تم إيقاف أقسام اللغات الأجنبية مؤقتا على أمل ان تعود لاحقا بعد ان تتغير الظروف

الهدهد: صحيفة اليكترونية عربية بخمس لغات عالمية
الهدهد: صحيفة اليكترونية عربية بأربع لغات عالمية
عيون المقالات

طبالون ومكيودون وحائرون

07/11/2025 - ياسين الحاج صالح

"المتلحف بالخارج... عريان"

07/11/2025 - مزوان قبلان

كيف ساعد الهجري و"قسد" سلطة الشرع؟

07/11/2025 - حسين عبد العزيز

” قسد “.. ومتلازمة انتهاء الصلاحيّة

07/11/2025 - رئيس تحرير صحيفة الرأي

مفتاح الشَّرع الذَّهبي

06/11/2025 - د. مهنا بلال الرشيد

هل يعرف السوريون بعضهم بعضا؟

29/10/2025 - فارس الذهبي

كلمة للفائزين بعضوية مجلس الشعب السوري

26/10/2025 - ياسر محمد القادري


جزائريات يشربن من عين المحبة.....فوح الصنوبر يطرد رائحة الموت من قمم جبال الشريعة بالبليدة




الجزائر-انشراح سعدي - بجبالها الراسيات ورائحة صنوبرها الحلبي وأرزها الأطلسي، وفي طريقها المنعرجة المحفوفة بالغابات حاليا وبخطر الموت المحدق في سنوات الإرهاب، تعود الحياة إلى جبال الشريعة التي طالما كانت من الأماكن المحرمة على الجزائريين ،بعد أن استوطنها الإرهاب لما يزيد عن عشرية كاملة،بكى فيها الصنوبر والأرز وبكيت أنا...


ثلوج اقل هذا العام في جبال الشريعة
ثلوج اقل هذا العام في جبال الشريعة
من قمم جبال الشريعة الواقعة أعالي مدينة البليدة - 50كم غرب العاصمة الجزائر - نشاهد عناقا أبديا، بين زرقة البحر وجبال شنوة بعد أن نمر بمدينة الورود وسهل المتيجة الأخضر في صورة يخيل للمرء الذي تعود بصره على رؤية الاسمنت المسلح واستنشاق الهواء الملوث انه أمام شاشة البلازما الكبيرة ولا يعود إلى الواقع إلا بامتلاء رئتيه بكمية كبيرة من الهواء النقي البارد الذي لا يشبه أبدا أي هواء في منطقة أخرى...

"بكرا يذوب الثلج ويبان المرج" مثل سوري اعشقه وأجده معبرا كثيرا عن الصفاء بعد الضبابية،ولكن هذه السنة لم تتساقط الثلوج بالكمية الكافية لكي تلبس جبال الشريعة جلبابها الأبيض الناصع ككل شتاء، تأخر الثلج هذه السنة ولكن لم يتأخر الزوار عنها ، فلسنوات طوال كان الثلج يجيء يجيء ويبكي حتى أخر دمعة ترسم نقطة الزوال ،دون أن يأتيه احد، كم تحسرنا ونحن نرى الجبال من بعيد كالفاكهة المحرمة ونكتفي بالنظر، ولكنه هذه السنوات افلت فاسحة المجال لعشاق الطبيعة وسكان المدن التي لا ترى نور الشمس بسبب الاكتظاظ من رؤية الشمس والتنعم بالهواء العليل.

القادمون في رحلة البحث عن الطبيعة الخلابة من مختلف الولايات، ونحن في الطريق نلاحظ تنوع أرقام ألواح السيارات ،والاستمتاع بالرحلة إلى حظيرة الشريعة يبدأ من أول الطريق إليها على امتداد نحو 20كيلومترا والذي يتشكل من منعطفات ومنعرجات تمكننا من رؤية كل معالم مدينة البليدة التي تتناهى في الصغر كلما ارتفعنا نحو القمة، فلا يضل من تفاصيلها سوى منارات جامع الكوثـر الأربع في وسط البليدة العتيقة،وطوال 20كم تستوقفنا الاستراحات،استراحة غابة الكستناء، واستراحة محطة التزحلق، واستراحة الأرز الأطلسي، التي عملت إدارة الحظيرة الوطنية للشريعة على تهيئتها بتوفير الطاولات و الكراسي الخشبية بما يمكن العائلات من الاستمتاع تحت الأشجار في الهواء الطلق. يستمر الطريق إلى أن يعانق البصر روعة المنظر و المنعرجات تكسف شيئا فشيئا قرية جبلية بطراز معماري يشبه المدن الألمانية القديمة، صورة لمدينة تختلف عن المدن الجزائرية التي تعودنا عليها ، هده المدينة تقع على علو 1500كيلومتر عن سطح البحر وسط غابات البلوط و الأرز الكثيفة التي يعود عمر أغلبها إلى أكثر من ثلاث قرون.

هذه المناظر التي تخرجنا من العاصمة المكتظة، وتؤكد لنا أن الدنيا اكبر من بيوتنا وشوارعنا ومكاتبنا كانت محرمة علينا، بل خرب الإرهاب وعلى مدار 15سنة المصاعد الهوائية الموصلة للقمة، أما من قرابة سنة فلقد أعيد افتتاح خطوط المصاعد الهوائية كان له الأثر الكبير في انتعاش السياحة بالبليدة كما ساهم في تخفيف الضغط على الطريق البري الوحيد، بالإضافة إلى أنه يختصر الوقت على الزوار حتى يستمتعوا لأطول وقت ممكن من رحلتهم التي لا تتعدى في أغلبها يوما واحدا و لعل من أهم ميزاته هو السماح للزائر بالتمتع عن كثب بالمناظر الخلابة و الغابات، خصوصا و أن سعر التذكرة الذي يتراوح بين 30 و50 دينار لا تتعدى النصف دولار يعد أمرا مشجعا على استعمال المصاعد بدل السيارات،ويعود الفضل في ذلك إلى شركة النقل الحضري بالبليدة التي تسير الخط وتشغل حاليا 135 عربة تقل نحو ألف شخص في الساعة.

حين الوصول إلى القمة لا يمكن للزائر أن يتجاهل اكتظاظ الفتيات حول عين للمحبة تسمى "العوينة " تصغير للعين التي نرى بها ويقال إنها سميت كذلك لأن ماءها عزيز معزة الانسان لعينه التي يرى بها، الفتيات يجئن للشرب منها وملء القارورات، وهذه العين طبيعية تنحدر من جبال الشريعة و هي مرتبطة بأسطورة تواترها الأجيال وتقول خالتي الطاووس أنها أحضرت بناتها الثلاث للشرب من هذه العين المباركة لان كل من تشرب منها يأتيها من يحبها و يتزوج بها.وهناك رواية أخرى مفادها أن كل حبيبان يشربان من هده العين يستمر حبهما وللأبد.

وعن خصوصية هذه العين تضيف أنها سمعت من جدتها أن في قمة الجبل أين تلتقي القمة بالسحاب ولا يمكن لأحد أن يصل دفن ولي صالح كان يعمل على تزويج الفتيات ويجمعهن بالرجال الأكفاء ويعد موته دفن هناك ومازالت بركته تصل إلينا عبر هذه العين، أما ليلي وهي إحدى بناتها فقالت مجرد التفكير بأن هذه العين هي عين الحب يصبح للشرب منها طعما أخر، ولايمكن أن ننكر عذوبتها وان كنت شخصيا لا أومن بما تتوارثه الأجيال من قصص مختلفة حول هذه العينة أما عن قبولي الشروب منها فهو إرضاء لوالدتي التي لا يمكن أن نغير قناعتها.

في وسط رائحته شجر البلوط يلعب الأطفال كأن هذه الحظيرة لم تكمن عنوانا للموت الأكيد ووكرا للجماعات الإرهابية ، ويقول بهذا الصدد كمال العمري أنهم حتى وان سمعوا منذ خمسة أعوام أن الحياة قد عادت إلى جبال الشريعة إلا انه لا يأتي إلا مرافقا بعدد من الأهل والأصدقاء ويغادرونها بعد العصر مباشرة خوفا من أي طارئ فرغم أن عناصر الأمن منتشرة في كل المنطقة ولكننهم يختاطون دائما.

رائحة البلوط والأرز والتراب التي تخترق الدماغ دفعة واحدة صورة مركبة وبسيطة في ان واحد تعلق بالذاكرة الزائر وان زار هذه الجبال مرة واحدة لا غير

انشراح سعدي
الاثنين 4 يناير 2010