نظرا للصعوبات الاقتصادية التي رافقت الجائحة وأعقبتها اضطررنا لإيقاف أقسام اللغات الأجنبية على أمل ان تعود لاحقا بعد ان تتغير الظروف

الهدهد: صحيفة اليكترونية عربية بخمس لغات عالمية
الهدهد: صحيفة اليكترونية عربية بأربع لغات عالمية
عيون المقالات

( أيهما أخطر؟ )

24/04/2024 - محمد الرميحي*

إيران.. من يزرع الريح يحصد العاصفة

23/04/2024 - نظام مير محمدي

وقاحة استراتيجية مذهلة

21/04/2024 - راغدة درغام

التعميم بوصفه "تخبيصة" العقل الأولى

18/04/2024 - مصطفى تاج الدين الموسى

رسائل النيران بين إيران وإسرائيل

15/04/2024 - محمد مختار الشَنقيطي

جنوب لبنان.. بعد غزة

06/04/2024 - عبد الوهاب بدرخان

غزة والأخلاق العابرة للحدود والأرباح

06/04/2024 - عدنان عبد الرزاق

نزار قباني وتلاميذ غزة

06/04/2024 - صبحي حديدي

حرب لإخراج إيران من سوريا

06/04/2024 - محمد قواص


أزهار النارنج تصنع الربيع في محافظة نابل التونسية




تونس - منير السويسي - تحتفي محافظة نابل التونسية 90) كيلومترا جنوب العاصمة تونس (خلال كلّ ربيع بشجرة النّارنج، التي تجود في هذا الفصل بأزهار بيضاء زكيّة الرائحة يقع تقطيرها لاستخراج ماء "الزّهر" (التسمية المحليّة لأزهار النّارنج في تونس) وزيت "النيرولي" النّادر المستخدم في صناعة أرقى أنواع العطور في العالم.


فاشكة زهر بني خيار العملاقة
فاشكة زهر بني خيار العملاقة
وتنتمي شجرة النارنج إلى فصيلة الحمضيات (مثل البرتقال والليمون) وتعرّف علميّا باسم "سيتروس أورانتيوم"(citrus aurantium)وهي شجرة معمرة ودائمة الخضرة يمكن أن يصل ارتفاعها إلى 10 أمتار.

وتشبه النارنجة شجرة البرتقال إلى حدّ كبير لكنّ أزهارها أكبر حجما وأزكى رائحة من أزهار البرتقال، أمّا ثمارها فأصغر حجما وهي شديدة الحموضة وكثيرة البذور . وتتميز ثمار النارنج بقشرتها الخشنة ذات اللون البرتقالي المشوب بالأخضر أو الأصفر.

النارنج من الصين إلى الأندلس مرورا بتونس

أظهرت مراجع تاريخية أن جنوب شرق آسيا وتحديدا الصين هي الموطن الأصلي للنارنج وأن الفاتحين المسلمين أدخلوا "النارنجة " (اسم شجرة النارنج) إلى شمال إفريقيا ثم الأندلس التي انتقلت منها الشجرة فيما بعد إلى بعض دول جنوب أوروبا مثل فرنسا.

وكانت زراعة النارنج ازدهرت بشكل كبير في مدينة إشبيلية الاسبانية حتى أطلق على النارنجة اسم "برتقال إشبيلية" . وقد اعتمد الأندلسيون أزهار هذه الشجرة في صناعة العطور التي كانت وقتئذ تستخرج من الزيوت الروحية للورود وزهور الحمضيات.

وساهم الأندلسيون الذين حلّوا بتونس في القرن 15 ميلادية في تطوير زراعة النارنج .وخاصة في محافظة نابل ونقلوا إلى التونسيين طرق تقطير أزهار الشجرة لاستخراج ماء الزهر وزيت النيرولي.

ولا تزال العائلات النابليّة )نسبة إلى محافظة نابل( وخاصة في مدن بني خيار ونابل ودار شعبان الفهري )التي توجد بها 65 بالمئة من حقول النارنج في المحافظة) تحافظ منذ أكثر من خمسة قرون على عادة تقطير الزهر الموروثة عن الأندلسيين.

موسم"الزهر"يشغل سنويا3 آلاف عائلة نابلية : يكتسي موسم جني وتقطير الزّهر أهمية اجتماعية واقتصادية بالغة في محافظة نابل إذ يشغّل سنويّا ثلاثة آلاف عائلة بالمنطقة ويوفر لها عائدات مالية بنحو أربعة ملايين دولار.

وينعقد سنويا اجتماع بمقر محافظة نابل يحضره ممثلون عن كل الأطراف المعنية بالموسم ويتمّ خلاله تحديد موعد جني الأزهار وضبط أسعار بيعها في الأسواق.
وتم هذا العام تحديد سعر بيع الكيلوجرام الواحد من أزهار النارنج بـ 5ر3 دنانير تونسية )حوالي 5ر2 دولار(.

ويشارك أغلب أفراد العائلة في عمليات جني أزهار النارنج. ويتعيّن فقط قطف الأزهار غير المتفتّحة دون سواها لأن الأزهار المتفتّحة غير صالحة للتقطير.

ويبلغ اليوم عدد أشجار النارنج في محافظة نابل 122 ألفا و500 شجرة موزّعة على حقول تمسح 440 ألف هكتار. ويوجد 65 بالمئة من مجموع الأشجار بثلاث مدن هي نابل وبني خيار ودار شعبان الفهري.

وتنتج هذه الأشجار سنويا ما بين 1000 و1200 طن من الأزهار وقد يصل الإنتاج إلى 1500 طن إذا كان فصل الشتاء ممطرا. ويتم توجيه نسبة 60 بالمئة من محصول الأزهار إلى ستة مصانع مختصة في تقطير ماء الزهر بطرق آليّة فيما تباع الـ40 بالمئة المتبقية في الأسواق لربّات البيوت اللاتي يقطّرنها باستعمال "القطّار" التقليدي.

طريقة تقطيرالزهر التقليدية هي الافضل : يفضل التونسيون ماء الزهر الذي تقطّره ربّات البيوت في المنازل بواسطة القطّار التقليدي ويقولون إنه أفضل نكهة من الزهر المقطّر في المصانع.

وقبل تقطير الزهر تجفّف النسوة أزهار النارنج طوال يومين كاملين حتى تفرز الزيت وتكون نكهته ماء الزهر المستخرج منها جيّدة.

توضع الأزهار في وعاء نحاسي يستعمل للتقطير ويسمى "القطّار" ويضاف إليها الماء بمعدّل 7 لترات لكل 2 كيلوجرام ونصف من الأزهار، ثم يوضع فوقه غطاء يغلق بطريقة محكمة. توقد نار الحطب أو غاز الطهي تحت القطاّر إلى أن يغلي الماء وتنبعث منه بخار يسمّى روح الزهر.

يكون غطاء القطّار موصولا بأنبوب يربطه بقارورة بلورية تسمّى "فاشكة" (قارورة بلوريّة دائرية الشكل وذات عنق طويل يحتفظ داخلها بماء الزهر).

يمرّ الأنبوب عبر إناء مملوء بالماء البارد وبذلك يتحول البخار المنساب في الأنبوب إلى قطرات ندى تسقط في الفاشكة تباعا إلى أن تمتلئ بماء الزهر. ويتم تغيير ماء الإناء البارد باستمرار لتثليج البخار وتحويله إلى قطرات ماء.

يتم استخراج زيت النيرولي النادر، الذي يستخدم في صناعة أنواع عالمية رفيعة من العطور، داخل ستة مصانع موجودة بمدن نابل وبني خيار ودار شعبان الفهري. وقد تأسس أقدم هذه المصانع سنة 1903.
ويمكّن تقطير طن واحد من أزهار النارنج بالطريقة الآلية(داخل هذه المصانع ) من توفير 600 لتر من ماء الزهر وكيلوجرام واحد من زيت النيرولي.

وتعدّ محافظة نابل من أهمّ منتجي ومصدّري زيت النيرولي في العالم. وتصدّر المحافظة سنويا ما بين 500 و700 كيلوجرام من هذا الزيت النادر الذي تصل أسعاره في الأسواق الخارجية إلى 4500 دولار للكيلوجرام الواحد.
ويقول خبراء العطور إن زيت النيرولي النابلي من بين الأجود في العالم.
وتستورد مدينة "غراس" الفرنسية(جنوب فرنسا) الشهيرة بصناعة العطور الفاخرة أغلب كميات زيت النيرولي النابلي.

ووصف الفرنسي جون بول جيرلان(Jean-Paul Guerlain)وهو من أشهر منتجي العطور الراقية في العالم في كتاب بعنوان "طرق عطوراتي" زيت النيرولي النابلي بأنه "ممتاز" وقال إن هذا الزيت صار من المكونات الرئيسية للعطور التي تنتجها مصانعه.

وكان جيرلان اضطر في شتاء سنة 1955 الذي تجمّدت فيه كل أشجار النارنج في الساحل اللازوردي بفرنسا (بسبب موجة البرد والثلوج التي غمرت المنطقة) إلى السفر إلى نابل لشراء زيت النيرولي. ومنذ ذلك التاريخ يزور جيرلان محافظة نابل بانتظام خلال موسم تقطير الزهر لشراء النيرولي التونسي.

تحرص الكثير من العائلات التونسية على التزوّد بمئونتها السنوية من ماء الزهر المعروف باستعمالاته المنزلية المتعدّدة. ويتوافد على المدن الشهيرة بتقطير النارنج في محافظة نابل زوار مدن ومحافظات أخرى للتزوّد بمئونتها من ماء الزهر.

وتعتبر مدينة "بني خيار" التي ينتصب في إحدى شوارعها الرئيسية تمثال لـ"فاشكة" عملاقة عاصمة الزهر في تونس. وذكرت نشرية خاصة أصدرتها مؤخرا وبمناسبة انطلاق موسم الزهر "جمعية صيانة مدينة نابل" (الناشطة في مجال صيانة التراث والحفاظ على التقاليد والعادات التي تختصّ بها محافظة نابل) إن ماء الزهر يعالج ارتفاع حرارة الجسم وضربة الشمس وحالات الإرهاق ويعدّل دقات القلب ويهدئ الأعصاب المتوتّرة.

وأضافت أن ماء الزهر يقاوم "الحالات النفسية الصعبة والتعصّب وقلة النشاط ويساعد على التفاؤل" ويعين على النوم الهادئ وأن وضع قطرات من ماء الزهر على الوسادة قبل النوم يبعد الأحلام المزعجة.

وذكرت أن ماء الزهر "خير علاج للبشرة الجافة والحساسة" وأنه "يعيد للوجه نضارته خاصة بعد استعمال (النساء) الماكياج، كما أن له مفعول ضد الشيخوخة وعلامات التقدم في السنّ".

ويستعمل ماء الزهر أيضا لإعداد عدة أصناف من الحلويات والأطباق وخاصة الكسكسي بالسمك. كما يستعمل لتعطير ماء الشرب والقهوة والشاي وسلطات الخضر والغلال.
ويخشى مدافعون عن البيئة أن يأتي يوم تندثر فيه غابة النارنج بمحافظة نابل بسبب التوسع العمراني الكبير في المحافظة.

وقد شرعت وزارة الزراعة التونسية منذ سنة 2002 في تنفيذ برنامج خاص لتوسيع مساحات حقول النارنج في منطقة "غرداية" التابعة لمدينة "بني خيار" التي تعتبر عاصمة الزهر في المحافظة لكن مراقبين يرون أن هذه الجهود غير كافية.

منير السويسي
الجمعة 30 أبريل 2010