الرئيس السوري أحمد الشرع خلال زيارته إلى المركز الانتخابي في المكتبة الوطنية بدمشق - 5 تشرين الأول 2025 (سانا)
وبين حديث الحكومة عن قانون أحزاب مرتقب ورؤى متعددة تصدر عن قوى سياسية متنوعة، تبرز أسئلة حول شكل الحياة السياسية المقبلة، وموقع الأحزاب السورية فيها، ومدى قدرتها على الإسهام في بناء دولة ديمقراطية تستجيب لتطلعات السوريين بعد سنوات طويلة من الصراع والاستقطاب.
تحدثت عنب بلدي إلى ممثلي أحزاب وحركات سورية، مثل “الإرادة الشعبية” و”الإخوان المسلمين” و”الحركة الوطنية السورية” و”الحزب التقدمي الديمقراطي الكردي” و”الحزب الوطني للعدالة والدستور”، في محاولة للكشف عن رؤى تلك الأحزاب للمرحلة المقبلة.
حزب جديد يتحضر؟
وزير الخارجية السوري، أسعد الشيباني، قال خلال ندوة حوارية في مركز “تشاثام هاوس” في لندن، في 13 من تشرين الثاني الحالي، إن “التجربة السورية الجديدة تسعى لتكون نموذجًا في الحكم التعددي، وإن نجاحها يعتمد على التعايش وبناء الثقة ونبذ الطائفية التي كان يزرعها النظام السابق.وأشار إلى العمل على “تعزيز التعددية” في الحكومة والوزارات والمجتمع، والحفاظ على ثقافة المؤسسات، والعمل على ترميم الدستور والقوانين بطريقة مدروسة.
وكانت صحيفة “المدن ” نقلت عن مصادر وصفتها بـ”المطلعة”، في 29 من تشرين الأول الماضي، أن الشيباني سيكون “عراب” حزب سياسي جديد يتبع للرئيس السوري في المرحلة الانتقالية، أحمد الشرع.
التحضيرات لهذا الحزب تجري في دمشق عن طريق الأمانة العامة للشؤون السياسية، وهي الجهة التي تشرف بشكل شبه مباشر على انتقاء أعضاء الحزب، و”التحركات تجري ضمن دوائر ضيقة، وبشكل شبه سري”، وفق الصحيفة اللبنانية.
لكن مصادر رسمية لم تسمِّها الصحيفة نفت الكلام عن تأسيس حزب، وأشارت إلى أن الأمانة العامة للشؤون السياسية هدفها ملء الفراغ الذي تشكل بعد حل حزب “البعث”، لضمان عدم سرقة أو سوء استخدام موارده والعقارات التي يمتلكها.
مع انقلاب حزب “البعث العربي الاشتراكي”، عام 1963، ووصول حافظ الأسد إلى سدة الحكم باستخدام السلطة العسكرية، بعدما نفذ انقلابًا عسكريًا في 16 من تشرين الثاني عام 1970، بدأ الحزب بالقضاء على الأحزاب السياسية، حيث أنشأ حافظ الأسد ما يسمى بـ”الجبهة الوطنية التقدمية” ما أدى إلى انسحاب الأحزاب المعارضة لسياسة “البعث”.
وفقًا لكتاب “الأحزاب السياسية في سوريا”، الصادر عن مركز ““جسور للدراسات”، يبلغ عدد الأحزاب السورية المشكّلة على مدار قرن كامل 134 حزبًا سياسيًا، من بينها 92 حزبًا نشأ بعد عام 2011.
التخلص من عقلية “الحزب القائد”
إن أول ما ينبغي التخلص منه نهائيًا هو فكرة وعقلية الحزب القائد التي أساءت للأحزاب السياسية ولجهاز الدولة على حد سواء، وفق عضو رئاسة حزب “الإرادة الشعبية” عروب المصري.واعتبرت عضو رئاسة حزب “الإرادة الشعبية”، في حديث إلى عنب بلدي، أن عقلية “الحزب القائد” أفقدت الأحزاب وظيفتها الأساسية بـ”تمثيل المجتمع في عملية مراقبة ومحاسبة جهاز الدولة”، وأفقدت جهاز الدولة الصلة الحقيقية مع المجتمع وحولته إلى جهاز وظيفته القمع والنهب لمصلحة قلة من الفاسدين والناهبين.
ولذلك ينبغي للحياة السياسية في سوريا، من وجهة نظر المصري، أن تكون “ديمقراطية وتعددية”، بحيث يتمكن السوريون من تنظيم أنفسهم وقواهم بشكل فاعل وبما يخدم مصالحهم.
وهذا، وفق ما قالته عروب المصري لعنب بلدي، يحتاج إلى تحقيق ثلاثة شروط لا غنى عنها:
- الأول: منع نشوء الأحزاب على أسس طائفية أو دينية أو قومية، بل فقط على أسس وطنية جامعة، بحيث يتمكن أي سوري من الانتساب إلى أي حزب يقتنع ببرنامجه وسلوكه.
- الثاني: الاستقلال عن جهاز الدولة وعدم التبعية له بأي شكل من الأشكال، بحيث تعبر الأحزاب عن المجتمع وتدافع عن مصالحه لا عن مصالح السلطات، أيًا تكن تلك السلطات.
- الثالث: منع المال السياسي الذي كان يسرح ويمرح ويشتري الأصوات والذمم والضمائر دون حسيب أو رقيب، عبر قوانين وعقوبات صارمة وواضحة.
قبول التعددية
عضو المكتب السياسي في جماعة “الإخوان المسلمين” سمير أبو اللبن، يرى أن اعتماد معايير للحياة السياسية يتفق عليها السوريون تضمن مدنية الدولة بحيث لا تكون دولة عسكرية ولا “ثيوقراطية” (نمط حكم تدعي فيه السلطة القائمة أنها تستمد شرعيتها من الله) وصياغة دستور مدني منبثق عن إرادة الشعب السوري، هو “أمر جوهري”. وأشار أبو اللبن، في حديث لعنب بلدي، إلى ضرورة أن تكون سوريا دولة تعاقدية تقوم على الاختيار الحر المعبر عن إرادة السوريين. وقال، “نرى كحركة إسلامية أن من الملامح الواضحة للحضارة الإسلامية قبول التعددية”، التي تستوعب جميع الملل والنحل في الدولة، على حد تعبيره. وأضاف، “شهدنا ذلك بوضوح في صحيفة المدينة، نعتقد أن وجود تعددية سياسية تلتزم بمرجعية الدولة هي صفة أساسية للحياة السياسية التي ننشدها لسوريا”.اعتماد حياة سياسية تقوم على التعددية السياسية، بحسب عضو المكتب السياسي في جماعة “الإخوان المسلمين” يستوجب ضرورة:
- إقرار التداولية للمشهد الحزبي في الدولة، ونريده أن يكون وفق أرقى ما وصل إليه الفكر الإنساني الحديث (تداولية المناهج، والرؤى، والبرامج، والاجتهادات، والأحزاب السياسية) وتكون في إطار المرجعية العامة للدولة وعبر صندوق الاقتراع الحر والنزيه.
- الالتزام بسيادة القانون، الذي يُقدم أمن المجتمع والدولة على أمن السلطة.
- اعتماد المؤسساتية في مناخ الدولة السورية، بحيث تكون مؤسسات الدولة خادمة للمشروع الوطني السوري العام، لا أن يكون المجتمع السوري تحت وصاية السلطة التنفيذية وفي خدمتها.
الاعتراف بالشعب الكردي
اعتبر عضو المكتب السياسي للحزب “التقدمي الديمقراطي الكردي” فرهاد حاج درويش، أن المرحلة الحالية تمثل “منعطفًا حاسمًا” وفرصة لوضع أسس دولة ديمقراطية تعددية لامركزية قائمة على مبدأ المواطنة المتساوية. وتتلخص الرؤية السياسية للحزب “التقدمي الديمقراطي الكردي”، وفق ما قاله درويش لعنب بلدي، في:- تحقيق تعددية سياسية فعالة قائمة على المنافسة الديمقراطية السلمية بعيدًا عن الإقصاء أو الاحتكار.
- ضمان مشاركة جميع المكونات القومية والدينية والسياسية للشعب السوري في صياغة مستقبل البلاد من خلال حوار وطني شامل.
- الفصل بين السلطات مع ضمان استقلالية القضاء لتأمين التوازن والمساءلة.
- الاعتراف الدستوري بالشعب الكردي كجزء أساسي من مكونات سوريا، وضمان حقوقه القومية والثقافية وفق المعايير والمواثيق الدولية دستوريًا.
- إعادة بناء الثقة بين المواطن والدولة عبر تطبيق سياسات عادلة وتشجيع تنمية متوازنة، إلى جانب احترام الكرامة الإنسانية.
بعد قانون الأحزاب
بينما يرى أمين عام “الحركة الوطنية السورية”، زكريا ملاحفجي، أن شكل الحياة السياسية المتوقع في سوريا سيتوضح بعد إقرار قانون الأحزاب. واعتبر، في حديث إلى عنب بلدي، أنه إذا كان القانون سيعزز تأسيس أحزاب مستقلة فعلًا ويضمن حرية التنظيم والتمويل والانتخاب الداخلي، فـ”ستبدأ سوريا بالانتقال نحو حياة سياسية حقيقية وتنمية سياسية” وهذا ما تتطلع له الحركة، لا سيما أن الشعب السوري حُرم طويلًا من الحياة السياسية. وتنتظر “الحركة الوطنية السورية” قانون الأحزاب والتراخيص لـ”نأخذ الدور الحقيقي والطبيعي ونكون جزءًا من الحياة السياسية التي يتطلع إليها السوريون”، وفق ما قاله أمينها العام، زكريا ملاحفجي. وجاء في الباب الـ14 من الإعلان الدستوري في سوريا، أن الدولة تصون حق المشاركة السياسية وتشكيل الأحزاب على أسس وطنية وفقًا لقانون جديد.وخلال حديثه لعنب بلدي في وقت سابق، قال أستاذ القانون العام في جامعة “دمشق” حسن البحري، إنه يمكن الاستفادة من “قانون الأحزاب“ في سوريا لعام 2011، مع إجراء بعض التعديلات عليه، أبرزها تعديل أهداف إنشاء الأحزاب السياسية من “المساهمة في الحياة السياسية بشكل سلمي”، إلى “حق الوصول للسلطة وتداولها بشكل سلمي”.
كما أن القانون السابق كان قد نصب وزير الداخلية رئيسًا للجنة شؤون الأحزاب (لجنة تبت بطلبات تأسيس الأحزاب أو تعديل أنظمتها الداخلية)، مطالبًا باستبداله بشخصية حيادية مستقلة.
الآن انتصر الشعب السوري وسيستأنف الحياة السياسية الديمقراطية التعددية التشاركية. وقد جاءت المادة الـ14 من الإعلان الدستوري لتؤكد أن الدولة تصون الحياة السياسية وستضع قانون أحزاب ينظم هذا الغرض.
ثم جاءت تصريحات عديدة تؤكد إجراء إحصاء ووضع دستور دائم وإطلاق قانون الأحزاب واجراء انتخابات رئاسية وبرلمانية.
وليس هناك مخاوف وهواجس، لأننا لم نعهد من الإدارة التي حققت النصر إلا الصدق والالتزام بالوعود.
نحن الآن في حالة شرعية النصر التي ستنتقل بنا خلال عدة أعوام إلى الشرعية الشعبية حيث يختار الشعب رئيسه وبرلمانه ويحكم نفسه بالانتخابات النزيهة.
محمد زهير الخطيب
رئيس الحزب “الوطني للعدالة والدستور
نحو سوريا موحدة وخطاب جامع
أمين عام “الحركة الوطنية”، زكريا ملاحفجي، قال لعنب بلدي، إن الحركة التي تجاوز عمرها الأربع سنوات، كانت في صف المعارضة ودعمت معركة “ردع العدوان” التي أدت إلى إسقاط الأسد، وأكدت على الخطاب الوطني والصلح الاجتماعي والتنمية السياسية ودعم الشباب.أما حزب “الإرداة الشعبية” فقالت عضو رئاسته عروب المصري، إن بوصلة حزبها موجهة نحو “منع تقسيم البلاد” و”إنهاء الأزمة العميقة التي لا تزال مستمرة وتتعمق على مختلف الصعد”، و”تحقيق سلم أهلي حقيقي ومستقر”، ونموذج اقتصادي جديد يصب في مصلحة 90% من السوريين.
واعتبرت عضو رئاسة الحزب أن هذه الأهداف جميعها تمر عبر “طريق واحد لا بديل عنه”، ألا وهو توحيد الشعب السوري عبر “مؤتمر وطني عام” على غرار مؤتمر 1919، يستند إلى جوهر القرار”2254″ و”2799″.
بينما تتجه بوصلة جماعة “الإخوان المسلمين” اليوم، بحسب عضو مكتبها السياسي سمير أبو اللبن، إلى “تدعيم عملية الانتقال السياسي والعمل على إنجاحها والتغلب على صعوبتها”، و”الاهتمام بعملية تحصين الجبهة الداخلية رغم صعوبة الظروف”، و”المساعدة في الحفاظ على استقرار سوريا موحدة”.
وسيلة الجماعة في ذلك “النصح وتقديم رؤى لتخفيف حدة الميل إلى الهويات الفرعية على حساب الهوية السورية الجامعة”، بحسب أبو اللبن.
وترتبط أهداف الحزب “التقدمي الديمقراطي الكردي”، وفق ما قال عضو مكتبه السياسي، فرهاد حاج درويش، بإيجاد حل عادل للقضية الكردية في سوريا، يستند إلى دستور يضمن حقوق الشعب الكردي في سوريا والسوريين بشكل عام.
وقال، “نعمل خلال المرحلة الانتقالية على دعم الجهود الدولية للتوصل إلى حل سياسي شامل في سوريا، مع تنفيذ بنود اتفاقية 10 من آذار ومعالجة جميع القضايا العالقة في البلاد”.
ويرى الحزب “التقدمي الديمقراطي” أن الاتجاه الرئيس للمرحلة الحالية يتمثل في “تطبيق القرار الأممي 2254″، والانتقال نحو نظام حكم يضمن حقوق الجميع في إطار دولة ديمقراطية تعددية برلمانية ولامركزية.


الصفحات
سياسة








