الرئيس الأميركي دونالد ترامب وصفه بصاحب الكاريزما، والذي يمتلك رؤية واضحة. وهو ما أكده مسؤولون آخرون في صندوق النقد الدولي، اعتبروا أن الرجل يمسك بزمام أموره، لا يحاول أن يكون في موقع الذي يبرر تجربته أو تاريخه، ولا يحمّل المسؤولية للمشاكل التي ورثها أو ورثتها سوريا؛ بل يركز في تطلعاته نحو المستقبل. في تقييم الأميركيين أيضاً، فإن التجربة الدولية الأولى للشرع كانت محط اهتمام، بناء على الأفكار التي طرحها والطموحات التي عبر عنها، ويعتبر أن ثمة فرصاً لا تتكرر في التاريخ، فيعلن بوضوح استعداده لانتهاز هذه الفرصة. وفق الانطباعات أيضاً، يُظهر أحمد الشرع لياقة، وقوة شخصية مع ثقة بالنفس، ويترك انطباعاً عبّر عنه ترامب بنفسه؛ إذ وصفه بصاحب القرار، الشجاع، القوي والذي لديه تاريخ قوي، ويعرف ما الذي يريده. وهذا ما يفترض أن يتكرس في العلاقة مع الداخل السوري ومع كل الجماعات والمكونات في سوريا؛ إذ أن الإنجازات التي يسعى إلى تحقيقها في الخارج، لا بد أن يُعمَل على تحقيقها في الداخل عبر تكريس المصالحات وإعادة توحيد البلاد وإشراك كل المكونات في العملية السياسية. يبدو الشرع ملتزماً التزاماً عميقاً بفكرة نبذ الحرب وانتهاج الديبلوماسية، وذلك ما يؤسس إلى إطالة أمد سلطته لما بعد المرحلة الانتقالية، التي ستكون بالنسبة إليه محطة تأسيسية أو ابتدائية للمرحلة المقبلة التي يريد فيها تحقيق مشروعه. لزيارة الشرع إلى واشنطن رمزية أساسية؛ إذ يمكن من خلالها الاعتبار أن رحلة الإسلام الجهادي العابر للحدود قد انتهت، ويريد أحمد الشرع أن يطوي صفحاتها بنفسه، عبر انفتاحه على الغرب وإعلانه الانضمام للتحالف الدولي ضد داعش، والتي استبقها بعمليات أمنية وعسكرية في سوريا ضد خلايا التنظيم. هذا النموذج الجهادي الذي أصاب الولايات المتحدة يوم 11 أيلول 2001، وشنّت بنتيجته حروب على المنطقة والعالم، يريد أحمد الشرع أن يقلبه بدخوله مسالماً إلى البيت الأبيض، في مرحلة تاريخية ترتبط بما يعتبره البعض الدخول في حقبة جديدة، وهي نهاية القتال المسلح أو عصر الجهاد والمقاومات. وهو ما يسعى بواسطته الشرع لتحويل سوريا من ساحة قتال، إلى ساحة لإنتاج الغذاء والزراعة والصناعة، وواحة للأمن، ومساحة للنقل بين دول المنطقة، لأن ذلك يستحيل أن يتحقق من دون شراكات مع الدول الأخرى. تزامن دخول أحمد الشرع إلى البيت الأبيض مع لحظة وصول أول مسلم لمنصب عمدة نيويورك، في محاولة لإعادة تشكيل صورة إسلام سياسي جديد، يبدأ بالمصالحة مع العصر، والغرب بالتحديد. بهذا المعنى، لم تكن فقط، زيارة أول رئيس سوري إلى البيت الأبيض، لكنها زيارة لها رمزية بالنسبة للشرع كقائد إسلامي يرمز إلى التحول الكبير المبتدئ من باكستان وأفغانستان، وصولاً إلى آخر معاقل الحركات الإسلامية. فحتى حركة حماس بدأت تبحث جدياً في ما بعد إلقاء السلاح، وكيفية العمل على إعادة تنظيم نفسها سياسياً، وتأطير هذا التنظيم في كوكبة التحولات الإقليمية والدولية، وهي التي نجحت بانتزاع تواصل أميركي مباشر معها، من قبل فريق عمل الرئيس الأميركي دونالد ترامب. وذلك أيضاً ما يجري فرضه على حزب الله بالمعاني السياسية، العسكرية، والمالية. وليس مصادفةً أن تقيم الولايات المتحدة الأميركية قاعدة عسكرية على شواطئ غزة، ستكون عملياً ضابطاً لإسرائيل ومنع مشروع التهجير، وهو ما يُطرح أيضاً بالنسبة إلى لبنان، أو سوريا التي تريد واشنطن إقامة قواعد فيها. أيضاً، هذه الزيارة تعبر عن انتقال من الإيديولوجيا إلى الاقتصاد. ومن التكفير والهجرة، إلى بناء الدولة. وهو ما يؤكده الشرع باستمرار عندما يتحدث بإصرار على إعادة بناء الدولة السورية وفتحها أمام الاستثمارات الخارجية. إنه الانتقال من القتال إلى الإعمار. من ناحية أخرى، فإن الولايات المتحدة الأميركية انتقلت بدورها من التحالف الضمني مع ما يُعرف بالأقليات أو التقاطع على مدى سنوات مع “الإسلام الشيعي” منذ الدخول إلى أفغانستان والعراق وحتى في حقبة أوباما في سوريا، إلى بناء شراكة وحوار مع المجتمعات والدول العربية والإسلامية ذات الأكثرية السنية، مع ما يعنيه ذلك من تقويض للنفوذ الإيراني، وإنهاء ما كان يسمى بـ”الهلال الشيعي”. بما يخص سوريا نفسها، تدشن الزيارة لأول مرة منذ الخمسينيات، تحالفاً سورياً مع أوروبا والولايات المتحدة الأميركية، كانقلاب استراتيجي، يُكمل حلقة النفوذ الأميركي والأطلسي من بحر العرب إلى مضيق البوسفور، لا سيما أن مرتكزات الاستراتيجية الأميركية في هذه المرحلة تقوم على التكامل في التحالف مع دول الخليج ولا سيما المملكة العربية السعودية، وتركيا وسوريا. وبذلك، فبدلاً من أن تكون سوريا أرضاً وجسراً، مقراً وممراً لمشروع إيران أو مشروع الممانعة، عادت صلة وصل بين أوروبا والجزيرة العربية وبين المتوسط وحدود إيران. وبدلاً من أن تكون سوريا حاجزاً باتت هي مفتاح الطريق بين قلب آسيا وحوض المتوسط. لكن التحدي الأكبر يبقى في كيفية تجيير كل هذا الانفتاح على الخارج أو الانفتاح الدولي على سوريا، لمصلحة الشعب السوري بمختلف مكوناته. تفتح هذه الزيارة الباب أمام عهد سياسي جديد في سوريا، سيكون له انعكاسات على ثقافتها ومناهجها التعليمية، اقتصادها، دورها على مستوى المنطقة، أمنها، وعلاقاتها مع كل دول الجوار. وإذا كان حافظ الأسد رئيساً عربياً قوياً بين الرؤساء العرب الأقوياء، فلأنه كان دائم الدهاء في كيفية التعامل مع الدول، فكان حليفاً وخصماً قوياً في آن. أما اليوم فإن أحمد الشرع، سيكون حليفاً وشريكاً موثوقاً، وحاجة لدول غربية وعربية في سوريا. إنها المرة الأولى ربما منذ عقود، يمكن الحديث عن بداية علاقة تكاملية بين دول المنطقة. وهو ما سيفتح أفقاً وباباً للتنافس الإيجابي مع سوريا، إن من قبل العراق، الأردن أو لبنان.
----------
جريدة المدن
----------
جريدة المدن


الصفحات
سياسة








