نظرا للصعوبات الاقتصادية التي رافقت الجائحة وأعقبتها اضطررنا لإيقاف أقسام اللغات الأجنبية على أمل ان تعود لاحقا بعد ان تتغير الظروف

الهدهد: صحيفة اليكترونية عربية بخمس لغات عالمية
الهدهد: صحيفة اليكترونية عربية بأربع لغات عالمية
Rss
Facebook
Twitter
App Store
Mobile



عيون المقالات

إيران.. من يزرع الريح يحصد العاصفة

23/04/2024 - نظام مير محمدي

وقاحة استراتيجية مذهلة

21/04/2024 - راغدة درغام

التعميم بوصفه "تخبيصة" العقل الأولى

18/04/2024 - مصطفى تاج الدين الموسى

رسائل النيران بين إيران وإسرائيل

15/04/2024 - محمد مختار الشَنقيطي

جنوب لبنان.. بعد غزة

06/04/2024 - عبد الوهاب بدرخان

غزة والأخلاق العابرة للحدود والأرباح

06/04/2024 - عدنان عبد الرزاق

نزار قباني وتلاميذ غزة

06/04/2024 - صبحي حديدي

حرب لإخراج إيران من سوريا

06/04/2024 - محمد قواص

على هامش رواية ياسر عبد ربه

04/04/2024 - حازم صاغية


لو أنها الآن هنا...





تسمع الراديو كأنه واحدة من قريباتها، تنادي بائع الحليب من الشباك، تحدثني عن جاراتها، تضحك حتى تكاد الفراشات الملونة تطير عن فستانها، وتفرك شعرها القصير بالحنّاء، أمسك لها المرآة بيدي و..، أضحك بيني وبيني: شايها عادي المذاق، وكذلك خبزها، هل الحنين إلى قهوة الأمهات مجرد شجن ضروري للأغنيات؟!


قبل ذلك؛ حين كانت لي امرأةٌ عجوز أناديها أمي، كانت لي ظِلالٌ، وكان لي اسمٌ، وكان لي «أنا»!

كان لي قبلٌ، ولي بعدٌ، ولي حَوافّ، ولي أطراف، ولي ما أرى، وما أحب، ولي وراءٌ، ولي أمامٌ، ولي ما مضى، وما أنتظر...

كان لي (حين كانت لي امرأةٌ عجوز أناديها أمي) أن أخاف، وأن أبتسم، وأن ألهو، وأن أعبث، وأن أمشطأ شعري وأن أحب النساء، ولي كان سماء وغدٌ مُعبأ بالنزق، وكان لي ركض، وساقان نشيطتان، ونهارات أوقّع على ذيلها اسمي .. آخر كل نهار!

❊❊❊

كان ثمة ما يشدّني من يدي لأصحو، ولأن أشرب الشاي، وأثني أكمام القميص، وأخرج للشوارع محتفلاً: إن لي أماً عجوزاً اسمها أمي!! كان لي ما يدفعني أن أحب طفلاتي العذبات، وأن أُقبّلهن طويلاً، وإذ يتراقصن على كَتِفَي، أَعِدُهُنْ: سأبقى أباً للأبد!!

كان هنالك ما يجعلُ طعمَ الماء أحلى، ونومَ الظُهر أحلى، وخصورَ النساء أطرى، وكنتُ أنهضُ مختالاً ومبتهجاً، وأروحُ أُصفّق لأغيظ أولاد الكون كُلّهم: إن لي أماً. عجوزٌ، لكنها أمي!!

قبل ذلك، كنتُ على وشك أن أُقيم احتفالاً عظيماً في غابةٍ عظيمة، أدعو خلاله الأشجار كافةً للسلام على أمي، والاخضرار على يديها!

❊❊❊

أزرارُ القميصِ، صُعودُ الدرج، مذاقُ الطريق، لونُ القهوة، رنّة الفِضة، نباتُ الحقول، الكحلُ في العينين، رفـةُ الطير، رائحةُ الباميا، ذِكْرُ الله، ضِحكةُ الطفلات، الشتاءُ القليل، سيرة الشهداء، مقبضُ الباب، غواياتُ النساء، حَبْلُ الغسيل، كُلّها حين لي أمٌ.. كانت أرق..أرق..أرق ، أ... ر ... ق، وأجمل!

❊❊❊

قبل ذلك، إذ لي امرأة عجوز أُمشّطُ شعرها بالقبلات، فتملأ جيوبي بالرضا، وتهمسُ لي: رِضاي عليك، فأطوي غِبطتي تحت جناحي.. وأنام!

❊❊❊

بعد ذلك، وهنَ البالُ مني، واشتعلَ القلبُ شيبا.

إذ سيغدو العمرُ- ذاك الرفيقُ الرفيقْ- مكوّماً عند أقدام المعزّين، كثوب حريرٍ ألقته على ركبة السرير امرأةٌ ذهبت في الحب للتوّ... وجفّ النهار، حنى ظهره ومضى!

...بعد ذلك.. مُعلقاً في زاوية الأرض، مثل فانوسٍ مُطفأ وشاحب!

ليس لي أن أضيء، ولا أُضاء... كما العتمة تُجلل مدينةً هجرها العاشقون، وكأي نبيٍ خانه الصِدّيقون، ومثل قُبلةٍ لم تتم... كبرتقالةٍ أفسدتها الشمس

وهكذا....هكذا...هكذا.. صرتُ وحيدا، قليلاً، واحداً !
-------------------------
الامارات اليوم

إبراهيم جابر إبراهيم
الاحد 20 ديسمبر 2009