
أحد المتظاهرين يرفع لافتة كتبت عليها بالفرنسية عبارة بن علي ارحل
في هذا اليوم احتشد عشرات الآلاف من المتظاهرين في شارع الحبيب بورقيبة (وسط العاصمة تونس) مردّدين بصوت واحد عبارة "dégage" ورافعين لافتات كتب عليها "Ben Ali dégage" (بن علي ارحل).
لم يكن يخطر ببال أحد من المتظاهرين أن بن علي الذي حكم البلاد بقبضة حديدية طوال 23 عاما سيستجيب رغما عن إرادته لنداء المحتجين الذين سألوه الرحيل، إذ استقلّ عشية ذلك اليوم ( 14 كانون ثان/ يناير) طائرته الخاصة مع عائلته وهرب إلى السعودية.
المفعول "السحري" لهذه العبارة جعل آلافا من التونسيين من شمال البلاد إلى جنوبها يتحصّنون بها عند أي تحرّك ينفّذونه سواء على الميدان أو على شبكة الإنترنت بهدف التخلّص من مسئول حكومي ''فاسد'' أو "متواطئ" مع نظام الرئيس المخلوع أو "كنس" آخر غير كفئ.
وبالفعل فقد أظهرت هذه الطريقة جدواها في عديد التحركات التي اتخذت من عبارة "dégage" شعارا لها إذ تم بفضلها إسقاط كثير من الرؤوس الكبيرة سواء في عالم السياسة، أو في الاقتصاد بقطاعيه العام والخاص.
الحكومة تقيل موظفين استهدفتهم حملات "ديغاج"
استعرت في الشوارع التونسية وعلى المنابر الإلكترونية بشبكة الإنترنت في الفترة ما بين 17 و27 كانون ثان/ يناير التحركات الاحتجاجية للمطالبة بتطهير الحكومة الانتقالية التي تشكّلت يوم 17 كانون ثان/يناير من رموز نظام الرئيس التونسي المخلوع وحزبه "التجمع الدستوري الديمقراطي" الذي هيمن على الحياة السياسية طيلة 23 عاما.
الآلاف من المحتجين تظاهروا أمام مقر الحكومة في العاصمة، فيما أطلق المئات من نشطاء الإنترنت مجموعات على شبكة التواصل الاجتماعي فيسبوك كان شعارها "التجمّع ديغاج" ومطلبها كنس أتباع هذا الحزب من الحياة السياسية بشكل نهائي.
وتحت ضغط الاحتجاجات الميدانية والافتراضية استجابت الحكومة لمطالب المحتجين وأعلنت يوم 27 من نفس الشهر عزل 12 وزيرا دفعة واحدة(بينهم أحمد فريعة وزير الداخلية) وتعويضهم بآخرين "مستقلّين".
يوم 28 كانون ثان/ يناير أعلنت الحكومة إلغاء خطة "كتابة الدولة للجباية" التابعة لوزارة المالية غداة تنفيذ مئات من موظّفي مصالح الجباية اعتصامات ومظاهرات في العاصمة تونس وداخل البلاد للمطالبة بإقالة منصف بودن/62 عاما/ كاتب الدولة المكلّف بالجباية بتهمة "الفساد".
وردّد المعتصمون والمتظاهرون بصوت واحد عبارة "ديغاج" ورفعوا لافتات كتبت عليه عبارة "Bouden dégage" (بودن ارحل) وطالبوا بإقالة هذا المسئول ومحاسبته من أجل "الفساد".
وقد استظهر الموظفون الذين استجوبتهم التلفزيون الرسمي التونسي بعضهم، بوثائق ومستندات قالوا إنها تدين بودن بالفساد وتثبت تورّطه في التغطية على تهرّب الرئيس المخلوع وزوجته ليلى الطرابلسي وعائلتيهما من ضرائب بملايين الدولارات.
استقالات قبل وصول حملات "ديغاج"
بعض المسئولين الذين أشهرت في وجوههم الورقة الحمراء "dégage" لم ينتظروا حتى تتم إقالتهم بل سارعوا بتقديم استقالاتهم من المسؤوليات التي يتقلدونها.
منتصر وايلي المدير العام لشركة "اتصالات تونس" التي تملك الدولة غالبية رأسمالها ، والذي عيّنه الرئيس المخلوع في هذا المنصب، استقال من مهامه يوم 31 كانون ثان/ يناير. وقد تبعه يفي الثالث من شباط / فبراير مبروك البحري رئيس اتحاد الفلاحين والبحارة التونسيين، والمعروف بولائه الشديد لبن علي.
إهانات وطرد لمن لا يستجيب
المستقيلون كانوا أفضل حالا من أولئك الذين لم يعطوا بالا لمطالب المحتجين. إذ تعرّض عديد من المسئولين الذين رفضوا التزحزح من كراسيهم إلى أنواع شتى من الإهانات وصلت أحيانا إلى حد الضرب.
جريدة الصباح التونسية ذكرت في عددها الصادر يوم 31 كانون ثان/ يناير أن موظفي الإدارة العامة للعقارات الفلاحية (حكومية) "طردوا" المدير العام للإدارة بسبب "تواطؤه" مع أقارب الرئيس المخلوع وتمكينهم من أراضي تابعة للدولة.
واضطر محمد قويدر والي "قفصة" الجديد إلى مغادرة مركز الولاية يفي السادس من شباط/ فبراير تحت حماية عناصر من الجيش أمّنت خروجه في سيارة عسكرية وسط تجمع حاشد من المواطنين الغاضبين الذين طالبوا برحيله مرددين "dégage".
نفس المشهد تكرّر في عدة محافظات تونسية حيث احتج الأهالي على تعيين الحكومة المؤقتة 19 واليا جديدا (من أصل 24 واليا) من أتباع حزب التجمع الدستوري الديمقراطي الحاكم في عهد الرئيس التونسي المخلوع.
وندّد المواطنون بتعيين شخصيات "متورطة في الفساد" على رأس محافظاتهم وطالبوا بتعويضها بشخصيات مستقلة من "التكنوقراط" وهم ما تمّ فعلا في وقت لاحق.
وطرد مئات من موظفي وزارة الخارجية التونسية يفي السابع من شباط/ فبراير وبشكل مهين وزير الخارجية أحمد ونيّس/ 75 عاما/الذي تسلّم مهام منصبه في 27 كانون ثان/يناير احتجاجا على إدلائه(في السادس من شباط/ فبراير) بتصريحات لتلفزيون "نسمة تي في" التّونسي الخاص اعتبروا أنّه سخر فيها من "ثورة الياسمين" التي أطاحت ببن علي ،ونيّس لم يعد إلى الوزارة منذ هذا اليوم واستقال من منصبه في وقت لاحق.
وكان الوزير الأول محمد الغنوشي رئيس الحكومة المؤقتة والذي استقال من منصبه في 27 شباط/ فبراير آخر ضحايا عبارة "ديغاج".
فقد خرج في 25 شباط/ فبراير أكثر من مائة ألف تونسي في مظاهرة بشوارع العاصمة هي الأكبر منذ الإطاحة بالرئيس المخلوع مردّدين بصوت واحد "غنوشي ديغاج" مهتمين حكومة هذا الأخير وسياساتها بأنها امتداد لنظام بن علي ومطالبين بتشكيل حكومة جديدة نقيّة من "بقايا النظام البائد".
الغنوشي أعلن خلال مؤتمر صحفي عقده في 27 شباط/ فبراير استقالته من منصبه منتقدا الحملة التي استهدفته وجعلت من المطالبة برحيله قضية الساعة.
باحث اجتماعي يحذّر من الفوضى
مهدي مبروك الباحث الاجتماعي وأستاذ علم الاجتماع بالجامعة التونسية قال لوكالة الأنباء الألمانية(د.ب.أ) مفسرا أسباب هذه الظاهرة إن المواطنين والموظفين المتمرّدين على المسئولين والمسيّرين الإداريين في مختلف المواقع يحرّكهم شعور بـ"الامتعاض الكبير جدا" من الذين تقلّدوا مناصب في عهد الرئيس المخلوع.
ولفت إلى أن الممتعضين يعتقدون أن متقلّدي المسؤوليات "لم تكن لهم كفاءة لتولّي المناصب التي شغلوها وأنّهم حرقوا كثيرا من المراحل في تدرجّهم المهني وفي بعض الأحيان تم إسقاطهم على الإدارات نظرا لارتباطاتهم السياسية والزبونية بالعائلة الحاكمة وبرموز في الإدارة الأمنية والحزب الحاكم".
وأضاف:" نظام بن علي رحل لكن في ذهن الناس لم يرحل بالكامل لأن بقايا من أذرعه ووجوهه وممارساته القديمة لا تزال موجودة في الإدارة المحسوبة على النظام السابق".
وحذر الباحث من "الزحف الأخضر" على الطريقة الليبية على الإدارات حتى لا تعمّ الفوضى، داعيا إلى احترام القوانين وإلى رفع المظالم والشكايات إلى لجنة مكافحة الفساد والرشوة التي تم تشكيلها بعد الإطاحة بالرئيس المخلوع والمكلفة بالنظر في التجاوزات الإدارية المسجلة في عهد الرئيس المخلوع
لم يكن يخطر ببال أحد من المتظاهرين أن بن علي الذي حكم البلاد بقبضة حديدية طوال 23 عاما سيستجيب رغما عن إرادته لنداء المحتجين الذين سألوه الرحيل، إذ استقلّ عشية ذلك اليوم ( 14 كانون ثان/ يناير) طائرته الخاصة مع عائلته وهرب إلى السعودية.
المفعول "السحري" لهذه العبارة جعل آلافا من التونسيين من شمال البلاد إلى جنوبها يتحصّنون بها عند أي تحرّك ينفّذونه سواء على الميدان أو على شبكة الإنترنت بهدف التخلّص من مسئول حكومي ''فاسد'' أو "متواطئ" مع نظام الرئيس المخلوع أو "كنس" آخر غير كفئ.
وبالفعل فقد أظهرت هذه الطريقة جدواها في عديد التحركات التي اتخذت من عبارة "dégage" شعارا لها إذ تم بفضلها إسقاط كثير من الرؤوس الكبيرة سواء في عالم السياسة، أو في الاقتصاد بقطاعيه العام والخاص.
الحكومة تقيل موظفين استهدفتهم حملات "ديغاج"
استعرت في الشوارع التونسية وعلى المنابر الإلكترونية بشبكة الإنترنت في الفترة ما بين 17 و27 كانون ثان/ يناير التحركات الاحتجاجية للمطالبة بتطهير الحكومة الانتقالية التي تشكّلت يوم 17 كانون ثان/يناير من رموز نظام الرئيس التونسي المخلوع وحزبه "التجمع الدستوري الديمقراطي" الذي هيمن على الحياة السياسية طيلة 23 عاما.
الآلاف من المحتجين تظاهروا أمام مقر الحكومة في العاصمة، فيما أطلق المئات من نشطاء الإنترنت مجموعات على شبكة التواصل الاجتماعي فيسبوك كان شعارها "التجمّع ديغاج" ومطلبها كنس أتباع هذا الحزب من الحياة السياسية بشكل نهائي.
وتحت ضغط الاحتجاجات الميدانية والافتراضية استجابت الحكومة لمطالب المحتجين وأعلنت يوم 27 من نفس الشهر عزل 12 وزيرا دفعة واحدة(بينهم أحمد فريعة وزير الداخلية) وتعويضهم بآخرين "مستقلّين".
يوم 28 كانون ثان/ يناير أعلنت الحكومة إلغاء خطة "كتابة الدولة للجباية" التابعة لوزارة المالية غداة تنفيذ مئات من موظّفي مصالح الجباية اعتصامات ومظاهرات في العاصمة تونس وداخل البلاد للمطالبة بإقالة منصف بودن/62 عاما/ كاتب الدولة المكلّف بالجباية بتهمة "الفساد".
وردّد المعتصمون والمتظاهرون بصوت واحد عبارة "ديغاج" ورفعوا لافتات كتبت عليه عبارة "Bouden dégage" (بودن ارحل) وطالبوا بإقالة هذا المسئول ومحاسبته من أجل "الفساد".
وقد استظهر الموظفون الذين استجوبتهم التلفزيون الرسمي التونسي بعضهم، بوثائق ومستندات قالوا إنها تدين بودن بالفساد وتثبت تورّطه في التغطية على تهرّب الرئيس المخلوع وزوجته ليلى الطرابلسي وعائلتيهما من ضرائب بملايين الدولارات.
استقالات قبل وصول حملات "ديغاج"
بعض المسئولين الذين أشهرت في وجوههم الورقة الحمراء "dégage" لم ينتظروا حتى تتم إقالتهم بل سارعوا بتقديم استقالاتهم من المسؤوليات التي يتقلدونها.
منتصر وايلي المدير العام لشركة "اتصالات تونس" التي تملك الدولة غالبية رأسمالها ، والذي عيّنه الرئيس المخلوع في هذا المنصب، استقال من مهامه يوم 31 كانون ثان/ يناير. وقد تبعه يفي الثالث من شباط / فبراير مبروك البحري رئيس اتحاد الفلاحين والبحارة التونسيين، والمعروف بولائه الشديد لبن علي.
إهانات وطرد لمن لا يستجيب
المستقيلون كانوا أفضل حالا من أولئك الذين لم يعطوا بالا لمطالب المحتجين. إذ تعرّض عديد من المسئولين الذين رفضوا التزحزح من كراسيهم إلى أنواع شتى من الإهانات وصلت أحيانا إلى حد الضرب.
جريدة الصباح التونسية ذكرت في عددها الصادر يوم 31 كانون ثان/ يناير أن موظفي الإدارة العامة للعقارات الفلاحية (حكومية) "طردوا" المدير العام للإدارة بسبب "تواطؤه" مع أقارب الرئيس المخلوع وتمكينهم من أراضي تابعة للدولة.
واضطر محمد قويدر والي "قفصة" الجديد إلى مغادرة مركز الولاية يفي السادس من شباط/ فبراير تحت حماية عناصر من الجيش أمّنت خروجه في سيارة عسكرية وسط تجمع حاشد من المواطنين الغاضبين الذين طالبوا برحيله مرددين "dégage".
نفس المشهد تكرّر في عدة محافظات تونسية حيث احتج الأهالي على تعيين الحكومة المؤقتة 19 واليا جديدا (من أصل 24 واليا) من أتباع حزب التجمع الدستوري الديمقراطي الحاكم في عهد الرئيس التونسي المخلوع.
وندّد المواطنون بتعيين شخصيات "متورطة في الفساد" على رأس محافظاتهم وطالبوا بتعويضها بشخصيات مستقلة من "التكنوقراط" وهم ما تمّ فعلا في وقت لاحق.
وطرد مئات من موظفي وزارة الخارجية التونسية يفي السابع من شباط/ فبراير وبشكل مهين وزير الخارجية أحمد ونيّس/ 75 عاما/الذي تسلّم مهام منصبه في 27 كانون ثان/يناير احتجاجا على إدلائه(في السادس من شباط/ فبراير) بتصريحات لتلفزيون "نسمة تي في" التّونسي الخاص اعتبروا أنّه سخر فيها من "ثورة الياسمين" التي أطاحت ببن علي ،ونيّس لم يعد إلى الوزارة منذ هذا اليوم واستقال من منصبه في وقت لاحق.
وكان الوزير الأول محمد الغنوشي رئيس الحكومة المؤقتة والذي استقال من منصبه في 27 شباط/ فبراير آخر ضحايا عبارة "ديغاج".
فقد خرج في 25 شباط/ فبراير أكثر من مائة ألف تونسي في مظاهرة بشوارع العاصمة هي الأكبر منذ الإطاحة بالرئيس المخلوع مردّدين بصوت واحد "غنوشي ديغاج" مهتمين حكومة هذا الأخير وسياساتها بأنها امتداد لنظام بن علي ومطالبين بتشكيل حكومة جديدة نقيّة من "بقايا النظام البائد".
الغنوشي أعلن خلال مؤتمر صحفي عقده في 27 شباط/ فبراير استقالته من منصبه منتقدا الحملة التي استهدفته وجعلت من المطالبة برحيله قضية الساعة.
باحث اجتماعي يحذّر من الفوضى
مهدي مبروك الباحث الاجتماعي وأستاذ علم الاجتماع بالجامعة التونسية قال لوكالة الأنباء الألمانية(د.ب.أ) مفسرا أسباب هذه الظاهرة إن المواطنين والموظفين المتمرّدين على المسئولين والمسيّرين الإداريين في مختلف المواقع يحرّكهم شعور بـ"الامتعاض الكبير جدا" من الذين تقلّدوا مناصب في عهد الرئيس المخلوع.
ولفت إلى أن الممتعضين يعتقدون أن متقلّدي المسؤوليات "لم تكن لهم كفاءة لتولّي المناصب التي شغلوها وأنّهم حرقوا كثيرا من المراحل في تدرجّهم المهني وفي بعض الأحيان تم إسقاطهم على الإدارات نظرا لارتباطاتهم السياسية والزبونية بالعائلة الحاكمة وبرموز في الإدارة الأمنية والحزب الحاكم".
وأضاف:" نظام بن علي رحل لكن في ذهن الناس لم يرحل بالكامل لأن بقايا من أذرعه ووجوهه وممارساته القديمة لا تزال موجودة في الإدارة المحسوبة على النظام السابق".
وحذر الباحث من "الزحف الأخضر" على الطريقة الليبية على الإدارات حتى لا تعمّ الفوضى، داعيا إلى احترام القوانين وإلى رفع المظالم والشكايات إلى لجنة مكافحة الفساد والرشوة التي تم تشكيلها بعد الإطاحة بالرئيس المخلوع والمكلفة بالنظر في التجاوزات الإدارية المسجلة في عهد الرئيس المخلوع