وحتى في المناسبات التي ربما يكون فيها الاستخدام المحدود للقوة مبرراً فإن الطريقة التي ردت فيها قوات الأمن مثلاً على إلقاء الحجارة - والتي استُخدمت فيها الأسلحة الأقل فتكاً - كانت غير قانونية؛ إذ أطلقت الرصاص المطاطي على الحشود على مستوى الصدر، ما يشير إلى انتهاج سياسة إطلاق النار بهدف الإيذاء، واستخدمت كميات هائلة من الغاز المسيل للدموع، وضربت المحتجين بالهراوات أثناء فرارهم. وقد نُقل على وجه السرعة أكثر من 1000 محتج إلى المستشفيات وهم مصابين بجروح مختلفة، ومن ضمن ذلك في عيونهم، ورؤوسهم، وأعناقهم، وصدورهم، في حين أُلقي القبض على المئات واحتُجزوا بصورة غير مشروعة، مع الإفراج عن معظمهم بعد بضعة أيام. وفي الأشهر التالية حققت السلطات اللبنانية مع أكثر من 70 ناشطاً شاركوا في الحركة الاحتجاجية بتهم جنائية في محاولة لترهيبهم كي يلزموا الصمت.
وتتحمل السلطات اللبنانية المسؤولية الأساسية عن انتهاكات حقوق الإنسان التي ارتكبتها قواتها الأمنية، لكن فرنسا بوصفها مورداً مهماً لمجموعة واسعة من معدات الحفاظ على الأمن ساهمت في تأجيج هذه الانتهاكات من خلال نقلها لهذه المعدات. وفي حين تقاعست قوات الأمن اللبنانية مراراً وتكراراً عن العمل بموجب المعايير الدولية بشأن استخدام القوة فإن القيود المتهاونة على الصادرات وضعت المعدات الفرنسية في أيدي المنتهكين المتسلسلين لحقوق الإنسان.
وتتحمل السلطات اللبنانية المسؤولية الأساسية عن انتهاكات حقوق الإنسان التي ارتكبتها قواتها الأمنية، لكن فرنسا بوصفها مورداً مهماً لمجموعة واسعة من معدات الحفاظ على الأمن ساهمت في تأجيج هذه الانتهاكات من خلال نقلها لهذه المعدات. وفي حين تقاعست قوات الأمن اللبنانية مراراً وتكراراً عن العمل بموجب المعايير الدولية بشأن استخدام القوة فإن القيود المتهاونة على الصادرات وضعت المعدات الفرنسية في أيدي المنتهكين المتسلسلين لحقوق الإنسان.
تحليلنا بالأرقام
90+
أجريت معهم مقابلات
101
مقطع فيديو تمّ تحليله
175
حالة لاستخدام الأسلحة تمّ تحديدها
وقد جمع مختبر أدلة الأزمات التابع لمنظمة العفو الدولية وهيئة التحقق الرقمي في مركز حقوق الإنسان بجامعة كاليفورنيا في بيركلي وجامعة إسكس 101 مقطع فيديو للاحتجاجات التي وقعت بين عامي 2015 و2020 وتحققا منها وحللاها، فتعرّفا على أسلحة فرنسية الصنع استُخدمت في الاحتجاجات وصنّفاها. وكانت منظمة العفو الدولية حاضرة على أرض الحدث في بيروت تراقب وترصد استخدام القوة من جانب قوات الأمن في الاحتجاجات اعتباراً من أكتوبر/تشرين الأول 2019 وحتى فبراير/شباط 2010. وأجرت المنظمة مقابلات مع أكثر من 90 محتجاً بوصفهم ضحايا جرحى أو شهود عيان وراجعت التقارير الطبية.
الغاز المسيل للدموع: "قنبلة الغاز انفجرت على رأسي"
وثّقت منظمة العفو الدولية إساءة استخدام الغاز المسيل للدموع في الاحتجاجات بين أكتوبر/تشرين الأول 2019 وأغسطس/آب 2020 وكذلك في أغسطس/آب 2015، مبينةً نمطاً من الاستخدام غير القانوني. وقد شوهد ذلك في المناطق السكنية وتأثر به في أغلب الأحيان المشاركون السلميون والمارة. ويبين التحليل الذي أجرته منظمة العفو الدولية استخدام معدات الغاز المسيل للدموع المنتجة في فرنسا في هذه الحالات – من بينها عبوات من صنع شركة إس إيه إي ألستكس ونوبل سبور سكيوريته، وقاذفات القنابل اليدوية والأسلحة المُركّبة على عربات من صنع شركة إس إيه إي ألستكس.وفي حالات عديدة كان الغرض من استخدام الغاز المسيل للدموع هو بوضوح تفريق احتجاج سلمي إلى حد كبير، بما ينتهك بالتالي الحق في حرية التجمع السلمي. وفي حالات أخرى وثّقت منظمة العفو الدولية إطلاق قوات الأمن لعبوات الغاز المسيل للدموع على المحتجين مباشرة – وهذه ممارسة غير قانونية وشديدة الخطورة أسفرت عن وقوع العديد من الوفيات في أجزاء أخرى من العالم. أما في لبنان فقد أدت إلى إصابات خطرة في الرأس والجزء العلوي من الجسد.
14 ديسمبر/كانون الأول 2019
تجمع في بيروت عند حوالي الساعة السادسة (بالتوقيت المحلي) من مساء السبت الموافق 14 ديسمبر/كانون الأول 2019 متظاهرون سلميون – ضموا نساءً ورجالاً ومسنين وأطفالاً – خارج مبنى مجلس النواب. وأبلغ المحتجون الذين كانوا في المقدمة منظمة العفو الدولية أنه في حوالي الساعة السابعة مساءً اقتحمت أعداد كبيرة من عناصر شرطة مكافحة الشغب بصحبة رجال بملابس مدنية صفوف الحشد السلمي – بدون أن يستفزهم أحد – وأخذوا يطاردون المحتجين ويعتدون عليهم بالضرب بواسطة الهراوات. وفي غضون دقائق بدأت الشرطة بإطلاق طلقات متعاقبة من عبوات الغاز المسيل للدموع. ولاحظ موظفو منظمة العفو الدولية كيف أُصيب العشرات من الأشخاص بجروح نتيجة عمليات الضرب، وعانى العديدون آثاراً شديدة جراء استنشاق الغاز المسيل للدموع. وبعد أن تفرق المحتجون طاردتهم الشرطة مسافة كيلومترين تقريباً على الطريق السريع.وقالت سارة إحدى المحتجات للمنظمة: "كانت عبوات الغاز المسيل للدموع تُطلق الواحدة تلو الأخرى. وفي البداية أربع عبوات دفعة واحدة في كل مرة، ثم تحولت إلى ما يُشبه الألعاب النارية التي كنا نراها عندما كنا أطفالاً. وكان بعض الأشخاص يتقيؤون وكان آخرون يقولون "اشربوا الماء، واستنشقوا البصل (أو) الخل"، ولم يعرف أحد ما كان يجري".
ووصف ناشط آخر لمنظمة العفو الدولية كيف استفاق في اليوم التالي وكان ما زال يكح بسبب آثار الغاز المسيل للدموع. وقال: "كانت كمية الغاز المسيل للدموع لا تصدق. وكانت أشبه بإقدام شخص على إطلاق النار من مدفع رشاش. فكانت عبوات الغاز المسيل للدموع تتساقط الواحدة تلو الأخرى".
وشهد موظفو منظمة العفو الدولية وتحققوا عبر أدلة الفيديو المستمدة من احتجاج 14 ديسمبر/كانون الأول 2019 من استخدام كميات مفرطة من الغاز المسيل للدموع على حشود المحتجين من قاذفات مركبة على عربات لاند كوغر 12 من صنع شركة إس إيه إي ألستكس – برغم عدم وجود تهديد فوري ظاهر من المحتجين. كذلك تم التعرّف على قاذفات وعبوات أخرى للغاز المسيل للدموع من صنع إس إيه إي ألستكس استُخدمت ضد المحتجين في هذا اليوم.