نظرا للصعوبات الاقتصادية التي رافقت الجائحة وأعقبتها اضطررنا لإيقاف أقسام اللغات الأجنبية على أمل ان تعود لاحقا بعد ان تتغير الظروف

الهدهد: صحيفة اليكترونية عربية بخمس لغات عالمية
الهدهد: صحيفة اليكترونية عربية بأربع لغات عالمية
عيون المقالات

التعميم بوصفه "تخبيصة" العقل الأولى

18/04/2024 - مصطفى تاج الدين الموسى

رسائل النيران بين إيران وإسرائيل

15/04/2024 - محمد مختار الشَنقيطي

جنوب لبنان.. بعد غزة

06/04/2024 - عبد الوهاب بدرخان

غزة والأخلاق العابرة للحدود والأرباح

06/04/2024 - عدنان عبد الرزاق

نزار قباني وتلاميذ غزة

06/04/2024 - صبحي حديدي

حرب لإخراج إيران من سوريا

06/04/2024 - محمد قواص

على هامش رواية ياسر عبد ربه

04/04/2024 - حازم صاغية


التشارو الكاوبوي المكسيكي يطارد الثيران وهو يستخدم الهاتف المحمول




مكسيكو سيتي - سرخيو كارييو - التشارو هو الفارس أو الكاوبوي المكسيكي، وتعتبر ملابسه التي تتكون من القبعة ذات الحواف العريضة المطرزة بخيوط الذهب والنقوش التقليدية بالإضافة إلى السترة القصيرة والبنطلون الضيق مع الحزام العريض وجراب المسدس، مع الحذاء البوت المرتفع ومهاميز الخيل، فضلا عن القميص الأبيض الناصع تتدلى من ياقته بابيونة تجمع بين اللونين الأحمر والأخضر – ألوان العلم المكسيكي- الزي الوطني التقليدي لهذا البلد اللاتيني.


عرض لشرطة التشارو السياحية التى يبلغ قوامها في المكسيك أكثر من 1200 فرد.
عرض لشرطة التشارو السياحية التى يبلغ قوامها في المكسيك أكثر من 1200 فرد.
وتستخدم هذا الزي فرق من الشرطة الوطنية في الاحتفالات الرسمية بالإضافة لاستعراضات أيام الآحاد في الحدائق والمتنزهات العامة، كما أصبح هذا المظهر التقليدي الفريد أحد عناصر جذب السياحة في المكسيك، خاصة عندما تنظم هذه الفرق استعراضاتها الفلكلورية في مواكب بالخيول تصاحبها الموسيقى التي تبهر السائحين.
وعن أصول هذا الزي القومي التقليدي، نجد أن القبعة المكسيكية الشهيرة ذات الحواف العريضة، كانت تستخدم في بادئ الأمر كوسيلة لحماية المزراعين من حرارة الشمس الحارقة في الحقول، ولكنها مع الوقت تحولت من مجرد قبعة مصنوعة من القش إلى غطاء رأس فاخر مصنوع من القماش المقوى والجلد مكسو بالقطيفة تزينه نقوش تقليدية مطرزة بخيوط الذهب، هذا عن التصميم أما عن التطور فأصبحت من مجرد جزء من تراث الريف إلى رمز وطني استخدمته المكسيك كشعار لها عند تنظيم بطولة كأس العالم عام 1986.
وتعتبر هذه القبعة حاليا جزءا أساسيا من الزي الرسمي الذي ترتديه شرطة التشارو، التي تشارك فرق كثيرة منها في السياحة، بالإضافة إلى أنه على مستوى العالم أصبح من المتعارف عليه أن هذه القبعة العريضة الحواف مصدرها المكسيك، كما صارت تذكارا سياحيا لابد منه، يحتفظ به الزائر للمكسيك أو يهديه لصديق أو قريب.
يقول بيريث كاماتشو وهو (تشارو) في شرطة السياحة "نحن نرتدي هذا الزي لمدة 365 يوما في العام ونحن على استعداد لارتدائه على مدار ساعات اليوم الأربع والعشرين إذا لزم الأمر".
يضيف كاماتشو "قديما لم يكن التشارو ينتمون للشرطة، بل كانوا يصطادون الحيوانات وخاصة الثيران والأبقار والخيول، بطريقة خاصة أشبه بطريقة الكاوبوي الأمريكي، ولكن الفارس المكسيكي يتميز عنه أنه يقوم بسحب فريسته من ذيلها ومسدسه في جرابه".
ويتابع ساخرا "الآن بدلا من المسدس يحتفظ التشارو في جرابه بهاتف محمول .. الأحوال تغيرت ربما يكون بمقدور التشارو الآن تقييد الثور وهو يرد على "ميسد كول" .. نحن نواكب التكنولوجيا ولكنها لم تغيرنا".
أما جييرمينا سانشيز، المؤرخة وأستاذة الأنثربولوجيا بمتحف جوادالاخارا الإقليمي فتقول:"كان مشهد الرجل الذي يمتطي صهوة الجواد فريدا من نوعه خلال زمن الاحتلال الإسباني الذي استمر حتى القرن التاسع عشر".
وتضيف "مع تقدم الزمن أصبح التشاروجزءا من التراث ولكنه لم يندثر فهذا الكاوبوي المكسيكي حول ممارساته الرعوية إلى بطولات رياضية، تبرز مهارة المتسابقين في صيد ثور بأنشوطة أو السيطرة على جواد جامح وسحبه من ذيله أو امتطائه بدون سرج أو لجام، كما يمكن تقييد قوائم فرس باستخدام اليدين وحبل فقط، بالإضافة إلى تنظيم سباقات يقوم المتبارون خلالها بالتنقل بين جواد مسرج وفرسة برية وغيرها من الأنشطة الرياضية البرية".
ومن خلال هذه المسابقات نجحت المكسيك في الحفاظ على هذه التقاليد الموروثة بلا أدنى تغيير منذ نشأتها في القرن التاسع عشر، كما نجحت في تحويلها إلى رياضة رسمية لها اتحاد رياضي عام 1983.
ويوجد حاليا في المكسيك أكثر من 1200 فرقة شرطة سياحية تستخدم أفرادا من التشارو، يشاركون في مسابقاتها التقليدية سواء في المكسيك أو في الولايات المتحدة، كما بدأت هذه الرياضات البرية العنيفة في اجتذاب الكثير من الأجيال الشابة وهو ما دفع الحكومة لإنشاء مدراس متخصصة لتعليم فنونها بشكل منهجي.
ونظرا لأن جذور التشارو مرتبطة بوجود الاستعمار الإسباني في المكسيك، كان ركوب الخيل علامة فارقة بين طبقة وأخرى، حيث يقول التشارو المكسيكي إيميليو جارثيا سالازار "كان ركوب الخيل مقصورا على طبقة المحتل الإسباني تمييزا لها، ثم أصبح دليلا على الارتقاء الطبقي بين عرقيات السكان الأصليين من الهنود الحمر وغيرهم من الخلاسيين.
وبالرغم من ذلك يعلق سالازار "لو كان للإسبان نفس مهارتنا في ركوب الخيل لاندثرت رياضات التشارو مع زوال الاحتلال" وهو ما أضفى على صورة التشارو في الخيال الشعبي "صفات الشجاعة والنبل والرومانسية"، وهي الصورة التي يتذكر بها الأدب المكسيكي، الزعيم الثوري إيميليانو زاباتا ورفاقه.
يحكي المؤرخ الإسباني برنال دياث ديل كاستييو، في كتابه "التاريخ الحقيقي لغزو إسبانيا الجديدة" أنه "عندما رأى السكان الأصليون القائد الإسباني هرنان كورتيس، الذي فتح المكسيك، هو وجنوده يمتطون صهوات جيادهم، ظنوا أن الفارس والجواد شيئ واحد، على غرار القنطور الإغريقي الأسطوري". ويتابع ديل كاستييو "كانت هذه أولى حروبنا إلى جانب كورتيس في الأرض الجديدة وكان لوقع مشهد الخيول تأثير كبير على نتيجة المعركة مع السكان الأصليين".
بعد الاحتكاك الدموي الذي نتج عن الصدمة الأولى، وبمرور الزمن تآلف السكان الأصليون مع الخيول وروضوها وصارت جزءا محوريا من تراثهم، ولكن صورة الرجل الحصان أو القنطور، كان لها تأثير استراتيجي في المعارك التالية التي رسخت جذور الاحتلال الإسباني في أمريكا اللاتينية
كما يرجع الفضل للأجيال المتعاقبة من السكان الأصليين والخلاسيين في تصميم وتطوير زي التشارو، كما أصبحوا خبراء تفوقوا على الإسبان أنفسهم في فنون الخيل ورياضاتها التي صنعت أسطورة الغرب الأمريكي، متجاوزين بذلك صدمة القنطور كي يصبح التشارو بعد 500 عام فخر التقاليد التراثية المكسيكية.

سرخيو كارييو
الاثنين 29 يونيو 2009