ومع ذلك، فهذا ما حدث في عمود نُشر على موقع الصحيفة يوم أمس؛ حيث تم اقتباسي بشكل خاطئ. جاء في الاقتباس مصطلح “الإسلام الانعزالي” الذي لم أستعمله مطلقاً؛ بل استخدمت مصطلح “الانفصالية الإسلاموية” التي هي واقع حقيقي قائم في بلادي. واتهمني المقال بوصم المسلمين الفرنسيين بهذه الصفة؛ من أجل غايات انتخابية وبث مناخ من الخوف والريبة تجاههم.
أنا لن أناقش التصلب المشبوه في هذا المقال، ولا حتى الأسس الأيديولوجية التي بُني عليها؛ بل أود ببساطة أن أذكِّر قراءكم ببعض الحقائق البسيطة، وأن أشرح موقف بلادي والتحديات التي يجب عليها مواجهتها.
خلال السنوات الخمس الماضية، ومنذ الهجوم على صحيفة “شارلي إيبدو”، لا تزال فرنسا تواجه موجة من الهجمات التي يرتكبها إرهابيون باسم الإسلام، مشوهين صورته. لقد اغتيل نحو 263 شخصاً في بلادنا؛ من بينهم عناصر شرطة وجنود ومدرسون وصحفيون ورسامو كاريكاتير ومواطنون عاديون. وكان آخر هذه الهجمات تلك التي تمت مجدداً على مقر صحيفة “شارلي إيبدو”، والتي، لحسن الحظ، لم تسفر عن وقوع قتلى، وكذلك قطع رأس مدرس التاريخ والجغرافيا صامويل باتي، وقتل امرأتين ورجل في كنيسة بمدينة نيس.
وفي مواجهة هذا المرض الذي ينخر في بلادنا، اتحدت فرنسا بصلابة وتصميم؛ قبل كل شيء، بالوقوف بصلابة مع مبادئنا، فقد تعرضت فرنسا إلى هجمات الإرهابيين الإسلاميين؛ لأنها تجسد مبادئ حرية التعبير، وحرية الإيمان، كما تجسد أسلوب حياة معيناً. وقد وقف الفرنسيون ليقولوا إنهم لن يتخلوا عن أية قيمة من قيم فرنسا أو عن هويتها أو خيالها، ولا عن أي حق من حقوق الإنسان التي أعلنتها للعالم منذ عام 1789.
وكذلك اتحدت أمتنا من أجل تعقب هؤلاء الإرهابيين أينما كانوا. فالجيش الفرنسي يمارس قدوة في الشجاعة في منطقة الساحل، وعملياته ضد المجموعات الإرهابية هناك تصبّ في مصلحة أوروبا بأسرها. وأجهزة الاستخبارات والشرطة الفرنسية، التي دفعت ثمناً باهظاً، قد تمكنت من منع العشرات سنوياً. وتتحرك الدولة الفرنسية بأسرها بناء على القوانين التي ناقشها البرلمان وصوَّت عليها. نحن لن نتنازل على الديمقراطية ولن نتخلى عن سيادة القانون أيضاً.
ولكن أصبح من الواضح منذ عام 2015، وقد قُلتُ هذا قبل أن أتولى منصب الرئاسة، أن فرنسا أصبحت مرتعاً خصباً للإرهابيين. ففي مناطق محددة، وعلى شبكة الإنترنت، تقوم مجموعات مرتبطة بالإسلام المتطرف بتعليم أطفالنا كراهية الجمهورية الفرنسية، وتطلب منهم تجاهل قوانينها. وهذا هو ما سمَّيته “الانعزالية الإسلامية” في إحدى خطبي
ومَن لا يصدقني يمكنه أن يقرأ منشورات الكراهية على وسائل التواصل الاجتماعي التي تنشر باسم إسلام مشوه، والتي نتج عنها مقتل صامويل باتي، ومَن لا يصدقني يمكنه أن يزور بعض المناطق؛ حيث ترتدي فتيات في سن الثالثة أو الرابعة خماراً كاملاً، ويتم فصلهن عن الأولاد وعن بقية المجتمع منذ سن مبكرة جداً، وتنشئتهن على كراهية قيم فرنسا. مَن لا يصدقني يمكنه أن يتحدث مع المسؤولين الحكوميين الذين يواجهون مئات المتطرفين على الأرض ممن نخشى أن يأخذوا سكيناً ويقتلوا الناس في أية لحظة.
هذا هو ما تحاربه فرنسا؛ مخططات الكراهية والموت التي تهدد أطفالنا. نحن لسنا ضد الإسلام على الإطلاق، إننا نحارب الخداع والتعصب والتطرف العنيف، لا نحارب ديناً.
نحن نقول: “ليس هنا في بلدنا!” ولنا كل الحق بأن نقول هذا بوصفنا دولة ذات سيادة وشعباً حراً. سنبقى موحدين ضد التطرف الذي يسعى لتدميرنا؛ ولسنا بحاجة إلى المقالات الإعلامية التي تفرقنا. ”
لن أسمح لأيٍّ كان أن يزعم أن فرنسا أو حكومتها ترعى العنصرية ضد المسلمين.
إن فرنسا هي دولة علمانية بالنسبة إلى المسلمين كما هي بالنسبة إلى المسيحيين واليهود والبوذيين وكل المؤمنين؛ ولهذا نحن نتعرض إلى الهجوم. إن حيادية الدولة التي لا تتدخل على الإطلاق في الشؤون الدينية هي ضمانة حرية العبادة. وقوات الأمن لدينا تقوم بحماية المساجد والكنائس والمعابد اليهودية على حد سواء
فرنسا هي دولة تدرك ما تَدِين به للحضارة الإسلامية؛ فكل علومها ورياضياتها وعمارتها تأخذ من هذه الحضارة، وكنت قد أعلنتُ عن إنشاء مؤسسة في باريس؛ بهدف إبراز هذه الثروة العظيمة. فرنسا هي دولة يتحدث فيها القادة المسلمون عندما يحدث الأسوأ، ويدعون أتباعهم إلى مواجهة الإسلام المتطرف والدفاع عن حرية التعبير.
يمكن للمرء أن يغض الطرف عن هذه الحقائق، ولكن لا يمكن أن يتجاهلها إلى الأبد. فكما كتب ابن رشد في القرن الثاني عشر: “الجهل يؤدي إلى الخوف، والخوف يؤدي إلى الكراهية، والكراهية تؤدي إلى العنف”.
لذلك، دعونا لا نغذي الجهل من خلال تحريف كلمات رئيس دولة. فنحن نعرف حق المعرفة إلى أين يمكن أن يأخذنا هذا الأمر.
بدلاً من ذلك، دعونا نلتزم بالوضوح والعمل الرصين والحكمة المستنيرة.
-------------------------
فايننشال تايمز - كيوبوست