نظرا للصعوبات الاقتصادية التي رافقت الجائحة وأعقبتها اضطررنا لإيقاف أقسام اللغات الأجنبية على أمل ان تعود لاحقا بعد ان تتغير الظروف

الهدهد: صحيفة اليكترونية عربية بخمس لغات عالمية
الهدهد: صحيفة اليكترونية عربية بأربع لغات عالمية
عيون المقالات

( أيهما أخطر؟ )

24/04/2024 - محمد الرميحي*

إيران.. من يزرع الريح يحصد العاصفة

23/04/2024 - نظام مير محمدي

وقاحة استراتيجية مذهلة

21/04/2024 - راغدة درغام

التعميم بوصفه "تخبيصة" العقل الأولى

18/04/2024 - مصطفى تاج الدين الموسى

رسائل النيران بين إيران وإسرائيل

15/04/2024 - محمد مختار الشَنقيطي

جنوب لبنان.. بعد غزة

06/04/2024 - عبد الوهاب بدرخان

غزة والأخلاق العابرة للحدود والأرباح

06/04/2024 - عدنان عبد الرزاق

نزار قباني وتلاميذ غزة

06/04/2024 - صبحي حديدي

حرب لإخراج إيران من سوريا

06/04/2024 - محمد قواص


الثلوج نعمة ونقمة في مدينة عين دراهم الجبلية بتونس





تونس - طارق القيزاني - من فوق قمم الجبال ووسط الغابات المكسوة بالثلوج تقدم مدينة عين دراهم التونسية لزائريها صورا تخطف الألباب في فصل الشتاء، لكن تلك الصور الرائعة لا تمثل سوى الوجه المشرق للمدينة الجبلية.
مع انطلاق ذروة موسم الشتاء تتكدس أكوام من الثلوج على جنبات الطريق الجبلي المتموج والمؤدي إلى مدينة عين دراهم لتبدو من بعيد مدينة بيضاء، وهي أحد الألقاب اختصت بها عين دراهم.


ويعقد سكان المنطقة التي تبعد نحو 250 كيلومترا عن العاصمة والقريبة من الحدود الجزائرية غربا، مقارنات عفوية بين جمال المشاهد التي تحيط بمدينتهم والقرى الجبلية، والمنتجعات المنتشرة في منطقة الآلب بقلب أوروبا.
لكن تلك المقارنات لا تخلو من الحسرة، إذ أن مدينة عين دراهم وبرغم خصائصها الفريدة فإنها تفتقد في نفس الوقت إلى الكثير من الترميم والصيانة لبنيتها التحتية المتداعية وإلى مشاريع عصرية.

مع ذلك تحافظ عين دراهم على قدر كبير من الميزات الطبيعية الفريدة. وأكثر ما يفاخر به السكان هنا هي أقوال خالدة رددها الشاعر التونسي الشهير أبو القاسم الشابي في مدينتهم الجبلية.

وفي وسط المدينة تنتصب اليوم لوحة صخرية ضخمة تحمل لافتة رخامية وقد نقشت عليها أجمل أبيات شعر أبو القاسم "من يأبى ركوب الجبال يبقى أبد الدهر بين الحفر"، وسكان عين دراهم يقدرون الحياة فوق الجبال التي تحيط بهم على صعوبتها.

يقول طارق المرزوقي وهو حرفي من منطقة حكيم الجبلية القريبة ويأتي إلى عين دراهم مع تزايد حركة السياحة في فصل الشتاء "تأتي الثلوج كل موسم شتاء. الناس تزور عين دراهم للاستمتاع بهذه المشاهد خاصة انها تتزامن مع العطل المدرسية". ويضيف المرزوقي لوكالة الأنباء الألمانية (د. ب. أ) "يأتي السياح الجزائريون بكثافة. نعول كثيرا على هذه الفترة الشتوية لمنح دفعة إلى السياحة في المنطقة. لكن الوضع هنا أحيانا قد يصبح صعبا".

تمثل السياحة والفلاحة الأنشطة الاقتصادية الرئيسية في عين دراهم لكنها لا تغطي طلبات الشغل لأعداد كبيرة من العاطلين من الشباب وكبار السن.

لهذا يستعد طارق والآلاف من الحرفيين والتجار وباعة السلع التقليدية في الجهة، عادة مع نهاية تشرين ثان/نوفمبر وعلى امتداد ذروة فصل الشتاء ، لتوافد السياح على النزل في الجهة، من أجل ترويج سلعهم.

وتسمح هذه الفترة بتدارك حالة الركود في الموسم الصيفي، بعد اجتياح الحرائق بشكل قياسي الغابات في عين دراهم صيف 2017 واتلافها المحاصيل ومساحات شاسعة من الأشجار.

ترتفع المدينة نحو ألف متر عن سطح البحر تضم غاباتها مسالك صحية ورياضية كما تتميز بانتشار واسع لشجر البلوط والصنوبر والفلين ما يجعلها دائمة الخضرة على مدار العام.

تاريخيا كانت عين دراهم من بين المناطق التي استحوذ عليها الاسبان في حملتهم على تونس منتصف القرن السادس عشر واستمر وجودهم لمدة اربعين عاما قبل دخول العثمانيين، وكان لهذا أثر على طبيعة المعمار في المدينة.

وخلال حقبة الاستعمار الفرنسي التي بدأت من عام 1881 أصبحت عين دراهم مركزا لقاعدة عسكرية وأحد المستوطنات المفضلة للفرنسيين. وتحولت تدريجيا إلى محطة سياحية متعددة الوظائف بدءا من عام 1930.

وعلاوة على كونها مقصدا رئيسيا للباحثين عن السكينة والهدوء بعيدا عن ضجيج العاصمة والمدن الكبرى، تنشط في عين دراهم السياحة الاستشفائية في قرية حمام بورقيبة، ذات المياه المعدنية والعلاجية، وهي ذات شهرة عالمية إذ تحتل المرتبة الثانية بعد فرنسا في الاستشفاء بالمياه المعدنية والكبريتية.

وحتى اليوم تحافظ عين دراهم على خصائصها المعمارية القريبة من الريف الأوروبي إذ أن أغلب أسقف البيوت في المدينة مصنوعة من الخشب، ومنها ما هي مصنوعة من القرميد الأحمر.

وعلى الرغم من خصائصها الطبيعية المذهلة فوق قمم الجبال فإن عين دراهم تفتقد حتى اليوم إلى معابر هوائية (تليفريك). وهو أحد المطالب الرئيسية في المدينة منذ عقود طويلة.

ويعتقد طارق المرزوقي أن تشييد معابر هوائية في عين دراهم وتعزيز الفنادق بها، من شأنه أن يحدث ثورة ونقلة كبيرة للسياحة في المنطقة ويجعلها منافسة للمنتجعات الثلجية بسويسرا لأنها وجهة رخيصة للسياح.

وأرجع مستشار بوزارة السياحة سيف الدين الشعلالي غياب التلفريك في عين دراهم إلى غياب شريك من القطاع الخاص لتمويل جزء من المشروع. ويوضح الشعلالي "الوزارة تدعم المشروع السياحي وهي تبحث عن شركاء في القطاع الخاص ولدى الأجانب لتمويل التليفريك بين مدينتي عين دراهم وطبرقة المجاورة لأنه سيحدث دون شك حركية كبرى في المنطقة".

وتبرز الحاجة الملحة للتلفريك في عين دراهم مع صعوبات التنقل والترفيه التي تحدثها الثلوج الكثيفة في الطرق والمعابر الجبلية، وهو وضع سرعان ما يتحول إلى كابوس لأهالي المنطقة وحتى الزائرين.

يقول قيس عمراني وهو بعمل مدرس بالعاصمة لكنه يزور عائلته بانتظام في عين دراهم "في الصيف تعاني العائلات الفقيرة في غابات عين دراهم من خطر الحرائق وفي الشتاء تصبح الحياة أشبه بحالة حرب. تغرق المدينة في عزلة وتقل المؤونة بشكل حاد".

ويضيف عمراني لـ (د.ب.أ) "مع بداية هطول الثلوج يحبس السكان في عين دراهم أنفاسهم. تستمر بعض الموجات في الهطول أحيانا لعدة أيام ويؤدي ذلك في كثير من الأوقات إلى حالة من الشلل في المدينة".

سجلت عين دراهم بالفعل رقما قياسيا في تونس من حيث سماكة الثلوج حيث وصل ارتفاعها إلى قرابة المترين عام 2005 وتسبب ذلك في طمر أجزاء كبيرة من شوارع المدينة والمنازل تحت الثلوج. وفي مطلع 2017 باغتت الثلوج الكثيفة زوار المدينة في العطلة بالإضافة الى الآلاف من السياح الجزائريين فقطعت الطرقات وسدت جميع المداخل إلى المدينة التي عزلت عن باقي المدن التونسية. وتفاقم الوضع بأن تحول إلى حصار طبيعي مطبق على عين دراهم وسكانها لأكثر من أسبوعين حتى تدخل الجيش ومنظمات من المجتمع المدني لمد السكان المعزولين بالمؤونة ووسائل التدفئة.
ويقول عمراني "ستكون الحياة أفضل في عين دراهم لو ضخت الدولة المزيد من الاستثمارات في البنية التحتية بالمدينة".

ويضيف عمراني بحسرة "نملك كل مقومات القطب السياحي في شمال افريقيا. لكن الدولة لا تضع هذا ضمن أولوياتها منذ عقود طويلة".

طارق القيزانى
الخميس 4 يناير 2018