الأمهات الصغيرات، أن "مهمة المركز لا تقتصر على ضم الفتيات التي تم الاعتداء عليهن جنسيا وإنما، وبالمقام الأول، السعي لإنقاذ غيرهن من المعرضات لذات المصير عبر تكرار الهروب من المنزل والبقاء بالشارع لفترات ومرافقة أصدقاء السوء".
ويوضح :"طبيعة عملنا عبر الوحدات المتنقلة أكسبتنا خبرة طويلة وصرنا نحاول حتى إنقاذ الفتيات الحديثات العهد بالتواجد بالشارع، فضلا عن إمكانية ضم فتيات قضين عقوبات بدور المؤسسات العقابية ويُخشى أن يكون الشارع هو مصيرهن مع عدم وجود ولي أمر لهن أو لرفض أسرهن استقبالهن".
ويضيف أن "عملية إعادة دمج الفتيات مع أسرهن مجددا تكون هي الجزء الأصعب في عملية التأهيل، هذا إذا كانت الأسرة موجودة بالأساس أو مهيأة اجتماعيا لعودة الفتاة إليها".
ويقول محمود عبد الحليم مدير البرامج بالجمعية أن "تعليم الفتيات الحرف المختلفة من طهي وحياكة وصناعة مشغولات يدوية يكون سهلا مقارنة بالتأهيل النفسي".
ويضيف :"خلال مراقبتنا للفتيات بالمركز، بهدف حمايتهن دون تقييد لهن، فإننا ندرك أننا نخضع بالوقت نفسه لمراقبة الفتيات لسلوكنا وطريقة تعاملنا معهن ... فالحصول على ثقتهن ليس أمرا يسيرا بعدما تعرضن تقريبا لكافة الخبرات الأكثر سلبية وألما ... ولذا كل ما ندعو إليه هو أن يعطي المجتمع فرصة لهؤلاء الفتيات ليثقوا به ... ثم بعد ذلك سيبرهن أنهن أيضا أهلا بثقته".

جاكلين زاهر
السبت 30 مارس 2019