نظرا للصعوبات الاقتصادية التي رافقت الجائحة وأعقبتها اضطررنا لإيقاف أقسام اللغات الأجنبية على أمل ان تعود لاحقا بعد ان تتغير الظروف

الهدهد: صحيفة اليكترونية عربية بخمس لغات عالمية
الهدهد: صحيفة اليكترونية عربية بأربع لغات عالمية
Rss
Facebook
Twitter
App Store
Mobile



عيون المقالات

عن روسيا وإيران شرق المتوسّط

08/05/2024 - موفق نيربية

( في نقد السّياسة )

05/05/2024 - عبد الاله بلقزيز*

أردوغان.. هل سيسقطه الإسلاميون؟

03/05/2024 - إسماعيل ياشا

" دمشق التي عايشتها " الغوطة

28/04/2024 - يوسف سامي اليوسف

( أيهما أخطر؟ )

24/04/2024 - محمد الرميحي*

إيران.. من يزرع الريح يحصد العاصفة

23/04/2024 - نظام مير محمدي

وقاحة استراتيجية مذهلة

21/04/2024 - راغدة درغام


الثورة والتغيير




تثير الثورة السورية الكثير من التساؤلات حول نجاحها او فشلها نتيجة المدة الطويلة اتي استغرقتها دون أن تؤدي الى سقوط نظلم الطغيان الذي ثار السوريون عليه، وأيضاً نتيجة كم الدماء التي أُريقت على الأرض السورية منذ اندلاعها وحتى اليوم .

لكن هل من المنطق الحديث عن فشل الثورة السورية أو إمكانية فشلها؟؟؟.


 

 أعتقد أن الثورات تنجح بمجرد تَفَجُّرها ، لأن ما قبلها بالتأكيد لن يكون كما بعدها، أي أن الثورة عندما انطلقت ونجحت بالإستمرار فهي وضعت حداً لكل شيء كان قبلها ، فالموات السياسي والإجتماعي الذي فرضه الأستبداد إنتهى  وبغير رجعة ، وفكرة عبادة الفرد انتهت الى غير رجعة ، وعملية الضبط الأمني المخابراتي لحركة المجتمع لن تعود ممكنة كما كانت فبل الثورة ، فكرة الأمن مقابل الحرية ، والخبز مقابل القبول بالقمع بالفساد قد سقطت مرة والى الأبد من أذهان الناس. 

لكن الثورات التي تضع حداً لكل ما سبق هي تُخرِج أيضاً كل سلبيات المجتمع الثائر وتفجر الطموحات المشروعة وغير المشروعة لدى شريحة واسعة من الشعب الخارج تواً من قمع ورعب داما طويلاً، وتشكل فرصة للتحرر من بعض من بعض الرهانات الغير الواقعية ونزعات التطرف التي قد تنشأ نتيجة الموروث الثقافي والديني( ظهور الحركات التكفيرية)  و التي  قد تغذيها أيضا حدة الالام الناتجة عن وحشية القمع الذي يمارسه الطغاة خلال محاولتهم قمع الثورة ، تلك التزعات التي غالباً مايتخلى عنها الناس  بعد ان يثبت خطأها وفداحة الأضرار والأخطار التي تسببها للمجتمعات الثائرة والإعاقة التي تتسبب بها لعملية التغيير  .

لقد استمرت الثورة الفرنسية عشرة أعوام وكان ضحاياها أكثر من مليونين وكان الضحايا من الثوار وعلى إيدي الثوار أكثر من ضحاياها على أيدي السلطة المنهارة، وتنافس الثوار فيما بينهم على كل شيء واستمرت حالة عدم الاستقرار طويلاً حتى اضطر الفرنسيون أن يقبلوا بإمبراطور مكان الملك الذي أسقطوه ، لكن الأثر الذي أحدثته الثورة الفرنسية كان كبيرا وعميقا على فرنسا ومجمل أوربا وكانت هذه الثورة الدامية حجر الأساس للتحول الديمقراطي واحترام حقوق المواطن رغم كل ما شهدته من تحولات ومآسي.

كما استمرت حرب الاستقلال الأمريكية عشرون عاماً مع ملايين الضحايا والمهجرين ، وقد كانت أولى الثورات العارمة في التاريخ،  ورغم كل المأسي التي عاناها الشعب الأمريكي طيلة عشرين عاماً إلا أنها كانت ثورة دستور و مبادئ وحريات انتجت قوة عظمى لا تزال قائمة حتى اليوم . 

إن ما جرى ويجري في منطقتنا منذ عام ٢٠١١ ليس بعيدا عن ماجرى في أوربا وإمريكا  وسيعطي نفس النتائج ، لكنه قد يطول أو يقصر قليلا من حيث المدة الزمنية وقد يزيد أو ينقص قليلاً من حيث التضحيات المطلوبة والكُلَف المادية والبشرية اللازمة لإنجاز التغيير، لكنه سيحدث التغيير المطلوب وسيحقق النقلة الحضارية اللازمة والتي تأخرت قرنين أو أكثر عن مثيلاتها في اوربا وأمريكا وهذا التغيير سيعم منطقتنا كلها عاجلاً أو آجلاً ، وقد تكون الثورة السورية هي المثال الأقرب من حيث حجم  التغييرات التي ستحدثها وشموليتها على مستوى المنطقة،  سواءً التغييرات السياسية أو الإجتماعية أو فيما ينعلق بالتفكير الجمعي لسكان المنطقة بعد أن أتاحت هذه الثورة فرصة تاريخية لكنها مؤلمة ومكلفة  لصراع البرامج السياسية  والأيديولوجيات  التي طالما بقيت مكبوتة في العقل الباطن لسكان المنطقة على مدى قرون ، ففي حين تطلب إعلان فشل الدولة المستبدة القائمة على أسس قومية أو ايديولجيات الاشتراكية والعدالة الإجتماعية المفروضة بالقوة ثلاثة أو أربعة عقود لتسقط تماما من أذهان أغلبية سكان المنطقة فإن الدولة المستبدة القائمة على الايديولوجيا التكفيرية الدينية لم تحتج لأكثر من أن تتحكم سنوات  عديدة في بعض الأجزاء من المجتمعات العربية ( دولة داعش في بعض سوريا والعراق ، أو دولة القاعدة في بعض الصومال وأفغانستان) حتى أصبحت منبوذة من غالبية سكان منطقتنا ، ولن يمر وقت طويل حتى تصبح منبوذة من الجميع مثلها مثل بقية أشكال الاستبداد  تحت أي مسميات أخرى. 

لن تقتصر نتائج الثورة السورية على جعل السوريون يكتشفون قيمة الحرية وقدسيتها بل ستتعداها لتعلمهم أهمية النظام والتنظيم بعدما دفعوا غاليا ثمن العشوائية وعدم التنظيم الذي اتصفت به سنوات ثورتهم ، وأيضا ستعلمهم معنى السياسة وأهمية استقلال قرارهم بعدما رأوا بأعينهم فداحة ثمن كون هذا القرار مرتهناً لهذه الجهة أو تلك ، وبعدما عرفوا وبالتجربة بأن لا عواطف إنسانية ولا عصبيات قومية أو دينية  تحكم العلاقة بين الدول بل مصالح ، وأن المصالح المشتركة هي حجر اساس أقوى بكثير لإقامة علاقات مفيدة ومتوازنة من بقية الروابط الأخرى. 

سينتصر الشعب السوري في النهاية وستشكل ثورته نقطة انعطاف في تاريخ سوريا والمنطقة ، تماما كما كانت الثورة الفرنسية على الصعيد الأوربي والأمريكية على الصعيد العالمي.  
---------
كلنا شركاء


د. وليد البني
الثلاثاء 1 مارس 2016