
ويمكنك أن تجلس أمام طاولة وتتناول القهوة مع بيرون (على الأقل مع تمثال بالشمع له)، أو أن تستمتع بطعام العشاء بالقرب من مذبح مشيد لإحياء ذكرى زوجته إيفيتا، أو تنشد ترنيمة " المارش البيروني " الدينية كل مساء عند منتصف الليل بعد التلذذ بالتهام لحم مشوي في أماكن أعدت للاحتفاء بذكرى الرئيس الأرجنتيني الراحل بيرون، ويقول مديرو المطاعم إن زبائنهم من الخاصة وليس ثمة تداخل مع مطاعم أخرى.
وربما كان أبرز مثال على هذه المطاعم هو " الجنرال " الذي يشير إلى بيرون الذي أسس ما يعرف باسم حركة جوستيسياليستا التي تتبنى العدالة الاجتماعية وخرج من عباءتها الحزب الحاكم الذي يحمل ذات الاسم، وأدت الخلافات بين الشركاء بالمطعم إلى إفلاسه غير أنه أعيد افتتاحه منذ عامين وتديره حاليا جمعية تعاونية عمالية.
وقال مدير المطعم كريستيان بيرالتا لوكالة الأنباء الألمانية (د .ب. أ ) إن هذا مطعم للشعب ومن أجل الشعب، وإننا جمعية تتكون من عمال بيرونيين حقيقيين، وأضاف بيرالتا أن الأشخاص الذين يأتون إلى المطعم قد يأخذهم التأثر والعاطفة لدرجة أنهم " ينخرطون في البكاء ".
ويوجد داخل المطعم " الباب الحديد " الذي يعد تذكارا لضيعة مدريد التي كان بيرون يقيم فيها أثناء فترة نفيه إلى أسبانيا، وهذا الباب يفتح على قاعة تعرض حوائط تزدان بصور وتذكارات ووثائق ترتبط بالرئيس الأسبق الذي فارق الحياة عام 1974 وهو في منصبه، وتعمل الجمعية التعاونية حاليا لإعداد برنامج إذاعي مخصص للمطعم وكذلك إقامة متحف لبيرون.
أما التجربة البصرية فهي أكثر روعة في حانة ومطعم " بيرون بيرون " الذي يقع في حي باليرمو بالعاصمة الأرجنتينية بيونس أيرس، وتسيطر على المدخل صورتان هائلتان لبيرون وزوجته إيفيتا.
ويوضح أحد أصحاب المطعم وهو المنتج السينمائي دانيال ناريزو أن المكان تحول إلى ظاهرة ثقافية واجتماعية بشكل يتجاوز وظيفة الحانة وبدرجة أسرع مما كان يتوقع، بل إن الحانة أصبحت مجرد واجهة لظاهرة البيرونية، ويقول إن الهدف هو إقامة مكان يشبه مقاهي باريس القديمة التي يتوجه إليها المواطنون لمناقشة القضايا التي تهمهم وتمس بلدهم، وحيث تتوفر مساحة للمناقشات السياسية إلى جانب حوارات ثقافية وفنية واجتماعية.
ويضيف ناريزو إن أصحاب الحانة والمطعم قرروا أن يضعوا مجموعة من الألغاز على جدران المكان وكأنها على شكل متاهة في الديكور حتى لا يشعر الرواد بالملل، غير أن العنصر الأساسي بالمكان هو مذبح لإيفيتا زوجة بيرون التي تنتمي للطبقة العاملة ويقع في وسط المطعم، وهو يشبه المذبح الذي يقيمه الأشخاص في منازلهم لهذه السيدة التي تعجب بها الجماهير الأرجنتينية إلى حد الوله.
وأوضح ناريزو في مقابلة مع وكالة الأنباء الألمانية (د .ب. أ) وهو يشير إلى الزهور البلاستيكية التي تحيط بصورة إيفا بيرون أو إيفيتا وهو الاسم الذي تشتهر به أن هذا المذبح نصفه مقدس والنصف الآخر وثني، ويقترب الرواد منه ويوقدون الشموع ويبكون ويطلبون العطايا.
وأضاف ناريزو إنه توجد على الحائط ساعة مثبته تشبه تلك الساعة الميقاتية التي تثبت حضور وانصراف العمال في المصانع، وتم تثبيت عقاربها على التوقيت 25 :8 وهو الوقت الذي فارقت فيه إيفيتا الحياة، وتوجد بطاقة عمالية مثبتة على الساعة تحمل الرقم 001 وهو يرمز إلى العامل الأول في الأرجنتين وهو بالطبع الرئيس الراحل خوان دومينجو بيرون، وتعرض شاشات التلفاز بالمطعم بشكل مستمر صورا وخطب من أيام الفترة البيرونية.
ويزدان المكان بطبول كثيرة يصفها ناريزو بأنها " رمز مباشر لأعضاء الحركة البيرونية كما ترمز إلى الجانب البشري الذي يقوم على بذل الجهد الشاق والعرق ".
ويجد محبو بيرون مبتغاهم في مطعم آخر يسمى " القهوة مع بيرون " وهو يثير العواطف الشجية، وفي سجل الزوار بالمطعم وهو مقهى أيضا كتبت سيدة تقول : " لقد تحقق حلمي في تناول القهوة مع بيرون " ، وربما جلست هذه السيدة على طاولة موضوع عليها تمثال شمعي لبيرون وهو يرتشف القهوة من فنجان في يده.
وفي جزء آخر من السجل كتب هوراشيو جونزاليز مدير المكتبة الوطنية بالأرجنتين يقول : " إنه لأمر يجلب السرور على الدوام تناول القهوة مع بيرون مفجر الآمال والوعود، كما إنها لتجربة ثرية السير على طريق الذكريات "، ويعد المكان جزءا من معهد خوان دومينجو بيرون الوطني والذي أقيم على مكان كانت تشغله منازل الموظفين التابعين لمؤسسة الرئاسة في مبنى أونزو الذي يعد مقر الإقامة الرئاسي في بالريمو حيث عاش بيرون خلال الفترة بين عام 1946 و 1955، كما أن إيفيتا توفيت في هذا المكان عام 1952 عن عمر يبلغ 33 عاما.
ويقول النائب البرلماني لورونزو بيبي إن هؤلاء الذي يزورون المعهد سيشعرون بالحنين إل الماضي والدافع العاطفي الذي كانت البيرونية قادرة على بثه داخل كل ما تمسه.
(د ب أ) ض ح / ب ت /