سوريا مشكلة محتملة
وفقًا للاستراتيجية الجديدة التي أعلن عنها في 5 كانون الأول/ ديسمبر الجاري، لم تعد منطقة الشرق الأوسط تحتل نفس الأهمية التي كانت لها في الفترات الماضية نتيجة لتغير الظروف، فهي لم تعد مصدرًا لتهديد مباشر للأمن القومي الأميركي، وأصبحت ساحة للشراكات التجارية والاستثمارية بين الولايات المتحدة ودول المنطقة.
وتعد الاستراتيجية أن الأسباب التاريخية التي دفعت واشنطن إلى التركيز على منطقة الشرق الأوسط، لم تعد قائمة. فعلى سبيل المثال، انتهى الاعتماد الأميركي على نفط المنطقة، ولم تعد مسرحًا للتنافس الرئيسي بين القوى العظمى، كما لم تعد مجالًا لصراعات تهدد بالاتساع عالميًا "حتى الوصول إلينا".
وتؤكد الاستراتيجية القبول الأميركي بالأوضاع السياسية لدول المنطقة، وأشارت صراحةً إلى تخلي الولايات المتحدة عن "المحاولات الفاشلة" لتغيير النظم السياسية من الخارج؛ معتبرة أن مفتاح العلاقة الناجحة "قبول المنطقة وقادتها وشعوبها كما هي مع التركيز على المصالح المشتركة".
بالنسبة لسوريا، كان تقييم الاستراتيجية أنها "مشكلة محتملة"؛ لكنها "قد تستقر وتستعيد مكانتها الطبيعية كفاعل إيجابي وأساسي في المنطقة، بدعم أميركي وعربي وإسرائيلي وتركي".
حالة أمنية مطلقة
وتعليقًا على البند المحدد لسوريا ضمن الاستراتيجية، يلاحظ الكاتب والمحلل السياسي درويش خليفة أن الإدارة الأميركية تتعامل مع الإدارة الحالية لسوريا الحرة بوصفها حالة أمنية مطلقة، سواء من ناحية وجود المقاتلين الأجانب أو حتى من خلال وجود قوى عديدة داخل البلاد غير راغبة بنهج الحكومة الحالي أو معارضة لهذا النهج.
ويضيف خلال حديث لـ"ألترا سوريا" أن هذه المعطيات تجعل الإدارة الأميركية تحاول إدارة الأزمة داخل سوريا وتلافي انتقالها إلى البلدان المجاورة، وتصديرها إلى هذه الدول، بل على العكس أصبحت الدول المجاورة تنقل أزماتها إلى سوريا.
ويلفت إلى أن الولايات المتحدة، وخلافًا لما يتصور الشعب السوري بأن سوريا تحوز على كامل اهتمامها في الشرق الأوسط، مهتمة ربما بشكل أكبر بملفات عديدة مثل غزة وجنوبي لبنان والممرات المائية واستهدافها من قبل ميليشيا الحوثي ومشكلات النزوح الحاصل في إسرائيل إلى الخارج.
أما بالنسبة لسوريا، فاهتمام واشنطن ينحصر بإدارة واحتواء الأزمة منعًا لتصديرها، في ظل شعار ترامب بأن أميركا أولًا، وبناء على ذلك يعتقد بعدم وجود رؤية موحدة لدى الإدارة الأميركية للتعامل مع الشأن السوري.
فمن ناحية، إدارة ترامب والبيت الأبيض تريد لسوريا الاستقرار، بينما يختلف الأمر من ناحية "البنتاغون" الذي يعد أكبر مؤسسة بالعالم بعدد موظفين يتجاوز 3 مليون موظفًا إضافة لـ"الس آي إيه"، وهذه المؤسسات تنظر إلى سوريا كمشكلة أمنية ينبغي احتواؤها أو محاولة تطويقها.
دور مهم لدمشق
ومن جهة أخرى، يلمح خليفة إلى أن واشنطن ترغب باضطلاع الدول العربية وتركيا بالمسألة السورية، فهي لا ترغب ببذل المزيد من الجهود في هذا الملف، في حين ترغب بإلقاء أعبائه على عاتق العرب والأتراك، وخاصة أنقرة التي تمنحها واشنطن فرصة هندسة الحالة السورية لكن بشكل لا ينعكس سلبًا على الحليف القسدي لواشنطن الذي لا يزال يتلقى الدعم والتمويل.
من جانبه، يرى الكاتب والمحلل السياسي فراس علاوي خلال حديث لـ"ألترا سوريا" أن الصيغة تعكس تحولًا في رؤية واشنطن لدور سوريا في المنطقة من جهة، ورغبة واشنطن في استقرار المنطقة والتي ترى أن سوريا أحد مفاتيح هذا الاستقرار، من جهة أخرى.
ويضيف بأن دور سوريا ضمن الاستراتيجية الأميركية هو دور جديد لم يكن موجودًا مسبقًا، وهو دور ستكون له مآلات ونتائج مهمة خاصة في ظل التحسن الملحوظ للعلاقات بين دمشق وواشنطن.
وحول النتائج المتوقعة لهذا الدور الجديد ، يوضح علاوي أنها ستكون عبارة عن تعاون بين البلدين خاصة في مجال الاقتصاد مع توقع تمويل أميركي محتمل لسوريا، لن يكون مجانيًا طبعًا، بل سينتج عن توافقات أمنية مع تل أبيب من أجل الاستقرار بالتوازي مع دعم إقليمي لهذه التوافقات
وتؤشر هذه المعطيات، على وجود رغبة أميركية لمنح سوريا مساحة أكبر في الاستراتيجية الأميركية التي تهدف إلى الاستقرار في الشرق الأوسط، ما يمنح سوريا أهمية كبيرة في هذه الاستراتيجية.
-----------
الترا سوريا


الصفحات
سياسة








