نظرا للصعوبات الاقتصادية التي رافقت الجائحة وأعقبتها اضطررنا لإيقاف أقسام اللغات الأجنبية على أمل ان تعود لاحقا بعد ان تتغير الظروف

الهدهد: صحيفة اليكترونية عربية بخمس لغات عالمية
الهدهد: صحيفة اليكترونية عربية بأربع لغات عالمية
Rss
Facebook
Twitter
App Store
Mobile



عيون المقالات

( في نقد السّياسة )

05/05/2024 - عبد الاله بلقزيز*

أردوغان.. هل سيسقطه الإسلاميون؟

03/05/2024 - إسماعيل ياشا

" دمشق التي عايشتها " الغوطة

28/04/2024 - يوسف سامي اليوسف

( أيهما أخطر؟ )

24/04/2024 - محمد الرميحي*

إيران.. من يزرع الريح يحصد العاصفة

23/04/2024 - نظام مير محمدي

وقاحة استراتيجية مذهلة

21/04/2024 - راغدة درغام

التعميم بوصفه "تخبيصة" العقل الأولى

18/04/2024 - مصطفى تاج الدين الموسى

رسائل النيران بين إيران وإسرائيل

15/04/2024 - محمد مختار الشَنقيطي


الباب … تفتح أبواب الجحيم




لم تحظ مدينة سورية بالأهمية العسكرية والسياسية والإعلامية التي حظيت بها مدينة “الباب”, تلك المدينة التي تحمل من اسمها نصيباً, فهي بوابة العبور للزاحفين باتجاه الجنوب نحو عاصمة “البغدادي”في محافظة الرقة (الجيش الحر), وهي معبر الوصول إلى شرقي وغربي الفرات (للكورد), وهي أيضاً حامية الحمى ودرع الأمان عن مدينة حلب شرقاً (نظام الأسد).


كل أطراف الصراع في سورية مع داعميهم الإقليميين والدوليين حضرت قواتهم أو حضر حلفائهم في محيط مدينة “الباب”:

الولايات المتحدة الأمريكية كانت أكثر الداعمين لميليشيات سورية الديموقراطية فنشرت قواتها تارة غرب الفرات وتارة جنوب الحسكة (قاعدة الرميلان), والآن تتقدم لتضع قواتها شمال بلدة “منبج” برسالة واضحة لحليفها التركي أن التعرض لحلفائها “أكراد مسلم” غير مسموح دون تسوية أو صفقات.

روسيا أيضاً كانت متواجدة جواً وداعمة أرضاً لميليشيات “الأسد” و”إيران” و”حزب الله” بعد أن تقاسمت جغرافية مناطق سيطرة تنظيم الدولة الإسلامية “داعش” في مدينة “الباب” ومحيطها, ورسمت خطاً فاصلاً بين فصائل “الجيش الحر” العاملة في إطار عملية “درع الفرات” وكان الأوستراد الدولي الذي يربط حلب بالرقة هو خط فصل القوات المعتمد من وجهة نظر الروس بالتوافق مع تركيا.

تركيا هي الأخرى كانت تتواجد أرضاً وجواً عبر دعمها لفصائل الجيش الحر التي تقاتل ضمن عملية “درع الفرات” والتي تتلاقى أهدافهم مع الأهداف التركية المتمثلة بطرد تنظيم “داعش” عن الحدود ومنع إقامة كيان كردي انفصالي وتسعى لتشكيل “منطقة آمنة” قد تستوعب بعض السوريين الفارين من الموت الأسدي إلى تركيا.

في آخر القراءات العسكرية يظهر وبوضوح تزايد التعقيد العسكري وتشابك الخيوط في منطقة جغرافية لا تزيد عن ألفي كيلومتر مربع تتوزع بين مدينة الباب والضفاف الغربية لنهر الفرات عند “سد تشرين” وبلدة “دير حافر”, ومعركة قطع الطرق المتبادلة قامت بها معظم الأطراف خدمة لأهداف عسكرية ومنها سياسية, فميليشيات “قسد” كانت قد قطعت بوابات العبور نحو نهر الفرات شرقاً باتجاه “سد تشرين” بعد أن سيطرت على مدينة “منبج” وقامت بتشكيل مجلسها العسكري “الشكلي” واعتبرت أن المدينة جزء من إرثها ورفضت الانسحاب منها, ميليشيات “الأسد” التي كانت تراقب معارك “الجيش الحر” مع تنظيم “داعش”, ومن ثم بدأت مرحلة السباق معه للوصول إلى مدينة “الباب” أولاً لكن الجيش الحر حسم المعركة ودخلها فاتحاً فسارعت ميليشيات “الأسد” للتمدد شرقاً باتجاه “جب المخفي” لتتلاقى مع ميليشيات “مسلم” غربي “منبج” وبذلك تكون قد أغلقت الطريق أمام فصائل “الجيش الحر” بمتابعة مهامه بملاحقة فلول “داعش” باتجاه الجنوب وشكلت حزاماً آمناً للتنظيم من ضربات “الجيش الحر”, وليعلن نظام “الأسد” عن فتح طريق لأكراد “البي واي دي” عبر مناطق سيطرته إذا ما أرادوا التوجه نحو بلدة “عفرين” غرباً وبتحد واضح لتركيا وبمغازلة مؤقتة لأكراد “مسلم”, وليبرز للعلن مرة أخرى التنسيق غير المعلن بين “داعش” و”قسد” وميليشيات “الأسد”.

لكن … إذا كان الطريق قد أٌغلق جنوباً بوجه الجيش الحر فهذا لا يعني الاستكانة, ففصائل الجيش الحر العاملة في الشمال (أكبر 11 فصيل) اجتمعت على مدى ثلاثة أيام مع مندوبي غرفة “الموم” لمناقشة توقف الدعم الأمريكي (توقف دعم وكالة الاستخبارات الأمريكية السي آي إيه) ومن تلك الفصائل من تجاوب مع مطالب التوحد واستمر بالاجتماعات دون الوصول لنتيجة بعد, ومنها من قرر الانفصال والالتحاق بعملية “درع الفرات” (جيش الإسلام, صقور الشام, جيش إدلب الحر, تجمع فاستقم كما أٌمرت), وبالتالي يصبح تأمين إمداداتها على عاتق الجانب التركي الذي رحب بانضمامهم ليشكلوا قوة عسكرية إضافية تحتاجها “تركيا” وبقية فصائل “الجيش الحر” في المعركة المرتقبة على عاصمة “الدواعش” في “الرقة”, والأمر لم يتوقف عند هذا الحد فقد انطلقت اجتماعات أخرى بين قادة الفصائل”الحر” المشاركة بعملية “درع الفرات” وبين قيادة الجيش التركي الذي طالب قادة “الحر” بتحضير خطط عسكرية للمعركة ضد مناطق “داعش” في “الرقة” اعتباراً من مدينة “تل أبيض” الحدودية وباتجاه الجنوب, ثم ليأت توجيه عملياتي آخر من غرفة عمليات “حوار كلس” بالتوجه شرقاً نحو مدينة “منبج” ولتبدأ معها الاشتباكات مع ميليشيات “قسد” وليحرر “الجيش الحر” عدة قرى كانت تسيطر عليها تلك الميليشيات رغم الزج الأمريكي ببعض عناصره وآلياته الثقيلة شمال مدينة “منبج” كقوات فصل ومحاولة أمريكية لمنع الاشتباك بين أطراف حلفائها (قوات سورية الديموقراطية وتركيا).

المتتبع لأجواء المفاوضات والعارف بتفاصيلها يٌدرك أن روسيا حاولت تغيير موازين القوى على الأرض للالتفاف أو لإلغاء مرجعية جنيف1 والقرار 2118, والقول أن تغير الجغرافية العسكرية يجب أن تترافق مع تغير معطيات التفاوض وكان اجتماع “استانا” خطوة في هذا الطريق لكنه فشل, ومع معركة “الباب” وتقدم وانتصار “الجيش الحر” كانت عملية قطع الطريق لمنع تزايد جغرافية المناطق المحررة والخارجة عن سيطرة “الأسد” وبالتالي التقليل من أوراق القوة الضاغطة بيد مفاوضي الثورة في قاعات جنيف4, أما الاهتمام الآخر فينحصر في تشكيل القوى المشاركة بعملية تحرير “الرقة” والتي ما زالت عصية عن الحل والوصول لرؤى توافقية بين “واشنطن” و”أنقرة” وأحياناً تحاول “موسكو” أن تدفع بنفسها لكنها حتى الآن لم تجد لنفسها موقعاً في تلك العملية فتكتفي بدور المخرب والمبعثر لبقية الجهود.

خطاب الرئيس الأمريكي “دونالد ترامب” قال أن معركة الحرب على إرهاب “داعش” ستتم بالتعاون مع حلفائه من الدول الإسلامية, وهذا الكلام يتطابق مع خلاصة اجتماع رؤساء الأركان الأمريكي والتركي الذي عٌقد في قاعدة “أنجرلك” الأمريكية جنوب تركيا, وفيه قدم الجانب التركي خطتان للهجوم على “الرقة”, لكن مستجدات الموقف الآن تقول أنه أمام الاستعصاء الحاصل بهوية الأطراف المشاركة في عملية تحرير “الرقة” فقد تكون هناك تسوية تقضي بانسحاب كورد “مسلم” من مدينة “منبج” مقابل وعود أمريكية وموافقة تركية بتقسيم جبهات الرقة لقطاعات يشغل “قسد” إحداها, وبالتالي وأمام قطع روسيا عبر حلفائها (إيران وحزب الله وميليشيات الأسد) للهجوم من جنوب مدينة “الباب”, فقد يكون البديل عبر دخول فصائل “الجيش الحر” من جسر سد “تشرين” الذي يبعد عن مدينة “الرقة” بحدود (85)كم, هذا الكلام أكده أحد القادة الأمريكيين مؤخراً بالقول أن تحرير “الرقة” سيتم بقوات من السوريين.

كلام الخرائط غالباً ما تبعثره القرارات السياسية, وروسيا التي تشعر أنها تخرج من المولد السوري الشمالي بخفي حنين لن تبقى مكتوفة الأيدي, ولديها القدرة على بعثرة بعض الأوراق أقلها التنصل من اتفاقها مع تركيا بعدم الاصطدام بين الجيش الحر وميليشيات “الأسد”, وبالتالي ستكون طعنة في العلاقات التركية- الروسية وعرقلة تحركات الجيش الحر, أيضاً إيران التي تتصارع مع تركيا بموضوع من يشغل الفراغ الذي سيتركه تنظيم “داعش” إذا ما تم الانتصار عليه سواءاً في الرقة أو دير الزور وحتى البادية السورية ومحيط “تدمر”, وبالتالي فهي ساحة صراع إقليمي أخرى تعيش على بركان قد يلتهب بأي لحظة ويطيح بالهدوء الدبلوماسي الذي يحاول الطرفان إظهاره, وتركيا لا تتوقف صراعاتها مع أجندات أمريكا ولا مع حلفاء موسكو فصراعها مع تنظيم الكورد الانفصالي التابع لصالح مسلم والذي تعتبره تركيا الذراع العسكري لحزب العمال الكوردستاني في سورية, وبالتالي فمحاولات الضبط الأمريكية قد تفلت من العقال وقد تندلع اشتباكات لن يقف فيها الجيش الحر متفرجاً.

بكل الأحوال تبقى معركة “الرقة” هي محط الأنظار, وتبقى عصابات “البغدادي” هي الهدف الأكبر الذي يسعى الجميع للإطاحة به, لكن تبقى التحالفات غير الناضجة بعد هي من تنتظر بدء معركة التحرير.

ويبقى السؤال: أي المعارك تسبق … معركة التحالف الجديد المتوقع مع “داعش” أم معركة داخل التحالفات الدولية؟؟؟

حقاً أن “الباب” فتحت أبواب الجحيم.

 ------------
كلنا شركاء

 

 


العميد احمد رحال
الجمعة 3 مارس 2017