نظرا للصعوبات الاقتصادية التي رافقت الجائحة وأعقبتها اضطررنا لإيقاف أقسام اللغات الأجنبية على أمل ان تعود لاحقا بعد ان تتغير الظروف

الهدهد: صحيفة اليكترونية عربية بخمس لغات عالمية
الهدهد: صحيفة اليكترونية عربية بأربع لغات عالمية
Rss
Facebook
Twitter
App Store
Mobile



عيون المقالات

" دمشق التي عايشتها " الغوطة

28/04/2024 - يوسف سامي اليوسف

( أيهما أخطر؟ )

24/04/2024 - محمد الرميحي*

إيران.. من يزرع الريح يحصد العاصفة

23/04/2024 - نظام مير محمدي

وقاحة استراتيجية مذهلة

21/04/2024 - راغدة درغام

التعميم بوصفه "تخبيصة" العقل الأولى

18/04/2024 - مصطفى تاج الدين الموسى

رسائل النيران بين إيران وإسرائيل

15/04/2024 - محمد مختار الشَنقيطي

جنوب لبنان.. بعد غزة

06/04/2024 - عبد الوهاب بدرخان

غزة والأخلاق العابرة للحدود والأرباح

06/04/2024 - عدنان عبد الرزاق

نزار قباني وتلاميذ غزة

06/04/2024 - صبحي حديدي


محمد خان.. نحات السينما!






محمد خان.. الواقعي القاتم في بهجة السينما وحزن الشوارع القاهرية، السينمائي الذي يصنع الأفلام برهافة العاشقين في ليالي السهر وقسوة عمال المناجم في ظلمة القاع.. رحل بعد بهتت الشاشة في ظل الواقعية السحرية للحياة المصرية في السنوات الأخيرة، وبعد أن تأكدت “مصريته” بقرار رئاسي حصل بموجبه على الجنسية أخيرا.. أي قبل عامين فقط، وبعد عذابات مدججة بأسئلة الهوية استمرت عمره كله تقريبا. فقط لأنه، وهو المصري ولادةً ووالدةً ونمواً وانتماءً وقلباً وقالباً ولد لوالد باكستاني وحسب!


 

 وعلى وفرة الأفلام المميزة التي رفد بها  محمد خان مكتبة السينما العربية إلا أنني ألخصه بفيلمين يمكن رؤية فلسفته السينمائية من خلالهما بوضوح؛ النحت السينمائي!

والفيلمان سبق وأن كتبت عنهما، ربما أكثر من مرة، لأنهما من  أفلام قليلة لا أتردد في مشاهدتها كلما أتيحت لي الفرصة رغم نزقي المرضي من التكرار في القراءة والمشاهدة أيضا. وبالتالي لم أجد غضاضة في استعادتهما الآن على سبيل الوداع النهائي لنحات السينما المصرية:

موعد على العشاء.. مع السينما القاتمة:

..وهذا موعد على العشاء، وموعد مع السينما المصرية في واحد من أهم أفلامها والتي بشرت بحقبة الثمانينات الذهبية سينمائيا من القرن المنصرم قبل أن تتقهقر فيما بعد لأسباب متنوعة .

موعد على العشاء الذي استقبلته الشاشات العربية في العام 1981، فيلم شديد القتامة مأخوذ من قصة لبشير الديك، ومع هذا فقد نجح مخرجه محمد خان في استخدام كل الادوات الممكنة والمتوفرة له آنذاك ليقدم لنا من خلاله متعة بصرية وموسيقية بالاضافة الى قيمته المعنوية.

إنه فيلم نسوي بامتياز، وإذا علمنا انه من بطولة ايقونة السينما المصرية سعاد حسني فإننا نتأكد من شكله النسائي العام، وهو الشكل الذي ميز كثير من أفلام خان فيما بعد ، وصنع منه مخرجا تقدميا على صعيد السينما المهتمة بالقضايا الاجتماعية والاسرية على نحو خاص.

يحكي الفيلم قصة نوال، التي أدت دورها سعاد حسني، الفتاة البريئة والرومانسية التي تتزوج من رجل الاعمال المتنفذ عزت، ويقوم بدوره حسين فهمي، في نقلة نوعية له سينمائيا آنذاك. ولأن الزواج يتم رغما عن ارادة  نوال، بل بالتواطؤ بين والدتها اللعوب والطامعة بكل ما يمكن ان ينقلها من طقتها الفقيرة إلى طبقة أعلى تتماشى والشكل الذي تحاول ان تظهر للناس به، وعزت فأن الفتاة ترفض هذا الزواج منذ البداية ، ويتخذ رفضها أشكالا عدة لعل أبرزها انها تفشل في الحمل رغم عدم وجود اية موانع طبية لديها. لكنه الرفض المعنوي لكل ما يربطها بمن اتخذ منها سلعة اشتراها كما يشتري اي قطعة ديكور في منزله.

ويتفاقم احساس نوال بهذا الوضع  تحت وطأة معاملة الزوج التي تتصاعد تدريجيا عنفا سلبيا كلما اكتشفت أبعاد السجن الذي وجدت نفسها فيها ، وأدركت مساحته وأضلاعه. لكنه يتشبث بها في تعبير صارخ عن تشبثه بممتلكاته الخاصة.

تلتقي نوال بتشكيلي حالم وفقير، يعمل مصففا للشعر، فتجد فيه ضالتها المفقودة من ذما قبل زواجها، ولأنها تنجح أخيراً بعد وفاة والدتها في التحرر من القيد الزوجي بالطلاق، فهي تلجأ لهذا الشاب الحالم، والذي يؤدي دوره أحمد زكي، ويتفقان على الزواج بعد ان عاشا قصة حب حقيقية ومفعمة بالمشاعر الانسانية التي من خلالها اكتشفا بعضهما البعض بعيدا عن الاشكال التقليدية التي رسمها لهما المجتمع بشكل مسبق.

الا أن التحرر الذي تظن تلك المرأة نفسها أنها حصلت عليه كان وهماً، فقد خرجت من السجن الصغير لتجد نفسها في سجن أوسع يتحكم بمقاليده زوجها السابق بنفوذه وسلطاته وحقده عليها، حيث يقوده احساسه بالفشل بالاستحواذ على تلك المرأة الى ملاحقة الشاب الفقير الذي فضلته عليه، وبعد عدة محاولات ومناوشات ينجح في قتله..

تتوجه نوال الى ثلاجة الموتى لتتعرف على جثة زوجها القتيل، فتهدي السينما العربية احد اهم مشاهدها على الاطلاق، حيث مثلت ذلك المشهد بكل وجدانها، ومن خلال أحاسيس من الصعب ان تكررها أي ممثلة أخرى غير سعاد حسني ذات الشفافية العالية في الاداء الصامت تحديدا.

وقد تكرر ذلك الأداء شبه الصامت، والذي لا تتخلله سوى بضعة كلمات في مشهد النهاية ، وهو مشهد عظيم أخر تبارى فيه حسين فهمي وسعاد حسني فقدماه بطريقة مبهرة عاونتهما عليه الموسيقى بضرباتها الموجعة، والاضاءة بنسكاباتها المدروسة ، والعدسة بالاتقاطاتها الذكية لزجل وأمراة يجلسان متقابلين على طالوة العشاء الاخير.

يأكل الرجل بلذة خرافية أكلته المفضلة من بين يدي المرأة التي لم يكن يرى فيها وهي زوجته إلا متعة ناقصة للفراش البارد وطباخة ماهرة لأكلته المفضلة. تشاركه تلك المرأة لذة تناول الطعام في تلد اللحظة بتشف سنعرف في النهاية أنه يليق بلحظات النهاية.

عندما يتهاوى الرجل عاطفياً أمام سحرها الطاغي، اذ تتعلم كيف تستظهر هذا السحر الأنثوي بعدما تخسر كل شيء في النهاية، ويقترب من التحول، تبادره المرأة بشجاعة وثبات بالاعتراف انه ما يتناولانه معا انما هو طعام مسموم.

ينتهي الفيلم ويخرج المشاهد برؤية قاتمة لكل شيء لولا بعض الإضاءات البصرية التي تنجح في الكشف عن تلك المتع الصغيرة للبشر، ومنها على سبيل المثال المشهد الذي يعدل فيه مصفف الشعر شكل تسريحتها وهما في السيارة قبل ان يتعارفا بشكل حقيقي على بعضهما البعض. في تلك اللقطة لم يكن يغير تسريحتها بمجرد أصابعه المرتجفة وحسب بل كان يغيرها كليا.. وقد نجح.

و.. زوجة رجل مهم..

بعيدا عن مغامرة النبوءة ‘السياسية’ التي تحمل فيلم “زوجة رجل مهم” مسؤوليتها بنجاح لافت، يبدو ان هذا الفيلم الثمانيني الجميل صار واحدا من كلاسيكيات السينما العربية بالفعل.

علاوة على اللغة السينمائية الجديدة التي تميز بها الفيلم الذي بدا يغرد خارج السرب السينمائي كله عندما عرض في منتصف الثمانينات من القرن المنصرم تقريبا، تميز ايضا بأفق تعبيري جميل وذكي تعاونت على تحقيقه كل عناصر السينما ابتداء بالسيناريو الذي رسمه على الورق السيناريست المخضرم رؤوف توفيق بسلاسة فائقة جعلت المشاهد فيه تتوالى وكأنها حركات موسيقية في بناء سيمفوني تراتبي، وانتهاء بالإخراج الذي نحته المخرج محمد خان مشهداً مشهداً.

أما التمثيل فقد كان مباراة راقية كرست الفنان الراحل احمد زكي ممثلا يقف على قمة الهرم السينمائي العربي المعاصر كما كرست الفنانة ميرفت امين في دور عمرها كله.

لقد نجح الأول في تقديم شخصية ضابط الأمن المركزي عبر قراءة نفسية دقيقة لعناصر الشخصية، وخصوصا في الجزء الثاني من الفيلم عندما تحول الضابط المعروف بجبروته الذي لا يقهر الى مجرد ضابط على المعاش لا حول له.

وقد ساعدته ميرفت أمين في أداء دقائق الشخصية عبر دور لم وربما لن تكرره بعد ذلك، حيث تنقلت بالشخصية بنجاح من تهويمات الفتاة الرومانسية العاشقة لاغاني عبدالحليم حافظ إلى أن وصلت بها الى زوجة رجل مهم لا يترك لها مساحة للتنفس خارج حدود سطوته اولا وحيله النفسية اخيرا.

كلما تعرض إحدى القنوات التلفزيونية هذا الفيلم أحرص على متابعته بشغف العرض الأول ، ولعلي أجدها مناسبة لاكتشاف هذا الفيلم من جديد.

مؤخرا تابعت الفيلم مجددا واكتشفت أننا كلنا نعيش في إطار ذلك الفيلم محبوسين في تلك المساحة/المسافة الفاصلة ما بين الرجل المهم وزوجته ليس على الصعيد الشخصي وحسب بل أيضا على صعيد الشعب والسلطة باعتبارها علاقة يحلو للبعض أن يراها علاقة كالعلاقة التي تشبه الرجل المهم وزوجته!.
---------
ايوان 2


سعدية مفرح
الاثنين 1 غشت 2016