نظرا للصعوبات الاقتصادية التي رافقت الجائحة وأعقبتها اضطررنا لإيقاف أقسام اللغات الأجنبية على أمل ان تعود لاحقا بعد ان تتغير الظروف

الهدهد: صحيفة اليكترونية عربية بخمس لغات عالمية
الهدهد: صحيفة اليكترونية عربية بأربع لغات عالمية
Rss
Facebook
Twitter
App Store
Mobile



عيون المقالات

( أيهما أخطر؟ )

24/04/2024 - محمد الرميحي*

إيران.. من يزرع الريح يحصد العاصفة

23/04/2024 - نظام مير محمدي

وقاحة استراتيجية مذهلة

21/04/2024 - راغدة درغام

التعميم بوصفه "تخبيصة" العقل الأولى

18/04/2024 - مصطفى تاج الدين الموسى

رسائل النيران بين إيران وإسرائيل

15/04/2024 - محمد مختار الشَنقيطي

جنوب لبنان.. بعد غزة

06/04/2024 - عبد الوهاب بدرخان

غزة والأخلاق العابرة للحدود والأرباح

06/04/2024 - عدنان عبد الرزاق

نزار قباني وتلاميذ غزة

06/04/2024 - صبحي حديدي

حرب لإخراج إيران من سوريا

06/04/2024 - محمد قواص


آن الكرم يعتصر ....صناعة النبيذ في غزة تحت حكم حماس مهمة سرية خطرة




غزة - سامي أبو سالم - يلجأ بعض الفلسطينيين من أصحاب المزاج في قطاع غزة إلى صناعة النبيذ في بيوتهم، بعد أن اختفت المشروبات الكحولية من القطاع بسبب الحصار الإسرائيلي منذ حوالي ثلاث سنوات ونيّف، وسيطرة حركة حماس الإسلامية التي تحظر تداوله في القطاع ذي الصبغة المحافظة.


آن الكرم يعتصر ....صناعة النبيذ في غزة تحت حكم حماس مهمة سرية خطرة
في "حاكورة"، بيته المتواضع في مخيم الشاطئ غرب مدينة غزة، يحرص أبو عائد أن يختلي بنفسه في أواخر موسم محصول العنب (بداية الخريف) ليصنع ويخزن النبيذ الخاص به دون أن يعلم أحد بـ"مهمته السرية."
تحت شجرة التين، وبعد أن هبط الظلام، انشغل أبو عائد الذي فضل عدم ذكر اسمه، بعصر العنب بيديه العاريتين، مستخدماً مصفاة الطبخ أسفلها وعاء، وبعد حوالي ساعتين أجرى عملية تصفية للعصير في مصفاة ذات ثقوب أصغر من سابقتها.
وقال أبو عائد (36) عاما وهو يلتقط بعض الشوائب: "كانت المشروبات الكحولية متوفرة نوعاً ما في غزة ونشتريها بين الفينة والأخرى، أما بعد سيطرة حماس على غزة فبات من المستحيل تداولها، لذا نضطر لصناعتها يدوياً"، لافتاً أنه لا يستخدم الخلاط الكهربائي كي لا يؤثر طعم البذور المطحونة عليه أو تتسبب في العفن.

نقل أبو عائد العصير إلى غالون وأضاف عليه قرص تخمير (يستخدم في صناعة الجبنة) وأحكم إغلاقه. أوصل الغالون بخرطومِ ينتهي في قنينة ماء، ولفه بخرقة قماش قاتمة اللون ووضعه بين ركام بعيد عن الأنظار. ويقول أبو عائد الذي يعمل سائقاً: "يجب أن يُخزن في مكان مظلم بعيداً عن الضوء، لا أعلم لماذا، لكن هكذا تعلمت من أصدقائي، ويفضل حفظه في وعاء خشبي ليعطي نكهة طيبة، لكن ذلك غير متوفر فأخزنه في البلاستيك، أما الخرطوم فالهدف منه هو التخلص من الهواء الذي يخرج على شكل فقاقيع في قنينة الماء."
وأشار أبو عائد إلى أنه يعرف الكثير من أولئك الذين كانوا يتناولون الكحول قبل سيطرة حماس، بعضهم أقلع "قسرا"، وبعضهم لجأ إلى وسائل أخرى كتعاطي حبوب الهلوسة للتعويض. أما بالنسبة له فيكتفي بالنبيذ لأنه لا يعدو كونه "عصير عنب".

بعد أن انتهى من مهمته، جلس أبو عائد بين قوارير النعناع والريحان والورد. مد يده خلف جذع شجرة التين وأخرج قنينة بحجم لتر واحد بها بعض من النبيذ المنزلي، وعيناه ترقبان الباب الذي أنهكه الصدأ. صب قليلاً منه في كأس زجاجي فانبعثت منه رائحة نفاذة أشبه برائحة العنب المتعفن، رفع الكأس عالياً وقال مبتسماً "في صحة كسر الحصار". وأشار إلى أنه يستهلك سنوياً حوالي 40 كيلو من العنب بجميع أنواعه ينتج منها زهاء 10 لتر من النبيذ، يوزعها في قنينات منفصلة ويستهلكها "بحذر وبخل" على مدار العام.

شرطة الحكومة المقالة في غزة لها طريقة خاصة في التعامل مع مصنعي النبيذ المنزلي، لاسيما وأنه غير ممنوع وفق القانون الفلسطيني. وقال المقدم جميل الدهشان، مدير عام مكافحة المخدرات، لإذاعة هولندا الدولية، إن المشروبات غير ممنوعة "ولا نستطيع تقديم أحد للقضاء، لكن طبيعة قطاع غزة المحافظ جداً تجعل التعامل أشبه بالواجب الاجتماعي، فيتم مصادرة ما لدى بعض المواطنين وهم قلة ولا يتم حبسهم." وأشار الدهشان أنه يتم أيضاً مصادرة الكحول ممن يحاولون إدخالها إلى غزة بشكل شخصي عن طريق معبر بيت حانون "إيريز". يُصنّّع النبيذ في غزة بطرق مختلفة، فغسان جودة، (42 عاماً) الذي يصف نفسه "خبيراً" في هذا المضمار له طريقة أخرى "أكثر سهولة من طريقة عياد المملة".

يقول غسان جودة (هكذا فضل تسميته) إنه يضع حبات العنب في غالون كبير (حوالي 20 لتراً) بدون فرز الحبات العفنة "لأنها تساعد في عملية التخمر" ويضيف مقدار ملعقة خميرة لكل 3 كيلو غرام من العنب، ويضع على فوهته قفازة مطاطية يستخدمها الأطباء في العمليات الجراحية ويربطها من جهة المعصم.
وبعد زهاء خمسين يوماً تنتفخ القفازة بدرجة كبيرة إلى حد يقارب انفجارها، ثم يوخزها بدبوس دقيق جدا لتفرغ الهواء ببطء، ثم يفرغ محتوى الغالون في قنينات منفصلة محكمة الإغلاق ويتناولها واحدة تلو الأخرى على مدار العام.
وقال جودة إنه يفضل العنب الخليلي (من مدينة الخليل) لأنه مشهور بحلاوته الشديدة. لكن لم يعد باستطاعته الحصول عليه بسبب الحصار الإسرائيلي. وتفرض إسرائيل حصاراً مطبقاً على قطاع غزة منذ أن تم أسر جندي إسرائيلي على يد فصائل مسلحة في حزيران/ يونيو 2006.

وبسبب الحصار يواجه جودة مشكلة ارتفاع أسعار العنب في هذه الآونة. فالكيلو الواحد قبل الحصار كان بقيمة 2 شاقل (0.3 يورو) أما اليوم فالكيلو الواحد يعادل 6 شواقل (حوالي 1 يورو)، فيضطر إلى الميل لأنواع فواكه أخرى كالبرتقال الذي تشتهر به غزة. " أسعار العنب مرتفعة، والبرتقال والتفاح هم أكثر ما أستخدمهما، وأحيانا أخلطهما بالعنب، إنها عملية ليست سهلة ويجب أن تكون محكمة كي لا تؤدي إلى الإصابة بالأمراض."وأشار إلى أنه تعلم هذه الطريقة من حاخام يهودي متدين كان يعمل معه في مذبح للطيور في مدينة بئر السبع جنوب غزة، قبل أن تغلق إسرائيل أبواب العمل في وجه عشرات الآلاف من العمال الفلسطينيين.

صناعة النبيذ في غزة ليست بالظاهرة الجديدة، بل تُعد من أقدم الحرف والصناعات التي اشتهرت بها المدينة التي تتسم بإنتاج أحد أفضل أنواع العنب الذي يُعرف بعنب "الشيخ عِجْلِين"، (أحد الأحياء الشهيرة على شاطئ بحر غزة).
وكانت صناعة النبيذ الغزي أحد أهم الموارد الاقتصادية للمدينة قبل ما يزيد عن ألف عام، ففي كتابه "تاريخ غزة، الحياة على مفترق طرق" يقول غيرالد بوت، إن الاقتصاد في مدينة غزة ازدهر في منتصف القرن الرابع بفضل التجارة وعلى رأسها تصدير النبيذ إلى مصر وسوريا، ثم وسعت غزة تجارتها وبدأت بتصديره إلى غربي أوروبا.

ويضيف بوت أن الحفريات في صحراء النقب (منطقة عُرفت تاريخياً كجزء من قضاء غزة)، كشفت عن مواقع تصنيع للنبيذ، كما أشاد العديد من الكتّاب اللاتينيين بين القرنين الخامس والسابع الميلاديين بجودة النبيذ الغزي. كما أن الجرار التي عُثر عليها في غزة من تلك الحقبة، عُثر على مثلها في أنحاء متفرقة من أوروبا والشرق الأدنى.

سامي أبو سالم
الاثنين 5 أكتوبر 2009