تم إيقاف أقسام اللغات الأجنبية مؤقتا على أمل ان تعود لاحقا بعد ان تتغير الظروف

الهدهد: صحيفة اليكترونية عربية بخمس لغات عالمية
الهدهد: صحيفة اليكترونية عربية بأربع لغات عالمية
Rss
Facebook
Twitter
App Store
Mobile



عيون المقالات

معركة السردية بدأت

22/12/2025 - د. عبد الرحمن الحاج

سورية: عام على الجمهورية الثالثة

09/12/2025 - عدنان عبد الرزاق

سبع عشرة حقيبة للمنفى

27/11/2025 - خولة برغوث

في أهمّية جيفري إبستين

26/11/2025 - مضر رياض الدبس


سورية 2025... دولة في طور التشكل




كان عام 2025 مختلفاً بالنسبة إلى سورية والسوريين، إذ شكّل سقوط نظام الأسد قبل عامٍ الحدث الأبرز في تاريخ سورية الحديث، لأنه دشّن خلاص السوريين من أعتى أنظمة الديكتاتورية. وبدأت سورية مع سقوطه تغيير وجهها ووجهتها تماماً، وإنتاج صورة مختلفة للسلطة والدولة عن صورها السابقة، والسير نحو تحقيق دولة القانون والمواطنة التي ما يزال يحلم بها غالبية السوريين، الدولة التي ثاروا من أجل تشييدها، ولم يتردّدوا في تقديم تضحيات جسام في سبيلها.


 
أبرز ما حمله 2025 أن سورية دولة في طور التشكّل. فالخطاب الرسمي للسلطة الجديدة، لا سيّما خطاب الرئيس السوري أحمد الشرع، يتحدّث بلغة الدولة لا بلغة الفصائل. وهو لا يكلّ عن توصيف سورية الجديدة بأنها دولة قانون، تبحث عن الاستقرار والتعافي، وإعادة إعمار ما دمّره نظام الأسد، وإعادة بناء المؤسّسات، وتحقيق العدالة الانتقالية، واستعادة موقع سورية الإقليمي. ولم ينقطع عن السعي إلى عقد تفاهمات واتفاقات تضمن مصالح سورية. واتبع سياسة واقعية في توجهه نحو الخارج، فيما توجّه بخطاب جامع نحو الداخل، مع الحفاظ على مساحاتٍ واسعةٍ للحريات العامّة.

أضحت مهمة بناء مؤسّسات الدولة ملحّةً مع دخول المرحلة الانتقالية في سورية عامها الثاني

يقلّل بعضهم من الاستناد إلى الخطاب واللغة في السياسة، ويعتبرون أن السلطة الجديدة، والشرع، في سورية تلجأ إلى لغة ناعمة من أجل أن تتمكّن، قبل أن تنقلب على السوريين، ويستندون في ذلك إلى المثل الشعبي "تمسكّن حتى تمكّن"، ويريدون منه التدليل على خبثها ومكرها ودهائها. غير أن هذا الادعاء مردود، إذ يحيل على النيّات المبيّتة والغيبيات، ولا يستحقّ النقاش. فمن المهم جدّاً تحليل خطاب أيّ سلطة، ومعرفة اللغة التي تعتمدها، لأن تحليلها وتفكيكها يعرّيان بنية الخطاب، ويسهمان في إظهار تركيبة العقل الذي يصدر منه، وما يسعى إليه في المستقبل.
لمس السوريون خلال 2025 أن زمن الملاحقات والاعتقالات والرمي في غياهب أقبية السجون والمعتقلات قد انتهى، وأن بلادهم تحاول دخول طور جديد في سعيها إلى تشييد مستقبل أفضل. ولم يخلُ الأمر من وقوع أخطاء تسببت بانتهاكات جسيمة استدعت تشكيل لجان تحقيق، لكنّها أثّرت كثيراً على النسيج الاجتماعي وضربت التعايش بين السوريين. ويرتكز همّ الإدارة الجديدة على رسم صورة جديدة للدولة، التي تريد طيّ صفحة الاستبداد وسنوات الحرب المديدة، وذلك بالابتعاد عما ساد خلال حقبة الاستبداد، حين حوِّلت سلطاتُه الدولة إلى مجرّد مزرعة لآل الأسد وأزلامه وزبانيته، ووظّفتها أداةً للسيطرة على المجتمع السوري والتحكم به، وحوّلت غالبية السوريين إلى مجموعات من الرعايا والأرقام الهامشية، تعيش بالقوة في كيان مغلق يسوده الخوف وتحكمه المافيات والعصابات. ولم تتوانَ تلك العصابات عن تدمير الدولة والبلاد حين بدأت ثورة السوريين عام 2011.
ليست الصورة ورديةً تماماً في سورية خلال عام 2025، كما يحاول تصويرها المطبّلون للسلطة الجديدة والمتزلّفون لها والانتهازيون، كما أنها ليست مظلمةً حالكة السواد، حسبما يحاول تصديرَها كارهو السلطة الجديدة والحاقدون عليها والناقمون. فالواقع يشي بحصول متغيّرات عديدة، بعضها إيجابي وبعضها الآخر سلبي. وأكبر منجز بالنسبة إلى غالبية السوريين إسقاط نظام الأبد والخلاص منه، لأنه كان كابوساً مرعباً جثم على صدورهم عقوداً طويلة.
تحققت إنجازات ونجاحات خلال العام المنصرم، وشهدت إخفاقات كذلك، لكن البلاد ما تزال تقف على مفترق طرق، وما زالت التحدّيات كثيرة وصعبة. ومن الضرورة بمكان أن يأخذ السوريون مصيرهم بأيديهم، لأن بلادهم بحاجة ماسّة إلى تضافر جهودهم وهي تمرّ بمرحلة تؤهّلها لتقرير مصيرها بأيدي أبنائها من مختلف المشارب والأطياف، واستكمال إسقاط نظام الأسد وجعله واقعاً متعيّناً يتجسّد في دولة القانون والمؤسّسات، التي لا تُبنى إلا بالاعتماد على كفاءات السوريين.
ما زالت الدولة السورية بحاجة إلى تشريعات وقوانين واضحة لضبط عمل مؤسّسات الدولة وموظّفيها؛ لذلك لا بدّ من الإسراع بتشكيل مجلس النواب، والعمل على تشكيل لجنة دستورية من المختصّين تبدأ بصياغة الدستور السوري المستقبلي، قبل عرضه على الاستفتاء العام لاحقاً.
أضحت مهمة بناء مؤسّسات الدولة ملحّةً مع دخول المرحلة الانتقالية في سورية عامها الثاني، وتمثّل مطلباً ضرورياً بالنسبة إلى السوريين. فعلى الرغم من مساعي الحكومة السورية لترميم مؤسّسات الدولة، إلا أنها ما تزال ضعيفةً، وبعضها شبه مشلول، وبحاجة إلى كوادر مؤهّلة وخبرات كثيرة، لا سيّما المؤسّستين الأمنية والعسكرية اللتين تحتاجان مزيداً من الكوادر والخبرات، بغية تحقيق الأمن والأمان للسوريين كافّة.

عاشت سورية عامها الأول من دون نظام الأسد، لكنّها ما تزال دولةً في طور التحوّل

يصعب تقديم تقييم نهائي لتغيّرات معيشة السوريين خلال عام 2025، بالنظر إلى التركة الاقتصادية الكارثية التي ورثتها السلطات الجديدة عن نظام الأسد البائد. ولا يمكن إحداث قفزاتٍ نوعيةٍ في معيشة السوريين خلال عام، لأن الاقتصاد المدمّر يحتاج إلى عملية ترميم شاملة، ويتطلّب عملاً تراكمياً لسنوات. ومع ذلك، هناك بعض التحسّن في الخدمات والبنية التحتية، وقد انخفضت نسبة التراجع السنوي في مستوى معيشة السوريين. وهناك رهانات كثيرة على تحسّن أكبر بعد إلغاء العقوبات المفروضة على سورية، لا سيّما عقوبات قانون قيصر، الذي يسير نحو الإلغاء النهائي.
عاشت سورية عامها الأول من دون نظام الأسد، لكنّها ما تزال دولةً في طور التحوّل، وتسعى لأن تكون دولةً خرجت من محنتها، وتنتظرها مهام كثيرة لا تنحصر في ترميم البنى التحتية المدمّرة، ولا في كلفة الإعمار التي تتجاوز مئتي مليار دولار على أقلّ تقدير، فالمؤسّسات تحتاج إلى إعادة تأسيس، فيما العدالة الانتقالية لا تزال مطلباً مؤجّلاً، وتُعدُّ المدخل الأساس لدولة القانون، وبالتالي فإن تجاهلها يؤدّي إلى استمرار جراح الماضي، ورغبة الضحايا في الانتقام، ورغبة المتورّطين في زعزعة الاستقرار. فضلاً عن حالة الاستقطاب المجتمعي التي تهدّد السلم الأهلي، وتنذر بأن أيَّ خلاف بين السوريين يمكن أن يتحوّل إلى أزمة كبرى، مثلما حدث في الساحل السوري والجنوب، حينما تحوّلت المطالبات السياسية إلى نزاعات مفتوحة. ولا يغيب عن جملة التحدّيات عودة ظهور العصبيات العشائرية والطائفية والإثنية، الأمر الذي يؤكّد أن سورية بحاجة ماسّة إلى عمل سياسي وثقافي وإعلامي يهدف إلى ترسيخ فكرة أن الشعب هو مصدر السلطات.
---------
العربي الجديد


عمر كوش
الاثنين 29 ديسمبر 2025