د وكثيراً ما غاب السؤال الأخلاقي عن الحياة العامة. ولا يكفي الفصل بين السياسة والأخلاق الذي قال به ماكيافيلي، لتفسير هذا الغياب. ذلك أن جنوح سياسيين كثر إلى التشديد على مظلومية الطوائف اللبنانية وخوف الواحدة من الأخرى، هو بمثابة إعفاء من المسؤولية الأخلاقية. فحين تكون السياسة محكومة بمصلحة الجماعة المفترضة بوصفها الخير الأعلى، يضيق مجال الأخلاقيات إلى حدود العلاقات بين الأفراد، وداخل الجماعة الواحدة في شكل خاص. ويضيق أيضاً حين تلبس الهويات الطائفية لبوس الهوية الوطنية.
كذّب الواقع هذه اللغة المقيتة لكنها لم تتغيّر. بل كانت تتجدّد كلما أوقفت الأجهزة العسكرية والأمنية إرهابياً أو قتلته. كأن أصحابها يحسبون أن هذا الاستثناء يؤيد الاعتقاد بأن خيم اللاجئين أو أماكن تجمعاتهم هي خطر أمني بذاته، ما يسمح بالاستغناء عن التمييز القاطع بين الإرهابيين والمدنيين، وهو قاعدة قانونية وواجب أخلاقي.
وفي ما يتعدى المناقشة التفصيلية لكل مسألة، بلغ التوجس من الآخر السوري المختلف، والمقيم موقتاً في لبنان، مبلغاً خطيراً. والتوجس، وهو في قلب سياسات الهوية، لم يُخلق من عدم. هو صنو الطائفية مهما تبدلت ملامحها منذ أن كانت «بغيضة» يخجل سياسيوها بها. وهو يتغذّى من فكرة الاستثناء، بل التفوق، اللبناني. والتوجس كما يعبّر عنه ينذر بالتعاظم. وكما أن الحرب أولها كلام فإن التوجس المتورّم أول الكراهية، والكراهية أول العنف. قد لا يقينا منه تأكيد الحرص على لبنان ومصالحه العليا وترداد الخطابة القديمة عن الأشقاء والجيران، ولا عقلنة المخاوف من انحياز طائفي إلى اللاجئين السوريين في وجه انحياز طائفي آخر ضدهم.
يبقى لنا أن نتعامل معهم بوصفهم بشراً مثلنا، فلا تكون الفروقات الصغيرة بيننا عيباً من عيوبهم. قضية حقوق اللاجئين السوريين الإنسانية، عندنا وعند سوانا، قضية أخلاقية في المقام الأول.
-----------------------
وبفعل هذه السياسات، صارت الأعباء التي يتحملها اللبنانيون المحرك الأول والأقوى للمواقف حيال السوريين. بطبيعة الحال، لم تكن تلك الأعباء قليلة. غير أنه تمّ تضخيمها على حساب حقائق بسيطة ومعروفة عن حياة اللاجئين إلى لبنان. راجت المبالغات عن أعدادهم وحجم منافستهم اللبنانيين في سوق العمل اللبنانية. وبخلاف ما تؤيده الأرقام عن المساعدات الدولية وإنفاق السوريين، عُزي إليهم تراجع النمو الاقتصادي. وشهدنا إجراءات تعسفية بحقوقهم في الإقامة والانتقال. وبلغ الخلط والإيحاء حدوداً غير مسبوقة، على غرار الإيهام بوجود علاقة سببية بين تناقص اللبنانيين وتزايد السوريين. وعلى رغم أن سبعين في المئة من اللاجئين يعيشون تحت خط الفقر، صُوّروا كأنهم يرغبون في البقاء في لبنان تبعاً لارتفاع مزعوم لمستوى معيشتهم فيه. ومنذ بدء تهجير السوريين إلى لبنان، اعتمد البعض لغة حربية في الحديث عنهم، فهم «قنبلة موقوتة» تارة و «لغم» طوراً. كذّب الواقع هذه اللغة المقيتة لكنها لم تتغيّر. بل كانت تتجدّد كلما أوقفت الأجهزة العسكرية والأمنية إرهابياً أو قتلته. كأن أصحابها يحسبون أن هذا الاستثناء يؤيد الاعتقاد بأن خيم اللاجئين أو أماكن تجمعاتهم هي خطر أمني بذاته، ما يسمح بالاستغناء عن التمييز القاطع بين الإرهابيين والمدنيين، وهو قاعدة قانونية وواجب أخلاقي.
وفي ما يتعدى المناقشة التفصيلية لكل مسألة، بلغ التوجس من الآخر السوري المختلف، والمقيم موقتاً في لبنان، مبلغاً خطيراً. والتوجس، وهو في قلب سياسات الهوية، لم يُخلق من عدم. هو صنو الطائفية مهما تبدلت ملامحها منذ أن كانت «بغيضة» يخجل سياسيوها بها. وهو يتغذّى من فكرة الاستثناء، بل التفوق، اللبناني. والتوجس كما يعبّر عنه ينذر بالتعاظم. وكما أن الحرب أولها كلام فإن التوجس المتورّم أول الكراهية، والكراهية أول العنف. قد لا يقينا منه تأكيد الحرص على لبنان ومصالحه العليا وترداد الخطابة القديمة عن الأشقاء والجيران، ولا عقلنة المخاوف من انحياز طائفي إلى اللاجئين السوريين في وجه انحياز طائفي آخر ضدهم.
يبقى لنا أن نتعامل معهم بوصفهم بشراً مثلنا، فلا تكون الفروقات الصغيرة بيننا عيباً من عيوبهم. قضية حقوق اللاجئين السوريين الإنسانية، عندنا وعند سوانا، قضية أخلاقية في المقام الأول.
-----------------------
- الحياة اللندنية